مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الجائحة الصحية قد تُـؤخّــر المساواة بين الجنسيْن 135 عاماً

امراة في المطبخ تغسل الأطباق
Akg-images / Horst Maack

رغم أن أعمال الرعاية، التي تقع على كاهل النساء، هي أكبر قطاع اقتصادي في سويسرا، حتى قبل الصناعة والمصارف، إلا أنها ليست جزءا من اجمالي الناتج المحلي. وخلال الجائحة الصحية تحملت النساء مرة أخرى الجزء الأكبر من أعمال الرعاية في جميع أنحاء العالم وبهذا دفعن الجزء الأكبر من الفاتورة الاقتصادية لجائحة كوفيد - 19 وتراجعن جيلاً آخر عن المساواة.

فلو دُفعت أجور الأعمال في قطاع الرعاية بالكامل، فإنه سيكون القطاع الاقتصادي الأكبر في سويسرا، وسيكون متقدمًا حتى على قطاعات الصناعة والعقارات والخدمات المالية.

ففي سويسرا، يزيد حجم العمل في مجال الرعاية عن الأعمال المدفوعة الأجر. وهذا الصنف من العمل غير مدفوع الأجر هو بالتحديد الذي زاد في فترة الجائحة، ولأن النساء يقُمْنَ بالجزء الأكبر منه؛ فإنهُنَّ بذلك دفعْنَ ثمنَ فاتورة الوباء. وبهذا تكون البشرية في جميع أنحاء العالم قد تراجعت خطوةً إلى الوراء في مجال المساواة بين الجنسين.

من هذا المنطلق، يصف الإعلامي والخبير الاقتصادي هانز روسنيك العمل في قطاع الرعاية بـ”فجوة” في علم الاقتصاد الحالي بالقول: “تصوروا لو أننا في جميع التحليلات للوضع الاقتصادي نسينا ببساطة تضمين أكبر قطاع، كأن يُؤخذ استهلاك البيرة أو إنتاج السيارات في الحساب وتبقى قطاعات مثل البيئة أو الرعاية، التي يعتمد عليها الاقتصاد، مخفيّةً. والنتيجة هي أن العمل التربوي الذي تقوم به النساء مثلًا لا يعود مرتبطًا بالاقتصاد إطلاقًا”.

ويستطرد روسنيك الذي يدرس الدكتوراه في جامعة سانت غالن في موضوع “تحويل الاقتصاد” في تعليقه المنشور على موقع الإذاعة العمومية الألمانيةرابط خارجي: “في سخرية ثلاثية الأبعاد لا تلعب أعمال الرعاية سوى دورٍ هامشيٍّ جدًّا، وتنقسم إلى: غير مدفوعة وزهيدة الأجر وتقوم به النساء بشكلٍ رئيسي. نتيجة هذا المنطق الاقتصادي تُقدّم فهمًا مشوهًا للحقيقة”.

“مقولة الوقت من ذهب لا تنطبق على النساء”

يُقصد بالعمل غير المأجور الأنشطة التي لا تُدفع مقابلها أجور، ولكن يُمكن نظريًّا أن ينجزها شخص ثالث مقابل أجر. في هذا الإطار، تقع الأعمال المنزلية والعائلية والنشاطات التطوعية والشَرفيّة في الجمعيات والمنظمات (عمل تطوعي مُمَأسس)، وكذلك تقديم المساعدة الشخصية للمعارف والأقارب الذين يعيشون في بيتٍ آخر (عمل تطوعي غير رسمي).

هذا المنظور، الذي يحط من القيمة المادية والاجتماعيّة لأعمال الرعاية له تداعياته الاقتصادية. فوفقًا لدراسة لمنظمة أوكسفام رابط خارجيغير الحكومية نُشرت سنة 2020، فإنَّ النساءَ في مختلف أنحاء العالم كسَبْنَ أقل من الرجال بمعدل بلغ 23% في المتوسط وكان يتعيّن عليهنَّ غالبًا القيام بأعمالٍ صعبة أو القبول بأجورٍ أقل. في الوقت ذاته، يمتلك الرجال ثرواتٍ أكثر من النساء بما يزيد على الخمسين بالمئة، كذلك فإنه من الواضح أن النساء يتمتعن بحماية اجتماعية أقل، وهنَّ أقل فرصة في الحصول على معاشٍ تقاعدي، حيث يشكّلْن 65% تقريبًا ممن هم في عمر التقاعد وليس لديهم معاش تقاعدي.

وتضيف أوكسفام: “إن الفروقات غالبًا ما تُفسَّر بكون النساء يعملْنَ أقل، لكنَّ هذا الاعتقاد غير صحيح، ففي المعدل المتوسط العالمي، وفي جميع أنحاء العالم، تعمل النساء كل يوم ساعات أكثر من الرجال. مع ذلك، وخلافًا للرجال، فإنَّ نصفَ عملهِنَّ غير مدفوع الأجر”.

وتضيف أوكسفام – التي تُعتبر إحدى أكبر منظمات التنمية في العالم – : “إن أحد العوامل المركزية لعدم المساواة هو أن ثلاثة أرباع الأعمال المنزلية والرعوية تقوم بها النساء، وهي أعمال غير مدفوعة الأجر”.

“إنه الاقتصاد يا غبي”

في هذا الصدد، تقول سعدية زاهدي، المديرة الإدارية في المنتدى الاقتصادي العالمي: “جراء أزمة كورونا أصبحت التفاوتات أكثر حدّة، فالجائحة كان لها تأثير كبير على المساواة في مكان العمل وفي المنزل، وأدت إلى محو التقدم الذي تحقق على مدى سنواتٍ طويلة”.

وفقًا للتقرير العالمي حول النوع الاجتماعيرابط خارجي لعام 2021 (حول الفجوة العالمية بين الجنسين)، فإنه يجب الآن على جيلٍ آخرَ من النساء انتظار المساواة بين الجنسين: “مع التداعيات المتواصلة لوباء كوفيد-19، فإن الوقت اللازم لسدّ الفجوة بين الجنسين في العالم قد ازداد بمقدار جيل، أي من 99.5 إلى 135.6 سنة”.

فما السبب في ذلك؟ خلال الأزمة كان هناك طلب على “عمل المرأة النمطي”. تشير بيانات استطلاع أجراه مركز أبحاث السوق العالمية والرأي العامرابط خارجي إلى أنه بسبب إغلاق مؤسسات الرعاية وقعت مسؤولية العمل المنزلي ورعاية الأطفال والاعتناء بكبار السن على النساء، وذلك بشكلٍ يزيد كثيرًا على النسبة المعتادة، مما أدى إلى عبءٍ أكبر وإنتاجية أقل. بالإضافة إلى ذلك، فإن النساء في الغالب يعملْن في قطاعات مهنية كانت هي الأكثر تضرّرًا من ذلك الإغلاق، وفقًا لما ورد في تحليل المنتدى الاقتصادي العالمي.

في سويسرا أيضًا تبقى أعمال الرعاية في الغالب، شأنًا نسائيًّا. وفقًا لتقرير صادر عن المكتب الفدرالي للإحصاء في عام 2021، فإن الأمهات اللواتي لديهِنَّ شريك، وأصغر أطفالِهِنَّ تحت الخامسة عشرة، قضين في عام 2020، ثلاثين ساعة عمل أسبوعيًّا في العمل المنزلي، أي نحو ضعف الوقت الذي يقضيه الآباء، والذي يُقدّر بسبع عشرة ساعة أسبوعيًّا.

وفي رعاية الأطفال، تقضي الأمهات ما يقرب من نصف الوقت الذي يمضيه الرجال في رعاية الأطفال (23.3 مقابل 14.7 ساعة في الإسبوع).

يقول المنتدى الاقتصادي العالمي: “إن التقدم باتجاه المساواة بين الجنسين يُواجه عقبات في كثير من القطاعات والاقتصادات القومية الكبيرة. وعلى عكس التفاوتات التي تم التغلب عليها في مجالات التعليم والصحة (14.2 سنة فقط، لسد الثغرة بين الجنسين)، فإن الهوة بين الجنسين في القطاع الاقتصادي ما زالت هي الأكبر. ومن المرجّح أنه لن يتم سد هذه الفجوة في القطاع الاقتصادي إلا بعد 267.6 سنة، وهذا المسار البطيء مبنيٌّ على اتجاهات متناقضة: فبينما تتقدم النساء بسبب اكتساب الكفاءات التخصصية المؤهلة، فما زالت الهوة بين الجنسين موجودة، وهنالك القليل من النساء في المواقع القيادية”.

المستقبل لا يبدو أفضل

بالإضافة إلى عبء أعمال الرعاية فهناك عوامل أخرى تؤخر المساواة بين الجنسين: “ترغب النساء بممارسة المهن الاجتماعية أكثر، ونسبة وجودهن ضعيفة في المهن التقنية ذات الدخل الجيد”. وهذه المهن تحديداً يصفها المنتدى الاقتصادي العالمي بـ”وظائف المستقبل”.

 وهكذا “ففي مجال الحوسبة السحابيّة مثلاً تحتل النساء نسبة 14% فقط، وفي المهن الهندسية 20% وفي معالجة المعلومات والذكاء الاصطناعي 32%”.

طرقٌ للخروج من مأزق أجيالٍ عديدة

وفقًا لمنظمة أوكسفام، فإن أعمال الرعاية، سواءٌ غير المدفوعة أو الذي لايمكن دفع قيمتها، هي في الغالب عمل غير مربح، مما يؤدي إلى مشاركة سياسية وثقافية محدودة وتمثيل سياسي أقل، وفي الحالات المستعصية إلى الفقر في سن الشيخوخة. وهذه “الحقيقة المرّة”، حسب وجهة نظر أوكسفام، تخلق تناقضات اجتماعية: “ففي الوقت الذي يزداد فيه ثراء المجتمع بفضل أعمال التمريض والرعاية، فإن هذا العمل (المجاني) يُفقر الكثير من النساء اللواتي يقُمْنَ به”.

ومن أجل جسر فجوة التمييز، يُطالب المنتدى الاقتصادي العالمي وجهات أخرى رجال السياسة بالاستثمار في قطاع التمريض والرعاية وفرصة متساوية للرجال العاملين والنساء العاملات عبر الحصول على إجازة بعد ولادة أطفالهم (رعاية متساوية).

بالإضافة إلى ذلك “فإن الأمر يحتاج إلى إجراءات للتغلب على الفصل المهني القائم على الجنسانية، وإجراءات تأهيل فاعلة في وسط الحياة المهنية تأخذ بعين الاعتبار منظور وآفاق النوع الجنساني. وفي هذا الصدد، فإن المُدراءَ مطالبون في التوظيف والترقيات باتباع ممارسة معقولة وغير متحيّزة”.

من جانبها، توصي منظمة “أوكسفام” أيضًا بانتهاج سياسة ضريبية قائمة على التوزيع العادل والمساواة المُنصفة بين الجنسين، وترى أن “فرض ضريبة عالمية على الفئة الأكثر ثروة في كل بلد بنسبة 0.5% يُمكن أن تموّل استثمارات توفر حتى 117 مليون وظيفة في قطاعات الرعاية والتعليم والصحة”. 

في سويسرا، يبلغ حجم العمل غير المأجور في مجال الرعاية أكثر من الأعمال المدفوعة الأجر. وفقًا للمكتب الفدرالي للإحصاء فإن 9.2 مليار ساعة عمل غير مدفوعة الأجر جرى القيام بها في سويسرا في  عام 2016، وهذا أكثر مما استغرقه العمل المدفوع الأجر (7.9 مليار ساعة).

يُقَّدر مجموع العمل غير المأجور، المنجز في العام 2016، بقيمة مالية تبلغ 408 مليارات فرنك سويسري. هذا ما تشير إليه الأرقام الجديدة الواردة في الحساب الملحق لمكتب الإحصاء الفدرالي عن الإنتاج المنزليرابط خارجي.

عالميًّا تقوم النساء والفتيات يوميًّا بما يتجاوز بكثير 12 مليارَ ساعةٍ من العمل الرعوي والتمريضي والمنزلي دون الحصول على أجر. ولو دُفِع لهُنَّ راتبُ حدٍّ أدنى واحد فقط، لبلغت القيمة 11 بليون دولار أمريكي كل عام، كما خلُصت دراسة رابط خارجيلأوكسفام بهذا الصدد.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية