مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

قمة المنامة التفت على مشاكلها بتخدير موضعي

وزير الدفاع السعودي الأمير سلطان بن سعود أثناء الجلسة الافتتاحية لقمة المنامة يوم 20 ديسمبر Keystone

لم تفلح قمة المنامة إلا في ترحيل الخلاف القائم بين المملكة العربية السعودية والبحرين، حول عزم الأخيرة توقيع اتفاقيات ثنائية للتجارة الحرة خارج إطار المجلس.

لكن القمة الخليجية أظهرت في الوقت ذاته العزلة التي باتت الرياض تعايشها بين “أشقائها” داخل مجلس التعاون الخليجي.

افلت اتحاد مجلس التعاون الخليجي من أزمة عاصفة جديدة على خلفية نزاع مفاجئ ظهر قبل أسبوعين من قمة المنامة بين المملكة العربية السعودية و البحرين .

سبب الخلاف كما هو معروف هو اعتزام البحرين توقيع اتفاقية ثنائية للتجارة الحرة “بعيدا عن منطق العمل الجماعي”، حسب وصف أحد المسؤولين السعوديين.

و لم يكن أمام قادة دول مجلس التعاون الخليجي سوى ترحيل الخلاف، والاتفاق على تأجيل البحث في مسالة توقيع الدول الأعضاء اتفاقيات ثنائية مع أطراف ثالثة، و إعادة عرضها على وزراء المالية والاقتصاد الخليجيين .

عزلة الشقيق الأكبر

و رغم الحل الظرفي الذي أنقذ قمة المنامة، والتي أطلق عليها اسم “قمة زايد” تخليدا لذكرى رئيس دولة الإمارات الراحل، فإن مراقبين كثر باتوا يعتقدون جازمين أن القمة الأخيرة كرست خطوة أخرى من العزلة السعودية، التي كانت تتمتع بالنفوذ الأقوى داخل مجلس التعاون الخليجي لبضع سنوات خلت .

فبعد قطر التي “شقت عصا الطاعة مبكرا” – حسب تعبير إعلامي خليجي حضر القمة – جاء دور البحرين التي درج كثيرون على الاعتقاد بأنها الحليف الأوثق للمملكة العربية السعودية، بسبب المساعدات المباشرة و غير المباشرة التي تحصل عليها من الرياض.

و توقف المراقبون كثيرا أمام التصميم البحريني على تجاهل الاحتجاج السعودي، و المضي قدما في التفاوض الثنائي مع الولايات المتحدة الأمريكية. ورأى فيه البعض “حركة تمرد” من ناحية، فيما حسبه البعض الآخر “ضيقا سعوديا متزايدا بالتنسيق المطرد الذي يحدث على حسابها بين (الأشقاء الصغار) و بين واشنطن”.

فالرياض تعيش منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية تحت ضغوط أمريكية مختلفة، من بينها ضغوط اقتصادية لدفعها للانخراط في منظمة التجارة العالمية بشروط ثقافية ما زالت ترفضها.

ضيق على ضيق!

و زاد ضيق الرياض بسبب موجة الاحتجاجات الداخلية التي باتت تضعها في موقف حرج، فضلا عن معاينتها لتغيرات عميقة أصبحت تشق “منطقة نفوذها القديمة و التقليدية”، بدون أن تكون قادرة على لجمها .

و في المقابل، تعتقد المملكة السعودية أن الاتفاقات الاقتصادية داخل مجلس التعاون الخليجي – و في مقدمتها الاتحاد الجمركي – لا تعود ذات قيمة إذا اخترقتها اتفاقات مشابهة تتم بشكل منفرد مع أطراف غير خليجية.

و رغم أن القمة انتهت بتخدير موضعي للخلاف، فقد خرجت منها الرياض بمرارة غير خافية، و تجلى ذلك في ما أسمته صحيفة الرياض السعودية “انفلات حقيقي” داخل دول مجلس التعاون بسبب “طغيان المصالح الخاصة على المبدأ المتفق عليه”.

وتحت عنوان “زوبعة في القمة الخليجية” قالت “الرياض” في افتتاحيتها التي صدرت في قلب أعمال القمة: “في مجلس التعاون نلف وندور على قضية التعاون وكأنها تعويذة تصلح للمؤتمرات والتوصيات وإلقاء الخطب الرنانة، لكنها فاقدة الهدف حين تصبح الاتفاقات مع الدول الخارجية أهم من التعهدات والمواثيق الموقعة من قبل الأعضاء”.

وختمت “الرياض” بقولها “إن تعليق النتائج على مجهول وكأن كل دولة هي رأس الجبل، فكل من على السفح سوف يغادرون أو يسقطون بفعل اتفقوا على ألا يتفقوا”.

الأمن و الجسور

و في مقابل الخلاف السعودي البحريني الذي طغى على مجرياتها، فان قمة المنامة الخامسة و العشرين، تقدمت قليلا في اتجاهات أمنية و معيشية، حيث تمت الموافقة على تعيين البحريني العميد محمد فضل النعيمي أمينا عاما مساعدا مكلفا بالشئون الأمنية، وهو منصب يُستحدث لأول مرة في المجلس، ويدل على تركيز دول المجلس على القضايا الأمنية ومكافحة الإرهاب، في ظل تصاعد الخطر الأمني في المنطقة. وضمن هذا الإطار، حاولت القمة إرضاء السعودية بإبداء التضامن المطلق معها في محاربتها للإرهاب.

في المقابل، تبارى وزير خارجية البحرين مع أمين عام مجلس التعاون الخليجي في إبراز “إنجازات القمة” أثناء المؤتمر الصحفي الختامي. واعتبر الشيخ محمد بن مبارك الموافقة على سحب التأمين على جميع مواطني مجلس التعاون في البلدان الأعضاء التي يسافرون إليها، بالإضافة إلى تطوير بطاقة الهوية الذكية و الموحدة “إنجازا تاريخيا”.

فيما زف عبد الرحمن العطية، التي تم تجديد ولايته لفترة ثلاث سنوات أخرى، نبأ الجسر الذي سيربط قطر بأبوظبي، بالإضافة إلى الجسر بين البحرين و قطر، معتبرا ذلك بأنه “سيكون له الأثر الإيجابي على دول المجلس قاطبة”.

رغم ذلك، فإن “حزمة الإجراءات الجديدة لا تلبي طموح المواطن الخليجي الذي يأمل حصادا أوفر بعد مضي خمسة و عشرون سنة على تأسيس هذا الهيكل”، حسب قول إعلاميين خليجيين أمطروا المسؤولين بأسئلة حول “قصور” المجلس، و”احتفاظه بالقرارات في دهاليز الأمانة العامة”.

ملفات سياسية تقليدية

أما على المستوى السياسي فلم يختلف البيان الختامي لقمة المنامة عن البيانات السابقة، فقد حضر الشأن العراقي كالعادة، وأعرب قادة مجلس التعاون الخليجي عن أملهم بمشاركة “كافة فئات الشعب العراقي” في الانتخابات، كما حثوا الرئيس الأميركي جورج بوش على إعطاء قضية الشرق الأوسط “أولوية قصوى” .

وأكد القادة على “موقف ورؤية دول المجلس والموقف العربي، الذي عبرت عنه في إعلان القمة العربية في تونس، والمتمثل في التأكيد على ضرورة أن يكون التطوير والتحديث نابعا من دول المنطقة، وان تراعى خصوصيات وظروف هذه الدول من النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية، وان التدرج في جني ثمار هذا التطوير والتحديث من شأنه تحسين فرص الاستقرار والأمن والرخاء في المنطقة”.

وبطبيعة الحال لم تغب إيران عن القمة، إذ جدد المجلس تضامنه المتكرر مع دولة الإمارات العربية المتحدة في نزاعها مع طهران حول الجزر، وهو ما أثار انتقادات إيرانية أصبحت معتادة في أعقاب كل قمة خليجية.

فيصل بعطوط – المنامة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية