مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

السر المصرفي: بعد هدوء العاصفة، سويسرا تتبنى استرتيجية هجومية

يأمل وزير المالية السويسري هانس-رودولف ميرتس أن تشارك سويسرا مستقبلا بفعالية أكبر في عمل منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية، وأن تزيد من تعاونها مع مجموعة البلدان العشرين Keystone

"سويسرا لا تريد أن تُفرض عليها سياسة الأمر الواقع"، هذا ما شدّدت عليه الحكومة السويسرية التي عقدت يوم الأربعاء 8 أبريل ببرن جلسة استثنائية خصّصتها للتداول حول الإستراتيجية التي ستتبعها مستقبلا في الدفاع عن مصالح الساحة المالية السويسرية، وفي الرد على الضغوط الدولية بهذا الشأن.

هذه الجلسة الحكومية التي خـُصصت لتدارس قرارات القمة الأخيرة لمجموعة العشرين (التي انعقدت يوم 2 أبريل الجاري في لندن) التي وُضعت على إثرها سويسرا على قائمة رمادية للملاذات الآمنة، لم تتخذ قرارات ملفتة للنظر، لكنها شكلت فرصة ردت فيها الحكومة على الانتقادات الداخلية بسبب طريقة إدارتها لمسألة السر المصرفي.

وأمام الصحافة، دافع رئيس الكنفدرالية ووزير المالية هانس-رودولف ميرتس عن سلوك الحكومة، وقال إنها “تصرفت في الوقت الملائم، وبالطريقة المناسبة، مع احتفاظها بالهدوء والتكتم”. وبهذه المناسبة، أضاف الوزير السويسري أن “بلاده حريصة على فعل ما باستطاعتها لكي لا تجد نفسها ضحية سياسية الأمر الواقع مرة أخرى، مما يحد من مجال تحركها”. ووعد بأن الحكومة “لن تقبل بذلك في المستقبل”.

وتسعى سويسرا إلى فهم الآلية التي قادت إلى وجودها على القائمة الرمادية لمجموعة البلدان العشرين، وإلى معرفة الهيئة التابعة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية التي وضعت المعايير التي اعتـُمدت في ضبط هذه القوائم، حتى لا يتكرر الأمر في المستقبل.

كما عبّرت الحكومة عن رغبتها في المشاركة الفعّالة والفورية في ضبط وتدقيق المعايير المعتمدة في وضع قوائم مجموعة العشرين، وذلك لضمان المساواة والمنافسة الشريفة على مستوى الساحات المالية العالمية. وتراهن الحكومة السويسرية على دعم بعض حلفائها في البلوغ إلى مسعاها.

10 مليارات لصندوق النقد الدولي

الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة السويسرية يوم الثلاثاء والمتمثلة في تجميد صرف 200.000 فرنك سويسري كانت مخصصة للأمانة العامة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، لا يمكن فهمها إلاّ في إطار حالة الشدّ والجذب بين سويسرا وهذه المنظمة. وهي حالة لا تبدو مريحة، ولذلك تبقى الحكومة السويسرية مقتنعة بأن أسلوب التعاون مع المجتمع الدولي هو الخيار الأسلم لتجنب العزلة.

أما القرار الذي اتخذته الحكومة خلال جلستها الإستثنائية يوم الأربعاء 8 أبريل بمنح صندوق النقد الدولي اعتمادا ماليا أقصاه 10 مليارات دولارا أمريكيا، بعد موافقة البرلمان طبعا، ما هو إلا دليل آخر على توجهها للانفتاح على المجتمع الدولي. وحذّر وزير المالية السويسري من أن إحجام سويسرا على الإسهام في زيادة موارد هذه المؤسسة المهمة في نفس الوقت بالنسبة لسويسرا وللنظام المالي العالمي أمر غير مجدي.

هذا القرض، في حالة إقراره من البرلمان، سوف يمنحه البنك الوطني السويسري (البنك المركزي) حالما يقدّر صندوق النقد الدولي “أن الاعتمادات المالية المتاحة له غير كافية”.

اتفاقيات الإزدواج الضريبي

من ناحية أخرى، كـرّرت الـحكومة رغبتها في التـَّقدم سريعا في مراجعة اتفاقيات الازدواج الضريبي. وأشار وزير المالية السويسري إلى أن 14 بلدا حتى الآن عبّرت عن رغبتها في معاودة التفاوض حول هذه الاتفاقيات. فالوضع تغيّر جذريا بعد إقدام الحكومة السويسرية أخيرا على إلغاء التمييز التشريعي الذي كان قائما بين التهرب الضريبي والغش الضريبي، بالنسبة لأصحاب الودائع المالية في المصارف السويسرية من المقيمين بالخارج.

وتعتقد الحكومة أنه من المعقول إذن أن تعرض أول اتفاقية مـُعدلة بهذا الشأن في استفتاء عام اختياري. أما الاتفاقيات التي سوف تتابع بعد ذلك، فلن تعرض على استفتاء عام إلا إذا تضمّنت بنودا إضافية مهمة جدا. لكن رد فعل حزب الشعب (يمين متشدد) على هذه النقطة جاء سريعا، حيث يعتبر هذا الأخير أنه من الواجب على الحكومة عرض كل الاتفاقيات التي سيعاد التفاوض حولها في استفتاءات عامة.

من المرجح، على الأقل من الناحية النظرية، أن تكون اليابان هي البلد الأوّل الذي تبرم معه سويسرا اتفاقية جديدة بشأن الإزدواج الضريبي، فالمفاوضات بين البلديْن على وشك الإنتهاء. لكن هانس-رودولف ميرتس لم يستبعد رفض اليابان بشكل أو بآخر رهن الاتفاق معها بنتائج الاستفتاء العام في سويسرا.

الولايات المتحدة في المقدمة

ومثلما أُعلن سابقا، تنطلق المفاوضات بشأن الملف الضريبي مع الولايات المتحدة يوم 28 أبريل الجاري. وتبدو الملفات المطروحة للنقاش معقدة ومتداخلة، خاصة القضايا المتعلقة بالاتهامات الموجهة لاتحاد المصارف السويسرية “يو بي إس” بالولايات المتحدة. وقد كُلّف السفير السويسري بواشنطن أورس سيسفيلر بمتابعة الشؤون القضائية والمالية العالقة بين البلديْن.

أما بشان بلدان الإتحاد الأوروبي، فتنوي سويسرا إعادة التفاوض بشكل منفرد مع كل بلد منها. وستكون بولندا، الأولى في هذا المسار. لكن، من المؤكد أن سويسرا تريد المحافظة على اتفاق الجباية على المدخرات الذي أبرمته سابقا مع الإتحاد الأوروبي، ولا تريد بأي حال أن يتم الربط بين هذا الاتفاق وقضايا مكافحة الغش الضريبي.

الإستراتيجية السويسرية ستظل إذن الدّعوة إلى اعتماد طريقة الضريبة المباشرة على الدخل، تماما كما هو الحال في سويسرا، لكن الحكومة تقول أيضا إنها مستعدة لدراسة أي مقترحات جديدة تهدف إلى تعديل الاتفاقيات القائمة بشرط احترام خطة الطريق المرسومة للتفاوض مع البلدان الأوروبية.

ألمانيا، ليست ضمن الأولويات

رغم الإنتقادات اللاذعة التي دأب بيتر شتاينبروخ، وزير المالية الألماني، على توجيهها للجارة سويسرا، لا يبدو أن هذه الأخيرة تستعجل أمرها، ولم يخف وزير المالية السويسري أن ألمانيا ليست على قائمة أولويات بلاده.

ورغم التأكيدات المتبادلة من الطرفين على أن العلاقة المضطربة بين الجارتيْن ستعود قريبا إلى طبيعتها، فإنه ليس من الخافي أن وزير المالية السويسري هانس-رودولف ميرتس لا يزال يشعر بشيء من الغيض تجاه نظيره الألماني.

سويس انفو – إتيين شتريبل مع الوكالات

من الآن فصاعدا، تشغل سويسرا مقعدا إضافيا بمجلس الاستقرار المالي، وهو هيئة تابعة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، أنشئت أخيرا لتأخذ مكان منتدى الاستقرار المالي. وقد أعلمت الحكومة السويسرية بهذا التطوّر يوم الأربعاء 8 أبريل 2009.

وسيشغل هذا المقعد الإضافي ممثل عن وزارة المالية، وبالتحديد بيتر سيغنثالر، مدير قسم الشؤون المالية بالوزارة المذكورة. اما المقعد الثاني، فيشغله جون-بيير روث، مدير عام البنك الوطني السويسري.

وتتمثل مهمة مجلس الاستقرار المالي في العمل على ضمان إستقرار الأسواق المالية العالمية، ويأتي إنشاؤه استجابة لإرادة مجموعة الدول العشرين. وستقوم هذه الهيئة بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي بالإشراف على الاقتصاد الدولي وعلى الأسواق المالية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية