تجمّع بدوي يخلو من سكانه في الضفة الغربية المحتلة تحت ضغط المستوطنين
ظلّ أحمد كعابنة متشبثا بالبقاء في الأرض التي عاشت فيها أسرته لأجيال في تجمّع بدوي في وسط الضفة الغربية المحتلة، رغم المضايقات المتواصلة من مستوطنين إسرائيليين التي دفعت أشقّاءه الى المغادرة.
إلا أن بناء بعض المستوطنين كوخا على بعد نحو 100 متر من منزله، وإقدامهم على مضايقة أطفاله، كما يقول، لم يترك أمامه خيارا سوى الفرار هو الآخر.
وكحال عشرات التجمّعات البدوية في الضفة الغربية، أصبحت بيوت الصفيح في التجمّع الذي كان يقطنه كعابنة، وحيث عاش والده وجدّه، خالية من سكانها.
ويقول كعابنة (45 عاما) لوكالة فرانس برس من منزله المؤقت الجديد في التلال الصخرية شمال أريحا، “إنه إحساس صعب للغاية… لأنك تغادر منطقة عشت فيها 45 عاما، ليس يوما أو يومين أو ثلاثة، بل تقريبا طوال حياتك. ومن أجل ماذا؟ بسبب مافيات تأتي لأرضك كي تهجّرك عنها”.
وأضاف “لكن ماذا بوسعك أن تفعل حيال الأمر؟ هم الأقوياء ونحن الضعفاء، ولا نملك أن نفعل شيئا”.
وتزايدت وتيرة العنف في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967 مع بدء الحرب في قطاع غزة بعد هجوم حركة حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 على إسرائيل.
وقالت الأمم المتحدة إن تشرين الأول/أكتوبر 2025 هو الشهر الذي سجّل فيه أعلى منسوب عنف للمستوطنين منذ بدأ توثيق هذه الأحداث عام 2006، إذ وقع 264 هجوما تسببت في سقوط ضحايا أو أضرار بالممتلكات في ذلك الشهر.
ولم تتراجع حدّة العنف رغم الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر في غزة.
– “مرعب” –
ويعيش كعابنة برفقة أربعة من إخوته وعائلاتهم حاليا على بعد نحو 13 كيلومترا شمال شرق منازلهم الأصلية الواقعة في منطقة الحثرورة.
خارج منزله الجديد المصنوع من الصفيح والخشب، يلعب أطفال كرة القدم وملابس معلّقة على حبل.
ويقول كعابنة إنه وأفراد عائلته لا يشعرون بأنهم ينتمون الى المنطقة. “نتواجد في مكان لم نعِش فيه قبلا، والحياة هنا صعبة”.
ويعيش أكثر من 500 ألف إسرائيلي في مستوطنات في الضفة الغربية المحتلة حيث يوجد ثلاثة ملايين فلسطيني.
وتُعدّ جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير قانونية بموجب القانون الدولي، فيما تُعتبر البؤر الاستيطانية غير قانونية أيضا بموجب القانون الإسرائيلي.
إلا أن منظمات غير حكومية إسرائيلية تقول إن السلطات الإسرائيلية لا تتحرك لوقف هجمات المستوطنين أو محاسبتهم أو تفكيك هذه البؤر.
وكان فريق من وكالة فرانس برس التقى كعابنة في تجمّع الحثرورة قبل أسابيع من اضطراره للنزوح.
على الطريق الترابي المؤدي إلى منزله ومنازل أفراد عائلته، يمكن رؤية بيوت متنقلة يعلوها علم إسرائيلي على تلة.
على الجانب الآخر من الطريق، في الوادي، بقايا تجمّع بدوي آخر فرّ سكانه مؤخرا.
وقال كعابنة في ذلك الوقت “الوضع مرعب”، مضيفا أن المستوطنين “يصرخون طوال الليل، ويرمون الحجارة، ويمرون وسط المنازل. لا يسمحون لنا بالنوم ليلا، ولا بالتحرك بحرية نهارا”.
وذكر أن الحياة أصبحت شديدة الصعوبة بسبب المضايقات اليومية وتقلّص أراضي الرعي.
بعد أقل من ثلاثة أسابيع، أصبحت المنازل خالية.
ويقول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) إن 3200 فلسطيني من البدو اضطروا لترك منازلهم منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023.
– “أرض بلا قانون” –
اليوم، لا أحد يتجوّل في ما تبقى من تجمّع كعابنة، باستثناء نشطاء وقطط على قارعة الطريق، دراجات هوائية وأحذية أطفال تركت على عجل.
ويقول ساهر كان-تور (29 عاما)، وهو ناشط إسرائيلي من حراك “نقف معا” الفلسطيني-الإسرائيلي، “نحن هنا لمراقبة الممتلكات… وللحؤول دون نهبها”.
وشوهِدَ مستوطنون يعتلون مركبة رباعية الدفع وجرافة ويقومون بتفكيك كوخهم على تلة واستبداله بأريكة وطاولة. ويتابع كان-تور “هم يستغلّون الفوضى. إنها أرض بلا قانون. هناك سلطات في المنطقة، لكن لا يتم تطبيق أي قانون، أو على الأقل نادرا جدا ما يحدث ذلك”.
وذكر تقرير صادر عن مراقبي المستوطنات الإسرائيلية في كانون الأول/ديسمبر الماضي إن المستوطنين استخدموا مواقع الرعي للسيطرة على 14٪ من الضفة الغربية في السنوات الأخيرة.
وقالت المنظمتان غير الحكوميتين “السلام الآن” و”كرم نابوت” إن المستوطنين يتصرفون “بدعم من الحكومة والجيش الإسرائيلي”.
وبعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية اليمينية هم أنفسهم مستوطنون. ودعا وزراء متطرفون إلى ضم الضفة الغربية مرارا.
ويرى كان-تور أن المستوطنين يستهدفون هذا الجزء من الضفة الغربية في مسعى لتقطيع أوصالها، إذ بدونه ينعدم الأفق لدولة فلسطينية متصلة الأراضي.
لكن كعابنة يقول إن هناك خطر حصول هجمات حتى في موقعه الجديد شرق الأراضي التي غادرها.
ويضيف “حتى هذه المنطقة التي يُفترض أنها آمنة، ليست آمنة حقا. إنهم يلاحقوننا في كل مكان”.
أش/لمى/رض