مرض السكري: باحث سويسري يثبت خطأ المتشكّـكين
طوّر البروفيسور مارك دوناث من زوريخ علاجا مضادا لأشهر أنواع مرض السكري، من شأنه أن يوقف تطوّر الصنف الأكثر شيوعا من هذا المرض ويضع حدا لآثاره الجانبية.
وقد نال جائزة شركة نوفارتس لأمراض السكري، وذلك في مؤتمر روما الأخير، الذي انعقد في التاسع من شهر سبتمبر 2008، وهذه هي المرة الأولى التي يحصل فيها سويسري على هذه الجائزة الرفيعة، لكنه ذكر في حديث مع سويس إنفو بأن فكرته لم تُتقبّل إلا بعد انقضاء زمن ليس بالقصير.
والجدير بالذكر، أن أبحاث البروفيسور دوناث تركزت على مرض السكري من النوع الثاني (الذي يمس 90٪ من المصابين ويظهر أحيانا في مرحلة متأخرة من العمر) الذي يسجل ارتفاعا في الفترة الأخيرة لأسباب تتعلق في معظم الحالات بأنماط المعيشة غير الصحية، كما أنه يصيب حوالي 7٪ من السكان في سويسرا.
ومن المعلوم، أن سبب الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري، هو توقف الجسم عن إنتاج الأنسولين أو إنتاجه بكميات غير كافية أو عجز الجسم عن استخدام الأنسولين بشكل فعال.
والأنسولين، هرمون تنتجه خلايا “بِـيتا البنكرياسية”، ويحتاجه الجسم في حرق السكَّـر لإنتاج الطاقة، كما أنه يتحكم في نسبة الغلوكوز الموجودة في الدم.
ويحصل أن تصاب خلايا بِـيتا بالفشل، ومن ثم بالعطب لدى مرضى النوع الثاني من السكري، ويعود الفضل للأستاذ دوناث، أخصَّـائي الغدد الصماء ومرض السكري بمستشفى جامعة زيورخ لتمكَّـنه من تحديد سبب العطب الذي يُـصيب هذه الخلايا، ومن ثم منع حصوله، حيث استطاع التوصل إلى عقار فعَّـال يحُـول دون عطَـب خلايا بِـيتا، ونجح في تجربته على الإنسان.
واللافت، أن هذا العَـقار هو ذات الدواء المخصّص لعلاج إلتهاب المفاصل “الروماتويد”، ويباع في الصيدليات تحت الاسم التجاري “أناكينرا”، وهو يمثل اليوم أمل مرضى السكري في أن يُـريحهم من معاناة الحُـقن اليومية. وقد أبدت شركات صناعة الأدوية والعقاقير بعدُ اهتمامها بهذا الاكتشاف.
سويس انفو: هل يمكن لك أن تصِـف لنا حال مريض السكري من النوع الثاني؟
مارك دوناث: في بدايات المرض، يستطيع المريض التقليل من احتياجه للأنسولين بالحِـمية وتغيير نمط المعيشة، إلا أنه مع تفاقم المرض بسبب العجز التدريجي لخلايا بِـيتا، سيضطر أخيرا لأخذ حبوب ثمّ حُقن الأنسولين.
من المهم استيعاب (فكرة) أنه ذو طابع تصاعدي ومزمن (أي أنه يستشري يوما بعد يوم، حتى يصبح مُـزمنا – التحرير)، بمعنى أن المريض ربَّـما استطاع تأخير مرضه، إلا أنه سيجد نفسه بعد 10 إلى 20 سنة بحاجة إلى تعويض الإنسولين في جسمه.
وهو ما يتطلب في العادة أخذ عدة حُـقن من الأنسولين (ليعوض بها حاجته)، وهو ما يتطلب معرفة نسبة السكَّـر في الدم وقياسها عدة مرات في اليوم الواحد (لتحديد احتياجه من الهرمون).
سويس انفو: هل يمكن أن توضح لنا كيف طورتم أبحاثكم باتجاه التصدي لهذا المرض؟
مارك دوناث: حاولنا في البداية معرفة السبب الذي يكمُـن وراء عطب خلايا بِـيتا، ثم توصَّـلنا إلى نتيجة مفادها أن مادّة تُفرز من قِـبل نفس الخلايا تسمّـى “إنترلوكين -1 بِـيتا”، هي المسؤولة عن ذلك، فعمدنا إلى استخدام عقار مُـضاد يعترض مستقبلات “إنترلوكين -1 بِـيتا” ويثبط عملها، ثم جرى تجربته على البشر، وفي عام 2007، أعلنا النتائج التي توصّـلنا إليها آنذاك، وهي أن ثمة تأثير ملحوظ للعامل المثبط على المرض، وثمة تحسُّـن في حالة المرضى، حيث انخفضت نسبة الغلوكوز في الدّم، والأهم من ذلك، هو تحسُّـن إفراز الأنسولين.
وفي هذا العام، جربنا العامل المثبط لمدّة طويلة أظهرنا خلالها أنه آمن وأن إعطاء حُـقنة واحدة من الأنسولين تكفي كي تحافظ على نسبة الغلوكوز في دم المريض لمدة تزيد على الشهر، مما يعني أن المريض لن يحتاج لأكثر من حُـقنة واحدة في الشهر.
ولقد أصابَـنا الذُّهول حين رأينا أن المريض قد زاد إنتاجه للأنسولين بنسبة 26٪ بعد شهر واحد، وقد وصلت هذه النسبة إلى 52٪ بعد ثلاثة شهور.
لا يمكننا القول بأننا قدّمنا علاجا للمرض، ولكننا فقط عالجنا مشكلة غلوكوز الدّم، ثم إننا تمكَّـنا فعلا من إبطاء تطوّر المرض، ويمكننا أن نحدث به تراجُـعا وأن نعكس مساره عبر زيادة إنتاج الأنسولين.
سويس انفو: هل فعلا سيأتي اليوم الذي يصبح فيه المصابون بالسكري، لا يحتاجون لأكثر من حقنة واحدة في الشهر؟
مارك دوناث: لا شك أن هذا الإنجاز مُـناسب جدا لمرضى السكري، سيما أنهم يضطرون الآن لتناول الكثير من الحبوب عن طريق الفم والعديد من الحُـقن، وكثيرا ما ينسونها. وفعلا، نحن جادّون ومعنا عدّة شركات لتصنيع الأدوية لتحقيق هذا الإنجاز، وأن يكون العقار مُـتاحا في الأسواق بأسرع وقت ممكن.
لربما يستغرق الأمر ثلاث سنوات، كي ينزل أول إنتاج للعقار إلى الأسواق، لكن بقية المنتجات المكملة للعقار قد تتأخَّـر قليلا، حيث تحتاج من خمس إلى سبع سنوات.
سويس انفو: كيف تفسِّـرون التشكيك الكبير الذي قابل فِـكرتكم يوم طرحتموها لأول مرة؟
مارك دوناث: هذا أمر كثير الحدوث في المجال العلمي، خاصة عندما تخرج عن المألوف. لقد قُـلنا بأن المرض نوع خاص من أنواع الالتهاب، وهذا وصف جابَـهه الناس بالاستِـهجان وإثارة الشكوك، خاصة في الأوساط الأوروبية، لأنهم يعتقدون أنه لا شأن للالتهاب بداء السكَّـري الثاني.
فجاءت المُـكافأة لنا من قِـبل المؤتمر الدولي لداء السكري، الذي عقد في روما، إشارة واضحة على قَـبول المجتمع الدولي للمفهوم الذي اعتقدناه، والمهمّ بالنسبة لنا، هو أن عدة جماعات علمية مستقلَّـة تؤكِّـد الآن النتائج التي توصَّـلنا إليها، وهذا (التطور) ما يُؤدي إلى إقناع العاملين في الميدان العلمي في نهاية المطاف.
سويس انفو: لقد كان مِـشوارا صعبا! أليس كذلك؟
مارك دوناث: بالتأكيد، وعلى أكثر من صعيد. فعلى الصعيد الشخصي، يدخل إليك من شكّ الناس فيك، الشكّ في نفسك حتى تصبح مُـحاطا بغيمة من الشكوك، وعندها تتحرّج من نشر أبحاثك ويصعُـب عليك تأمين مصدر مالي لمواصلة تلك الأبحاث.
غير أن النقطة الأولى في التحول، كانت في عام 2007، حيث تأكَّـدت النتائج الأولى لأبحاثنا وقمنا بنشرها على صفحات أشهَـر المجلات الطبية “نيو انغلاند جورنال أوف ميديسن”، وجاءت نقطة التحول الثانية هذا العام، عندما أكَّـدت تجاربُنا الجديدة كلَّ ما توصَّـلنا إليه سابقا، وبدأنا الآن نسمع الناس يقولون بأن الأمر كان واضحا منذ البداية، وأخذنا نشاهد كيف أن عدُو الأمس أصبح يسعى ليكون أقرب صديق، وهذا هو حال البشر.
لقد سعدنا بالحصول على جائزة “نوفارتس برايس” باعتبارها صادرة عن لجنة نكِـنُّ لها كل التقدير، وهي مشكّلة من ألمع الشخصيات في مجال أبحاث أمراض السكري. لقد كان اعترافا إضافيا.
سويس انفو: هل لكم أن تطلعونا على الخطوات التي تعتزمون القيام بها من أجل الاطمئنان إلى سلامة (وأمان) العقار الجديد؟
مارك دوناث: يلزمنا أولا ضبط جُـرعة الدواء المثالية ومدّة تناول المريض للعقار، وبعد ذلك، سننتقل إلى المرحلة الثالثة من البحث، وهي عبارة عن فترة طويلة من اختبارات الأمان التي لابُـدّ لأي عقار منها.
أنا متفائل بالنسبة لأمان العقار، لأن علاجا شبيها به أعطى للمصابين بمرض التهاب المفاصل “الروماتويد”، وهو آمن جدا، ونظرا لأننا نعرف الطبيعة البيولوجية لما نقوم به فلا أعتقد أنه ستكون له أعراض جانبية.
وفي أسوإ الأحوال، إنْ فشِـل العقار أو ظهرت له أعراض جانبية، فسيبقى أملنا في غيره، لأننا رسمنا خارطة طريق تحدّد لنا المسار في تجربة غيره من العقاقير.
وعلى العموم، فإني يحدوني الأمل في العثور على الدواء الناجع وِفقا للاستنتاجات التي تمخضت عنها أبحاثنا.
أستاذ متخصص في الغُـدد الصمّاء ومرض السكري بمستشفى جامعة زيورخ، ويبلغ من العمر 44 عاما.
هو أصيل مدينة جنيف، ولكنه قضى معظم حياته المهنية في زيورخ، وأمضى عامين في القدس.
وهو طبيب متمرّس يُـتابع عددا من المرضى، ويتقاسم أسابيع عمله الطويلة بين متابعة الأبحاث وعلاج المرضى ومهامه الإدارية.
مُنح جائزة “نوفارتس برايس” لأمراض السكري في مؤتمر الجمعية الأوروبية لأبحاث السكري، الذي عقد في روما في التاسع من سبتمبر 2008، وتسلم مبلغ 25.000 دولار، أي ما يعادل 27.600 فرنكا.
أكثر من يتعرض للإصابة بهذا المرض المزمن، هم أولئك الذين يُـعانون من زيادة الوزن، ويزداد عند سن 40-59، ويتأثر بالعامل الوراثي، كما أنه يصيب الأطفال والشباب، ولكن بشكل تدريجي يتزايد مع العمر.
يصاب حوالي 6-7٪ من السكان في سويسرا، بينما تصل هذه النسبة في الولايات المتحدة إلى حوالي 10 ٪، كما تزداد هذه النسبة في البلدان الفقيرة، خاصة تلك التي تعتمد نظاما غذائيا ذو سعرات حرارية عالية، وتصل النسبة في بعض المناطق إلى 50٪ من السكان.
عدد مرضى النوع الثاني من السكري، مستمر في التزايد في جميع أنحاء العالم، ويقدّر عدد المصابين عالميا بـ 230 مليون حالة، ومن المتوقع أن تصل إلى 380 مليون حالة خلال العشرين سنة القادمة، مما يجعله في مستوى الأمراض الوَبائية، وربما يصبح المرض الأكثر شُـيوعا في العالم.
في النوع الأول من السكري، يقوم الجهاز المناعي للجسم نفسه بتحطيم خلايا بِـيتا، التي تفرز الأنسولين، وهذا المرض يسُـود عند الأطفال، مما يجعلهم تحت وطأة الحاجة إلى حُـقن الأنسولين. ويأمل د. دوناث أن يستطيع الاستفادة من خبرته بالنوع الثاني من السكري، لأجل تطوير علاج للنوع الأول. ومن المتوقع أن يبدأ المحاولة في العام المقبل.
المزيد
الباحثون والعلماء السويسريون يخشون العزلة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.