مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“النقاش السويسري حول أوروبا ضحية أسطورة”

قلعة وسط الصخور والأشجار
قلعة محصنة تعود إلى الحرب العالمية الثانية في مكان ما وسط سويسرا. Keystone / Arno Balzarini

في وقت كان فيه الجميع ينتظر قرار الحكومة الفدرالية حول الطريقة التي تنوي من خلالها مواصلة علاقاتها مع الاتحاد الاوروبي بعد فشل المحادثات حول الإتفاق الإطاري المؤسساتي، أرجع جيلبار كاساسوس، الخبير في الملف الاوروبي بجامعة فريبورغ المصاعب التي واجهتها هذه العلاقات إلى اعتماد سويسرا "سياسة النعامة التي تضع رأسها في التراب" في انتظار مرور الأزمات.

ويرى كاساسوس، الذي يُعتبر من الأصوات الداعمة للتقارب مع أوروبا من دون التخلي عن رؤيته النقدية أن الاتحاد الأوروبي ربما يكون بالفعل قد ارتكب أخطاء، لكن ليس بمقدور سويسرا إيجاد بديل عنه. ولا يُخفي هذا المواطن مزدوج الجنسية (فرنسي – سويسري) انزعاجه من السياسة التي تعتمدها سويسرا تجاه الاتحاد الأوروبي. 

رجل يقف مستندا إلى مرفقه
جيلبار كاساسوس أستاذ الدراسات الأوروبية ومدير مركز الدراسات الأوروبية في جامعة فريبورغ. سويسري وفرنسي، نشأ في برن وليون ودرس العلوم السياسية والتاريخ في ليون وميونيخ. Neue Europäische Bewegung

SWI.swissinfo.ch: ما الذي يُزعجك في النقاش الدائر في سويسرا حول أوروبا؟

جيلبار كاساسوس: النقاش حول أوروبا في سويسرا هو ضحية لأسطورة، وهي عقلية “سياسة النعامة”. ومازلنا نعتقد أننا نعيش في منطقة جبلية معزولة، وبامكاننا حماية أنفسنا بالتخندق داخلها. ولقد ترسخت عقلية الانسحاب هذه في سويسرا منذ الحرب العالمية الثانية، أي منذ ما يقرب من ثمانين عاما، ومنعتنا منذ ذلك الحين من الانفتاح، خاصة تجاه أوروبا.

في الأثناء، تطوّرت أوروبا: في عام 1995، كان الاتحاد الأوروبي يتشكل من 15 عضوا، اليوم يتشكل الاتحاد من 27 بلدا. ويتصرّف السويسريون مثل الركاب الذين يقفون في محطة، ويكتفون بمشاهدة القطار يمرّ من أمامهم، من دون أن يكون بامكانهم ركوبه.

هل تُزعجكم بشكل خاص الدراسات الأوروبية في سويسرا الناطقة بالألمانية؟ وهل هناك فروق بين المناطق اللغوية في البلاد؟

ألاحظ وجود اختلافات بين سويسرا الناطقة بالفرنسية وسويسرا الناطقة بالألمانية. ويحظى الموضوع الأوروبي باهتمام شعبي أكبر في الجهات الناطقة بالفرنسية مقارنة بغيرها. ويلعب القرب من بعض البلدان دورا في ذلك. وينعكس هذا الاختلاف أيضا في نوعية الدراسات الأوروبية في سويسرا. 

أنت تدّعي أنه كلما كان هناك أجانب في بلد عضو في الاتحاد الاوروبي، كلما كان أكثر ثراءً. لماذا لا تعكس هذه العلاقة السببية، فيكون، كلما كان البلد غنيّا، كلما كان هناك أجانب أكثر يريدون الإستقرار فيه؟

كلا المعادلتان صحيح. وهذه حقيقة. أفضل العيش في سويسرا، التي ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي، بدلا من العيش في رومانيا، التي هي عضو في الاتحاد الأوروبي.

من جهة أخرى، يبيّن تاريخ سويسرا، التي كانت منطلقا للهجرة حتى عام 1860، ولم تتحوّل إلى مقصد للمهاجرين إلا في وقت لاحق، أن الأجانب يمثلون استثمارا للبلد الذي يعملون فيه. وفي سويسرا، نحن محظوظون جدا لوجود الكثير من الأجانب. ولولا هؤلاء الأجانب، ما كنا أثرياء.

بحسب رأيك، حرية تنقل الاشخاص تعزّز الازدهار. مع ذلك، تظل حرية تنقل الأشخاص هي بمثابة الشوكة بالنسبة للسكان، ولا يقتصر الأمر على سويسرا بمفردها، أليس حَمَلةُ الأسهم والشركات وصناديق الضرائب هي المستفيدة من ذلك، وليس الأشخاص الذين يتقاضون راتبا؟

سؤالك يمسّ العديد من الأبعاد. أوّلا، لقد عشتُ الحرب الباردة، ولم يكن هناك حرية تنقل للأشخاص. مطالبة المواطنين السابقين في ألمانيا الشرقية بمعارضة حرية تنقل الأشخاص، وهم الذين لم يكن بامكانهم عبور الحدود أو تجاوز الجدار (في برلين) مسألة لا معنى لها… حرية تنقل الاشخاص مُلازمة لمبدأ الحرية.

ثانيا، سؤالك يثير نقطة أنتقدها باستمرار: الافتقار إلى الوعي الاجتماعي داخل الاتحاد الاوروبي. إن أحد أسباب رفض النزعة الأوروبية هو المطالبة المستمرة بتطوّر أوروبا على المستوى الاجتماعي. وكون الاعمال الاجتماعية تنظمها وتموّلها الدول الوطنية دائما وبشكل مفرط أمر لا يتناسب مع حرية تنقل الأشخاص. ورغم أن الأجور السويسرية أكثر سخاءً مقارنة بنظيراتها في البلدان الاوروبية الأخرى، فإن الأداء الاجتماعي في سويسرا لا يرتقي باستمرار إلى مستوى أداء جيرانها، لأن الفوائد الاجتماعية في البلدان الأجنبية عموما وفي البلدان الأوروبية أفضل مما عليه الحال في بلادنا. 

في السنوات الأخيرة، وربما بسبب هيمنة الطابع الأمريكي على السياسة، أوليْنا اهتماما أكبر للسياسة المالية وأغفلنا السياسات الاجتماعية.

هل يحتمل الوضع استمرار المسار الحالي للمفاوضات الثنائية بين سويسرا والاتحاد الأوروبي؟ وبعبارة أخرى: هل تستطيع سويسرا تحمّل تكاليف ذلك؟

لا مستقبل للانعزال أو الانغلاق. لقد أثبت التاريخ ذلك. والبلدان التي حاولت الانعزال تجد نفسها اليوم في طريق مسدود. 

شكلت الاتفاقيات الثنائية مرحلة انتقالية. ومثلت تلك المرحلة نجاحا بالنسبة لسويسرا. واليوم تجد سويسرا صعوبة في التخلي عن هذا النموذج الذي شكّل نجاحا بالنسبة لها.

بالامكان المحافظة على الجوانب الإيجابية للاتفاقيات الثنائية، ولكن يجب أن يتوفّر الاستعداد لقطع خطوات أخرى إلى الامام. والتخلّي من جانب واحد عن مفاوضات الاتفاق الإطاري يُضرّ بسويسرا أكثر من إضراره بالاتحاد الاوروبي.

هل تستطيع سويسرا اشتراء “عضوية مخففة” عبر تخصيص مليارات أخرى لصالح البلدان المنضوية حديثا للاتحاد الأوروبي؟

لقد اُستقْبِلت هذه الفكرة باستياء من طرف الاتحاد الأوروبين فـ “الاعتقاد بأنه بالامكان اشتراء كل شيء، خاصيّة سويسرية”، بحسب ما بلغني من أشخاص يعملون في الاتحاد الاوروبي.

الاتحاد الاوروبي ليس كازينو، بل هو هيكل سياسي.وإذا اعتقدنا أنه بامكاننا أن نشتري تذكرة الدخول إليه عبر مليار التماسك الأوروبي، فهذا يُعدّ خطأ في التقدير. 

(ترجمه من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي) 

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية