مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مؤتمر مكسيكو: الوقاية تظل أنجع وسيلة لمواجهة انتشار الإيدز

جلسات نقاش عديدة في مؤتمر الإيدز الدولي الذي تستضيفه العاصمة المكسيكية مكسيكو من 3 إلى 8 أغسطس 2008 Keystone

شدد مؤتمر الإيدز الدولي الُمجتمِع في مكسيكو، على أن الوقاية تبقى أحسن طريقة للحد من انتشار مرض نقص المناعة المُكتسب، بعد الإقرار بفشل تطوير تطعيم واقٍ ونقص الأموال لتوفير العلاج الثلاثي للجميع. سويسرا، المُشاركة بوفد هام في المؤتمر، كانت محط جدل بسبب موقف اللجنة الفدرالية لمحاربة الإيدز، التي روجت لتوصية مفادها أن مريضا مُصابا بالإيدز بإمكانه، وبشروط محدّدة، أن يُمارس الجنس بدون وقاية.

تتّـجه أنظار المتتّـبعين لأخبار انتشار مرض نقص المناعة المكتسب “إيدز” أو “سيدا” إلى العاصمة المسكيكية، التي تحتضن لأول مرة على تراب قارة أمريكيا اللاتينية، المؤتمر العالمي حول الإيدز في دورته السابعة عشرة.

الطفلة كارين دوناوي غونزاليس، ذات الإثنى عشر ربيعا والمنحدرة من هندوراس، مثلت بلا شك ما يتوخاه حوالي 33 مليون من المصابين بمرض الإيدز اليوم في العالم من مثل هذا المؤتمر، عندما طالبت باسم كل هؤلاء المصابين بضرورة توفير الأدوية وقبولهم في المدارس وعدم ممارسة التمييز ضدهم.

التشديد على مواصلة التجند ضد الإيدز

جُـل الخطباء الذين تعاقبوا على منصة المؤتمر، شدّدوا على ضرورة مواصلة التجنـُّد ضد الإيدز، وفي مقدمتهم مدير صندوق الأمم المتحدة لمحاربة الإيدز، الدكتور بيتر بيوت، الذي ردد عبارة مطرب الريغي من جامايكا بوب مارلي “واصلوا الكفاح”، إذ يعتبر أن العالم “دخل مرحلة جديدة في محاربة الإيدز تتمثل في الحصول على معرفة جيدة وعلى مستويات أوسع، وهي المرحلة التي عرفت تراجع عدد الوفيات بسبب الإيدز وتراجع عدد الإصابات الجديدة”، ولكنه اعترف في نفس الوقت بأن “نهاية انتشار مرض الإيدز، ليست بادية في الأفق”، قبل أن يختتم تصريحاته قائلا “لكن بإمكاننا كسب المعركة”.

من جهته، أقر رئيس الجمعية الدولية لمحاربة الإيدز بيدرو كاهن، الذي شارك في تنظيم مؤتمر مكسيكو بأن “العالم لم يـف بالتعهدات التي أعلنت عنها الأمم المتحدة في عام 2006، والتي حدّدت كهدف ضرورة توفير الوقاية والعلاج لجميع مرضى الإيدز مع موفى عام 2010”.

أما الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بان كي مون، فتطرق لمشكلة نقص التمويل متعهدا بـ “العمل على التشجيع على جمع الأموال لمحاربة الإيدز، وعلى أن يبقى ذلك من أولويات الأمم المتحدة”.

فشل جهود التوصل الى تطعيم مضاد

وكان البحاثة والعلماء، لا سيما أولئك العاملون في قطاع تطوير لقاح أو تطعيم مضاد للإيدز من المجموعات الحاضرة بقوة في مؤتمر الإيدز في مكسيكو الذي يعرف مشاركة 22 ألف شخص.

وقد أقر هؤلاء يوم الاثنين الماضي 4 أغسطس في مكسيكو بأنهم يُلاقون الكثير من المشاكل والعراقيل، وأن تحقيق تقدم ملموس في هذا المجال قد يستغرق عدة سنوات.

وإذا كان العلماء يؤمنون بأن محاربة الإيدز بشكل ناجع تتوقف على اكتشاف تطعيم واق بدل محاولة العلاج بعد الإصابة، فإنهم يعترفون أيضا بأن الجهود المبذولة حتى اليوم قد منيت بالعديد من الانتكاسات، وأن هناك ضرورة لإعادة النظر في الأسلوب المـُتبع.

وفي هذا السياق، يقول الخبير تاشي يامادا، مدير برنامج الصحة بمؤسسة بيل وميليندا غيت الخيرية “إن أبحاث التطعيم هي اليوم أقرب للفن منها للعلم”، مشيرا إلى نقص المعرفة حول كيفية تأثير فيروس الإيدز على جهاز المناعة، ونقص التمويل والمخابر، وقلـّة التنسيق في الأبحاث للحد من التبذير ومن العمل المزدوج.

ويرى مدير المبادرة من أجل تلقيح ضد الإيدز آلان بيرنشتاين أن “تلقيحا مُـضادا للإيدز لا يمكن توقعه إلا على المدى الطويل”.

استراتيجيات عديدة ولكن الوقاية تبقى الأهم

وبما أن جهود توفير لقاح أو تطعيم واق من الإصابة بمرض الإيدز مازال حديث المستقبل، وأن توفير العلاج الثلاثي للجميع مع مطلع عام 2010 ليس بالأمر السهل التحقيق، تبقى الوقاية بكل أشكالها الحل المتاح في الوقت الحالي.

وهذا ما ركّز عليه مؤتمر مكسيكو بشدة في تدخلات يوم الثلاثاء بحيث أوضح الرئيس الثاني للمؤتمر، لويس صوطو راميراز، بأن “هناك اليوم العديد من الإستراتيجيات الناجعة لتفادي الإصابة بفيروس الإيدز، وأن على الدّول جميعا أن تلتزم بشدة بتطبيق هذه الإستراتيجيات”.

ويعترف الجميع بأن الواقيات الجنسية المطاطية تُعتبر الوسيلة الوقائية الأكثر نجاعة. ولكن رئيس جمعية “إيدز” برونو سباير يرى أن “ذلك ليس بالأمر الهين دوما ولا لدى جميع الفئات”.

كما أن عملية ختان الذكور أصبحت من الوسائل الوقائية ضد مرض الإيدز، إذ أوضحت دراسة نشرت في مؤتمر مكسيكو أن عملية الختان تقلص إمكانية الإصابة عند الذكور بحوالي 50%. وتضيف هذه الدراسة أن المخاوف التي تردّدت عندما تمت التوصية باستعمال الختان كوسيلة وقائية ضد الإيدز اتضح الآن أنها كانت مخاوف مبالغ فيها. وهناك من أصبح اليوم يتحدث عن “لقاح جراحي غير مكلف وبدون مخاطر”.

وقال الباحث الفرنسي بيرتران اوفير، الذي قام بإعداد دراسة في جنوب إفريقيا أن “الختان سمح وسيسمح بتجنب إصابة 3،8 مليون شخص بالمرض، ووفاة 500 ألف شخص في بلدان جنوب الصحراء الإفريقية ما بين العام 2006 و2016”.

لذلك بدأت تتعالى أصوات حتى داخل مؤتمر مكسيكو للمطالبة بتعميم ختان الذكور في المناطق الفقيرة التي تكثر فيها حالات الإصابة بمرض الإيدز.

سويس إنفو – محمد شريف – جنيف

سويسرا التي شاركت بوفد هام يتكون من حوالي 60 عضوا من ممثلي المصالح الحكومية المعنية بموضوع الإيدز، والمنظمات غير الحكومية والمحافل العلمية، أثارت جدلا بتطرقها لموضوعين:

تبرير عدم اللجوء للواقيات الجنسية المطاطية بالنسبة لمريض الإيدز تـحت العلاج. فقد عرضت اللجنة الفدرالية المعنية بمشاكل الإيدز في سويسرا من جديد أمام مؤتمر مكسيكو نتائج دراسة كانت قد نشرتها في شهر يناير الماضي والتي جاء فيها أن “مريضا بالأيدز يتعرض للعلاج بإمكانه، وبشروط معينة، ممارسة الجنس بدون استعمال الواقيات المطاطية”.

وتقول اللجنة إن الشخص المصاب بمرض الإيدز الذي يتلقى علاجا ثلاثيا بشكل ناجع ن لا يمكنه نقل الفيروس للشريك في العملية الجنسية إذا ما توفرت عدة شروط: أن تكون عملية العلاج الثلاثي قد قضت على الفيروس في الدم منذ ستة أشهر على الأقل. وألا يكون الشخص مصابا بمرض جنسي معدي آخر.

هذا التصريح أدى الى إثارة جدل من قبل الأوساط المحرضة على الوقاية والتي رأت في ذلك إشارة خطيرة قد تضعف الجهود المبذولة عالميا للحث على الوقاية.

لكن الوفد السويسري صحح على لسان رئيس اللجنة الفدرالية المعنية بمشاكل الإيدز، بيترو فيرنازا، بعض سوء الفهم السائد بقوله “إن التوصية بالسماح بممارسة الجنس بدون وقاية لا تعني التوصية بعدم استعمال الواقيات”. كما أوضح بأن إصدار هذه التوصية “كان في إطار محاربة عملية التجريم القضائي غير العادلة التي يتعرض لها بعض المصابين بالإيدز”.

وهذا يقودنا إلى الحديث عن الموضوع الثاني المثير للجدل في هذا المؤتمر ألا وهو “تجريم عملية نقل المرض إلى الشريك في العملية الجنسية بدون وقاية”.

فقد انتقدت العديد من منظمات المجتمع المدني ومعها العديد من الخبراء “تعاظم ظاهرة التجريم فيما يتعلق بالمسؤولية في نقل المرض إلى الشريك في العملية الجنسية”، ومن ضمن هؤلاء “جمعية المساعدة السويسرية ضد مرض الإيدز”؛ إذ قال الناطق باسمها توماس ليس من مكسيكو “إن هذا يُعد إشارة خاطئة يفهم منها أن الأشخاص غير المصابين يجب ألا يهتموا بالموضوع وألا يفرضوا وجود وقاية أثناء العملية الجنسية”.

وتعود خلفية هذا الجدل من المنظور السويسري إلى قرار من المحكمة الفدرالية السويسرية التي ألغت قرار محكمة زيورخ التي برأت ذمة رجل نقل المرض إلى شريكته لكونه لم يكن يعلم أنه مصاب بالفيروس، إذ رأت المحكمة الفدرالية أن هذا الشخص البالغ من العمر اليوم 76 سنة علم من شريكة أخرى عابرة أنها كانت مصابة، وبالتالي كان عليه أن يشعر الشريكة الحالية باحتمال الإصابة لكي تحترم شروط ممارسة الجنس بطريقة محمية”.

ويرى المراقبون أن القوانين السويسرية تعتبر من أكثر القوانين صرامة في أوروبا، إلى جانب النمسا والسويد، فيما يتعلق بتجريم ومعاقبة من يتسبب في نشر مرض الإيدز.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية