مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لا زال انتخاب أعضاء الحكومة قادرا على إثارة المشاعر وإحداث المفاجآت

رجل وامرأة يتصافحان تحت قبة البرلمان
زمنيا، يحتل ألبرت روشتي (إلى اليسار) واليزابيت بوم-شنايدر عضوا الحكومة الفدرالية الجدد المرتبة العشرين بعد المئة والحادية والعشرين بعد المئة في تاريخ وزراء سويسرا الحديثة الممتد على مدى 174 عاماً. © Keystone/Peter Schneider

من المحتمل أن يظل سبب الاهتمام الواسع من طرف الرأي العام بانتخاب عضو جديد في الحكومة السويسرية لغزاً محيّرا للمراقب الخارجي. هذه بعض الانطباعات عن أحداث الأربعاء 7 ديسمبر، من داخل مبنى البرلمان في العاصمة برن، ومن حوله.

كان الجو لا يزال مظلمًا وهادئًا عندما حل ركب أعضاء مجلسيْ النواب والشيوخ من الرجال والنساء صبيحة الأربعاء لحضور أشغال الدورة الشتوية الجارية. في الأثناء، اكتست الهضبة المطلة على العاصمة بغطاء من الضباب السميك، في بداية يوم لا يكاد يختلف عن أي يوم آخر من أيام شهر ديسمبر.

بالقرب من الساحة المقابلة لمبنى البرلمان، يقف عدد غير عادي من المركبات التابعة لهيئة الإذاعة واللتلفزيون السويسرية، ولكن لا وجود للمزيد من أفراد الأمن في الجوار. فما هو سر هذه الجلبة؟

تأتي الإجابة المحتملة بعد ذلك بقليل، في خطاب الوداع الذي ألقاه أولي ماورر، وزير المالية المنتهية ولايته، أمام المشاركين في الجلسة المشتركة لغرفتي البرلمان.

يقول ماورر: “اليوم هو يوم مهم لسويسرا. إنكم ستنتخبون العضوين رقم 120 و121 في الحكومة على مرّ تاريخ بلادنا (الحديث) الممتد على مدى 174 عامًا”.

وهكذا يضع الوزير هذه الأرقام التي تتحرك ببطء في سياق عدد من الأحداث المتسارعة في بقية أنحاء العالم أجمع، ويمتدح النظام السياسي الفريد لسويسرا ويُشيد باستقرارها. بدورها، تستكمل وزيرة النقل سيمونيتا سوماروغا، التي ستغادر أيضا منصبها الحكومي في موفى هذا العام، رسم الصورة.

التوافق والسلطة

تقول سوماروغا إنه من الصعب أن يتخيّل المرء أنه من الممكن تواجد شخصين لهما آراء متباينة في كثير من الأحيان مثلها ومثل ماورر في حكومة واحدة.

في سويسرا، لا تُسيَّرُ الحكومة (أي السلطة التنفيذية) – التي تعتمد أنموذجا توافقيا – من طرف رئيس وزراء أو من جانب حزب معيّن، في حين أن منصب الرئيس شرفي إلى حد كبير ويُتناوب عليه كل عام من طرف الأعضاء السبعة.

أما جورج لوتس، المتخصّص في العلوم السياسية من جامعة لوزان، فيستخدم لغة أكثر رصانة لتلخيص الخطب الوزارية، التي تم التعبير عنها بلمسة عاطفية تساوقا مع المناسبة الاحتفالية.

يقول لوتس: “الحكومة الفدرالية هيئة جماعية، ولا يزال أعضاؤها يتمتعون بسلطة كبيرة. لذلك فإن اختيار وزير جديد فيها له أهمية كبيرة وله تأثير طويل الأمد. لذلك، هناك اهتمام كبير من قبل وسائل الإعلام بهذه الانتخابات”.

على عكس البلدان الأخرى في جميع أنحاء العالم. لا يُوجد في سويسرا شيء اسمه “الحكومة مُجبرة على الاستقالة”، كما أنه من النادر للغاية أن يتم التصويت لإقالة وزير أو وزيرة.

ويضيف لوتس: “نتيجة لذلك، تتمتع الحكومة بدعم شعبي واسع، ويُمكن للناس أيضًا أن يتماهوا بقوة مع الأعضاء الأفراد فيها”.

رجل يرفع يديه إلى فوق أمام حشد من الناس
عضو الحكومة الفدرالية الجديد ألبرت روشتي يلوح بيديه لدى لقاءه بأشخاص تجمعوا لتحيته خارج مبنى البرلمان بعد انتخابه منذ الجولة الأولى من طرف النواب. © Keystone/Jean-Christophe Bott

التعددية اللغوية

ردهة مجلس النواب مزدحمة الآن، فعشرات المراقبين يتجمّعون لمتابعة سير الانتخابات أمام شاشات التلفزيون العديدة، والخبراء والصحافيون من النساء والرجال يعلقون على سيرها أيضا على الهواء مباشرة.

بعد الساعة التاسعة صباحًا بقليل، أي بعد حوالي ساعة من افتتاح جلسة الأربعاء، أعلن رئيس مجلس النواب، مارتن كاندينا، عن نتيجة التصويت الأول، مستخدماً جميع اللغات الوطنية السويسرية الأربع، بدءًا بلغته الأصلية الرومانشية (لا يتحدث بها سوى أقلية صغيرة في البلاد)، قبل أن ينتقل إلى الألمانية والفرنسية والإيطالية.

ألبرت روشتي، عضو الحكومة المنتخب حديثًا عن حزب الشعب السويسري (يمين محافظ)، يرفع ذراعيه مثل ملاكم منتصر، وترتسم على وجهه ابتسامة صبيانية إلى حد ما. حتى الآن، يبدو أن كل شيء يسير وفقًا للتوقعات.

امرأة ترتدي معطفا أزرق اللون وتقف أمام حشد من الناس
السيدة أليزابيت بوم-شنايدر تحيي أنصارها القادمين من كانتون جورا الكائن في المناطق المتحدثة بالفرنسية من سويسرا. © Keystone/Jean-Christophe Bott

جولات عـدّة

ومع ذلك، فإن التصويت على المقعد الشاغر الثاني في الحكومة يعد بصعوبة أكبر. يقول العارفون إن الأمر قد يحتاج إلى عدة جولات تصويت للبرلمان لحسمه بين المرشحة إيفا هيرتسوغ التي تبدو أقرب إلى الفوز، ومنافستها إليزابيت بوم-شنايدر، كلاهما من عضوات مجلس الشيوخ ومن نساء السياسة الحائزات على خبرة واسعة ضمن الحكومات المحلية في الكانتونات، وهما أيضا عضوتان في الحزب الاشتراكي (يسار).

خارج البرلمان، تجمع حوالي مئتان وخمسون شخصاً من أنصار بوم-شنايدر القادمين من شمال غرب سويسرا المتحدث بالفرنسية. إنهم يلوحون باللافتات، بينما تدور وزجاجات النبيذ الأبيض بين المحتفلين، لكن السماء ملبدة بالغيوم ولا توجد علامة تشير إلى احتمال بزوغ شمس قريب.

في السياق، نظمت مجموعة غير حكومية داعمة للديمقراطية فعالية مفتوحة للعموم في برج أعيد تأهيله يقع في الجزء القديم من الحي العتيق لمدينة برن ولا يبعد كثيرا عن مبنى البرلمان. أما المشاركون الذي كانوا متواجدين هناك لمتابعة النتائج، فقد كان معظمهم من الشبان والشابات المهتمين بالسياسة بشكل خاص.

لكن الانتخابات الوزارية ليست مجرد حدث للمهووسين بالسياسة كما تكشف عن ذلك إطلالة داخل مطعم مُجاور، حيث قام أكثر من عشرة أشخاص بسحب الكراسي وإعادة ترتيبها ليتمكنوا من الجلوس أمام شاشة التلفزيون وبدا أنهم يُتابعون العرض أيضًا.

كما يبدو، يؤكد كل هذا ما وصفه البعض بالمُفارقة القائمة في النظام السياسي السويسري، والتي تتلخص في أن “الحكومة ليست منتخبة من قبل الشعب، ولكن الناس مهتمّون للغاية بعملية انتخابها”.

تشويق

في الساعة 9:43 بالضبط، انتهت الجولة الأولى من التصويت الوزاري على المقعد الشاغر الثاني دون نتيجة واضحة تحدد الفائزة من بين المرشحتين السابق ذكرهما، ويحدث نفس الشيء مرة أخرى بعد 19 دقيقة، ولكن خبيرا في العلوم السياسية المتواجد ضمن المجموعة الداعمة للديمقراطية المتابعة للحدث يتكهن واثقا بانتصار هيرتسوغ في إحدى الجولات التالية.

لكن مفاجأة كانت في انتظار الجمهور وعدد غير قليل من أعضاء البرلمان على حد سواء. فاحتراما لمقتضيات البروتوكول، يقوم رئيس الجلسة بسرد المعلومات المتعلقة بأوراق الاقتراع التي تم توزيعها وعدّها، وعدد الأوراق الفارغة والمُلغاة، ورقم الأغلبية المطلقة المطلوبة، وكل ذلك بأربع لغات.

التشويق أصبح لا يطاق! إثر ذلك، يُعلن متحدثا بالرومانشية: “انتُخبت بـ 123 صوتا – ثم توقف برهة قصيرة – إليزابيت بوم- شنايدر”، التي تفوقت على منافستها هيرتسوغ بسبعة أصوات إضافية.

ثم يتبع ذلك لحظة من الصمت اقترنت بمشاعر عدم التصديق والصدمة تلتها صرخات الفرح. أما المُشجعون المحتشدون خارج مبنى البرلمان، فقد ارتفعت أصواتهم بالضحك والغناء في أجواء من البهجة الخالصة.

من الصعب قراءة ملامح العديد من الصحفيين والسياسيين وفرق التصوير التلفزيوني الذين يتواجدون ويتنقلون في معابر البرلمان وردهاته.

يقول البعض إنهم توقعوا حصول هذه النتيجة، في حين لا يزال البعض الآخر مذهولًا بما أسفرت عنه نتيجة التصويت. ولكن ماذا يعني ذلك بالنسبة للحكومة والأحزاب السياسية في سياق الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها العام المقبل؟

باب التكهنات مفتوح على مصراعيه الآن، ويقول المنتقدون إنه لا يوجد شيء تحب وسائل الإعلام القيام به أكثر من محاولة قراءة الكف أو كرة الكريستال.

خلاصة القول، أظهرت أحداث الأربعاء 7 ديسمبر أن انتخابات أعضاء الحكومة لا تزال مثيرة للاندهاش، حتى بالنسبة للصحفيين المُتمرّسين من الرجال والنساء.

ترجمة: ثائر السعدي

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية