مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لماذا لم تنجح الأقليات الشعبوية في النيل من الديمقراطية السويسرية

عزل المتظاهرين أمام القصر الفدرالي
عدد قليل من المتظاهرين احتجوا في 28 نوفمبر الماضي أمام القصر الفدرالي المغلق ضد نتيجة التصويت وإجراءات الحكومة الفدرالية ضد كوفيد-19. Keystone / Anthony Anex

قانون كوفيد وما يشتمل عليه من شهادة التطعيم: مع الاقتراع رقم 650 حاولت "الترامبية" إيجاد موطئ قدم لها في الديمقراطية السويسرية. فماذا يعني هذا؟ فيما يلي تحليلنا للوضع.

بلغت نسبة المؤيدين لقانون كوفيد في اقتراع يوم 28 نوفمبر الماضي 62%، أما نسبة المشاركة في الاقتراع فقد وصلت إلى 65%: في الواقع، لم تكن الكنفدرالية والبرلمان يأملان في الحصول على برهان للثقة أكبر من هذا، خاصةً في خضم اضطرابات الموجة الخامسة من الجائحة. فضلاً عن ذلك، فقد أثبت الناخبون السويسريون أنهم يفضلون حل مشكلاتهم الواقعية من خلال صندوق الاقتراع، بدلاً من التصارع حولها.

ويمكن التأكيد على أن هذا التوافق النادر الحدوث بين الأحزاب السياسية والمؤسسات والكانتونات وكذلك الأقاليم لهو الرسالة الأوضح التي يبعث بها هذا الاقتراع الالذي سوف يبقى في الذاكرة. فصراعات الاقتراع المحمومة تعتبر شيئاً معتادا في سويسرا. إلا أن هناك بعض التغيرات الطارئة التي عملت فئات قليلة من مناهضي إجراءات مكافحة الجائحة المتطرفين على اظهارها، والتي لم تعهدها سويسرا من قبل، ومن بينها:

التنديد بسويسرا ونعتها بالديكتاتورية. والتهديد العلني بالاعتداء على وزير الصحة آلان بيرسيه. وأعمال خاصة، تتعلق بأحكام قضائية لاحقة ينتظر أن تصدر بحق بعض الساسة ومؤيدي اللقاح:، ومحاولة قام بها عدد من مناهضي الإجراءات الوقائية لاقتحام البرلمان الفدرالي.

وايضا استباق اقتراع الثامن والعشرين من نوفمبر، بالادّعاء أنه سيكون مزوراً. وما ارتبط بهذا من الإعلان عن رفع دعاوى قضائية ضد نتيجة الاقتراع، وعدم الاعتراف باختيار الشعب، أي بنتيجة الاقتراع. ثم إغلاق الشرطة للبرلمان يوم الاقتراع ـ تخوفاً من وقوع اعتداء من قِبل مناهضي الإجراءات الذين منوا بخسارة في صناديق الاقتراع.

جدير بالذكر أن هذه هي المرة الأولى، التي تُقدم فيها إحدى الجماعات على التخلي عن “القواعد العامة” للديمقراطية السويسرية، وهذا بما تبنته من  “سلوكات ترامبية” مستوردة من الولايات المتحدة الأمريكية ـ صحيح أن هذه الجماعة محدودة للغاية، إلا أنها تمثل القلب المتطرف لمناهضي الإجراءات ومنكري كورونا. فهم لا يعترفون لا بالمؤسسات ولا بآليات الديمقراطية السويسرية.

لا لـ “تغول الأغلبية”

في هذا السياق، يجب التأكيد على أن ديمقراطية الاقتراع السويسرية تفترض الإقرار والقبول بالفوز، وكذلك الخسارة. حيث لا يحق للفائزين تخطي الحدود في نشوة فرحتهم والطغيان على الخاسرين بتكبر: فالأقليات وليس فقط الخاسرين، لا يجب أن تنسحق بسبب “تغول الأغلبية”. بل يجب على الجانب الفائز مراعاة تحفظات الخاسرين وآرائهم في إطار الحل السياسي.

ويبدو أن هذا الأمر متحقق بالفعل: ففيما يتعلق بالإجراءات التي اقترحتها الحكومة الفدرالية مؤخراً، وبرغم النقد اللاذع الذي وجهته إليها جماعات المصالح وبعض الكانتونات، إلا أنها تعتبر أقل صرامة بكثير من مثيلاتها في الدول المجاورة.

على الجانب الآخر، فلا ينبغي على الخاسرين التصرف بأن الاقتراع يتعلق بالقبول التام أو الرفض البات: أي الاختيار بين الحياة والموت. فمع ما يحظى به الشعب من حقه في طرح مبادرات والطعن فيها من خلال مبادرات مضادة، فإن بين يدي الخاسرين آليات قوية للغاية، يندر وجودها في بلد آخر من هذا العالم. لذلك فإنهم يستطيعون بعد التقاط أنفاسهم خوض الاقتراع مرة ثانية، بل وثالثة، مما قد يجعلهم يضعون رغباتهم مجدداً على الأجندة السياسية للبلاد.

علاوة على ما سبق، توجد سبل قانونية، لمجابهة ما يدَّعونه من وجود عبارات تحمل أكثر من معنى في أوراق الاقتراع ومن “إجراءات غير دستورية”. وإلى أن تصدر إحدى المحاكم قرارا آخر، فإن قرارات الشعب يجب أن تحترم. ويجدر بنا الإشارة في هذا الصدد إلى أن التوفيق لم يحالف منتقدي الإجراءات في شكاواهم التي تقدموا بها للكانتونات حتى الآن.

 سويسرا تظل صامدة

ختاماً، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل استطاعت سويسرا باقتراعها رقم 650 تجاوز الاضطرابات “الترامبية” غير المتعقلة، وهل يمكنها الآن مواصلة الكفاح ضد الجائحة من خلال حكومة فدرالية وبرلمان أكثر قوة وتأييداً؟ إن هذا ما سيسفر عنه المستقبل. فاليوم قد تتغير الأمور بسرعة جنونية.

أما المؤكد فهو: إن الديمقراطية السويسرية لا تزال صامدة بعد ما يقرب من عامين على الجائحة ـ وهذا على الأخص في وقت الأزمات. لذلك فإنها لن تفقد رشدها بهذه السرعة.

المزيد

أيّ دور للبرلمان في الديمقراطية المباشرة السويسرية؟

ملاحظة أولية من المهم أوّلا الإشارة إلى النقطة التالية: النظام السياسي السويسري ليس نظام ديمقراطية مباشرة “خالصة” تجد فيها الحقوق الشعبية – الاستفتاء والمبادرة الشعبية – جذورها في غابر الأزمان. في سويسرا الحديثة، أي منذ نشأة الفدرالية التي تأسست في عام 1848، ترافقت الديمقراطية التمثيلية بديمقراطية مباشرة، ثم تطوّرت أكثر فأكثر على مرّ السنين. ولا…

طالع المزيدأيّ دور للبرلمان في الديمقراطية المباشرة السويسرية؟

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية