مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مكافحة الإرهاب بين تعزيز الوقاية والخشية من التجاوزات

تجهيزات متطورة للتنصّـت على المكالمات الهاتفية الدولية في زيمّـرفالد بكانتون برن، ضمن نظام أونيكس السويسري Keystone

حولت الحكومة الفدرالية يوم 15 يونيو الجاري مشروع قانون جديد إلى البرلمان، يتضمن ترسانة من الإجراءات الجديدة، يُـفترض أن تساعد على التصدي بشكل أفضل للإرهاب أو التجسس.

وزير العدل والشرطة شدد على ضرورة تعزيز القوانين الحالية، مشيرا إلى ارتفاع حجم التهديدات، لكن مواقف الأحزاب السياسية تتراوح بين الترحيب ببعض الإيجابيات والتوجّـس من فتح الباب بوجه التجاوزات.

لم يتوقف الجدل في سويسرا منذ 11 سبتمبر 2001 عن احتمالات تعرّض البلاد أو مواطنيها ومصالحها في الخارج إلى اعتداءات إرهابية، لكن الإجراءات القانونية المتّـخذة، ظلت محدودة جدا، مقارنة بالتشريعات الصارمة، التي اعتُـمدت في عدد من البلدان الغربية، التي تضررت بشكل مباشر من الموجة الإرهابية.

بالتوازي مع ذلك، انكبّـت الحكومة على إعداد ترسانة من الإجراءات والتحويرات القانونية، لتمكين سلطات الأمن والقضاء من الآليات الضرورية لاستباق الأحداث والتوقي من كل الاحتمالات.

في هذا السياق، حولت الحكومة الفدرالية مشروعها إلى البرلمان بعد انتهاء فترة الاستشارة، التي سمحت لكل الأطراف المعنية (من أحزاب سياسية ومنظمات غير حكومية وهيئات قانونية) بالتعبير عن مواقفها وشرح مبررات رفضها أو تحفظها على بعض ما ورد فيه.

تحركات استباقية

إذا ما أقر البرلمان في الأشهر القادمة ما ورد في مشروع الحكومة، فسيُـصبح بإمكان أعوان الشرطة الفدرالية القيام بـ “أبحاث خاصة” تشمل مراقبة الاتصالات ومعاينة الأوضاع في أماكن خاصة (مثل غرف الفنادق) ووضع ميكرفونات عند الضرورة وحجز أنظمة معلوماتية بشكل سري.

وفي أجوبته على أسئلة الصحافة، شدد وزير العدل والشرطة كريستوف بلوخر على الحاجة إلى تعزيز التشريع الحالي، مشيرا إلى ارتفاع درجات التهديد، حيث أن القانون الحالي لا ينُـص إلا على عقوبات لأفعال سبق أن ارتُـكبت أو على إجراءات في حال وجود تهديد محسوس.

وأوضح الوزير أنه يجب التحرك أكثر بشكل مسبق، لذلك، يُـتوقع أن يكون دُعاة الكراهية أو الإرهابيون، الذين يُـطلق سراحهم في انتظار محاكمتهم، هدفا للإجراءات الجديدة.

منعا للتجاوزات

الحكومة الفدرالية تمسّـكت بالموقف الذي عبّـرت عنه منذ انطلاق النقاش حول الإجراءات الجديدة، وتراجعت عن فكرة وضع تعريف للإرهاب في نص القانون، مبررة ذلك بعدم وجود تعريف دولي له وبالخشية من أن يؤدي تضمين القانون لإجراءات من هذا القبيل، إلى فقدان المرونة المرجوة.

مقابل ذلك، تم اتخاذ سلسلة من الاحتياطات لتجنّـب حدوث تجاوزات. فسويسرا تظل بلدا لبراليا جدا، مثلما قال كريستوف بلوخر، الذي ذكر بأن السلطات الفدرالية لم تحظر سوى الحزب النازي الألماني وتنظيم القاعدة.

“الأبحاث الخاصة”، التي يُـفترض أن لا تزيد عن عشرة في السنة، لن يقرر القيام بها إلا في الحالات القصوى، حيث يجب أن تكون جميع وسائل البحث والتقصي الأخرى قد فشلت في الوصول إلى نتيجة وأن يكون هناك اشتباه ملموس بوجود تهديد للأمن، إضافة إلى ذلك، يجب أن تكون هذه التحقيقات متعلّـقة بالإرهاب أو بانتشار أسلحة الدمار الشامل أو بالتجسس.

المزيد

المزيد

المحكمة الفدرالية الإدارية

تم نشر هذا المحتوى على في إطار إصلاح النظام القضائي السويسري، ومن أجل تخفيف أعباء العمل المتراكمة على المحكمة الفدرالية في لوزان، تم اعتماد درجة أولى للتقاضي على المستوى الفدرالي تشمل محكمتين، هما المحكمة الإدارية الفدرالية والمحكمة الجنائية الفدرالية. المحكمة الفدرالية الإدارية تبدأ في العمل في برن عام 2007، لكن مقرها النهائي سيُـحول إلى مدينة سانت غالن في عام 2010.…

طالع المزيدالمحكمة الفدرالية الإدارية

سلسلة من الموافقات الضرورية

من جهة أخرى، سيحتاج المكتب الفدرالي للشرطة، قبل القيام بأي تدخل، إلى الحصول على موافقة المحكمة الإدارية الفدرالية ثم على موافقة وزير العدل والشرطة، الذي يجب عليه أن يستشير وزير الدفاع. وفي كل الحالات، يكفي رفض صادر عن جهة واحدة من الجهات المعنية، للحيلولة دون اتخاذ الإجراءات المقترحة.

أما في صورة وجود خطر داهم، فيمكن للمكتب الفدرالي للشرطة أن يتحرك بطريقة فورية، لكن إذا ما اعترضت إحدى هذه الجهات لاحقا على تحركه، فيجب عليه تدمير ما توصلت إليه أبحاثه على الفور.

تضمن المشروع الحكومي أيضا، تعزيزا لوسائل الاعتراض القانوني، حيث سيكون متاحا رفع قضايا أمام المحاكم، إذا ما تعلق الأمر بانتهاك القانون الفدرالي، (بما في ذلك تجاوز سلطة التقدير أو المبالغة فيها) أو باستنتاجات غير دقيقة أو ناقصة لأحداث مهمة.

وعند اختتام أية عملية من هذا القبيل، يجب أن يتم إعلام الشخص الذي تمت مراقبته بذلك، إلا إذا ما تعارض ذلك مع مصالح عامة، ذات أولوية أو إذا ما يُـخشى من إلحاق الضرر بحماية أشخاص آخرين.

إجبارية الإبلاغ

في سياق الإجراءات الرامية إلى تحسين الكشف المبكِّـر عن الأخطار، ستكون السلطات الفدرالية والمحلية في الكانتونات مُـجبرة على تقديم معلومات، في صورة ما إذا كانت ضرورية، لتحديد تهديد ملموس والتوقي منه. وسوف يخضع الناقلون التجاريون، مثل سائقي سيارات الأجرة، إلى نفس هذه الواجبات، أما فيما يتعلق بالمخبرين، فسيكون بإمكانهم استعمال هوية مفتعلة.

من جهة أخرى، توفِّـر الإجراءات الجديدة لوزير العدل والشرطة إمكانية منع شخص أو منظمة، من القيام بنشاط محدد، مثل جمع الأموال، إذا ما كانت تخدم الإرهاب. في المقابل، يظل القرار المتعلق بحظر المنظمات من اختصاص الحكومة الفدرالية فحسب.

عمليا، يمكن أن يؤدي وضع هذه الترسانة من الإجراءات الجديدة (في حال إقرارها من طرف البرلمان) موضع التنفيذ، إلى إنشاء 40 وظيفة جديدة، لكن العدد الإجمالي للعاملين سيتوقف على الظروف القائمة.

يشار أخيرا إلى أن الحكومة الفدرالية قررت يوم 15 يونيو نقل “دائرة المهام الخاصة” (كانت تتبع وزارة النقل والاتصالات)، التي تُـشرف على عمليات التنصّـت الهاتفي لحساب السلطات القضائية، إلى وزارة العدل والشرطة.

سويس انفو مع الوكالات

يتوقع مراقبون للساحة السياسية أن تفشل الإجراءات المقترحة من طرف الحكومة الفدرالية لمكافحة الإرهاب في الحصول على موافقة الأغلبية في البرلمان.

الحزب الديمقراطي المسيحي أعرب عن تأييده لها، لكن الحزب الراديكالي أبدى بعض التحفظات، في حين اتّـسم موقف الحزب الاشتراكي وحزب الشعب السويسري بالتشاؤم.

المتحدث باسم حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) أعلن أن حزبه لن يؤيّـد النص لدى عرضه أمام غرفتي البرلمان، وقال “إن هناك ما يكفي من القوانين والوسائل لمكافحة الإرهاب”، مضيفا “يكفي استعمالها”.

الحزب الاشتراكي اعتبر، على لسان ناطقة باسمه، أن الحكومة الفدرالية لم تقدم الدليل على ضرورة اللجوء إلى وسائل جديدة ضد الإرهاب واعتبر أن تحويل “دائرة المهام الخاصة” إلى وزارة العدل والشرطة، يشكِّـل تكثيفا للسلطات، مثيرا للمخاوف.

الحزب الراديكالي تحفّـظ عن إعلان موقفه في انتظار توضيح بعض النقاط، مثل الشروط التي يجب توفرها للحدّ من الحرية الشخصية، وقال متحدث باسم الحزب “إن الراديكاليين لا يريدون إيجاد فضاء لا يحكمه القانون لفائدة المحققين”.

الحزب الديمقراطي المسيحي عبّـر عن ارتياحه لعدم إمكانية القيام بعمليات تنصّـت، إلا بعد الحصول على موافقة المحكمة الإدارية الفدرالية، وقالت متحدثة باسمه “إن هذه النقطة كانت تمثل إحدى المطالب الرئيسية للحزب”.

يُـصر المفوض الفدرالي لحماية المعطيات والإعلام هانس بيتر تور على رأيه، المتمثل في أن الصلاحيات الجديدة في مجال الأمن خطيرة، نظرا لأنه سيُـصبح متاحا القيام بالتنصّـت على مواطنين داخل فضائهم الخاص، حتى في غياب أي اشتباه بوجود نشاط أو عمل يعاقب عليه القانون الجنائي، كما يشير إلى أنه في حال وجود اشتباه ما، فإن التشريع الحالي يكفي.

يعترف السيد تور بأن الحماية القانونية قد شهدت تحسّنا بعد مرحلة التشاور حول الإجراءات الجديدة، لكنه ليس متأكدا من أن ذلك سيكون ناجعا.

إضافة إلى ذلك، يخشى مفوض حماية المعطيات والإعلام من أن تؤدي الوظائف الأربعون الإضافية للمصالح المكلفة بحماية البلاد، إلى زيادة إمكانية حدوث تجاوزات، وتوقّـع بأن الرقابة ستكون ضعيفة، نظرا لتراجع التمويلات المخصصة للأجهزة الرقابية عموما.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية