The Swiss voice in the world since 1935

في سويسرا… نظام الميليشيا يعزز الهوية ويقرّب السياسة للجمهور 

نظام المليشيا
الأشخاص الذين يرتدون اللون الأسود هم رجال إطفاء من الميليشيا، بينما أولئك الذين يرتدون اللون الأصفر هم محترفون. وبالإضافة إلى الجيش والسياسة، فإن مبدأ الميليشيا ينطبق أيضاً على فرقة الإطفاء السويسرية. Keystone / Martial Trezzini

يعتبر نظام الميليشيا سمة مميّزة للديمقراطيّة السويسريّة، إذ يعزّز العلاقة بين مؤسّسات الحكم والمواطنين، ولكنّه يتسبّب أيضًا في خلق فجوة من "التمييز الاجتماعي". 

ويحدث في سويسرا أحيانا أن يضطر الأشخاص إلى تغيير أماكن إقامتهم بسبب انتخابهم في مناصب دون رغبتهم. وفي حال رفض شخص ما قبول المنصب الذي أُختير له، يمكن أن تُفرض عليه غرامة تصل إلى 5,000 فرنك. وتعتبر الخدمة الإلزامية الظاهرة الأكثر تطرفًا في هذا النظام.

ما هو نظام الميليشيا السويسرية؟ 

هذا المصطلح لا يستخدم إلّا في الديمقراطيّة السويسريّة، ويستند إلى فكرة مبادرة المواطنين والمواطنات بتولّي مناصب عامّة، كخدمة الإطفاء، أو كقضاة عاديين، أو في مجلس إدارة مؤسّسة تربويّة ، أو في البرلمان. 

المزيد
نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

المزيد

نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

اشترك.ي في النشرة الإخبارية لدينا، واحصل.ي على بريد إلكتروني كل يوم جمعة يحتوي على أخبار من الدول الناطقة بالعربية تم جمعها بواسطة وسائل الإعلام السويسرية. معلومات من منظور سويسري خصّيصًا من أجلك.

طالع المزيدنشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

ويعتبر هذا المبدأ “المعيار الذهبي للمشاركة” في سويسرا، كما يقول علماء السياسة؛ ماركوس فريتاج، وبيرمين بوندي، ومارتينا فليك فيتزيغ، في كتابهم الجماعي”العمل الميليشياوي في سويسرا“ (Milizarbeit in der SchweizLien externe، 2019). ويحصل الأشخاص، ممارسو هذه الوظائف وممارساتها، على تعويضات محدودة، على نقيض مستوى الأجور السويسرية المرتفع، عموما. 

وتتمثل الفكرة الرئيسية لهذا المبدأ في أن تولّي المواطنين والمواطنات مسؤوليات اجتماعية وسياسية بدافع شخصي إلى جانب وظائفهم الأصلية، يمكنهم من اتخاذ القرارات بشكل مستقلّ؛ إذ أنّهم لا يعتمدون ماليًّا على هذه المناصب، ما يحد من البيروقراطيّة إلى حد بعيد. 

محتويات خارجية

وفي الوقت نفسه، يهدف نظام الميليشيا إلى منع اتساع الفجوة بين السكان والسياسة بشكل كبير. فعندما يتحمل المواطنون والمواطنات بأنفسهم المسؤولية السياسية، فإن هذا من شأنه أن يخلق شعورا بالتقارب والتماهي. وحتى بدون أي تفويض، يمكن للسكان ممارسة تأثير مباشر على السياسة، من خلال المبادرات والاستفتاءات. 

ورغم هذه المزايا، يؤدّي مبدأ الميليشيا، في كثير من الأحيان، إلى تولّي الأشخاص الميسورين، الذين لديهم الوقت الكافي لتحمّل المسؤوليات السياسيّة. وهذا ما توصّل إليه عالما السياسة، وولف ليندر وشون مولر، اللذان يشيران إلى أنّ: “التعويض المجاني أو الجزئي فقط، يؤدي إلى التمييز الاجتماعي الذي غالبا ما يتم تجاهله”. 

ولا تزال هناك فوارق كبيرة في تمثيل الجنسين، يعزوها البعض إلى مبدأ الميليشيا. فقد تطوّعت 0،5% فقط من النساء، مقابل 1،7% من الرجال، في الأحزاب السياسيّة والمجالس المحليّة، خلال عام 2020. 

وتتطلّب الوظائف المحليّة في سويسرا حضور اجتماعات مسائيّة، وهو وقت تتركّز فيه أعمال الرعاية المنزليّة بالنسبة إلى النساء. ولو كانت السياسة المحليّة مدفوعة الأجر، كما هو الحال في الوظائف العادية، لأصبح بإمكان عدد أكبر من الأشخاص تحمّل تكاليف رعاية الأطفال، أو يمكن تنظيم الأنشطة السياسية خلال ساعات العمل. 

نظام الميليشيا يجد جذوره في الجيش 

وينبع مفهوم نظام الميليشيا من المجال العسكري، وتعود جذوره إلى روما القديمة، ودولة مدينة أثينا. كما يُنظَّم الجيش السويسري أيضًا وفقًا لمبدأ الميليشيا، وليس كجيش محترف. وقد رأى منظّر الدولة الإيطالية، نيكولا مكيافيلي، ”في الاتحاد القديم انبعاث المبدأ الروماني لهوية المواطن والجندي“، على حدّ تعبير الفقيه أندرياس كلايلين إكسترن. 

ولكن حتى قبل تأسيس الدولة الفدراليّة السويسريّة، أصبح مبدأ الميليشيا ركيزة أساسية للحياة المدنية؛ في التعاونيات الزراعية، وفي الجمعيّات المحليّة. 

تتميز سويسرا بالتعاونيات، لا في المجال الاقتصادي فقط، بل وفي السياسة أيضا. تعرّف على نظام التعاونيات أدناه:

رسم توضيحي لعدد من الأشخاص يشتركون في سحب عمارة سكنية

المزيد

التعاونيات السويسرية: أساس الاستدامة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية 

تُعتَبَر سويسرا بِحَق بلد التعاونيات. وهنا، لا يتخلل مبدأ التعاون قطاعها الاقتصادي فحسب، ولكنه يشكل جذور سياستها أيضا.

طالع المزيدالتعاونيات السويسرية: أساس الاستدامة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية 

واليوم، يشهد نظام الميليشيا تراجعا وانحصارا. وباتت المجتمعات الصغيرة، على وجه الخصوص، تبحث بإلحاح عن متطوّعين لتولّي الوظائف السياسية. ويصف كتاب “عمل الميليشيات في سويسرا” ما يعدّه “علامات ضعف”، خاصّة على المستوى المحلّي. 

الشك تجاه السياسيين المحترفين 

يمتلك جميع السياسيين في مواقع المسؤوليّة في البلدات الصغيرة، وظائف أخرى جانبيّة. أمّا على مستوى أعلى، فينطوي مبدأ الميليشيا على توازن دقيق؛ فلا تُعتَبر السياسة مهنةً في الواقع. ولا يحصل أعضاء البرلمان في المدينة أو الكانتون، على تعويضات كافية لسد احتياجاتهم من خلال ولايتهم السياسية بمفردها. وحتى في البرلمان الفدرالي، يسعى كثيرون وكثيرات إلى ممارسة مهنة او مهن أخرى، خارج الدورات البرلمانية الاعتيادية.  

ويشعر العديد من الناخبين بالريبة عندما لا يمارس أحد أعضاء المجلس الوطني أو مجلس الولايات، مهنة أخرى إلى جانب منصبه السياسي. فليس البرلمان السويسري مصممًا للعمل بدوام كامل؛ فوفقاً لدراسة أجريت عام 2017، يعادل العمل البرلماني في المتوسّط، نصف يوم عمل. وبالإضافة إلى ذلك، هناك الحملات الانتخابية والظهور العام، التي تتوافق مع متوسّط التوظيف، بنسبة 24% (مجلس الولايات) أو 36% (المجلس الوطني). 

وبناء على ذلك، لا يجب أن يتجاوز العمل البرلمانيّ، في أغلب الحالات، 42 ساعة، ما يعادل في سويسرا ساعات العمل بدوام كامل. 

وبالمقارنة مع زملائهم في الدول المجاورة مثل ألمانيا، والنمسا، وإيطاليا، وفرنسا، يحصل أعضاء البرلمان في سويسرا على رواتب أقل بكثير، مع أنّ الأجور فيها أعلى عمومًا. وحتى في بلدان مثل البرازيل، وكولومبيا، حيث متوسط الرواتب أقلّ، يكسب السياسيون أكثر ممّا يكسبه السياسيون في سويسرا.  

وتعتبر منظّمة الشفافية الدولية غير الحكومية أنّ “البرلمانيين في القصر الفدرالي يخضعون إلى أكثر جماعات الضغط تأثيرا”، وترى أنّ هناك تداخلا بين العمل البرلمانيّ وجماعات الضغط. 

كيف تعمل الحكومة السويسرية في الواقع؟ اكتشف المزيد هنا:

المزيد

الحكومة السويسرية تحصل على أجور مرتفعة

ويتقاضى أعضاء الحكومة الفدرالية السبعة، الذين يشكّلون الجهاز التنفيذي للدولة 477،668 فرنك سويسري، أي أكثر مما يتقاضاه رئيس الولايات المتّحدة، أو المستشار الألماني. ناهيك عن مبلغ 12،000 فرنك سويسري، الذي يتقاضونه مقابل الرئاسة الدوريّة للكنفدراليّة ، وهو منصب يتمّ شغله على أساس التناوب السنويّ.  

وبالتالي، لم ينجح نظام الميليشيا السويسري في ترسيخ نفسه على أعلى مستوى حكومي. ومع ذلك، ينعكس ذلك في المسارات الوظيفية؛ فعلى سبيل المثال، بدأت وزيرة المالية، كارين كيلر-سوتر، حياتها السياسية كمستشارة محليّة في بلديتها الأمّ. وقد خدمت في برلمان الكانتون، ثم في حكومة الكانتون والبرلمان الفدرالي. وهي اليوم وزيرة الماليّة في الحكومة الفدراليّة، ورئيسة البلاد لعام 2025. 

هنا يمكنك معرفة كل شيء عن أدوات الديمقراطية المباشرة في سويسرا:

المزيد
الديمقراطية السويسرية

المزيد

من الفكرة إلى الاقتراع: كيف يضع الشعب السويسري قوانينه؟

تم نشر هذا المحتوى على ترغب الكثير من الشعوب في رؤية بلدانها تنظم اقتراعات شعبية مثل تلك الموجودة في سويسرا. ولكن ما هي آليات الديمقراطية المباشرة في هذا البلد؟

طالع المزيدمن الفكرة إلى الاقتراع: كيف يضع الشعب السويسري قوانينه؟

تحرير: مارك ليفغينستون

ترجمة: ماجدة بوعزة

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية