
الحريري يعلن استقالة الحكومة اللبنانية بعد نحو أسبوعين من احتجاجات غير مسبوقة

أعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الثلاثاء استقالة حكومته، بعد 13 يوماً من احتجاجات شعبية غير مسبوقة عمّت كافة المناطق اللبنانية للمطالبة برحيل الطبقة السياسية بكاملها.
وتلقى المتظاهرون في الساحات والشوارع خبر استقالة الحريري بالترحيب والهتافات احتفالاً بما حققه حراكهم الشعبي الذي بدأ في 17 تشرين الأول/أكتوبر وتسبب بشلل كامل في البلاد.
وقال الحريري في كلمة مقتضبة في بيروت “سأتوجه إلى قصر بعبدا لتقديم استقالة الحكومة” لرئيس الجمهورية ميشال عون وللشعب اللبناني، “تجاوباً لإرادة الكثير من اللبنانيين الذين نزلوا إلى الساحات للمطالبة بالتغيير”.
وأضاف “وصلت لطريق مسدود وأصبح من الضروري أن نقوم بصدمة كبيرة لمواجهة الأزمة”.
وقبيل إعلان الاستقالة هاجم معارضون للحراك من أنصار حزب الله وحركة أمل الشيعيتين مركزين للمحتجين في ساحتي رياض الصلح والشهداء قرب مقر رئاسة الحكومة واعتدوا بالضرب على من كانوا متواجدين في المكان وأحرقوا خياما ومزّقوا لافتات، وفق مراسل فرانس برس.
وقام المعتدون بتفكيك منصات وتكسير مكبرات الصوت ما دفع بكثير من المعتصمين الى الانسحاب وسط حالة من الذعر.
كما اعتدى أيضا العشرات من مناصري حزب الله وحركة أمل بالعصي والحجارة على متظاهرين كانوا يقطعون جسر الرينغ الرئيسي في وسط العاصمة، ما أدى إلى تدخّل القوى الأمنية.
وقال أحد متظاهري الحراك “كانت هناك أوامر سياسية بتنفيذ الهجوم. لم يكن الأمر عفويا”، في إشارة إلى حزب الله وحركة أمل.
وتكتظّ الشوارع والساحات في بيروت ومناطق عديدة من الشمال إلى الجنوب، بالمتظاهرين الذين قطعوا طرقاً رئيسية في إطار حراك عابر للطوائف تسبب بإغلاق المصارف والمدارس والجامعات، للمطالبة بإسقاط الطبقة السياسية برمّتها.
وأكد الحريري (49 عاماً) أن “المناصب تذهب وتأتي، المهمّ كرامة وسلامة البلد”.
والحكومة الحالية هي الحكومة الثالثة التي ترأسها الحريري منذ وصوله إلى الحكم عام 2009.
ووجّه الحريري نداءً إلى اللبنانيين “في هذه اللحظة التاريخية” طالباً منهم “أن يقدموا مصلحة لبنان وسلامة لبنان وحماية السلم الأهلي ومنع التدهور الاقتصادي على أي شيء آخر”.
وبعد أن أنهى الحريري كلمته، ذكر حساب رئيس الجمهورية على تويتر أن الحريري قدم كتاب استقالته إلى الرئيس عون في القصر الجمهوري وقال إنه “مقتنع بضرورة إحداث صدمة إيجابية وتأليف حكومة قادرة على مواجهة التحديات”، قبل أن يغادر من دون الإدلاء بأي تصريح.
ورأى مدير معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية سامي نادر في حديث لفرانس برس أن الحريري “يفتح الباب أمام الحلّ لأن الاستقالة هي السبيل الوحيد للخروج بشكل لائق من الأزمة الحالية”.
– “التراجع عن حافة الهاوية” –
واعتبرت وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن التي تنتمي إلى تيار المستقبل بزعامة الحريري، في تغريدة مساء الثلاثاء أن استقالة الحريري “كانت ضرورية لمنع الانزلاق نحو الاقتتال الأهلي الذي شهدنا خطره اليوم في وسط بيروت”، في إشارة إلى صدامات وقعت بعد الظهر في وسط بيروت.
وفي إطار ردود الفعل الداخلية، أشاد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي قدّم وزراؤه استقالتهم في أول أيام الحراك، بخطوة الحريري مشيراً إلى أن المهمّ حالياً هو “تشكيل حكومة جديدة من اختصاصيين مشهود لهم بنظافة كفهم (…) اختصاصيون مستقلون تماماً عن القوى السياسية”.
ووصف النائب سامي الجميّل، رئيس حزب الكتائب الوحيد غير الممثل في الحكومة، عبر تويتر قرار الحريري بأنه “قرار تاريخي في ظرف تاريخي”، مشيراً إلى أن “هذه بداية مسار التغيير”. ودعا إلى “تشكيل حكومة اختصاصيين وإجراء انتخابات مبكرة”.
على الصعيد الخارجي، اعتبر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أن إعلان الحريري استقالته “يفاقم الأزمة”. وسأل في بيان “هل سيضع (القادة اللبنانيون) المصلحة العامة أمام مصالحهم الخاصة؟ هذا سؤال يطرحه قرار رئيس الوزراء (سعد) الحريري بالانسحاب”.
كما دعا الأمين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش الثلاثاء الى “الهدوء وضبط النفس” في لبنان. وقال فرحان عزيز حق المتحدث باسم غوتيريش إن الأخير “يدعو كل اللاعبين السياسيين الى البحث عن حل سياسي للحفاظ على استقرار البلاد والتجاوب مع تطلعات الشعب اللبناني”.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية باسل صلّوخ الاستقالة “فرصة للنخبة السياسية الطائفية للتراجع عن حافة الهاوية”.
– “غير كافية” –
ومطلع الأسبوع الماضي، أعلن الحريري ورقة إصلاحات اقتصادية في محاولة لامتصاص غضب الشارع، كما دعا الرئيس اللبناني ميشال عون في كلمة له الى إعادة النظر بالواقع الحكومي. لكنّ المتظاهرين اعتبروا أن ورقة الاصلاحات جاءت متأخرة ولا تلبي طموحاتهم وواصلوا قطع الطرق والمطالبة برحيل كافة مكونات الطبقة السياسية.
وأطلق بعض المتظاهرين الذين استمعوا إلى كلمة الحريري مباشرة من الشوارع، المفرقعات النارية وغنوا النشيد الوطني احتفالاً.
وقال جيل سماحة من ساحة رياض الصلح لوكالة فرانس برس “استقالة الحكومة أمر جيد لكن يجب الانتقال إلى الخطوة التالية وهي تشكيل حكومة مصغرة مؤلفة من مستقلين وشفافين (…) لاتخاذ الاجراءات الانتقالية اللازمة”.
في صيدا، مسقط رأس الحريري، رقص المعتصمون الدبكة في الشوارع في حين كان آخرون يوزعون الحلويات والعصير على المحتجّين، في حدث رمزي في مدينة يتمتع فيها الحريري بحيثية شعبية كبيرة.
وقال عاهد الماضي أحد المتظاهرين في صيدا “نشعر بفرحة كبيرة (…) غير عادية في صيدا” مؤكداً أنها “نابعة من القلب من غضب الناس”.
وأكد “أننا لن نخرج من الشارع هدفنا هو ليس فقط إسقاط الحكومة، إنما تحقيق المطالب التي أنزلتنا إلى الشارع”، وأهمّها المطالب الاقتصادية.
في منطقة جلّ الديب شمال بيروت، تزايد عدد المعتصمين بعد إعلان الاستقالة وراحوا يرقصون الدبكة ويحتفلون على وقع أغان وطنية في أجواء من البهجة. وأكد عدد كبير منهم أنهم باقون حتى الصباح في الساحة.
أما في طرابلس شمالاً، وهي مدينة ذات غالبية سنية يحظى الحريري بشعبية فيها، فاحتفل المعتصمون أيضاً بالاستقالة ووزّعوا الحلوى والعصير متبادلين التهاني.
وقالت تيما سمير (35 عاماً) وهي أم لطفلتين، “استقالة الحريري مطلوبة لكنها غير كافية” مضيفةً أنها “جزء من مطالب الشعب لتغيير المنظومة كلها”.
وتتألف الطبقة الحاكمة في لبنان بمعظمها من زعماء كانوا جزءاً من الحرب الأهلية المدمرة التي شهدتها البلاد (1975-1990)، ولا زال أغلبهم موجوداً في الحكم منذ نحو ثلاثة عقود. ويمثّل هؤلاء عموماً طائفة أو منطقة معينة.