مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ماذا بعد “نهاية الحرب” التي “لا نهاية لها” في أفغانستان؟

دانيال فارنر، كاتب ومحلل سياسي

يذكّرنا التقدّم السريع والنجاحات العسكرية غير المتوقعة لحركة طالبان في أفغانستان بسقوط سايغون عام 1975، ويمثّل ذلك هزيمة ساحقة للسياسة الخارجية الأمريكية. وفي سعيه للاستجابة للأزمة الأفغانية الإنسانية الوشيكة وأزمة حقوق الإنسان، يقف المجتمع الدولي في جنيف أمام العديد من الأسئلة التي ما زالت تفتقر إلى الإجابات.

يمثل الانسحاب السريع للقوات الأمريكية والمواطنين الأمريكيين من أفغانستان نهاية أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة. فخلال 20 عاماً، كان رؤساء الولايات المتحدة، من الجمهوريين والديمقراطيين، بمساعدة الناتو والحلفاء، معنيين بأوضاع أفغانستان ضماناً لوجودهم المستمر هناك. وعلى مدى هذه الأعوام، تطورت مهمة القوات الأميركية من أعمال الثأر من جهة وبسط الأمن من جهة أخرى إلى شكل من أشكال بناء الدولة غير المعلن. وُقتل آلاف الجنود أثناء هذا الصراع وأنفقت مبالغ تقدّر بأكثر من 83 مليار دولار على مواد للجيش الأفغاني كما أُهدِر أكثر من تريليون دولار. (كان لدى الجيش الأفغاني أكثر من 300000 جندي تم تجهيزهم وتدريبهم من قبل الولايات المتحدة مقابل ما يقرب من 75000 مقاتل لدى طالبان).

لكن الحكومة الأفغانية لم تستحوذ قط على “قلوب وعقول” الشعب الأفغاني. ويتجلّى ذلك بشكل صارخ في التقدّم العسكري السريع لطالبان في جميع أنحاء الأرياف والمدن. ولم يقدّر الجيش الأمريكي ومجتمعات السياسة الخارجية تداعيات مستوى الفساد وعدم الكفاءة في الحكومة حق قدرها. وفي حين أن انسحاب القوات الأجنبية كان حتمياً ومعلناً، فإن عزوف الجيش الأفغاني وعدم قدرته على الدفاع عن الدولة كان بمثابة ضربة قاصمة لكيان الدولة. لقد توقع معظم المراقبين للأوضاع اندلاع حرب أهلية قد تستمر لمدة عام أو 18 شهراً بين الجيش الأفغاني وطالبان، لكن الجيش تدحرج وتقهقر في غضون عشرة أيام.

وفي تغيير لسياسة الإدارة الأميركية السابقة، والذي لاقى إلى حد كبير، ترحيباً من قِبَل الحكومات الغربية والمنظمات الدولية في جنيف، صرح الرئيس بايدن أن “أمريكا عادت” بسياسة خارجية دولية ومتعددة الأطراف بدلاً من اعتمادها سياسة “أمريكا أولاً” التي كان قد تبنّاها نظيره السابق دونالد ترامب. فهل سيؤدي سقوط أفغانستان في أيدي طالبان إلى تغيير هذه النوايا الحسنة الجديدة للولايات المتحدة؟ وكيف ستؤثر هذه الأحداث على هيبة أمريكا في العالم؟ شخصياً، أتوقّع الشعور بعدم الارتياح في صفوف حلفاء مثل تايوان الذين لابد وأن يتساءلوا عن فعالية وعود الولايات المتحدة بالدفاع عنهم.

المزيد

تجاهل اتفاق السلام

من جهة أخرى، تبقى إمكانات الدبلوماسية والمساعدات الإنسانية لتدارك هذا الوضع أيضاً مثاراً للجدل؛ فلم يكن لاتفاقية السلام الموقعة في الدوحة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في عام 2020 أي تأثير، مثلها مثل المفاوضات اللاحقة بين الحكومة الأفغانية وطالبان والتي تمت في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

ويقول نادر نادري كبير مفاوضي الحكومة الأفغانية لصحيفة وول ستريت جورنال في يوليو الماضي عن مشاركة طالبان: “المماطلة التي نراها من الجانب الآخر في تقدم المحادثات لا تتوافق مع شعورنا بالحاجة الملحّة للوصول إلى تسوية”. ويضيف قائلاً إن “العنف يجب أن ينتهي، والحرب يجب أن تنتهي، وعلينا أن نتوصل إلى تسوية سياسية”. حتى اليوم، لم تبصر هذه التسوية النور.

يكتظّ مطار كابول اليوم بمن يريدون مغادرة أفغانستان. ولا يتوجّب على إدارة الولايات المتحدة فقط العمل على إجلاء رعاياها؛ بل هي مسؤولة أخلاقياً عن مساعدة أولئك المعرضين للتهديد والذين عملوا معها ولأجلها طوال العقدين الماضيين؛ فلن يتمكن كل من يريد المغادرة من القيام بذلك بنفسه. لقد فرّ الرئيس الأفغاني، تاركاً وراءه حكومة شرعية معترف بها دولياً.

ورغم أن بعض قادة طالبان أعربوا عن نيتهم عدم اللجوء إلى سياسة الانتقام من أولئك الذين قاموا بمساعدة الحكومة أو الحلفاء، واستعدادهم للسماح للفتيات بمواصلة الدراسة، فإن حقيقة عدم الالتزام بالوعود التي قُطعت في الدوحة لا تبشر بالخير في ما يتعلّق بمستقبل حقوق الإنسان في أفغانستان؛ خاصة وأن سياسات طالبان في المناطق التي تسيطر عليها تتعارض بشكل واضح ومباشر مع معايير حقوق الإنسان المقبولة دولياً.

المزيد

لا توجد إجابات سهلة

يواجه أولئك الذين يحاولون الاستجابة للأزمة الإنسانية المتفاقمة أسئلة كثيرة تفتقر إلى الإجابات. لا توجد وسيلة لطمأنة مجتمع جنيف الدولي إلى أن طالبان ستتعاون في هذا الإطار، لا سيّما وأنه لم يسجّل لهذه الحركة القيام بذلك سابقاً. هل ستفتح تركيا ودول أخرى حدودها أمام الفارين؟ إلى أي مدى ستنجح الاستجابة المنظمة للنزوح الجماعي في ظل عدم إظهار طالبان في الماضي لأي احترام يُذكر للمعايير الإنسانية والقواعد المتّبعة بشأن اللاجئين؟

من جهة أخرى، لا يمكن لوكالات المعونة العمل داخل البلدان إلا بعد حصولها على موافقة السلطات الحاكمة. فهل ستتقبل طالبان التدخل الأجنبي، حتى ولو كان تدخلاً إنسانياً، ولا سيّما أن من يقدم هذه المعونات هم أولئك المعادون تقليدياً لإنشاء خلافة أصولية؟ وحتى وكالات المساعدة التي تعمل خارج الحكومات ستتعرض هي الأخرى لضغوط شديدة لإقناع حركة طالبان الراديكالية بأن من مصلحة الجميع التعاون في هذا الإطار.

الدروس المستفادة؟

من السهل إجراء مقارنات بين سقوط سايغون عام 1975 وسقوط كابول. لقد درات رحى حرب فيتنام من أجل وقف انتشار الشيوعية، وخسرت الولايات المتحدة الحرب على الرغم من تفوقها العسكري الساحق. واليوم، فيتنام بلد مسالم ومزدهر.

أما في أفغانستان، فقد كان التدخل في الأصل يهدف إلى احتواء الإرهاب. وقد فشل هذا التدخل أيضاً في تحقيق هدفه؛ فالقاعدة والمنظمات مثل داعش ما تزال موجودة هناك. مرة أخرى، وفي سياق مختلف، فشل التفوق العسكري الساحق في تحقيق ما يصبو إليه. لكن لا يمكن للمرء أن يتوقع أن تصبح أفغانستان دولة مسالمة ومزدهرة مثل فيتنام؛ فمن المحتمل أن تبقى دولة عشائرية يحكمها أمراء الحرب المحليون الذين تمكنوا من هزيمة ثلاث إمبراطوريات، البريطانية والسوفييتية واليوم الأمريكية.

ما هي الدروس التي يمكن تعلمها من انهيار الحكومة الأفغانية بعد 20 عاماً من الدعم الغربي؟ الأمر الذي أصبح جلياً هو أن القوة العسكرية لا تضمن النصر في حرب غير متكافئة؛ فلقد تمكنت طالبان، على غرار الفيتكونغ، من تحقيق النصر على الرغم من النقص الكبير في العتاد العسكري. إن “قلوب وعقول” الناس لم تتماشَ مع القوة العسكرية الأمريكية.

 ومرة أخرى، وكما حدث في فيتنام، لم تتمكن تقارير المخابرات العسكرية من توصيف الوضع الفعلي ميدانياً.

فهل ستؤخذ الدروس والعبَر من هذه الأحداث؟ أشك في ذلك؛ فالغطرسة الأمريكية وراء هذا التدخل الذي دام 20 عاماً كانت في الأصل ردّ فعل عاطفياً على أحداث 11 سبتمبر، حيث أرسل الرئيس جورج دبليو بوش قوات أمريكية إلى أفغانستان رداً على الهجمات التي طالت عمق الولايات المتحدة. وكانت المهمة تتمثّل بمعاقبة المسؤولين وضمان عدم إيواء أفغانستان لإرهابيين دوليين.

وبمرور الوقت، تطوّر الأمر ليتخطى هذه الأهداف. وكما كان الحال في حقول الأرزّ في فيتنام، أصبحت الولايات المتحدة غارقة في تضاريس غير مألوفة بالنسبة لقوّتها العسكرية معتقدة أنها ستحسن التعامل معها. يبقى أن نرى ما إذا كان سقوط كابول سيغير من مسار تلك الغطرسة. حتى الآن لا يوجد دليل يدعم هذا الاحتمال.

إن الأمة “الاستثنائية التي لا غنى عنها” غارقة في الصورة التي رسمتها لنفسها، وسيتعين على المنظمات الدولية في جنيف، من بين العديد من الجهات الأخرى، أن تهرع لبلسمة الجراح ولملمة القطع المحطّمة.

حملة لجمع التبرعات من أجل أفغانستان

أطلقت مؤسسة “سلسلة السعادة” السويسرية، وهي منظمة خيرية إنسانية، حملة لجمع التبرعات للتخفيف من الآثار المترتبة عن الأزمة الأفغانية.

يمكن تقديم التبرعات مع وضع ملاحظة “أفغانستان” Afghanistan) )، وذلك عبر الإنترنت على المنصة التالية: www.glueckskette.chرابط خارجي

وكذلك عبر الخدمات المصرفية الإلكترونية على الحساب رقم:

IBAN CH82 0900 0000 1001 5000 6

“سلسلة السعادة” هي الذراع الإنساني لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية (SRG)، التي تضم أيضًا SWI-swissinfo.ch. كما أنّها تتعاون أيضا مع مؤسسات إعلامية أخرى وشركات خاصة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية