مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

السياسة الأسـرية محلّ تجاذب بين الأحزاب السويسرية

تؤكد الأحزاب السويسرية أن قلوبها على الأسْـرة، لكن رُؤاها ومقترحاتها العملية مختلفة إلى حد التعارض. RDB

"الأسرة هي دعامة المجتمع، ولابد من دعمها"، شعار تُـعلنه جميع الأحزاب بصوتٍ واحد، لكنها تختلِـف بشأن وسائل الدَّعم. وفي الحملة الجارية للإنتخابات الفدرالية في 23 أكتوبر 2011، تتبنّى أصوات حِـزبية القضية من خلال مبادرات شعبية.

فمن ناحية، لا يوجد حزب واحد من بين الأحزاب الكُـبرى، إلا وتبنَّـى جانبا يتعلَّـق بالأسرة ضِـمن برنامجه السياسي في حملة الإنتخابات التشريعية القادمة، كما أن جميع ألْـوان الطَّـيف السياسي متَّـفقة على مبدإ المساواة في المعاملة بين الأشكال المختلفة للأسرة والمساواة بين الرجل والمرأة، سواء في شأن الأسْـرة أو في العمل، فضلا عن ضرورة تعزيز التدابير الرامية إلى التوفيق بين الحياة العائلية والحياة المِـهنية.

ومن ناحية أخرى، تفترِق هذه الأحزاب حين يتعلّـق الأمر باتِّـخاذ الوسائل واعتماد الأساليب العملية. فاليسار بشقَّـيْـه، الأحمر والأخضر، يطالب بتدخُّـل الدولة لدعم الأسَـر من الطبقة الوُسطى والدُّنيا، عبْـر مخصصات الأبناء وعن طريق تأمين المرافِـق الخاصة برِعايتهم خارج الأسْـرة. في حين يطالب يمين الوسَـط بإعفاءات ضريبية لجميع الأسَـر ويرغَـب في أن تتِـم تسوية حضانة الأطفال، سواء داخل الأسْـرة أم خارجها من قِـبل القطاع الخاص. بينما يطالب الوسط، ممثَّـلا بالحزب الديمقراطي المسيحي، بمزيج من دعْـم الدولة والتخفيضات الضريبية.

ولعلّ هذا الحال يذكِّـر بالإنقسامات العميقة التي شهدتها أروِقة البرلمان الحالي (2007 – 2011) بين تحالفيْـن متقاربيْـن في العدد، مما عقّـد كثيرا في اتخاذ القرارات، خاصة تلك المتعلقة بسياسة الأسْـرة. فبعد إجراءات وجهود برلمانية طويلة ومُـضنِـية، تعثَّـرت العديد من المشاريع، وما أقِـرّ منها إنما جاء بعد سلسلة من المساومات والتنازلات، أدّت إلى هزال الحلول المنشودة وخلَّـفت كثيرا من عدم الرضا.

إعفاءات ضريبية لجميع الأسَـر

وفي الآونة الأخيرة، قرّر الطرفان التوجُّـه إلى الشعب في محاولة منهما للحصول على الرضا. وكان أول مَـن قام بهذه الخطوة هو حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي). ففي شهر يناير 2010، أطلق العِـنان لمبادرة شعبية تحت عنوان “لمصلحة الأسْـرة” وقد قام بإيداعها مؤخرا في المستشارية الفدرالية مصحوبة بالتوقيعات المطلوبة. وهي تطالب بإقرار إعفاءات ضريبية للآباء الذين يقومون بأنفسهم بحضانة أطفالهم، تُعادل قيمتها “على الأقل تلك الممنوحة للآباء الذين يعهدون بحضانة أطفالهم إلى طرف ثالث”.

غير أن هذا الطلب أثار انتقادات من قِـبل شتى الأحزاب. ففي مقابلة مع swissinfo.ch قال آندي تشينبرلين، نائب رئيس الكتلة (أو المجموعة) الإشتراكية في غرفتيْ البرلمان الفدرالي: “في حدّ ذاته، لا مأخذ عليه بالنسبة لمَـن يريد تكوين أسْـرة ذات طابع تقليدي، لكن الواقع مختلف بالنسبة للمجتمع المعاصر، وتماما باتجاه هذا الواقع، يجب أن تكون سياستنا الأسرية”.

أما كورين دوبلر، المتحدثة باسم حزب الخُـضر، فقد وصفت الطلب قائلة: “إنه في غير زمانه! فهي (المبادرة) تعزِّز صورة الأسْـرة التي يكون الرجل فيها يعمل ويتكسّب، في حين تكون المرأة ربة بيت وتقوم برعاية الأطفال، هذه المبادرة من الناحية العملية، تحفِّـز الأمهات على البقاء في البيوت”. ويرد مارتن بالتسير، الأمين العام لحزب الشعب السويسري على المنتقدين قائلا: “ليس هذا بالصحيح! ذلك أن مبادرة حزب الشعب تهدِف إلى إنصاف جميع الأسَـر من خلال القضاء على التمييز الضريبي بين تلك الأسَـر التي تقوم برعاية أطفالها بنفسها”.

وفي المقابل، فإن الليبراليين الراديكاليين، وعلى رغم أنهم من دُعاة التخفيضات الضريبية، إلا أنهم لا يتَّـفقون مع وِجهة نظر حزب الشعب السويسري. وبدوره، قال فيليب ميوتون، الناطق الصحفي باسم الحزب الليبرالي الراديكالي: “في العادة، تُحسب التخفيضات الضريبية في مقابل نفقات، أما إذا لَازم أحد الوالديْـن البيت لرعاية أطفاله، فإن هذا لا ينضوي على نفقة مالية وليس من اختصاص النظام الضريبي أن يُـعوّض النَّـقص في الدخل”.

ولكن وفقا لباتِسير، فإنه يرى القضية من زاوية مختلفة، معتبرا أنها “عبارة عن اعتراف بالجُـهد الذي يبذله الوالدان وهما يتخلَّـيان عن مدخول ثانٍ لأجْـل رعاية أطفالهم، كما أن هذا الجُـهد يساهم في خفض تكاليف إنشاء المرافق العامة الخاصة باستقبال الأطفال خارج محيط الأسرة”.

المساواة بين الزوجين أو المتعاشرين

في السياق نفسه، يُـلاحَظ بأن الديمقراطيين المسيحيين هُـم من بين المؤيِّـدين لفكرة حزب الشعب السويسري، باعتبارها “تعزِّز مكانة الأسرة التقليدية. فمن حيث المبدأ، ليست سيِّـئة”، بحسب ما ذكرته ماريان بيندر، الناطقة الإعلامية باسم الحزب الديمقراطي المسيحي التي أوعزت إلى أن واحدة من المبادرتيْـن اللَّـتين قام حزبها بإطلاقهما في شهر مايو الماضي “تصبّ هي الأخرى في ذات الإتجاه”.

وتحمل هذه المبادرة عنوان “من أجل الزواج والأسْـرة” وتطالب في مضمونها، بأن لا ينطوي النظام الضريبي والتأمينات الاجتماعية على ما يُضعف مكانة الزواج أو “يقلِّـل من شأنه بالمقارنة مع غيره من أنماط الحياة”.

وبناءً على الوضع القائم حاليا، يلحق شريكيْ الحياة من الضرائب، باعتبارهما زوجين أكثر مما لو كانا عشيرين أو عشيقين، ويكمن السبب في أن الضريبة التي تُحسَـب على أساس الدَّخل الإجمالي للمتزوِّجين، تزداد بضمِّ الدخليْـن إلى بعضهما البعض. ومن ناحية أخرى، يقل أيضا ما يتلقّـاه الزوجان من مستحقات التأمينات ضد الشيخوخة والعجز والإعاقة، عمّا لو كانا منفصلين.

والجدير بالذكر، أن مبادرة الحزب الديمقراطي المسيحي تلقى دعما جيِّـدا، باعتبارها كما يقول الأمين العام لحزب الشعب السويسري: “أمرا إيجابيا جدا، والأحزاب الأخرى أيضا تريد إلغاء المعاقبة على الزواج”، على حد رأيه.

كما لاقت المبادرة الترحيب في وسط الاشتراكيين، حيث أكَّـد تشينبَرلين قائلا: “يجب أن تكون لكل أشكال الأسْـرة نفس الحقوق، ويجب أن تكون هناك مساواة في المعاملة، وليس من الطبيعي أن يُعاقَـب الزواج”. وعلى نفس الخُـطى، سار الناطق الصحفي باسم الحزب الليبرالي الراديكالي قائلا: “لا يوجد سبب يجعل الزوجيْـن يتحمَّـلان من الضرائب، أكثر مما يتحمله شخصان منفردان، إنها مسألة مساواة”.

إعفاء بَدَلات الأبناء من الضريبة

من جهة أخرى، اختلفت ردود الأفعال حول مبادرة الحزب الديمقراطي المسيحي “دعم الأسَـر”، الرامية إلى إعفاء بَدَلات الأبناء وبَدَلات الدراسة من الضريبة، وفي الوقت الذي لم يصدُر فيه أي تعليق من قِبل حزب الخُـضر، أعرب النائب الاشتراكي آندي تشينبَرلين عن موافقته عليها قائلا: “يبدو أنها تسير في افتجاه الصحيح وأن الحزب الإشتراكي سيؤيِّـدها”.

ولَفَت مارتن بالتِسير، الأمين العام لحزب الشعب السويسري إلى أن حزبه “يدعم كل أنواع التخفيضات الضريبية، ولذلك يؤيِّـد هذه المبادرة التي تسير في الإتجاه الصحيح”، على حد قوله.

ويقف الحزب الليبرالي الراديكالي على النقيض من المبادرة، معتبرا إياها بمثابة إعلان حرب. ويشرح فيليب ميوتون وجهة نظر حزبه قائلا: “جميع المستفيدين من التأمينات الاجتماعية ومن العُطل عن العمل، يدفعون ضرائب على التعويضات التي يحصلون عليها، لذا، يبدو من المنطِـقي أن تكون لأولئك الذين يحصلون على تعويضات الأبناء، مساهمة ضريبية أسْـوَة بغيرهم”.

وفي خِـضمِّ هذا الجدل، يبدو واضحا بأن المناقشات لا تزال في مراحلها الأولى، ومع ترقُّـب الإنتخابات التشريعية التي ستُـجرى يوم 23 أكتوبر 2011، لا يزال الكثير مما يخصّ السياسة الأسَـرية يُطبَـخ على نار هادئة، ولا مفر من انتظار ما قد تجود به موائد الدورة البرلمانية الجديدة (2011 – 2015).

تدخل معظم قضايا السياسة الأسرية في سويسرا ضمن اختصاصات الكانتونات وبعضها يعود إلى البلديات، ولا تتدخل الحكومة الفدرالية فيها، إلا بشكل عام وفي إطار الدعم والتشجيع، وبالتالي، يتم تنظيم مختلف جوانب السياسة الأسرية بطُـرق مختلفة ومتنوِّعة. وفي العقود الأخيرة، شهد المجتمع تحوّلات جِـذرية أدّت إلى تفاقم حدّة هذا الإختلاف.

وفي إشارة إلى الوضع الحالي في سويسرا، تطرّقت لجنة التنسيق الفدرالية للشؤون الأسرية إلى وجود “نظام غيْـر عادل ومعيب بخصوص تعويض الأعباء الخدماتية والتعويضات الأسرية” ودعت إلى ضرورة توفّر “حلول واضحة وناجعة على المستوى الفدرالي”.

في العقد الأخير، أصبحت السياسة الأسَـرية بحق، إحدى أكبر القضايا التي تثير الجدل السياسي على المستوى الفدرالي، إلا أن جهود الحكومة الفدرالية كثيرا ما تقف عاجزة بسبب الإنقسامات الحزبية الحادّة حول هذه المسألة، وبسبب الدور الهامشي للحكومة الفدرالية.

في المادة 116 من الدستور الفدرالي، الخاصة بالتعويضات الأسَـرية وتأمين الأمومة، نصّ البند الأول على دور الحكومة الفدرالية، فذكر أنه “من خلال قيامها بمهامها، تأخذ الحكومة الفدرالية بعيْـن الاعتبار الأسرة، كما يمكنها أن تقوم بدعم التدابير الرامية إلى حماية الأسرة”.

وبناء على مذكرة بهذا الخصوص، صاغت لجنة الضمان الاجتماعي في مجلس النواب، مسودّة تعديل دستوري تنص على أن تقوم الحكومة الفدرالية والكانتونات باتخاذ التدابير والحوافز التي تتيح فرص التوفيق بين الحياة العائلية والحياة المهنية، وينبغي بشكل خاص، ضمان توفير ما يكفي من البنية التحتية خارج محيط الأسْـرة والمدرسة.

ولا يزال مشروع التعديل قيد الإنتظار لدى اللجنة، ومن المتوقع أن يتم عرض المقترح في صورته النهائية على مجلس النواب في الدورة الشتوية.

بيد أن المشروع يدعمه اليسار بشقَّـيه، الأحمر والأخضر، ويدعمه يمين الوسَـط ممثلا بالحزب الديمقراطي المسيحي، إلا أنه يجِـد معارضة كل من الحزب الليبرالي الراديكالي وحزب الشعب السويسري، اللذين يريان بأن توفير أماكن لرعاية الأطفال خارج نطاق الأسْـرة والمدرسة، يقع على عاتق القطاع الخاص، وإن كان لابد، فعلى القطاع العام في مستوى الكانتونات والبلديات، عِـلما بأن اليمين يعارض أيضا اعتماد أي تعويضات عائلية أو تعويضات الأبناء على المستوى الفدرالي ويفضل بدلا من ذلك أن تقوم الدولة بدعم الأسَـر عن طريق الإعفاء الضريبي.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية