مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جدلٌ حول “جـدّيـة” تعاطي السعودية مع معالجة وباء فيروس كورونا

في مطار مانيلا، خصصت السلطات الصحية الفيليبينية فضاء للحجر الصحي على المسافرين القادمين من بلدان الخليج والشرق الأوسط عموما. Keystone

فيما تؤكد الرياض أنها تبذل قصارى جهودها لمعالجة انتشار الإصابة بفيروس "كورونا" المتسبب في المتلازمة التنفسية الشرق أوسطية، أوردت وكالة رويترز للأنباء تقريرا مطولا يتهم السلطات السعودية بـ "رفض المساعدات الخارجية المعروضة من بعض الجهات" وبـ "محاولة التحكم في كل شيء"، مما يؤخر التعرف على تفاصيل كيفية انتقال المرض بين البشر، حسب رأيها.

ما الذي تم في معالجة تفشي مرض “كورونا” الجديد الذي ظهر مؤخرا في المملكة العربية السعودية وبعض بلدان الخليج وسُجلت حالات منه في بعض بلدان العالم شرقا وغربا؟ وهل ما تم لحد الآن يتم بطريقة مثلى، لتفادي مزيد من الإنتشار والأخطار، أم أن هناك هفوات حصلت وأخطاء ارتكبت ولا زالت تُرتكب بدوافع مختلفة؟

هذ بعض التساؤلات التي قد تبدو ملحة اليوم خصوصا بعد نشر وكالة رويترز تقريرا في 22 مايو 2014، اعتمد على أقوال بعض الأخصائيين، تضمن اتهامات بشأن رغبة السلطات في المملكة في مراقبة كل شيء، وتساهل المسؤولين في منظمة الصحة العالمية تجاه ذلك، مما سمح “للمتلازمة  التنفسية الشرق أوسطية (كورونا فيروس) بقتل أكثر من 175 في المملكة العربية السعودية، والإنتشار في المنطقة وصولا إلى ماليزيا، واليونان، ولبنان والولايات المتحدة مرورا ببريطانيا”.

وقد يكتسي التساؤل كل شرعيته، بعد أن أكدت منظمة الصحة العالمية من خلال لجنة الطوارئ التابعة لها في اجتماعها الخامس الذي عقدته يوم 14 مايو 2014، أن “المعطيات التي بحوزتها لا تسمح بتوفر الشروط الضرورية لإصدار إنذار عام  في المجال الصحي على المستوى الدولي”.

متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (بالإنجليزية: Middle East Respiratory Syndrome (MERS)) التي تُعرف اختصارًا باسم (‎ (MERS-CoV، ويُعرف أيضاً بـ “فيروس كورونا الشرق الأوسط” أو فيروس كورونا الجديد (أو كورونا نوفل أو بالفيروسة المُكللة).

تمت مُعاينة هذا الفيروس لأول مرة يوم 24 سبتمبر 2012 في مدينة جدة (السعودية) عن طريق الدكتور المصري محمد علي زكريا، المتخصص في علم الفيروسات بعدما نجح في عزل فيروس من رجل توفي في أعقاب ضيق حاد في التنفس وفشل كلوي. ويُعتبر الفيروس السادس من فصيلة الفيروسات التاجية.

أطلق عليه في البداية عدد من الأسماء المختلفة مثل “شبيه سارس” أو “سارس السعودي” في بعض الصحف الأجنبية، واتفق مؤخراً على تسميته “فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الجهاز التنفسي الشرق أوسطي” ويرمز له اختصاراً MERS-CoV.

اتهامٌ هنا.. واستغرابٌ هناك

يقول تقرير وكالة رويترز الذي أعدته مراسلتها العلمية كيت كيلاند، إن الخبراء الذين تحدثت إليهم، يرون أن “هذه الوفيات والإصابات كان بالإمكان وضع حد لها في غضون عامين من أول ظهور لفيروس متلازمة التنفس الشرق أوسطية MERS-CoV، لو كانت المملكة العربية السعودية أكثر انفتاحا على التعاون الخارجي الذي عرضه عدد من الأخصائيين من مختلف أنحاء العالم”.

ويضيف تقرير وكالة رويترز “لكن السلطات السعودية، وفقا لرأي الأخصائيين، رفضت عروض المساعدة التي تم التقدم بها مرارا بما في ذلك من خبراء من منظمة الصحة العالمية ومن مركز ايراسموس روتردام الهولندي، ومن فريق خبراء يشتغل لحساب قطاع الصحة العمومي في لندن ببريطانيا”. وهو ما رد عليه نائب وزير الصحة السعودي زياد مميش، في رسالة الكترونية وجّهها للوكالة، عبر فيها عن استغرابه  لدوافع أصحاب هذه الإنتقادات، مضيفا “إنني مرتاح للطريقة التي عالجت بها السلطات السعودية هذا الإنتشار للفيروس، وسنواصل إقحام مزيد من الشركاء للتعريف بالنجاحات التي تم إحرازها بخصوص هذا الفيروس”.

في هذا السياق، أوضحت لجنة الطوارئ التابعة لمنظمة الصحة العالمية في تقريرها الأخير أن “13 بلدا من الدول التي أبلغت بوجود حالات إصابة بمرض متلازمة التنفس الشرق أوسطية، شاركوا في الإجتماع الأخير (وهي ندوة تمت عبر وسائل الإتصال)، وهي: العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة واليونان والأردن والكويت ولبنان وماليزيا وعُمان والفيليبين وقطر واليمن. وقد قامت سكرتارية منظمة الصحة العالمية بمراجعة التطورات الأخيرة في مجال انتشار المرض وفي مجال الأبحاث العلمية، بالتركيز على تحليل دقيق لزيادة الإنتشار في داخل التجمعات السكنية أو في المستشفيات، وبخصوص طريقة الإنتقال، كما استعرضت الملاحظات التي دونتها بعثة منظمة الصحة العالمية أثناء زيارتها للعربية السعودية ما بين 28 ابريل و 5 مايو 2014”.

ورد في تقرير وكالة رويترز تذكيرٌ بما حصل لمكتشف فيروس كورونا الطبيب المصري الدكتور علي محمد زكريا، المتخصص في علم الميكروبات والذي كان يشتغل في مستشفى الدكتور سليمان فقيه في جدة.

في هذا الصدد، أشار تقرير رويترز إلى أنه “هو الذي عثر على أول مريض مصاب بفيروس متلازمة العدوى التنفسية الشرق أوسطية، ونشر أول تقرير عن النتائج المخبرية في موقع علمي على شبكة الإنترنت. وقد تم طرده من منصبه بعد أسبوع من ذلك بسبب نشره أمام الرأي العام أخبارا عن الفيروس الجديد. وقد عاد منذ ذلك إلى مصر وهو يشتغل حاليا في كلية الطب بجامعة عين شمس بالقاهرة”.

وفي تصريحه لرويترز، قال الدكتور علي محمد زكريا: “لقد فقدت منصبي بسبب هذا الإكتشاف”، وأضافت الوكالة أنه “لم يُتمكن من الإتصال بأحد في المستشفى (السعودي) للتعليق على ذلك”.

في المقابل، ذهب الدكتور زكريا في اتهاماته المُوجّهة إلى نائب وزير الصحة السعودي زياد مميش الى أبعد من ذلك وقال: “لقد كان غاضبا عند سماع أنني أعتزم نشر تقرير عن الإكتشاف (في بعض المجلات المتخصصة)، لأنه كان يرغب في الإحتفاظ بكل القصة لنفسه”، على حد قوله.

وفي معرض الرد، نقلت وكالة رويترز عن نائب وزير الصحة السعودي قوله: “إنه على استعداد للتعاون مع مخابر جديدة لو اقتضى الأمر ذلك، ولكن بتفادي القيام بعمل مرتين. أما فيما يتعلق بنواياه بخصوص تبني الإكتشاف فإنه لم يرد على السؤال”.

هل كان بالإمكان القيام بأكثر مما تم؟

في التقرير الأخير الصادر عن لجنة الطوارئ التابعة لمنظمة الصحة العالمية، ورد أيضا أن “أعضاء اللجنة، ووفقا لما هو متوفر من معلومات، عبّروا عن القلق لتعاظم تأثير هذه الظاهرة على وضع الصحة العمومية، ولكنهم لم يعثروا على دلائل بخصوص انتقال للفيروس بين البشر بشكل مكثف”.

في فقرة موالية، أضاف التقرير أن “لجنة الطوارئ قلقة جدا بالخصوص فيما يتعلق بارتفاع حالات الإصابة في الآونة الأخيرة، ولضعف نظم  مواجهة الأوبئة والوقاية، وللنقص في مجال تبادل المعلومات، وللتصدير المحتمل لبعض الحالات المُصابة إلى بلدان أكثر تعرضا للخطر”. في الوقت نفسه، طالبت اللجنة الدول الأعضاء ومنظمة الصحة العالمية بـ “اتخاذ إجراءات  فورية في هذه المجالات”.

في المقابل، يُشكك تقرير وكالة رويترز في جدية ما تم إنجازه حتى الآن، مستخلصا أنه “لم يتم حتى اليوم في المملكة العربية السعودية القيام بدراسة حالة مكتملة، مما يعني أنه لا يُمكن تقديم أجوبة عن التساؤلات الأساسية  المطروحة بخصوص قدرات الفيروس، والمصادر التي تطور منها، وما الذي يمكن أن يتسبب فيه في المستقبل”. وهو ما يقول بشأنه دافيد هايمان، أستاذ الأمراض المُعدية، ورئيس مؤسسة الصحة العمومية في بريطانيا، ورئيس قسم الأمن الصحي بالمعهد الملكي للدراسات الدولية: “إنها لمأساة بالنسبة لهؤلاء الأشخاص المصابين، أن لا يتعرفوا على مصدر إصابتهم، وأن تتواصل إصابة آخرين بفيروس كان بالإمكان أن يتفادوه لو حصلنا على المعلومات الضرورية”، على حد قوله.

إضافة إلى ذلك، أوردت مُعدّة التقرير بشهادة بعض المراكز التي تعاملت معها السلطات السعودية “بشكل متقطع” بما في ذلك منظمة الصحة العالمية، ومراكز مراقبة والوقاية من الأوبئة في الولايات المتحدة، وجامعة كولومبيا وتحالف “ايكوهيلث”، وأشارت إلى أن “بعضا من موظفي هذه المراكز أعربوا عن خيبة أمل بخصوص التلكؤ الظاهري لعدم معالجة السلطات السعودية لهذا الوضع بشكل طارئ”.

من جهة أخرى، أفاد التقرير أن البعثات العلمية التابعة لمنظمة الصحة العالمية، التي تم القيام بها إلى بلدان الشرق الأوسط، من أجل تقديم الدعم للعربية السعودية للقيام بالتحريات الضرورية لمعرفة مصدر الإنتشار المحتمل “ما زال القسم الأكبر من مهامها لم يُنجز لحد اليوم”. 

وفي هذا الصدد، يقول جيريمي فارار، الخبير في الأمراض المعدية ومدير مؤسسة “ويلكوم تروست شاريتي”: “لا زال الكثير مجهولا في رصيدنا المعرفي عن طريقة العدوى بعد 20 شهرا من الظهور، سواء فيما يتعلق بتفاصيل المرض، أو بطرق انتقاله، أو خصوصياته الفيروسية، أو إمكانية تطوره”، ثم يضيف “لقد تم تقديم الكثير من المساعدة للسعوديين ولكنهم لم يكونوا منفتحين لذلك”، على حد قوله.

نصحت وزارة الصحة التونسية الخميس التونسيين بـ”تأجيل” أداء مناسك العمرة والحج هذا العام إلى البقاع المقدسة في السعودية تحسبا من فيروس كورونا المتسبب في متلازمة الشرق الاوسط التنفسية.

ودعا نور الدين بن عاشور مدير “المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة” التابع لوزارة الصحة، التونسيين، في تصريح عبر اذاعة موزاييك إف إم الخاصة، إلى “تأجيل العمرة والحج في الوقت الحاضر”.

من ناحيتها قالت وزارة الصحة في بيان نشرته على صفحتها الرسمية في فيسبوك إنها “تنصح المسنّين والمصابين بأمراض مزمنة والنساء الحوامل والأطفال دون 12 سنة، بتأجيل القيام بالعمرة أو الحج إلى موعد لاحق، وذلك حفاظا على صحتهم”.

وفي ايار/مايو 2013، أعلنت تونس تسجيل اصابة ثلاثة اشخاص بفيروس كورونا، بحسب وزارة الصحة التي اكدت في بيانها عدم تسجيل اصابات جديدة بالفيروس باستثناء الحالات الثلاث المذكورة.

والأربعاء، أعلنت وزارة الصحة السعودية عن وفاة جديدة بفيروس كورونا، ما رفع العدد الكلي للوفايات الى 176 في المملكة، أول بؤرة للفيروس الذي ظهر في 2012.

وارتفع عدد الاصابات بالفيروس في المملكة الى 544 توفي منهم 176 شخصا بحسب الموقع الالكتروني لوزارة الصحة السعودية. وتم احصاء حالات اصابة بفيروس كورونا في بلدان عدة بينها الاردن ومصر ولبنان وايضا الولايات المتحدة، لكن غالبية المصابين سافروا او عملوا في السعودية مؤخرا.

المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية