مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

قراءة إسرائيلية في الاستجابات العربية لتحدى الديمقراطية

تعددت الأساليب التي اعتمدها الرؤساء والملوك والزعماء العرب للتفصي من إقرار آليات ديمقراطية حقيقية في بلدانهم Keystone

يُـخطِـئ من يظُـن أن النظم العربية فاقدة للوعي والإرادة، لاسيما فيما يتعلق بمصائرها الذاتية حين تتعرض لضغوط تستهدف تغييرها، سواء جاءت هذه الضغوط من داخلها أو من الخارج.

وخبرة السنوات الخمس الماضية، التي تعرضت فيها النظم العربية، وإن بدرجات مختلفة، لمحاولات أمريكية للتغيير تحت شعار نشر الديمقراطية، خير دليل على قدرة هذه النظم على ابتداع أساليب وإستراتيجيات مضادة، استطاعت أن تحتوى العاصفة وأن تحافظ على بقائها بأقل ثمن ممكن، كما تحافظ أيضا على علاقاتها مع الولايات المتحدة والغرب بنفس القوة والزخم.

الاستجابات العربية للضغوط الأمريكية تُـعد مجالا خصْـبا للبحث والتأويل، ربّـما لفهم ظاهرة بقاء النظم العربية بكل ما فيها من ثغرات وقصور، وربما من أجل ابتداع أساليب مناهضة للأساليب العربية، وربما ثالثا، من أجل المناورة والضغط للحصول على تنازلات عربية في ملفات وقضايا أخرى، لا علاقة لها بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وإنما بمصالح القوة العظمى الأكبر في عالمنا المعاصر أو ربما لجميع هذه الأسباب مجتمعة.

وأيا كان السبب الأصلي والأسباب الفرعية الأخرى، فإن المسألة برمّـتها ستظل مثيرة للبحث والتأويل، وتعدّ الدراسة التي تحمل عنوان “تراجع للوراء أم تقدم للأمام – استجابة النّـظم العربية لتحدّى الديمقراطية”، للباحث الإسرائيلي بارى روبن، والتي نشرها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأقصى، نموذجا للدراسات التي سعت لسَـبر أغوار النّـظم العربية في علاقتها بالمطالب الديمقراطية، وبالطبع، ليس من أجل التطوّر السياسي العربي، وإنما لأسباب تتعلّـق أساسا بالحفاظ على ما يعتبره الباحث، “المصالح الأمريكية” ومِـن ورائها “المصالح الإسرائيلية”.

محاولة إسرائيلية للتنميط

هذا هو ما يظهر من تقسيم الدراسة، التي تضمنت محاولة لتنميط الاستجابات العربية، وِفقا لمستويين، الأول، استجابات النظم الحاكمة، والثاني، استجابات القوى الإصلاحية نفسها، مع تقديم تفسير لكل نمط ثم طرح خيارات للإدارة الأمريكية في تعاملها مع النظم العربية مستقبلا.

جاءت استجابات النظم وفقا لباري روبن لتشمل عدة أنماط كبرى وهي:

· نمط إثارة الشكوك المعتادة في المطالبين بالديمقراطية، باعتبارهم امتدادا للضغوط الغربية والأمريكية، وذلك عبر تقوية الإيديولوجية القومية العربية التي توفر أداة دفاعية ضد الضغوط الخارجية، لاسيما الأمريكية. وفي هذا السياق، أعادت النظم العربية تعريف الحرب الأمريكية على الإرهاب باعتبارها حربا ضد العروبة والإسلام، وهنا يبرز المثل السوري، حسب بارى روبن، باعتباره الأبرز في توظيف مقولات القومية العربية في تعبئة الرأي العام ضد مطالب الإصلاحيين السوريين، الذين اعتبروا امتدادا لضغوط الولايات المتحدة، ومن ثمّ وجب قمعهم وعدم الالتفاف لمطالبهم.

· نمط نزع الشرعية عن المعارضة الديمقراطية، حيث خُلعت أوصاف الخيانة والتخريب على المُـنادين بالإصلاحات السياسية، ومن بينهم ـ حسب روبن ـ سعد الدين إبراهيم وأيمن نور في مصر وميشيل كيلو في سوريا.

· نمط قمع الإصلاحيين، ويشمل ذلك السّجن والتهديد والتضييق على عمل منظمات حقوق الإنسان، وكذلك الإغراء بالمال أو المناصب بعد الاعتقال من أجل تغيير مواقف الإصلاحيين وربطهم بآلة عمل النظام، وهو ما يحدث غالبا في دول الخليج العربية أو الاتّـهام بالإرهاب من قِـبل النظام، كما هو الحال مع المعارضين الليبيين الذين يعيشون في الخارج.

· نمط التحذير من الإسلاميين الذين قد يستغلّـون الديمقراطية للحصول على مكاسب قد تُـطيح بالاستقرار وبالديمقراطية معا، خاصة بعد أن حقق الإسلاميون نتائج قوية في عدد من الانتخابات التي جرت في مصر والأراضي الفلسطينية المحتلة والسعودية، الأمر الذي مثل تحذيرا من أن الديمقراطية نفسها قد تقع فريسة لفوز الإسلاميين الذين قد يصِـلون إلى السلطة عبر أدواتها، ثم بعد ذلك ينقلبون عليها، لكن في الوقت نفسه، وفقا لروبن، فإن التعسّف ضد الإسلاميين لا يمنع من إمكانية وقوفهم عمليا مع النظام في مواجهة القوى الليبرالية، باعتبار أن الأفكار والسياسات الليبرالية تهدّد كلا من النظام والإسلاميين معا.

· نمط الادّعاء بالإصلاح، من قبيل إنشاء مؤسسات قومية لحقوق الإنسان والدفاع عن المرأة ومتابعة الحوار الوطني، كما حدث في البحرين ومصر والسعودية.

· نمط إقامة إصلاحات محدودة من قبيل عقد انتخابات برلمانية أو بلدية تنافسية لم تحدث من قبل، كما جرى في المغرب والبحرين والأردن والكويت وقطر، وكذلك تطوير نظام التعليم، كما حدث في تونس، والتي شهدت تطويرا حتى في الجامعات الإسلامية، التي شدّدت على التسامح وتعددية التفسيرات الإسلامية.

ويتّـضح من هذه الأنماط، أنها متداخلة مع بعضها البعض، وهدفها الأول والأخير، هو محاصرة المطالب الإصلاحية والإصلاحيين أنفسهم، وكثير من هذه الأساليب ليس جديدا في حدّ ذاته، سواء في النظم العربية أو النظم الشمولية والديكتاتورية في العالم أجمع وعبر التاريخ.

استجابات الإصلاحيين

يحصر باري روبن الإصلاحيين في من يصفهم بالليبراليين، أي غير الإسلاميين وغير القوميين، الذين تعرّضوا للقمع وعدم التشجيع، ومن ثم لم يحقّـقوا الكثير من التقدّم ولم ترتفع شعبيتهم، كما أنهم تعرضوا للانقسام فيما بينهم، فضلا عن أنهم لجؤوا في بعض الأحيان إلى الدفاع عن آرائهم بنفس الطريقة المثيرة، التي استخدمها منافسوهم من الإسلاميين والقوميين.

بيد أن الواقع السياسي العربي أظهر أن الليبراليين لم يمثلوا قوة مستقلة بذاتهم، فهم وقعوا في فخ الانحياز، إما إلى القوميين أو الإسلاميين، كما لعب بعضهم أدوارا مساندة للنظم القمعية لمواجهة الإسلاميين، وفي بعض الأحيان وقفوا بجانب القوميين حين تعلّـق الأمر بالوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهناك من دعا إلى مساندة حق الإسلاميين في أن يحصلوا على شرعية العمل السياسي، باعتبارهم قوة فعلية لها نفوذ بين المواطنين.

ويبرز هنا سعد الدين إبراهيم، الذي طالب بالشرعية القانونية للإخوان المسلمين في مصر وبمشاركتهم في العمل السياسي دون قيود.

خطورة مفترضة على الديمقراطية

في المقابل، كان هناك من يرى أن هذه الدعوة تنطوي على خطورة على الديمقراطية نفسها، فضلا على أنها تعكِـس مدى تغلغل الإخوان في الحركات الجماهيرية المنادِية بالحريات، وهو ما تعرّضت له حركة كفاية المصرية بالفعل.

ومن خلال هذه الخريطة من تنوّع استجابات الليبراليين تُـجاه الإسلاميين والقوميين، يرى روبن أن مواقف الليبراليين لا تعرف التماسك الذاتي أو الاستمرارية وأنها تخضع للتغيير، بما يعكس عدم وضوح القِـيم العقلانية والليبرالية، لكن في كل الأحوال، فإن القوى الليبرالية لا زالت محدودة عددا وتأثيرا، ومع أن الإسلاميين والقوميين في صراع مرير أغلب الأحوال، ولكن إيديولوجياتهما أكثر انتشارا مما يطرحه الليبراليون والإصلاحيون.

واللافت للنظر هنا، أن هذه الرؤية يغلب عليها نوع من التعسّـف السياسي والفكري، إذ تنطلق من فرضية أن القوميين والإسلاميين ليسوا بإصلاحيين، وأن الليبراليين وحدهم من يحملون أفكارا ديمقراطية حقيقية، وفي هذا تشويه متعمد لمجمل الحركة العربية المطالبة بالديمقراطية، التي نهلت كثيرا من تضحيات كل القوى السياسية والفكرية، دون استثناء.

خيارات أمريكية محدودة

كما أوضحت خبرة الأعوام الماضية، فإن الخيارات المتاحة لدى الغرب لمتابعة عملية نشر الديمقراطية ليست كبيرة، وعلى الأرجُـح لن تنجح، بل ستزيد من المشكلات في المنطقة. ومع ذلك، فعلى الولايات المتحدة أن تجعل دعم الإصلاح والديمقراطية جزءا أساسيا في سياستها العامة تُـجاه المنطقة، وذلك لأسباب كثيرة، منها حسب روبن، أنه على المدى البعيد، فإن تآكل النظم القمعية والديكتاتوريات، يمثل مصلحة أمريكية كبرى، خاصة وأن هذه الديكتاتوريات تقف معارضة للسلام في المنطقة، كما أن وقوفها ضدّ حقوق الإنسان، يسهم في زيادة التطرف.

لكن من جانب آخر، فإن دعم الإصلاح يجب أن لا يتجاوز “الضرورات العملية” التي تفرضها الأوضاع الجارية في العراق والصراع العربي الإسرائيلي والحرب ضد الإرهاب، وهو ما يتطلّـب أن تكون الضغوط الأمريكية والغربية على النظم الأساسية في المنطقة إلى الحد الذي لا يؤدّي إلى هز استقرارها أو دفعها إلى أن تكون نظما أكثر تطرفا أو أن تصل فيها قِـوى غير ديمقراطية إلى سدّة الحكم، بما يؤثر على المصالح الغربية برمّـتها.

تظاهر هنا وآخر هناك

هذه الإشكاليات العملية والنتائج المتضاربة، التي قد تنتج عن فرض إصلاحات قسرية تفرض، حسب باري روبن، انتهاج سياسة واقعية متوازنة تسمح بدعم الليبراليين والقيام بإصلاحات مهمّـة، وفي الوقت نفسه، متابعة سياسة تقضي بنوع من التحالف الواقعي مع الديكتاتوريات العربية.

مثل هذا الاستنتاج النهائي، لا يختلف كثيرا عما تطالب به النظم العربية نفسها، فإذا كان بعضها يتظاهر بالإصلاح ويظل قابضا على مفاصل العملية السياسية دون تغيير يُـذكر، فإن نصيحة الباحث الإسرائيلي لصانعي القرار في واشنطن وفي الغرب عامة، تصُـب في النهاية نفسها، تظاهر هنا وتظاهر هناك، والمُـهم أن تبقى المصالح “الكبرى” في أمان وسلام.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

في هذا القسم من الدراسة التي أعدها الباحث الإسرائيلي تناول الكِـتاب باختصار طبيعة التحدي الديمقراطي الذي تواجهه الدول العربية، مشيراً إلى أنه قد نبع في الأساس من “الجماعات الديمقراطية ذوي العقلية الإصلاحية المحبطة” من الأوضاع القائمة في دولها، وقد تدعم هذا الجهد ـ كما يعتقد الكاتب ـ بواسطة الغرب، وخاصة السياسات الأمريكية، غير أن هذا الجهد قد أصابه بعض الفتور مع نجاح الجماعات الإسلامية في استخدام هذه القضية لخِـدمة أغراضهم وأهدافهم.

وطرح الكاتب الكيفية التي تعاملت من خلالها الحكومات مع المسألة الديمقراطية، مشيراً إلى أنها قامت بـ “تحييد التحدي الديمقراطي” من خلال اللجوء إلى “استجابة متعدّدة الجوانب” تضمّـنت القمع والتأكيد على مخالفة بعض جوانب الديمقراطية لبعض القيم والتقاليد السائدة في المجتمع، بالإضافة إلى الإشارة إلى عدم شرعية المعارضين والتظاهر بالاستجابة للمطالب الإصلاحية، فضلاً عن قيام بعض الدول بإصلاحات حقيقية.

وقد أوضح الكاتب أن تحرك الدول لمعاقبة المعارضين جاءت في إطار خطة كبرى، تضمنت العديد من الاستراتيجيات من بينها ما يلي:

– تَعْبِئة الجماهيرِ حول برنامج إيجابي يَعِدُهم بالنجاحَ.

– عرض تفسير بديل للحقائقِ والزعم بأن الإصلاح أَو الديمقراطية سيكون مضراً.

– تَسخير المشاعرِ القوميةِ والدينيةِ في خدمة النظامِ وفي مواجهة قوي الإصلاحِ.

– تَكذيب المنشقّين والمعارضين السياسيين وإظهارهم كخونة أمام الرأي العام.

– تضخيم الكلفة على المعارضين والتي قَدْ تتضمن السجن والتعذيب والتعرض لعائلاتهم والحرمان من الوظائفِ ومْنعُهم من السفر للخارج أَو إجبارهم على الذهاب للمنفى.

– بث الخوف في نفوس الناس من أن الإصلاح سيجلب الفوضى أو سيطرة الإسلاميين.

– إقناع الكتلة الكبيرة من التقليديين والمحافظين، والتي تشكل غالباً أغلبية السكان، أن الحكومة الموجودة والوضع القائم أفضل من الليبرالية، استناداً إلى حجة مواجهة إسرائيل وأمريكا.

– تَظَاهُر الأنظمة بكَوْنها المصلحِ الحقيقيِ من خلال المؤتمرات والخطابات والوعود والانتخابات وخَلْق مؤسسات تخدم الأهداف الحكومية (مثل جماعات حقوق الإنسان ذات الصفة الحكومية) وغير ذلك.

– أخيرا، القيام بإصلاحات حقيقية، كما في المغرب والكويت وقطر والبحرين، وربما ولكن بدرجة أقل، الأردن.

(المصدر: شبكة العلمانيين العرب بتاريخ 27 أكتوبر 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية