من التكنولوجيا إلى تغيير السلوك: خارطة طريق سويسرية لمواجهة الاحترار العالمي
تواصل انبعاثات الغازات الدفيئة ودرجات الحرارة حول العالم ارتفاعها. ومع ذلك، هناك حلول للحد من الاحترار العالمي، وفقًا لاستطلاع حول المناخ أجرته سويس إنفو وشارك فيه عدد من الباحثين والباحثات في سويسرا.
بعد مرور عشر سنوات على انضمامها إلى خطة طموحة للحدّ من انبعاثات الغازات الدفيئة، ومن ارتفاع درجات الحرارة، لا تزال الدول الموقِّعة على اتّفاق باريس بعيدة عن تحقيق أهدافها.
المزيد
خبراء المناخ في سويسرا: هدف اتفاق باريس بات بعيد المنال
ويؤكّد أحدث تقريررابط خارجي صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) ذلك. وقد نُشر هذا التقرير في الأيام الماضية. ووفقًا لهذه الدراسة الهادفة إلى تحليل السياسات المناخية الحالية، سيبقى الاحترار العالمي ما بين 2،3 و2،5 درجة مئوية مقارنةً بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، حتى لو نُفّذَت كافة الجهود الجماعية العالمية لخفض الانبعاثات بشكل كامل.
ووفقًا لفريق الباحثين والباحثات في شؤون المناخ في سويسرا، المشارك في استطلاع سويس إنفو بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة للاتفاق التاريخي، من المرتقب حدوث ارتفاعٍ مماثلٍ بحلول عام 2100. ومع ذلك، يؤكد فريق البحث توفّر الحلول، والأدوات اللازمة لمواجهة أزمة المناخ، والاتجاه نحو مجتمع منخفض الانبعاثات، أو تنعدم فيه بالفعل. وفي ما يلي، أبرز هذه الحلول الواعدة:
الثقة في التكنولوجيا والقضاء
رغم التطور المقلق في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وغيرها من الغازات الدفيئة، فإنّ معظم أعضاء المجتمع العلمي المشاركين في الاستطلاع والحركات المواطنية المدافعة عن المناخ، متفائلون.ات بشأن التقدم التكنولوجي، والحوافز الاقتصادية لخفض الكربون.
وتقول مارتين ريبتي، أستاذة علم المناخ التطبيقي في جامعة نوشاتيل والمعهد الفدرالي السويسري للغابات والثلوج والمناظر الطبيعية (WSL) :”يمكننا اليوم الاستغناء كلّياً عن مصادر الطاقة الأحفورية، سواء لتدفئة المباني أو للتنقل.”
ويعتبر خبراء المناخ وخبيراته أنه يمكن للأحكام الصادرة عن المحاكم الوطنية والدولية المساهمة في تسريع عملية التخلي عن مصادر الطاقة الأحفورية على مستوى العالم. ووفقًا لباحثي.ات المناخ، يتجه الأفراد والمنظمات إلى المحاكم لتحدي السياسات المناخية غير الكافية للحكومات أو لمساءلة شركات الوقود الأحفوري عن مسؤوليتها في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وفي يوليو 2025، أعلنت محكمة العدل الدولية، الهيئة القضائية الرئيسية التابعة للأمم المتحدة ، رأيًا استشاريًا يلزم الدول قانونيًا بالتحرك للحدّ من تغيّر المناخ. أما في عام 2024، فقد أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ سويسرا، بسبب عدم تنفيذها لسياسات مناخية كافية.
المزيد
سكان جزيرة إندونيسية يقاضون “هولسيم” السويسرية بسبب المناخ
أهمية الحلول القائمة على الطبيعة والسلوكات الفردية
عند الاستفسار عما له أكبر قدرة على تحقيق أهداف المناخ، يشير معظم الباحثين والباحثات في هذا المجال إلى التغيير السلوكي واسع النطاق، مع التأكيد على ضرورة دعمها بتحولات نظامية على المستوى السياسي والصناعي.
قد يقلل وجود سياسات، وبنى تحتية وتقنيات مناسبة لتعزيز سلوك أكثر احترامًا للمناخ، مثل تناول كميات أقل من اللحوم أو الحد من استخدام وسائل النقل المعتمدة على الوقود الأحفوري، من الانبعاثات بنسبة 40 %- إلى 70% بحلول عام 2050رابط خارجي، وفقًا للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (IPCC).
ويشير الاستطلاع إلى أن الحلول القائمة على الطبيعة، مثل حماية واستعادة النظم البيئية، وبدرجة أقل تقنيات احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه (CCS) يمكنها المساعدة أيضا في معالجة أزمة المناخ.
ولكن قبل اللجوء إلى هذه التقنية الأخيرة، “يجب علينا التخلي عن الوقود الأحفوري والاعتماد على الطاقات المتجددة بشكل كبير” كما يؤكّد يان ياسر حداد، الذي يدرس آثار المناخ على الأنظمة الطاقية في المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ.
في سبتمبر 2025، أجرت سويس إنفو استطلاعًا شمل العديد من الباحثين والباحثات العاملين.ات في مجال تغيّر المناخ في سويسرا. شملت الأسئلة الـ22 الأبحاث المناخية والسياسات البيئية وارتفاع درجات الحرارة العالمية، بعد عشر سنوات من اتفاق باريس التاريخي للمناخ.
تم إرسال الاستطلاع إلى 108 أشخاص يعملون في المؤسسات التالية: المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان، المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ، جامعة نوشاتيل، جامعة زيورخ، جامعة برن، جامعة بازل، جامعة جنيف، جامعة فريبورغ، جامعة لوزان، معهد بول شيرر، المعهد الفدرالي السويسري للغابات والثلوج والمناظر الطبيعية، المختبر الفدرالي للبحوث واختبار المواد، وهيئة الأرصاد الجوية السويسرية.
شارك ثمانون باحثًا وباحثة في الاستطلاع. يمكن الاطلاع على جميع النتائج هنا.
تسريع عملية الانتقال إلى الطاقة المتجددة
يؤكد عديد الأشخاص المشاركين والمشاركات في الاستطلاع أيضا على أهمية تطوير مصادر الطاقة المتجددة. وتقول أندريا فارنهام، التي تجري أبحاثًا حول المناخ في الجنوب العالمي بجامعة زيورخ: “لقد أصبحت طاقتا الشمس والرياح أقلّ تكلفة بكثير وأيسر استخداما خلال السنوات العشر الأخيرة. وهذا تطوّر واعد، لأننا في حاجة إلى تسريع عملية الانتقال نحو الطاقة المتجددة”.
وتعتبر مارتين ريبتي أن ما يعيق الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة ليس المسائل التقنية أو المالية، “بل لوبي النفط”. وقد أظهر تحقيق نشرته صحيفة الغارديانرابط خارجي عام 2024 إعاقة صناعة النفط في أوروبا والولايات المتحدة الدعم الحكومي للطاقات النظيفة لأكثر من نصف قرن.
أمّا بالنسبة إلى الطاقة النووية، فهي الخيار الأنسب لأقلية من الباحثين والباحثات في مجال المناخ. لكن، رغم عدم انتاجها انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فهي تنطوي على مخاطر بيئية وأمنية. ويثق عدد أقل من المشاركين والمشاركات في الاستطلاع في الهندسة الجيولوجية المناخية، الاستراتيجية المثيرة للجدل القائمة على تعديل المناخ عمدًا لخفض درجة حرارة الأرض.
الحلول من أجل خفض نسبة الانبعاثات في سويسرا
يؤكد ينس تيرهار، من جامعة برن، أنّ الحل الوحيد لحل أزمة المناخ يكمن في خفض نسبة الانبعاثات بشكل جذري. ويقول الباحث، الذي أجرى دراسات حول ثاني أكسيد الكربون الذي تمتصّه المحيطات: “إذا لم نقلل الانبعاثات بنسبة 90 %، فلن تتمكن أي تقنية من مساعدتنا”.
وبحسب أغلبية المشاركين.ات في الاستطلاع، القيود المفروضة على الوقود الأحفوري، بما في ذلك الحظر الكامل والضرائب على ثاني أكسيد الكربون، هي الأدوات السياسية الأكثر فعالية لخفض الانبعاثات في سويسرا. وتوضح أندريا فارنهام قائلةً: “الجهود العالمية لخفض الانبعاثات ليست كافية، أو لا يتم احترامها. ويمكن فرض ضرائب على الكربون بسهولة، ما سيحثّ الأفراد والشركات على تحقيق الأهداف المناخية”.
كانت سويسرا من أوائل الدول في العالم التي فرضت ضريبة على ثاني أكسيد الكربون في عام 2008. وتُطبق هذه الضريبة على الوقود الأحفوري (زيت التدفئة والغاز الطبيعي). وقد ساعدت بشكل كبير في خفض انبعاثات المباني – بنسبة 44% بين عامي 1990 و2022. ورغم هذا الانخفاض، لا يزال قطاع المباني – إلى جانب الصناعة والنقل – أحد أكبر مصادر الانبعاثات في سويسرا.
ويشير المشاركون.ات في الاستطلاع إلى أنّ الدعم الحكومي لإعادة تأهيل المنازل من الناحية الطاقية، مبادرة سياسية مهمة للحدّ من آثار الاحترار المناخي في البلاد. وتلي هذه الخطوة الاستثمارات في وسائل النقل العام، واللوائح المالية المشجِّعة على الاستثمارات المستدامة بيئيًا.
وتأمل مارتين ريبتي في الحصول على حوافز أكبر، وقيود أقل لتشجيع التنقل الكهربائي. وتقول: “النظام الحالي يعيق بشكل خفي الانتقال من المركبات الحرارية إلى المركبات الكهربائية”. ومنذ بداية عام 2024، أصبحت الضريبة المفروضة على السيارات المستوردة إلى سويسرا، تُطبّق أيضًا على النماذج الكهربائية.
وفقًا لبعض المشاركين والمشاركات، هناك طرق أخرى للحد من بصمتنا المناخية دون الحاجة إلى انتظار القرارات السياسية، أو التطورات التكنولوجية. يقول فيليب رينارد، أستاذ الهيدرولوجيا في جامعة نوشاتيل، الطريقة الأكثر فعالية لخفض الانبعاثات هي العيش ببساطة أكبر، واستهلاك طاقة أقل بشكل عام. ويضيف: “علينا تعلُّم الاستمتاع بحياة أكثر بساطة”.
تحرير: غابي بولارد
ترجمة: إيفون صعيبي
مراجعة: عبد الحفيظ العبدلّي
التدقيق اللغوي: لمياء الواد
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.