
تغيير نظام التعليم الثانوي يكشف فجوات في منظومة تعاني من نقص التمويل في مصر

من نيرة عبد الله وجيداء طه
القاهرة/دبي (رويترز) – يكافح المعلمون والتلاميذ في مصر على السواء للتأقلم مع تغيير كبير في المناهج الدراسية بالمرحلة الثانوية كشف عن الضغوط الواقعة على توفير التعليم الحكومي الذي تنفق أسر بكثرة من أجل تكميله بالحصص الدراسية الخاصة.
ويمثل التحرك لتقليل عدد المواد المشمولة في المجموع الكلي لنتيجة امتحانات نهاية العام والمحددة لتنسيق التعليم الجامعي اختبارا للحكومة في تحد تواجهه من أجل تقليص الديون مع حماية الخدمات العامة المقدمة للسكان الآخذ عددهم في التزايد، وذلك بموجب أحدث برنامج إصلاح اقتصادي من صندوق النقد الدولي.
ويعكس أيضا مأزق الطبقات الوسطى المتأزمة في مصر حيث يجد ملايين الطلاب أنفسهم في منافسة شرسة على ضمان مقاعد في الجامعات ويحاول عشرات الآلاف من المعلمين زيادة رواتبهم الهزيلة بتقديم الحصص الدراسية الخاصة.
ومع بدء العام الدراسي في أواخر سبتمبر بعد ستة أسابيع من إعلان القرار، بدأ بعض المعلمين في محاولة تعويض الدخل المفقود بالتحول إلى تدريس مواد جديدة أو إيجاد عمل إضافي.
وقال معلم الفلسفة محمد عادل إن على الرغم من مواصلته العمل في المدرسة الحكومية الموظف بها في القاهرة، فإنه سيخسر مصدر دخل الحصص الدراسية الخاصة وسيبحث عن وظيفة إضافية.
وأضاف “بس الأهم الحكومة تحميني وتكفي احتياجاتي”.
وقال حسين أبو العينين معلم اللغة الفرنسية في أحد المراكز الخاصة في القاهرة إن بعض التلاميذ وعائلاتهم سعداء بتقلص عدد المواد الدراسية المشمولة في المجموع. لكن عدد الطلاب تراجع بشكل حاد لدرجة اضطرته إلى الاستغناء عن خدمات 15 مساعدا.
* “احتدام دائم”
قال محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم المعين حديثا إن التغييرات هدفها تخفيف العبء المالي على أولياء الأمور الذين ينفقون على الحصص الدراسية الخاصة في مجموعة من المواد.
لكن بعض المنتقدين يرون أن التغييرات تحرك لخفض التكاليف، فيقولون إن إزالة اللغتين الفرنسية والألمانية ومادتي الجيولوجيا والفلسفة من المجموع الكلي للدرجات ودمج مواد أخرى مثل الفيزياء في مادة العلوم المتكاملة قد يسمح للوزارة بتقليل عجز المعلمين بتحريك المعلمين الحاليين إلى مواقع جديدة.
وقال فريدي البياضي عضو البرلمان ونائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي “القصة كلها في الآخر هي قصة فلوس وموازنة وبيخلق احتدام دائم مع الحكومة”.
وأضاف “إنه (الوزير) بيحاول يوفر شوية في المصروفات. ومش دا الحل. المصروفات بالفعل قليلة… محتاج أصرف أكتر على التعليم علشان أحسنه مش أني أقلل مناهج”.
ولم ترد وزارة التربية والتعليم على طلبات للتعليق.
يتجاوز عدد سكان مصر 106 ملايين نسمة وهي أكبر بلدان العالم العربي في عدد السكان لكن البلاد عانت من ضعف معدلات النمو الاقتصادي وتراجع الخدمات الحكومية.
وتواجه وزارة التربية والتعليم المصرية منذ سنوات تحديات تتمثل في نقص المعلمين والفصول المدرسية لاستيعاب نحو 23 مليون طفل في سن التعليم.
ويشكو المعلمون من تدني الأجور بصورة كبيرة فضلا عن تشغيل المدارس في كثير من الأحيان بنظام متعدد الفترات للتغلب على نقص الفصول.
وعند إعلانه تعديل المناهج الدراسية قال عبد اللطيف إن الوزارة لديها خطة لسد النقص في عدد المعلمين البالغ أكثر من 469 ألفا لكنه وصف المسألة بأنها “تحد كبير”.
وتتضمن الخطة التعاقد مع 50 ألف معلم بنظام الحصة بواقع 50 جنيها (1.03 دولار) للحصة الدراسية الواحدة بعد رفع المقابل من 20 جنيها في السابق. وتستغرق الحصة الدراسية عادة 45 دقيقة.
وقال عبد اللطيف في مؤتمر صحفي بثه التلفزيون إن الخطة من المقرر تنفيذها إلى جانب مبادرة رئاسية لتوظيف 30 ألف معلم سنويا.
ويقول مراقبون إن تلك الحلول ليست كافية.
وقال محمد سيد، الباحث في قطاع التعليم بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية “كل سنة بيطلع على المعاش نسب كتيرة من المعلمين ويدخل اثنين مليون طالب تقريبا. فإحنا بجانب ال50 ألف دول أعتقد محتاجين إن إحنا يبقى فيه تعيين للمعلمين”.
* رؤية ضبابية بعيون تلاميذ المدارس
شهدت امتحانات نهاية العام في مدارس مصر منافسة محمومة كان لها تداعياتها على الصحة النفسية لبعض التلاميذ وفقا لوسائل إعلام محلية.
وأثار تقليص المواد الدراسية ردود فعل متباينة. إذ رحب بها بعض الطلاب، بينما شعر آخرون أنهم يفوتون مجالات دراسية مثيرة للاهتمام يمكن أن تساعد في تحسين درجاتهم.
وقالت سلمى ناجي، وهي طالبة بالمرحلة الثانوية بالقاهرة “أول حاجة أنا انبسطت عشان المواد خفت فيبقى في وقت أذاكر فيه المواد اللي هي الأهم. الكيمياء والفيزياء والأحياء مواد التخصص عشان دي أكيد اللي هتنفعني في الكلية”.
وأضافت “بس بردو المواد التانية كانت بترفع المجموع فإحنا لسه مش عارفين المجموع كده هيقل ولا يزيد”.
وينص الدستور المصري على ألا يقل الإنفاق الحكومي على التعليم المدرسي عن أربعة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مع زيادة النسبة تدريجيا لتتوافق مع المعايير العالمية.
وتحث منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) على الوصول بالإنفاق على التعليم إلى ما بين أربعة وستة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وقال الباحث محمد سيد والنائب فريدي البياضي إن الحكومة لم تلتزم بذلك الهدف قط منذ كتابة الدستور في 2014، وهو العام الذي انتُخب فيه عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر.
وتقول الحكومة إنها تفي بالالتزام الدستوري بينما أوضح البياضي أن ذلك الادعاء يستند إلى أرقام لا تأخذ في اعتبارها الانخفاض المتكرر في قيمة العملة.
وقال البياضي إن الإنفاق على التعليم بلغ 1.92 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2023-24، وتراجع إلى 1.72 بالمئة في ميزانية 2024-25.
وفي تعليقات أدلى بها السيسي في مؤتمر للشباب في الإسكندرية العام الماضي، بدا أنه يقر بصعوبة تلبية الأهداف الدستورية المتعلقة بالإنفاق على التعليم والصحة.
وقال “هو أنا معايا فلوس للكلام ده. أنا الدولة مش أنا عبد الفتاح. الدولة المصرية معاها أموال للمئة مليون تعمل لهم تعليم؟”.
وأضاف “الأرقام المطلوبة مش موجودة يا جماعة ولازم نبقى كلنا موجودين على أرض الواقع”.