مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

اليابان تتعلم من أخطاء سويسرا في التعاطي مع النفايات المشعة

شخصان يرتديان بدلة بيضاء يحملان برميلا أصفر اللون رُسم عليه رمز النشاط الإشعاعي
بغض النظر عن القناعات الشخصية (في الصورة: مظاهرة في برن مناهضة للطاقة الذرية)، تثير مشكلة التخزين الآمن للنفايات المُشعة اهتمام الجميع. Keystone / Steffen Schmidt

يُشكل بناء مستودع آمن ودائم للنفايات عالية الإشعاع تحديا تواجهه البلدان المنتجة للطاقة النووية منذ عقود. أما اليابان، التي تحيي اليوم الذكرى الثامنة لضحايا حادث فوكوشيما المروع، فهي ترقب النهج السويسري باهتمام.

مرت ثماني سنوات على تلك الجمعة الرهيبة من شهر مارس، عندما هز زلزال تسونامي الساحل الشرقي لليابان، كما ضربت إحدى الموجات غير العادية محطة فوكوشيما للطاقة النووية، مما أضر بنظام التبريد الخاص بها، وتسبب في حدوث انصهار نووي في قلب ثلاثة مفاعلات، فيما عُرف بأنه أخطر حادث نووي في التاريخ، بالإضافة إلى حادث تشيرنوبيل.

المزيد

المزيد

بعد كارثة فوكوشيما.. الحياة مستمرّة

تم نشر هذا المحتوى على الحادث النووي الذي عاشته فوكوشيما، وتزامن مع زلزال بمقياس 9 درجات، وتسونامي بحري، أدى إلى سقوط 20 ألف قتيل، ودمّر 600 كلم من المناطق الشاطئية. وفي أوداكا، المنطقة المنكوبة، رمى الزلزال البحري بأطنان من مواد البناء والأنقاض إلى مسافة ثلاثة كيلومترات داخل اليابسة. ويروي المصوّر جون- باتريك دي سيلفسترو كيف أن “الرياح تهبّ، والعواصف تعبث…

طالع المزيدبعد كارثة فوكوشيما.. الحياة مستمرّة

وهكذا، أبرزَ حادث 11 مارس 2011، مرة أخرى، المخاطر المتعلقة بالطاقة الذرية، وفي حين، لا تزال نتائج فوكوشيما على السكان والبيئة قيد التقييم، برزت مشكلة أخرى قديمة استمرت دون حل، وهي أين ستُخَزّن آلاف الأطنان من النفايات المشعة المنتَجة سنوياً حول العالم؟

الإجابة بالنسبة لباسكال جانا كونتزي، رئيسة منتدى الثقة بين أصحاب المصلحةرابط خارجي التابع لوكالة الطاقة النووية والخبيرة في مجال التخلص من النفايات المشعة لدى المكتب الفدرالي للطاقة، بسيطة: تحت الأرض.

وفي حوار مع swissinfo.ch، صرحت قائلة: “حاليا، يتم تخزين النفايات فوق سطح الأرض، وهذا ليس بحل دائم لأننا لا ندري ما الذي سيحدث في القرون القليلة القادمة، ففي القرن الماضي وحده نشبت حربان عالميتان، ولو تمّ تخزين النفايات في طبقات جيولوجية عميقة فإننا سنكون أكثر أمنا”.

المزيد

ثلاثة مواقع لدفن النفايات

في سويسرا، تقع مسؤولية إدارة النفايات المشعة على منتجيها، فمن ناحية، هناك مُشغّلو محطات الطاقة النووية، الذين لديهم مستودع من المستوى المتوسط في فوريلينغِن بكانتون أرغاو، ومن ناحية أخرى، هناك السلطات الفدرالية، التي تتحمل مسؤولية إدارة النفايات الناتجة عن المجال الطبي والصناعات والبحوث، فبموجب القانون: “سويسرا ملزمة، في نهاية المطاف، بتحمل مسؤولية التخلص من نفاياتها المشعة”، وفق ما ذكر المكتب الفدرالي للطاقة.

107 طائرات عملاقة من النفايات المشعة 

سنويا، تنتج محطات الطاقة النووية الخمس في سويسرا حوالي 70 طنًا من النفايات النووية المستنفذة، وبالنظر إلى المدة الزمنية للخدمة وهي 47 عاما (لمحطة موهلينبرغ التي ستُغلق في نهاية عام 2019) و60 عاما (لأربع محطات أخرى) نصل إلى ما مجموعه 4100 طن (9400 متر مكعب) من النفايات عالية الإشعاع.

يُضاف إليها 63 ألف متر مكعب من النفايات المنخفضة والمتوسطة الإشعاع (الناتجة على سبيل المثال من تفكيك المفاعلات) و 20 ألف متر مكعب من النفايات الناتجة من الحقل الطبي والصناعات والبحوث، وسوف يتطلب نقل جميع تلك النفايات 107 طائرات عملاقة من طراز بوينغ 747 (Jumbo Jet) .

(المصدر: ناغرا)

في عام 2008، انطلقت جهود البحث عن مواقع في سويسرا لإقامة مستودعات دائمة للنفايات المشعة فيها، بدأت بإقرار خطة إنشاء مستودعات للنفايات في الطبقات الجيولوجية العميقةرابط خارجي في باطن الأرض، ومؤخرا دخلت المرحلة الثالثة والأخيرةرابط خارجي، وهناك حاليا ثلاثة مواقع محتملة، تقع كلها في شمالي البلاد، حيث يمثّل باطن الأرض في كل من كانتون زيورخ وأرغاو وتُورغاو، بما يحويه من طبقات طينية لزجة وكتيمة على عمق 600 متر، وضعا جيولوجيا مثاليا لتخزين آمن ودائم لهذا الصنف من النفايات.

خريطة سويسرا وفيها المواقع الثلاثة المختارة لتخزين النفايات المشعة
swissinfo.ch

في هذا الإطار، لا بد للموقع الدائم الذي يقع عليه اختيار الجمعية التعاونية الوطنية لتخزين النفايات المشعة التي يُشار إليها اختصارا بـ “ناغرا” “Nagraرابط خارجي” أن يحظى بموافقة الحكومة والبرلمان، ويحتمل أيضا أن يؤول الأمر إلى الشعب لتكون له الكلمة الفصل، حيث أن قرار المجلس التشريعي يقضي بتعديل قانون الطاقة النووية مما يوفر إمكانية لإجراء استفتاء اختياريرابط خارجي.

وعلى وجه التحديد، تعتبر مسألة إشراك الشعب في عملية الإختيار مثار اهتمام في بلد مثل اليابان، الذي لا يزال، على عكس سويسرا، في بداية الطريق.

مسألة تخزين النفايات المشعة في باطن الأرض شأن تتوجّس منه كل الدول، وهنا تكمُن أهمية تبادل المعلومات
باسكال جانا كونتزي، خبيرة سويسرية في مجال التخلص من النفايات المشعة  

قلة الثقة بالسلطة

في أواخر نوفمبر 2018، دُعيت الخبيرة في المكتب الفدرالي للطاقة إلى طوكيو لحضور ورشة عملرابط خارجي حضرها خبراء من ثماني دول، من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وتقول باسكال جانا كونتزي: “ترغب اليابان في الإستفادة من خبرات الدول الأخرى بخصوص المشاركة الشعبية. ثم إن مسألة تخزين النفايات المشعة في باطن الأرض شأن تتوجّس منه كل الدول، وهنا تكمن أهمية تبادل المعلومات”.

وخلافا لسويسرا، التي تعتمد في اختيارها على الاعتبارات الجيولوجية فقط، ارتأت اليابان دعوة البلديات للتعبير عن رأيها، من أجل دراسة أكثر تعمقًا بالإستناد إلى خريطة جغرافيةرابط خارجي تشير إلى أنسب المناطق المحتملَة، على حدّ قول رئيس منتدى الثقة بين أصحاب المصلحة، لكن المشكلة هي أنّ ثقة الناس في الحكومة والمؤسسات العامة تراجعت إلى حد كبير في أعقاب حادث فوكوشيما.

“ولذلك، تريد المنظمة المسؤولة عن إدارة النفايات النووية (نومو)رابط خارجي إثارة الاهتمام الشعبي بطرق أخرى، وخاصة عبر التركيز على توعية الأجيال الشابة، من خلال، على سبيل المثال، مواقع الإنترنت التي تستهدف الأطفال والحافلة المعلوماتيةرابط خارجي المتنقلة، وهي تجربة يُمكن أن تستفيد منها سويسرا والبلدان الأخرى”، كما أوضحت باسكال جانا كونتزي.

حافلة إعلامية
تهدف حافلة “نومو” الإعلامية المتنقلة إلى توعية الفئات الشبابية بمشكلة تخزين النفايات المشعة. www.numo.or.jp

أخطاء فِيلِينْبِرغ

من زاوية أخرى، أرادت باسكال جانا كونتزي، وبشكل خاص، إحاطة الزملاء اليابانيين بالأخطاء لتجنبها، على غرار ما حدث في فِيلِينْبِرغرابط خارجي، حيث شهدت المنطقة الواقعة في وسط سويسرا نزاعا دام عشر سنوات بين الكونفدرالية وكانتون نيدفالدن، والسكان الذين أعربوا مراراً عبر صناديق الإقتراع عن معارضتهم لتخزين النفايات المُشعة في أرضهم.

“كشفت قضية فيلينبرغ بأن حيازة الكانتون لحق النقض (الفيتو) لا يترك مجالا للتحرك، فما من أحد يقبل أن تكون منطقته مستودعا للنفايات المشعة، ولذلك، لم يعد حاليا لأحد حق الإعتراض على تخزين النفايات في الطبقات الجيولوجية العميقة، ما عدا السلطة الفدرالية”، حسبما أفادت الخبيرة في المكتب الفدرالي للطاقة.

الرفض (الرمزي) لسكان الجورا 

يجدر التذكير أن سكان كانتون جورا يعارضون فكرة إنشاء مستودعات للنفايات المشعة في مناطق تابعة لكانتوني سولوتورن وأرغاو المجاورين لهما، وهم الوحيدون الذين صوّتوا بهذا الخصوص، وفي اقتراع جرى في 4 مارس 2018، بموجب قانون كانتوني، رفضوا بنسبة 53,7٪ من الأصوات أن تُدخِل الجمعية التعاونية الوطنية لتخزين النفايات المشعة (ناغرا) موقع “جورا إست Jura Est” ضمن اعتباراتها، وأيضا اعترضوا، بنسبة 73٪ من الأصوات، على الموقع الذي يُطلق عليه “القدم الجنوبية لجورا”، والذي اسقطته “ناغرا” آنيًا من حساباتها، إلا أن موقفهم هذا لن يكون له أثر فعلي، طالما أن القرار النهائي يظل بيد الحكومة الفدرالية.

وثمّة درس آخر، على نفس القدر من الأهمية، تم استيعابه من واقع فيلينبرغ، يتلخص في أن التواصل والكفاءة والإجراء “يقتضي حدا أقصى من الشفافية”، كما تقول باسكال جانا كونتزي، حيث أكدت أنه “لابد من تحديد مراحل الإجراء والأشخاص المسؤولين عنه بوضوح، ومن الأهمية بمكان إشراك كامل المنطقة وليس فقط المجتمعات المعنية مباشرة”.

صحيح أن الخلفية الثقافية في سويسرا تختلف عن تلك الموجودة في اليابان “ولكني أعتقد بأن هناك العديد من نقاط الإلتقاء”، كما صرّحت لـ swissinfo.ch يوتا هيكيشي من الوكالة اليابانية للموارد الطبيعية والطاقة وإنتاج الطاقة الذرية، وأعقبت: “نريد إنشاء منتدى للحوار، واستطلاع الآراء في مختلف المناطق، والإستفادة من التجربة السويسرية. وفي المناطق ذات الصلة بقضية التخلص من النفايات النووية، نقوم بعمل برامج توعية، تشمل جلسات تثقيفية ندعو إليها خبراء، وزيارات للمنشآت النووية، ودورات في المدارس والجامعات”.

مؤتمرات إقليمية

مع أنه لا يحق للسكان المحليين في سويسرا الإعتراض على إنشاء مستودعات للنفايات المشعة، إلا أن “إدماجهم في المشروع أمر مهم”، وفق تأكيد باسكال جانا كونتزي، لذلك شكّل تنظيم المؤتمرات الإقليمية رابط خارجيفي المواقع التي اختارتها “ناغرا” خطوة أولى في هذا الإتجاه.

ومن خلال هذه اللقاءات، يُمكن لمندوبي البلديات وممثلي المنظمات وللمواطنين العاديين التقدّم باستفسارات ومطالب، كالتعرّف بدقة على موقع بناء المستودعات، وعلى الحوافز والجدوى الإقتصادية التي ستجنيها المنطقة، وعلى القضايا المتعلقة بالأمن، كما شرح لـ swissinfo.ch هانز بيتر لينهارت، رئيس المؤتمر الإقليمي لـ “شمال منطقة لاغِيرْن”رابط خارجي، الذي يضم في صفوفه 125 شخصا.

ونوّه هانز بيتر لينهارت إلى أن: “هناك مؤيدون ومعارضون للطاقة النووية، وهناك من لا يؤيد إيداع النفايات في المنطقة، ولكن هذا ليس هو موضوع النقاش، إذ أن الأشخاص المعنيين مباشرة يدركون مدى الحاجة إلى إيجاد حل آمن لمشكلة النفايات المشعة التي ننتجها، وما يعنيهم هو مناقشة عواقب التخزين ومتابعة خطوات العمل”.

ومن المتوقع أن تستمر النقاشات لفترة طويلة، أما بالنسبة للحكومة الفدرالية، فسيكون متعيّنا عليها الشروع في إيداع النفايات الأكثر خطورة في حدود عام 2060.

المزيد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية