
بعد أن كان منارة للأمل.. المجتمع المدني في تونس يشكو التضييق ويكافح للبقاء
من طارق عمارة
تونس (رويترز) – بعد أسابيع قليلة فقط من إنجابها رضيعتها، وجدت الناشطة التونسية شريفة الرياحي نفسها تقبع خلف القضبان إثر اعتقالها في مايو أيار 2024 بسبب نشاطها في مساعدة مهاجرين من جنوب الصحراء.
وتحول ما كان يفترض أن يكون وقتا للتعافي والترابط بين الأم ورضيعتها إلى انفصال مؤلم وصادم.
ترى منظمات حقوق الإنسان أن قضية شريفة الرياحي ليست مجرد مأساة شخصية عميقة فحسب، بل رمز قوي لحملة حكومية متسارعة ضد منظمات المجتمع المدني منذ أن أحكم الرئيس قيس سعيد قبضته على أغلب السلطات في 2021.
وبعد أكثر من عام على اعتقالها لا تزال شريفة الرياحي (43 عاما) قابعة في السجن دون توجيه اتهام لها حتى الان.
كانت شريفة تترأس مجموعة لدعم اللاجئين وتقدم المساعدة للمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء ومهاجرين آخرين في العثور على سكن والحصول على الأدوية والغذاء.
وتقول عائلة شريفة إن ابنتهم لم تفعل شيئا خاطئا أو غير قانوني وإنها فقط كانت تساعد مهاجرين عالقين. وتطالب العائلة بسرعة النظر في قضيتها والإفراج عنها.
في منزل العائلة بضاحية المرسى القريبة من العاصمة تونس، تتحدث فريدة والدة شريفة لرويترز بينما ترعى حفيدتها قائلة “ابنة شريفة لم تعد تتعرف عليها… الشرطة جاءت بحثا عنها لاعتقالها بينما كانت ترضع ابنتها، لم يُتح لنا حتى الوقت لفهم ما يحدث”.
فريدة، التي تُعد أسبوعيا وجبات طعام لابنتها في السجن بمساعدة إحدى صديقات شريفة، تتحدث بحرقة بينما كانت تجهز الطعام في مطبخ المنزل. وتقول وهي تغالب دموعها “ما هو ذنب شريفة؟ ابنتي لم تفعل سوى مساعدة أناس ضعفاء تقطعت بهم السبل… نحن لا نطلب سوى العدالة”.
وضمن نفس الحملة التي اعتقلت خلالها شريفة، جرى اعتقال عدة شخصيات أخرى من المجتمع المدني بتهم تقول منظمات حقوقية ومحامون إنها ملفقة. وتتعلق أغلب الاتهامات لهؤلاء المعتقلين بإيواء غير قانوني لأجانب أو شبهات غسيل أموال.
ولم يتسن الحصول على تعليق رسمي بخصوص قضية شريفة الرياحي أو بقية المنظمات التي اعتقل قادتها.
وتعرضت أصول بنكية لعدد من المنظمات للتجميد كما داهمت السلطات مقراتها، بحسب تلك المنظمات.
تونس، التي كانت تُعتبر آخر منارة للديمقراطية بعد الربيع العربي، شهدت نشأة مجتمع مدني نشط ازدهر خاصة في أعقاب ثورتها عام 2011.
ولعبت المنظمات غير الحكومية وهيئات الرقابة دورا حيويا في مساءلة السلطة وحماية الحقوق والمساهمة في تشكيل مرحلة الانتقال الديمقراطي في البلاد.
وبلغت هذه اللحظة ذروتها في عام 2015، عندما حصل الرباعي للحوار الوطني، وهو ائتلاف من منظمات يضم اتحاد الشغل ورابطة حقوق الإنسان وهيئة المحامين واتحاد التجارة، على جائزة نوبل للسلام تقديرا لدوره في المساهمة في تجنب البلد انهيار سياسي حاد.
ويقول نشطاء إنه مع سيطرة السلطة التنفيذية في السنوات الأخيرة بشكل متزايد على مؤسسات أخرى مثل القضاء والبرلمان وحتى أغلب وسائل الإعلام المحلية، ظل المجتمع المدني ركيزة قوية وأحد آخر القلاع الصامدة، لكنه يواجه اليوم هو الآخر حملة متصاعدة تهدد وجوده.
ويقبع معظم قادة أحزاب المعارضة أيضا خلف القضبان.
ويقول الرئيس سعيد إن القضاء مستقل وإنه لا يتدخل فيه ولكن لا أحد فوق المحاسبة مهما كان منصبه أو اسمه.
ويرفض سعيد الاتهامات بالسير في نهج استبدادي، وقال إنه لن يتحول إلى دكتاتور وإنه يحافظ على الحرية والديمقراطية، لكنه لن يسمح بحدوث فوضى أو تدخل عبر تمويل أجنبي أو من خلال عدد من المنظمات التي وصفها بأنها “أداة للخيانة”.
ودأب سعيد على توجيه اتهامات علنية حادة لعدة منظمات من المجتمع المدني قائلا إنها “تخدم أجندات أجنبية” وإن تمويلاتها مشبوهة تهدف للمساس بسيادة تونس.
ويقول رمضان بن عمر، المسؤول بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهي منظمة مستقلة للدفاع عن الحقوق “الهجوم على منظمات المجتمع المدني ليس أمرا معزولا. بل يأتي ضمن خطط السلطات لإغلاق فضاء المجتمع المدني وإنهاء الانفتاح الديمقراطي الذي تحقق بعد 14 يناير 2011.”
وحتى اتحاد الشغل، وهو من ضمن الرباعي الحاصل على جائزة نوبل للسلام والذي تمتع دوما بنفوذ قوي خاصة بعد 2011، فقد واجه موجة اعتقالات شملت نقابيين في صفوفه وزادت في انحسار نفوذه في السنوات الثلاثة الاخيرة.
يقول اتحاد الشغل إن التهم الموجهة للنقابيين ملفقة وتهدف لضرب الحق النقابي وإنه سيواصل الدفاع عن الحقوق والحريات.