مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

انهيار الإعلام الإصلاحي في ليبيا يُنهي ربيعا إعلاميا لم يدم أكثر من سنتين

يوم 21 أبريل 2009، اجتمعت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في واشنطن مع معتصم القذافي، مستشار الأمن القومي الليبي Keystone

لم تمض أسابيع قليلة على فتح السوق الصحفية الليبية أمام المطبوعات العربية والأجنبية، مما شكل خطوة انفتاح لافتة، حتى أتى إجراء مفاجئ أعاد البلد سنوات إلى الوراء بتأميم وسائل الإعلام المحلية القليلة التي لم تكن تخضع للقطاع العام، واستطرادا للجان الشعبية.

واعتبر مراقبون في ليبيا أن هذا التأميم الذي أعلنه “القائد” القذافي ضربة للتيار الإصلاحي الذي كان يرمز إليه نجله بتقويض المنصة الإعلامية التي كانت تجعل صوته أرفع من أصوات عناصر “النومنكلاتورا” الماسكة بالأجهزة الأمنية وبغالبية الدواليب الحكومية.

وكان سيف الإسلام الذي يرأس مؤسسة خيرية تحمل اسم والده، انتقد في كلمة ألقاها في صيف 2007 (أي قبيل إطلاق مجموعته الإعلامية “الغد” في اجتماع شبابي في سيرت (400 كلم شرق العاصمة طرابلس) ما اعتبره “التفافا على النظام الديمقراطي” نافيا أن تكون ليبيا “تحت سلطة الشعب”، خلافا لما دأب والده على إعلانه في خطبه منذ إرساء “النظام الجماهيري” في ليبيا سنة 1976.

وذهب الإبن إلى حد انتقاد سجن المعارضين و”بهدلة” المخالفين في الرأي باسم الشعب، وغياب حرية الإعلام، بل أكد أن ” الصحافة معدومة في ليبيا أصلا، إذ هي لا تعني شيئا عندما يسيطر عليها أربعة صحف باهتة وركيكة يكتب فيها عدد محدود من الأشخاص”.

على هذا الأساس ركز سيف الإسلام في الفترة الأولى من بروزه على مسرح السياسة الليبية، من خلال اللقاءات التي أجراها مع الأمريكيين والأوروبيين، على إنشاء مشروع إعلامي يعكس دوره المتنامي في السياسة الليبية (قبل أن يُجرده اللاعب الأكبر من هذا الدور) ويكون مثالا على طريق الإصلاحات التي كان يعتزم دفع البلد نحوها.

ويمكن القول إن “مؤسسة الغد” الإعلامية AL-Ghad Media التي يقودها عبد السلام المشري استطاعت أن تنقل الإعلام المحلي من عهد التصحر إلى مرحلة المهنية. واعتمدت المجموعة على مطبعة حديثة خاصة بها وشركة توزيع وطواقم من المهنيين، بينما اختار المشرفون على قناة “الليبية” منهجا إعلاميا مختلفا عن القناة الرسمية ذات اللون “الجماهيري”. وفي هذا السياق تكفلت شركة التوزيع بترويج الصحف والمجلات العربية والأجنبية التي ظلت محجوبة عن القارئ الليبي طيلة أربعين عاما اعتبارا من مساء 23 فبراير الماضي.

وكان سيف الإسلام يُشدد على ضرورة الإنفتاح الإقتصادي متعمدا مهاجمة البيروقراطية الحزبية والإدارية التي تشكل معاقل المعارضة للإصلاحات والتي سبق أن أطاحت برئيس الوزراء المقرب منه شكري غانم.

طرق ملتوية

وواجهت صحيفتا “أويا” التي تولى رئاسة تحريرها محمود البوسيفي، وزميلتها “قورينا” التي عُين على رأسها رمضان البريكي، محاصرة من أوساط المتشددين، بينما كانتا تقطعان خطواتهما الأولى، إذ حاولوا إعاقة توزيعهما بطرق ملتوية. ونشرت الأولى لدى الإحتفال بإصدار العدد 500 منها تحقيقا مع أصحاب الأكشاك أكد فيه غالبيتهم أن الصحيفة كانت تصلهم بكميات قليلة وتتأخر أحيانا يوما كاملا مما يجعل القارئ يُعرض عن طلبها.

وفي هذا السياق قال المُوزع عبد الرحمن الغناي، وهو صاحب كشك بشارع المقريف أحد الشوارع الرئيسية في وسط طرابلس، لمندوب “أويا” عندما سأله في إطار التحقيق الذي قام به “من المشاكل التي تواجهنا بخصوص الصحف المحلية هي أننا عندما نطلب كمية معينة منها، لا تصلنا كاملة (وخص بالذكر صحيفة أويا”)، وعندما نستفسر منهم عن السبب تكون إجابتهم بأن الكمية لا تغطي حاجة مراكز التوزيع..”. وشكا آخرون من أن تأخير وصولها يضطر الجهات العامة (المؤسسات الرسمية) لسحب اشتراكهم مع الموزع.

مع ذلك أكد باعة آخرون شملهم الإستطلاع أن الصحيفة تنفد منذ الصباح الباكر، وهذا ما لا يمكن أن ينطبق على صحف القطاع العمومي مثل “الجماهيرية” و”الزحف الأخضر” و”الشمس”. كما أفادوا أيضا أن الطلب يتضاعف في الأيام التي تجري فيها مباريات كرة قدم، أما في الأيام الأخرى فتصل المُرتجعات أحيانا إلى 10 في المئة، وهي نسبة ضئيلة قياسا على المتوسط المتعارف عليه في الصحف.

ويمكن القول إن العناصر الخائفة من الإنفتاح، والتي وصفها سيف الإسلام نفسه بكونها تحالفا بين “مجموعة من الموظفين في الدولة وبعض القطط السمان (في القطاع الخاص) في تزاوج غير شرعي لخلق مافيا ليبية”، هي التي اجتهدت لعرقلة التجارب الإعلامية الجديدة الصادرة عن “مؤسسة الغد” حتى وهي تعلم أنها حاصلة على ضوء أخضر من العقيد القذافي.

وكان واضحا أن سر تفوق الصحيفتين الجديدتين يكمن في أربعة عناصر أولها أنهما تخلتا عن اللهجة المتخشبة للتقارير التي تنقلها الصحف المحلية الأخرى عن “وكالة أنباء الجماهيرية”، وثانيهما شمولهما لأبواب متنوعة من السياسة إلى الإقتصاد إلى الثقافة والفن والرياضة، وثالثها نوعية الورق الراقية والإخراج الذي يختلف عن بؤس الصحافة الجماهيرية، ورابعها السعر الذي لا يتجاوز 500 درهم، وهي عناصر جعلتهما صحيفتين رائجتين بتفاوت، وإن لم يتسن الحصول على كمية السحب على رغم الإتصال بالمسؤولين عنهما.

ومن ضمن روح التجديد هذه “تجاسرت” على إجراء مقابلة صحفية مطولة مع ديفيد وولش عندما زار ليبيا في السنة الماضية بصفته مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية وطرح عليه رئيس تحريرها الذي أجرى المقابلة أسئلة غير مألوفة في الإعلام الليبي التقليدي. هل زال هذا النفس مع قرار القذافي ضم “مجموعة الغد” إلى القطاع العام؟ لا يمكن ملاحظة تغيير كبير، فصحيفة “أويا” ظلت تنفرد بأخبار لا تنشرها الصحف الحكومية منها مثلا خبر اكتشاف خنزير وحشي نافق في السواحل الليبية غرب طرابلس، وهو موضوع شديد الحساسية في هذه الأيام. لكن عيب عليها أنها لم تحصل على معلومات دقيقة عن مصدر الخنزير، فيما كشف تقرير نشرته صحيفة “الوطن ” الألكترونية أن مصدره محمية على الحدود التونسية الليبية.

وهذا يعني أن الصحف المحسوبة على سيف الإسلام تخوض في مواضيع وظواهر يسكت عنها الإعلام الرسمي، إلا أنها لا تستطيع الذهاب بعيدا في كشف كل الحقائق المحيطة بالواقعة أو الظاهرة. مع ذلك تنتقدها بعض الأقلام في المواقع والصحف الإلكترونية وتعتبرها دون المستوى المطلوب من الحرية، وعلى سبيل المثال اعتبر الفيتورى مفتاح الفيتورى في تعليق نشرته صحيفة “الوطن” الإلكترونية الليبية أنه من حق أي ليبي أن ينشر في هذه الصحف وليس من حق أي طرف احتكارها. ورأى أنه “ليس من حق أي موظف في تلك الصحف أن يكتب لنفسه وينشر عن نفسه، بل المفروض أن المحرر والطاقم الفني لا يكتبان نيابة عن مشاكل و رأي والناس”.

تضييقات شديدة على الصحف الألكترونية

واللافت أن المواقع والصحف الألكترونية تتكاثر في ليبيا بشكل عجيب وهي تستقطب أعدادا متزايدة من الزوار والكتاب مثلما تدل على ذلك قائمة التعاليق الطويلة التي تنشر تعقيبا على أي خبر أو معلومة تبثها.

ولتيار سيف الإسلام نصيب من تلك الصحف الألكترونية من بينها ما يُسمى بالمواقع الإصلاحية الخمسة، وهي الإجدابي من إجدابيا وجلينانة من بنغازي والسلفيوم من البيضاء وفيلادلفيا من درنة والصياد من طبرق. لكنها تتعرض لتضييقات شديدة منها إيقاف التمويل عنها، ومحاولة إقفالها لكونها داعية لهامش من الحرية الصحافية ومحاربة الفساد. ونسبت صحيفة “ليبيا اليوم” لمن وصفتها بـ”مصادر مسؤولة بـ”شركة الغد للخدمات الإعلامية” أن هناك خطة لنقل تبعية تلك المواقع من “مؤسسة القذافي للتنمية” إلى “شركة الغد” التي تعرضت للتأميم.

وكشف الشاعر خالد المغربي رئيس تحرير موقع جليانة (تأسس في مارس 2006) بعضا من تلك الضغوط في مقابلة بثتها معه “ليبيا اليوم” وأشار فيها إلى أن جهاز الأمن الداخلي استدعاه وحقق معه بشأن مواد منشورة في الموقع، كما أن أحمد إبراهيم “المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر” طالبه بوجوب إخضاع هذه المواقع إلى “سلطة الشعب” والإنضمام إلى “حركة اللجان الثورية” (الحزب الحاكم) فرفض الإنصياع لتلك الضغوط على ما قال. لكن مشاكله لم تتوقف في هذا المستوى إذ أن الدكتور يوسف صوان المدير التنفيذي للمؤسسة اجتمع مؤخرا مع رؤساء تحرير المواقع وأعلمهم بأنه لا توجد إمكانات لتسديد المستحقات وتسيير المواقع، بل وطلب منهم تقليص الموظفين الذين يعدون على أصابع اليد الواحدة في كل موقع.

وتعجب المغربي من عجز المؤسسة عن سداد المستحقات ووقف الإنفاق على المواقع اعتبارا من شهر مارس الماضي، في الوقت الذي “تُنفق فيه المؤسسة الملايين والمليارات في الخارج و(خاصة) في إفريقيا” مثلما لاحظ. وذهب المغربي إلى التعبير بصراحة عن مخاوفه من أن الإصرار على الطلب الذي قُدم لرؤساء التحرير في الاجتماع الأخير “إنما هو وسيلة تدريجية للقضاء على هذه المواقع بنوع من الحياء والخجل وحجج واهية وذلك لكونها أثارت إزعاجا بتأثيرها الإيجابي والفعلي”.

ويمكن القول إن ما تتعرض له الصحف الإلكترونية يختزل المرحلة الجديدة التي انتقل إليها الإعلام الإصلاحي في ليبيا برمته، فلا توجد قرارات مكتوبة ولا وضع قانوني واضح يجعل الصحف الورقية والإلكترونية وقناة “الليبية” التليفزيونية والمحطات الإذاعية تتمتع بمنزلة محددة، وكما قال المغربي “لا يوجد شيء رسمي لدينا يثبت أننا نتبع لها بل لا يوجد أي شيء مختوم وموقع من المدير التنفيذي لـ”مؤسسة القذافي للتنمية”، ونحن نفتقر للإجراءات الإدارية الرسمية في هذا المجال إذ أصبحنا للأسف كالكرة تقذف من جهة لأخرى على الرغم من أن لنا كياننا كأدباء وكتاب ولنا صوتنا الذي يخدم قضايا الدولة”.

وهذا الوصف يختزل بدقة حالة المؤسسات الإعلامية للتيار الإصلاحي، الذي يبدو أن العقيد معمر القذافي أنهى دوره فباتت يتيمة تتقاذفها الأمواج، في مقابل منح سلطات واسعة لنجله الآخر المعتصم القذافي، وهو ما تأكد من خلال إيفاده إلى الولايات المتحدة حيث اجتمع مع وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون، فيما تتحدث الدوائر القريبة من سيف الإسلام عن اعتزامه الهجرة والإكتفاء بإدارة مركز دراسات في بلد أوروبي (قيل إنه قد يكون سويسرا).

أما قناة “الليبية” فاتسمت هي الأخرى بقدر من الجسارة (بالمقاييس الليبية) وتخلت عن كثير من الطقوس التي تلتزم بها القناة الرسمية التي لا تلهج إلا باسم “القائد” معمر القذافي. لكنها كانت رأس الحربة الإصلاحية التي توجه إليها القذافي الأب شخصيا ليوقد الضوء الأحمر ويُعلن أن اللعبة انتهت. وربما كانت استضافة برنامج “قلم رصاص” هي التي أفاضت الكأس، إذ اختار الإعلامي الجسور حمدي قنديل قبل فترة قليلة قناة “الليبية” الفضائية رغم العروض الكثيرة التي انهالت عليه بعد إيقاف برنامجه الشهير على قناة “دبي” في شهر ديسمبر الماضي، ليطل من خلالها على جمهوره العربي، عارضا له قضاياه ومشاكله وهمومه وأوجاعه. ورغم ضيق هامش حرية الصحافة في ليبيا، حصل على وعد بالمحافظة على سقف الحرية الذي ينشده.

وجاءت الصدمة الكبرى التي لم يتوقعها قنديل، وإن تنبأ بها العالمون ببواطن الأمور بإيقاف البرنامج بعد تقديمه ثلاث حلقات، ولم يطاول الوقف برنامجه فقط بل امتد إلى وقف إرسال الفضائية على القمر الصناعي المصري “نايل سات”، وإن استعادته في ما بعد. وفي الوقت الذي ترددت فيه أنباء عن أن العقيد معمر القذافي كان وراء إيقاف البرنامج بسبب تأميمه القناة، ترددت معلومات أخرى تؤكد أن استياء مصريا رسميا كان وراء ما حدث، خاصة بعد تناول قنديل في حلقته الأخيرة من البرنامج للتوتّر بين مصر وحزب الله.

تجاذبات

وكان بث القناة انطلق قبل أسبوعين من الإحتفالات الضخمة التي أقيمت في مناسبة مرور 38 عاما على الإنقلاب الذي أوصل القذافي إلى سدة الحكم، وأتت محتوياتها منذ البداية مختلفة عن القناة الرسمية “الجماهيرية” ليس فقط من حيث الشكل وإنما أيضا في المضمون. ولم يكن توقيت إطلاقها ببعيد عن أجواء المسار السياسي العام في البلد بعد تسوية أزمة الممرضات البلغاريات والتطورات التي استجدت في العلاقات مع الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي.

فالفضائية الجديدة جاءت بعد انطلاق الإذاعة الخاصة “الليبية أف أم” التي بدأت البث الواسع في أبريل 2006 وموقع الليبية الإلكتروني الذي أطلق في فترة لاحقة. لكن الفضائية والإذاعة الخاصة توقفتا عن العمل فجأة اعتبارا من 25 مارس 2007 بعد فترة من البث التجريبي وأقفل موقع الليبية الإلكتروني في خطوة برهنت على قوة الحرس القديم الذي واجه جناح سيف الإسلام، خاصة بعدما قلم والده أظافر “الإصلاحيين” نزولا عند ضغوط المقربين منه.

لكن على رغم الإشاعات التي سرت في تلك الفترة عن دمج القناة الفضائية والإذاعة الخاصة “الليبية أف أم” في “إذاعات الجماهيرية” الحكومية وإقفال موقع الليبية الإلكتروني نهائيا، حافظت المؤسسة على استقلاليتها وتم تثبيت عبد السلام مشري في منصبه مديرا للشركة بعد معارضته القوية لقرار الضم.

غير أن مشري أعفي من مهامه لاحقا وحل محله مدير إذاعة سبها المحلية علي جبريل. وكان بشير بلاعو كلف قبل ذلك بإدارة القناة بشكل مؤقت لكن الإعتراضات التي ظهرت أدت إلى إلغاء تكليفه، مما ترك انطباعا بعدم الإستقرار في إدارة الفضائية الجديدة.

ولوحظ أن الأوساط المحافظة حملت على الفضائية والإذاعة الخاصة بوصفهما اختارتا أسلوبا خارجا عن النمط المألوف وأصبحتا تُروجان لـ”الأغاني الهابطة” وانتهت بفرض قفلهما للحد من التجاوب الذي لقيتاه من الجمهور المصاب بالملل والسخط من الإعلام الرسمي المٌتحجر، وهو قرار اتخذه في ذلك الوقت معمر القذافي على ما قالت مصادر مطلعة بُغية تهدئة “اللجان الثورية”. واعتبرت تلك الضربة نكسة لمشروع سيف الإسلام “من أجل ليبيا الغد” الذي شكل عنوانا لإصلاحات سياسية واقتصادية، وها هو الضم يتكرر في ظروف جديدة، من دون أن يكون واضحا ما إذا كان حلقة من حلقات المسلسل المستمر منذ ثلاث سنوات، أم هو قرار القذافي الأب النهائي.

محاربة الفساد

تدل كل المؤشرات على أن ربيع الإعلام الليبي انتهى مع أولى نسائم فصل الربيع، وذلك بسبب تخطيه العلامات الحمراء، وخاصة المواقع الالكترونية التي اعتبر كتاب كثر أنها “تقف في خط المواجهة الأول في مواجهة الفساد مما جعل المشرفين عليها مهددين دائما بسبب ما ينشر في مواقعهم”.

وقدم المواطن الذي أبدى هذا الرأي في صحيفة “الوطن” الإلكترونية من دون الكشف عن اسمه الحقيقي، رواية طريفة لسبب إسكات الإعلام الإصلاحي معتبرا أنه مع توسيع هامش الحرية “يقوم المواطن بفتح ملفات ما كانت لتفتح، ويطالب باسترجاع حقوق ما كانت لترد، وأصبح الكتاب ينشرون مقالات كانت كتابتها بمثابة الإقدام على الانتحار في زمن طغيان اللجان الثيرانية، ومن هنا هرعوا وفرحوا وقالوا ألم نقل لكم هذا من قبل؟ ألم نقل لكم إنه لأجل استمرار الحال يجب تجميد كل شيء، وعودة الأحوال إلى ما كانت عليه قبل سقوط صدام و احتلال العراق، سيما بعد ذهاب الرئيس المرعب بوش عن منصة الحكم؟ فالآن صارت الفرصة مناسبة جدًا لاستمرار البطش وتكميم الأفواه ومنع الحريات ومصادرة منابر الحرية وإرهاب القائمين عليها، وإبعاد دعاة الإصلاح واتهامهم بتشكيل الخطر على ثورتهم – ثورتهم هم أي اللجان (الكاتب)- التي حكموا باسمها واستمدوا الشرعنة من الدفاع عنها وعن قائدها من أعداء وهميين يمثلون كل أفراد الشعب..”

لكن كتابا آخرين لم يشاطروا هذه الرؤية وإن توقعوا أن تنهار كثير من الصحف الإلكترونية ووجه أحدهم هذا النداء لسيف الإسلام: “لنعمل معاً من أجل أن تبقى هذه المواقع ونعمل من أجل إنشاء مواقع إلكترونية ليبية أخرى: مواقع شباب ليبيا الغد، السلفيوم، الصياد، جليانة، الإجدابي، فيلادلفيا، تناديك يا سيف الإسلام القذافي هل تسمع؟ أجب إن كنت تسمع واعمل من أجل بقاء هذه المواقع”. فهل سيُجيب نجل العقيد؟

رشيد خشانة – تونس – swissinfo.ch

الرباط (رويترز) – ربما تضعف المؤشرات على ان الزعيم الليبي معمر القذافي يكبح جماح ابنه سيف الاسلام ذي الميول الليبرالية الاحتمالات الهشة بالفعل باجراء الاصلاحات الديمقراطية واصلاحات السوق الحرة في البلاد.

وقفزت علاقات ليبيا مع الغرب قفزة الى الامام عام 2003 حين تخلت عن برامج الاسلحة المحظورة ثم مرة أخرى العام الماضي حين اتفقت مع الولايات المتحدة على تسوية المطالبات بتعويضات عن هجمات من بينها تفجير طائرة أمريكية فوق بلدة لوكربي في اسكتلندا عام 1988.

ولعب سيف الاسلام (36 عاما) دورا محوريا في المفاوضات لانهاء سنوات العقوبات التي جعلت ليبيا عضو منظمة البلدان المصدرة للبترول (اوبك) خارج حسابات معظم المستثمرين الاجانب. كما نادى بمزيد من الحرية للصحافة فضلا عن تعميق الديمقراطية.

لكن في الاسبوع الماضي أممت الحكومة قناة تلفزيونية مستقلة مرتبطة بسيف الاسلام مما أذكى التكهنات بأنه تمادى في دفع أجندة الاصلاح وأثار غضب البيروقراطيين الاقوياء بالحكومة الذين يفضلون استمرار الوضع الراهن.

وقال المحلل الليبي عاشور شميس الذين يقيم في لندن “الاسلوب الذي يفعلها به (سيف الاسلام) مستفز وهو يثير غضب والده”.

وتطرح تساؤلات بالفعل بشأن نفوذ سيف الاسلام الذي قال بعض المراقبين ذات يوم انه الخليفة الارجح لوالده وذلك بعد أن أعلن في اغسطس اب انسحابه من لعب دور سياسي. ومع تضاؤل فرصه فيما يبدو يشير مراقبون لشؤون ليبيا الى صعود نجم شقيقه الاصغر المعتصم بالله.

وفي حين تحدى سيف الاسلام النظام القائم حصل المعتصم بالله في هدوء على دعم شخصيات قوية بالمؤسسة من خلال استمالة نزعاتهم المحافظة. والمعلومات المتاحة عن المعتصم بالله قليلة باستثناء خلفيته العسكرية وميله الى عدم لفت الانظار الذي يتناقض مع شقيقه الذي يتكلم بصراحة ويجوب العالم ويتحدث الانجليزية بطلاقة والحاصل على درجة الماجستير في ادارة الاعمال.

وعلى غير العادة قام المعتصم بالله الذي يتجنب وسائل الإعلام بزيارة رسمية للولايات المتحدة في 21 ابريل 2009 بوصفه مستشار الامن القومي الليبي والتقى مع وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في واشنطن.

وقال جيف بورتر مدير قسم الشرق الاوسط وشمال افريقيا بمجموعة يوراسيا في مذكرة انه في حين أن سيف الاسلام كان “يجوب العالم وتلتقط صور له لنشرها على غلاف (مجلة) جي كيو” كان المعتصم بالله يبني تحالفات داخلية جعلته في وضع يسمح له بتسلم المسؤولية من والده.

وأضاف أن هذا يحمل معاني ضمنية للمستثمرين الاجانب الذين تتوقف قدرتهم على العمل في ليبيا على التمتع بعلاقات وثيقة بأطراف في عشيرة القذافي. وتابع قائلا ان المؤسسات التي أقامت تحالفات وثيقة مع سيف الاسلام “ربما تضار في الاشهر القادمة مع استمرار نجمه في الأفول”.

لكن ديفيد هارتويل محرر شؤون الشرق الاوسط بدورية جين يرى أن فكرة أن كبار المستثمرين الاجانب بحاجة الى أن يكون سيف الاسلام قويا حتى يتسنى لهم الدخول للعمل في ليبيا مبالغ فيها لان والده هو صانع القرار الاول والاخير. وأضاف “لا أرى تهديدا للاستثمار الغربي في حد ذاته لان الانفتاح على الغرب احدى سياسات القذافي”.

وأكد محللون آخرون وجهة النظر نفسها. وقال معظمهم ان التغيير في السلطة لن يضر بالافاق المستقبلية لمؤسسات غربية مثل بي.بي واكسون موبيل التي استغلت قرار ليبيا بالانفتاح باستثمار ملايين الدولارات في مشاريع للطاقة بها.

القذافي الذي لا يشغل منصبا حكوميا رسميا ترك العالم لتخمين من قد يخلفه في حمل لقب “الاخ العقيد ومرشد الثورة” هذا اذا بقي اللقب قائما. ويبلغ القذافي من العمر 66 عاما وهي سن صغيرة نسبيا مقارنة بغيره من الزعماء الافارقة المخضرمين.

يقول ديفيد ماك الباحث بمعهد الشرق الاوسط والدبلوماسي الامريكي السابق “ربما يكون من السابق لاوانه بذل قدر كبير من الجهد في التكهن بخلفائه في مناح متنوعة من تركة متعددة الجوانب.”

ومن ناحية أخرى تعلم حكومات اجنبية ومستثمرون اجانب أن مزايا ممارسة الاعمال تفوق مخاطر العمل في ساحة سياسية مضطربة ومناخ تجاري مبهم. وزاد حجم التجارة بين الولايات المتحدة وليبيا الى ثلاثة أمثاله ليبلغ 4.9 مليار دولار العام الماضي بعد أن كان 1.67 مليار دولار عام 2005.

وقال جيمس كيتيرر خبير العلاقات الدولية بجامعة نيويورك “هل استمرار عدم القدرة على التكهن بشأن الخلافة في الزعامة أمر تشعر الولايات المتحدة بالارتياح تجاهه”. وأضاف “هناك فيما يبدو صفقة تريد الولايات المتحدة ابرامها وهي لن تمارس ضغطا شديدا في قضايا الديمقراطية”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 8 ماي 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية