البيوتكنولوجيا السويسرية تجتذب المستثمرين
أسدِل يوم 24 يناير السِّـتار على الدورة السادسة لمنتدى البيوتكنولوجيا، الذي تنظمه سنويا مؤسسة بيوداتا برعاية شركات صناعية ومؤسسات مالية وعلمية، كشركة أتش بي HB، لمعدات الحاسوب، ومجموعة بيوألب وسيرونو ورون آلب.
وفي غياب كامل للمؤسسات العربية الرسمية والعلمية، حضر المنتدى المئات من المشاركين جاؤوا إلى جنيف لتقديم عروض عن المؤسسات التي يمثلونها، صناعية كانت أو مالية أو علمية.
يشكِّـل المنتدى فرصةً للحوار والتواصل بين المعنيين بقطاع البيوتكنولوجيا، من الشركات الصناعية الكبرى والمؤسسات المالية المستثمرة أو التي تبحث عن مجالات للاستثمار.
وتزامن تنظيم المنتدى مع ارتفاع حُـمّى المنافسة الشديدة بسبب صعود القوى الصاعدة، كالهند والصين في مجال صناعة الأدوية التقليدية والمعدات الطبية. حاليا، فرضت على جميع المعنيين في أوروبا التسليم بضرورة التعاون الوثيق، وأجبرت الشركات على إعادة صياغة أولوياتها الاستثمارية، وتكييف سياساتها المالية مع هذه التحوّلات والتطلّع إلى مجالات استثمارية جديدة.
ويشكِّـل المنتدى أيضا فرصة لعقد صفقات تجارية بين المنتجين والمستثمرين أو على الأقل التهيئة لها وتداول الرأي في النجاحات والإخفاقات، والعمل المشترك وربط العلاقات من أجل تذليل المصاعب.
الإعلام في خدمة الصناعة
تناغما مع الحدث، شدّد المتدخلون في النقاشات التي شهدتها التظاهرة على أهمية الإعلام في النهوض بالبيوتكنولوجيا. إذ يرى فرانسيسكو سينيغاغليا، أحد المؤسسين لشركة بيوكسال، أن الإعلام يساهم في التخفيف من حدّة المنافسة، وفي تحفيز أصحاب رؤوس الأموال للإقبال على الاستثمار بقوة وتحسيسهم بدورهم في الإسهام في تخفيف آلام المرضى والمصابين.
لكن جون إيف يونفاي، نائب رئيس قسم البحوث والتطوير بشركة ترانس جين يعتقد أن النجاح في هذا المجال يتوقّـف على التقييم السليم لحاجة السوق وقدرتها الاستيعابية، والتزام الشركة المعنية بتوفير الضمانات اللازمة لتشجيع الاستثمار، ومن ذلك، الإدارة الرشيدة والقُـدرة على التجديد والابتكار واحترام الذوق والتصميم الجذّاب.
الابتكار أساس التطوّر
لا يقل دور العلوم أهمية عن عوامل النجاح الأخرى، إذ أنها تحد من مخاطر الفشل التي قد تنجَـرّ عن الشروع في عمليات إنتاج، لا تستند إلى توصيف صحيح لمعطيات الواقع. وفي هذا الإطار، يقترح ريال بريسنياك، الخبير الدولي في الرياضيات والمعلوماتية والمدير العام لشركة داتا ماينينغ، اعتماد النماذج المحوسبة للإحصاءات الرياضية المستندة إلى رصد ميداني للوضع الصحّي، بدلا عن الطريقة السّريرية المعتمدة تقليديا.
ويتنزّل في نفس السياق أيضا، مشروع فيتال أي تي، ومقرّه في لوزان، والذي يقدّم نموذجا حيا عن أوجه استفادة علوم الحياة من التقنيات الحديثة، خاصة علوم الحاسوب.
فالمشروع عبارة عن شراكة مع المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان ومركز فيتال أي تي، وتخصص هذه المؤسسة جزءً كبيرا من مشروعاتها للمجال الصحي، وتصنّـع العديد من الأجهزة الدقيقة، وتُـساعد الباحثين على تحويل أفكارهم إلى إنجازات.
كما يتعاون مع المستشفى الجامعي بلوزان في تصميم عِـلاجات متطورة لمرض نقص المناعة المكتسب ولأمراض القلب والأوعية الدموية، فضلا عن مشاريع لتحسين تركيبة بعض العقاقير والزيادة في فعاليتها والحدِّ من أضرارها.
عرض نموذجي
تخلّـلت يومي المنتدى عروض تقدّمت بها الشركات الـ 52، التي أعلنت عن رغبتها مُـسبقا في المشاركة، وامتدّ كل عرض 45 دقيقة، انقسمت إلى تقديم لمحة تعريفية بالشركة ومجال اختصاصها، تمّ أبرز اكتشافاتها وآخر ابتكاراتها، ويعرض ممثل الشركة في النهاية، المشروعات المستقبلية وأبرز التحديات التي تواجهها، وربما أنهى عرضه بتوجيه طلب مباشر للحضور من أجل الشراكة أو الاستثمار أو الوكالة أو شراء حقوق براءة الإختراع.
وتابعت سويس انفو عروض 27 شركة سويسرية، كمجموعة دبيو فارما، ومقرها الرئيسي في لوزان، وأوم فارما، ومقرها بضواحي جنيف، وشركة آدّاكس بجنيف أيضا، وأكتيليون وأنارجيل… وتختلف هذه الشركات من حيث الحجم والتغطية الجغرافية ورأس المال، وإن توحّـدت كلها في مجال البيوتكنولوجيا.
ومن بين العروض النموذجية، كان عرض شركة سيتوس، ومقرها في زيورخ، قدّم العرض فولفغان رينّار، مؤسس الشركة ومديرها منذ 1998، هذه الشركة متخصصة في الابتكار والتطوير وتسويق عقاقير المناعة ضد الأمراض المُـزمنة، التي يعاني منها ملايين المرضى في العالم.
وصنّعت هذه الشركة عددا من الأدوية لمعالجة مرضى ضيق التنفّس (الرّبو) (الآزماAsthme، وأنواع خطيرة من مرض الحساسية، بالإضافة إلى لِـقاحات ضد التسمم الغذائي وضد الإدمان على التدخين، وكذلك طوّرت علاجات ضد مرض فُـقدان الذاكرة. وتتحدّد فلسفة هذه الشركة وتوجّـهاتها الاستثمارية، بناءً على خطورة الأمراض ومدى انتشارها، وحرص رينّار على الاستشهاد بتقارير منظمة الصحة العالمية خلال مراحل العرض.
يُـذكر أن هذه الشركة قد تأسست سنة 1995، وحصلت على جائزة الإقتصاد السويسري سنة 1999 وعلى جائزة أفضل مشروع لسنة 2000 وجائزة سويسرا للكفاءة سنة 2006.
معضلة التمويل
المنتدى مجال أيضا للإطلاع على تجارب مختلفة والإستفادة من الدروس، لكن الهاجس الأهم لأي شركة، يظل ضمان تمويل مشروعاتها والفوز بثقة المستثمر، وتتعدد في هذا الإطار الخُـطط والاستراتيجيات بين ملتزم بالطرق المعروفة، كطلب القروض الاستثمارية من مصارف محلية أو دولية واستثمار براءات الاختراع وإبرام الاتفاقات وعقد الصفقات مع شركات أخرى.
ويتوقف النجاح في هذا المسعى، بحسب تيم ديار، المدير المالي لشركة أدّاكس السويسرية، على قدرة الشركة المعنية على إقناع المستثمر بجدوى المشروع وحظوظ نجاحه.
أما أليكس هيكسلي، أحد أعضاء مجلس إدارة شركة سبيدل، فقد حملت بشدة على المصارف الكبرى، واتهمتها بمراكمة الأرباح وفرض الوصاية، ودعت بدل المراهنة على تلك المؤسسات إلى النسج على منوال شركة سبيدال، التي استطاعت بفضل التواصل المباشر مع الخواص، جمع 200 مليون فرنك سويسري.
في مقابل ذلك، يرى موريزيو بيتي بون، مدير مؤسسة “شركاء المشروعات الأوروبية”، أن من مصلحة جميع الأطراف تذليل المصاعب واختصار المسافات.
فمؤسسته التي تقدّم قروضا قد تزيد أو تنقص عن 20 مليون يورو بنسب فائدة مخفضة، تتوجه بنسبة 70% من استثماراتها إلى التكنولوجيا الدقيقة وفي المجال الطبي تحديدا. كذلك يفضّل الحديث عن اتفاقات متبادلة تحصل بمقتضاها المؤسسة المالية عن الحد الأدنى من ضمانات النجاح، بدل الشروط المفروضة. وعندما سألته سويس أنفو عن فحوى تلك الضمانات، أجاب: “إدارة جيدة، وتخطيط محكم، واختيارات مدروسة”.
تجاوز مشكلات التمويل في النهاية مشروط بتوظيف أصحاب الكفاءات، ووضع الاستراتيجيات الكفيلة بتنويع الطرق والأساليب، وعرض المشروعات واختيار المنتجات بشكل يحفّـز أصحاب رؤوس الأموال.
عبد الحفيظ العبدلي – جنيف
مر قطاع صناعات الصيدلانية بمرحلة ركود خلال العقد الماضي، حيث تراجعت أسهمه في الأسواق المالية من 40% و50% إلى 10% فقط.
ومنذ سنوات قليلة، شهد هذا القطاع ازدهارا وإعادة تشكل، كان أبرز مظاهرها، التعاون الوثيق بين الشركات المُـنتجة ورؤوس الأموال والعقول المفكرة.
وفي السنوات الثلاث الأخيرة، شهدت المناطق الغربية من سويسرا ظهور قطب بيوتكنولوجي قوي، يتميّـز بالحداثة والابتكار والتجديد، ويجد الدعم من مؤسسات مالية قوية.
وتعد سويسرا رائدة في التقنيات الطبية والبيولوجيا المحسوبة بمشروعاتها المتعددة، مثل مشروع فيتال إيت بلوزان والمشروع المشترك بين سورينو وأدّاكس ونوفامين بجنيف، والتي تلقى الدعم أيضا من دوائر مالية قوية.
ولتوثيق التعاون المتعدد الأطراف وتيسير التواصل بين الأطراف الفاعلة، عقد منتدى بيوداتا دورته السادسة بحضور مئات المشاركين، قدموا خاصة من أوروبا والولايات المتحدة.
عقدت أول دورة لمنتدى البيوداتا في أبريل 2001.
حضر منتدى 2007، 400 مشارك و52 شركة، 40% منها سويسرية أو مقرها الرئيسي في سويسرا، وكان 50% من الحضور أوروبيا.
يرأس منتدى بيوداتا، الدكتور هيرفاي دي كيرغروهن طبيب، ذو خبرة طويلة في المجال الصحي وسوق الأدوية.
يبلغ عدد الشركات السويسرية العاملة في البيوتكنولوجيا 229 شركة، منها 90 شركة في صناعة المعدات الطبية و133 شركة في تصنيع الأدوية.
تحتل سويسرا المرتبة السادسة أوروبيا، والتاسعة عالميا في البيوتكنولوجيا.
تتركز هذه الصناعة في أربعة مناطق رئيسية في سويسرا وهي: زيورخ وبازل ولوزان وجنيف.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.