سوريا تعيد هيكلة وزارة الداخلية وتنوه برفع العقوبات الأميركية رسميا

أعلنت السلطات السورية السبت عن إعادة هيكلة لوزارة الداخلية، تضمنت استحداث إدارات لمكافحة شبكات تهريب المخدرات والبشر عبر الحدود، في وقت تحاول تحسين علاقاتها مع الدول الغربية، التي ترفع عقوباتها تباعا عنها.
ورفعت الولايات المتحدة الجمعة رسميا العقوبات الاقتصادية عن سوريا، في تحوّل كبير للسياسة الأميركية بعد إطاحة الرئيس المخلوع بشار الأسد، من شأنه أن يفتح الباب أمام استثمارات جديدة تعول عليها دمشق في المرحلة المقبلة، من أجل دفع عجلة التعافي الاقتصادي بعد سنوات الحرب الطويلة.
في دمشق، أعلنت وزارة الداخلية عن هيكلية تنظيمية جديدة تضمّنت إصلاحات واستحداث إدارات في مجالات عدة. وقال المتحدث باسم الوزارة نور الدين البابا إن الهدف “بناء مؤسسة أمنية مدنية حديثة تتبنى الشفافية وتحترم المعايير الحقوقية الدولية”.
وأعلن البابا خلال مؤتمر صحافي استحداث دوائر لتلقي الشكاوى من المواطنين، ودمج جهازي الشرطة والأمن العام تحت مسمى قيادة الأمن الداخلي، عدا عن استحداث إدارة لحرس الحدود تُعنى بسلامة حدود سوريا البرية والبحرية، من ضمن مهامها “مكافحة الأنشطة غير القانونية وخصوصا شبكات تهريب المخدرات والبشر”.
كما تضمنت الهيكلية الجديدة “تعزيز دور إدارة مكافحة المخدرات، والعمل على تطويرها أكثر لأهميتها داخل سوريا وخارجها”، بعدما تحولت سوريا خلال الأعوام الماضية الى مصدّر رئيسي لمخدر الكبتاغون. وتضبط السلطات الجديدة بشكل دوري محاولات تهريب الى دول مجاورة.
وبموجب الهيكلية الجديدة، استحدثت الوزارة وفق البابا إدارة الحماية والأمن الدبلوماسي، من أجل ضمان أمن المرافق الحكومية والبعثات الدبلوماسية، التي تعيد تباعا فتح أبوابها في دمشق بعد اغلاقها خلال سنوات الحرب، إضافة الى إنشار إدارة للشرطة السياحية تُكلّف “تأمين المواقع السياحية وزوارها” الذين تعول السلطات على عودتهم الى البلاد التي تضم تراثا تاريخيا وإنسانيا كبيرا.
وتراهن دمشق على نتائج رفع العقوبات في المرحلة المقبلة، خصوصا بعيد اعلان الولايات المتحدة الجمعة رفعها رسميا العقوبات الاقتصادية، ما يشكل “خطوة ايجابية في الاتجاه الصحيح للتخفيف من المعاناة الإنسانية والاقتصادية”، وفق ما اعلنت الخارجية السورية فجر السبت.
وأعربت سوريا عن “تقديرها لجميع الدول والمؤسسات والشعوب التي وقفت الى جانبها”، مؤكدة أن “المرحلة المقبلة ستكون مرحلة إعادة بناء ما دمّره النظام البائد واستعادة مكانة سوريا الطبيعية في الإقليم والعالم”.
– “علاقة جديدة” –
وجاءت الخطوة الأميركية تنفيذا لقرار أعلنه الرئيس دونالد ترامب الأسبوع الماضي في الرياض، حيث التقى نظيره السوري أحمد الشرع بوساطة سعودية.
ووفق وزارة الخزانة الأميركية، يشمل رفع العقوبات الحكومة السورية الجديدة شرط عدم توفيرها ملاذا آمنا لمنظمات إرهابية وضمانها الأمن لأقليات دينية وإثنية.
وأصدرت وزارة الخارجية الأميركية بشكل متزامن إعفاء لمدة 180 يوما من تطبيق قانون قيصر، لضمان عدم عرقلة العقوبات للاستثمار الأجنبي في سوريا، ما يمنح الشركات ضوءا أخضر لمزاولة الأعمال في البلاد.
وفرض القانون الصادر عام 2020 عقوبات صارمة على مقربين من الاسد وعلى كل كيان أو شركة تتعامل مع السلطات السورية.
ويتيح الإعفاء القيام باستثمارات جديدة في سوريا وتقديم خدمات مالية وإجراء تعاملات على صلة بالمنتجات النفطية السورية.
وجاء رفع العقوبات الأميركية، ثم تلك التي فرضها الاتحاد الأوروبي، في وقت تحاول السلطات دفع عجلة التعافي الاقتصادي بعد سنوات الحرب التي استنزفت الاقتصاد ومقدراته ودمّرت البنى التحتية في البلاد والقدرة على توفير الخدمات الرئيسية من كهرباء ووقود.
وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في بيان الجمعة إن الاجراءات الأميركية المتخذة “تمثل الخطوة الأولى نحو تحقيق رؤية الرئيس بشأن علاقة جديدة بين سوريا والولايات المتحدة”.
ويعود تاريخ بعض العقوبات الأميركية على سوريا الى العام 1979.
كما أن الشرع، الذي كان يُعرف باسم أبو محمّد الجولاني قبل قيادته الهجوم الذي أطاح الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، كان مدرجا على قائمة الإرهاب، ورصدت واشنطن عام 2017 مكافأة بقيمة 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تقود الى اعتقاله.
وتتطلع السلطات الانتقالية من جهتها إلى إعادة بناء العلاقات مع الحكومات الغربية.
وقال وزير الخارجية أسعد الشيباني في منشور على اكس السبت “نعد شعبنا بمزيد من النجاحات في الأشهر المقبلة، استكمالا للقرارات المتتالية برفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا”.
ورغم التفاؤل برفع العقوبات، إلا أن آثارها المباشرة قد تكون محدودة في الوقت الراهن، بحسب محللين، وتتطلب اتخاذ السلطات إجراءات وتدابير عدة. ولا يكفي رفع العقوبات وحده لدفع عجلة الاقتصاد، إذ يتعين على السلطات تهيئة بنية حاضنة للاستثمار وإظهار شفافية في توقيع عقود استثمارية ضخمة.
– الشرع في تركيا –
وتعوّل سوريا على دعم الدول الصديقة والغربية لإطلاق مرحلة إعادة الاعمار في البلاد التي قدرت الأمم المتحدة كلفتها بأكثر من 400 مليار دولار.
ونوهت تركيا، التي زارها الشرع السبت على رأس وفد حكومي، برفع العقوبات الأميركية والأوروبية، معتبرة أنها تكتسب “أهمية بالغة في إطار الجهود المبذولة لإحلال الاستقرار والأمن في سوريا”.
وقالت الرئاسة السورية ان الشرع بحث مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان “عددا من الملفات المشتركة”، بينما لم تكشف انقرة بعد مضمون المحادثات.
كذلك، أعلن المبعوث الأميركي إلى سوريا أنه التقى الرئيس السوري الانتقالي في اسطنبول السبت بعد رفع العقوبات الأميركية على دمشق.
وقال السفير الأميركي في تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا توماس باراك في بيان “التقيت اليوم الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني في اسطنبول لتنفيذ قرار الرئيس ترامب الجريء لفتح الطريق للسلام والازدهار في سوريا”.
وتعد أنقرة من أبرز داعمي دمشق حاليا. وهذه الزيارة الثالثة للشرع الى تركيا منذ وصوله الى السلطة.
ويخوض الشرع مفاوضات مع المقاتلين الاكراد، الذين تعدهم انقرة “ارهابيين”.
وزار وفد حكومي ضم ممثلين لوزارتي الداخلية والخارجية السبت مخيم الهول الذي تديره الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا للبحث في آلية إخراج كافة العائلات السورية منه، وفق ما قال مسؤول كردي لفرانس برس. ويضم المخيم قسما خاصا بعائلات المقاتلين الأجانب لدى تنظيم الدولة الإسلامية والذين ترفض دولهم استعادتهم.
ومنذ اندلاعها عام 2011، أسفرت الحرب السورية عن مقتل أكثر من نصف مليون شخص، وأدت الى تهجير ونزوح أكثر من نصف عدد السكان الذي كان يقدر بنحو 23 مليون نسمة.
وبحسب ما أعلنت الداخلية السورية السبت، فإن أكثر من ثمانية ملايين شخص، أي ما يقارب نحو ثلث الشعب السوري، كانوا مطلوبين من قبل أجهزة المخابرات والأمن التابعة للنظام السابق.
بور-لار/ب ق