
منظمتان حقوقيتان تكسران المحرمات في إسرائيل باتهامات الإبادة الجماعية

من شارلوت جرينفيلد
القدس (رويترز) – تدرك اثنتان من جماعات حقوق الإنسان الإسرائيلية أنهما ستتعرضان لرد فعل عنيف بعد أن أصبحتا أول صوت داخل إسرائيل يتهمها بارتكاب إبادة جماعية في غزة، لتكسرا بذلك أمرا محرما في دولة قامت بعد المحرقة النازية (الهولوكوست).
وأصدرت منظمتا بتسيلم وأطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل تقارير في مؤتمر صحفي بالقدس يوم الاثنين، قالتا فيها إن إسرائيل تنفذ “عملا منسقا ومتعمدا لتدمير المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة”.
ويمثل ذلك أشد اتهام ممكن ضد إسرائيل التي تنفي ذلك بشدة. فتهمة الإبادة الجماعية ذات حساسية بالغة في إسرائيل، نظرا لأنها نشأت على يد فقهاء قانون يهود في أعقاب المحرقة النازية. ويرفض المسؤولون الإسرائيليون مزاعم الإبادة الجماعية باعتبارها معادية للسامية.
لذا قالت ساريت ميخائيلي المديرة الدولية لمنظمة بتسيلم إن المنظمة تتوقع أن تواجه هجمات بسبب إعلانها هذا الرأي في إسرائيل التي لا تزال تشعر بالصدمة من الهجمات التي قادتها حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023 وأسفرت عن سقوط قتلى وتلاها اندلاع الحرب في غزة.
وأضافت “درسنا جميع المخاطر التي يمكن أن نواجهها؛ المخاطر القانونية… والإعلامية والمجتمعية والمخاطر على السمعة وأنواع أخرى من المخاطر، وعملنا على محاولة التخفيف من تلك المخاطر”. وينظر إلى بتسيلم على أنها منظمة تغرد خارج التيار السياسي السائد في إسرائيل ولكنها تحظى بالاحترام على المستوى الدولي.
وقالت ميخائيلي “لدينا أيضا خبرة كبيرة في الهجمات التي تشنها الحكومة أو مواقع التواصل الاجتماعي؛ لذا فهذه ليست المرة الأولى” موضحة أن من الطبيعي “أن نتوقع (كمنظمة) أن تؤدي هذه المسألة، المشحونة والمثيرة للخلاف بشدة داخل المجتمع الإسرائيلي وعلى الصعيد الدولي، إلى رد فعل أكبر”.
ولم ترد وزارة الخارجية الإسرائيلية ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد على طلبات للتعليق.
وبعد فترة وجيزة من صدور التقارير يوم الاثنين، قال المتحدث باسم الحكومة ديفيد مينسر “نعم، بالطبع لدينا حرية تعبير في إسرائيل” لكنه رفض بشدة نتائج التقارير قائلا إن مثل هذه الاتهامات تزيد معاداة السامية في الخارج.
وعبر بعض الإسرائيليين عن قلقهم من الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة التي أدت إلى مقتل أكثر من 60 ألف فلسطيني وتدمير جزء كبير من القطاع وانتشار الجوع على نطاق واسع.
وقالت مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهي مرصد عالمي دولي لمراقبة الجوع، يوم الثلاثاء إن سيناريو المجاعة يتكشف في قطاع غزة مع ارتفاع معدلات سوء التغذية ووفاة الأطفال دون سن الخامسة لأسباب تتعلق بالجوع وتقييد وصول المساعدات الإنسانية بشدة.
وقال الممرض شمؤئيل شيرينزون (31 عاما) “بالنسبة لي، الحياة هي الحياة، وهذا أمر محزن. لا ينبغي لأحد أن يموت هناك”.
لكن الجمهور الإسرائيلي يرفض بشكل عام مزاعم الإبادة الجماعية؛ فمعظم من قتلوا في هجمات السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023 مدنيون من الرجال والنساء والأطفال والمسنين. وتقول إسرائيل إن تلك الهجمات أدت إلى مقتل 1200 شخص واقتياد 251 رهينة إلى قطاع غزة.
وقال الصحفي الإسرائيلي سيفر بلوكر في مقال بعنوان “لماذا نغض الطرف عن غزة؟”، نُشر على موقع (واي نت) الإخباري الرئيسي الأسبوع الماضي، إن صور الفلسطينيين العاديين المبتهجين بالهجمات، بل وحتى الذين يتبعون المسلحين للمشاركة في العنف، جعلت من المستحيل تقريبا أن يشعر الإسرائيليون بالتعاطف مع سكان غزة في الشهور التي أعقبت هجمات حماس.
وأضاف “أيقظت جرائم حماس في السابع من أكتوبر تشرين الأول، بعمق ولأجيال، وعي الجمهور اليهودي بأكمله في إسرائيل والذي يفسر الآن التدمير والقتل في غزة على أنه رد رادع وبالتالي مشروع أخلاقيا أيضا”.
*إسرائيل تنفي وجود إبادة جماعية
تصدت إسرائيل لاتهامات الإبادة الجماعية منذ الأيام الأولى للحرب على غزة، بما في ذلك قضية رفعتها جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية في لاهاي ندد بها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووصفها بأنها “مشينة”.
وفي حين تقول جماعات حقوق الإنسان الإسرائيلية إنه ربما يكون من الصعب العمل في ظل حكومة تنتمي لليمين المتطرف في إسرائيل، إلا أنها لا تواجه هذا النوع من القمع الصارم الذي تواجهه نظيراتها في أنحاء أخرى من الشرق الأوسط.
ودأبت إسرائيل على قول إن ما تقوم به في غزة مبرر على أنه دفاع عن النفس، وتتهم حماس باستخدام المدنيين دروعا بشرية، وهي تهمة تنفيها الحركة.
وركزت وسائل الإعلام الإسرائيلية بشكل أكبر على أزمة الرهائن الذين احتجزتهم حماس خلال ما يوصف بأنه أسوأ هجوم يحدث بشكل منفرد على اليهود منذ المحرقة.
وقالت يولي نوفاك، المديرة التنفيذية لبتسيلم، إنه في هذه الأجواء، كان وصول موظفي بتسيلم الإسرائيليين إلى الاستنتاج الصارخ بأن بلدهم مدان بارتكاب إبادة جماعية يمثل تحديا عاطفيا بالنسبة لهم.
وأضافت بغصة “إنه أمر غير مفهوم حقا، ظاهرة لا يمكن للعقل أن يتحملها”.
وتابعت “أعتقد أن عددا من زملائنا يعانون في الوقت الحالي، ليس فقط خوفا من العقوبات، ولكن أيضا لاستيعاب هذا الأمر بشكل كامل”.
وقال جاي شاليف، المدير التنفيذي لمنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل، إن المنظمة تواجه “جدارا من الإنكار”.
وتتعرض المنظمة لضغوط منذ أشهر، وتتوقع ردود فعل أقوى بعد إصدار تقريرها.
وقال شاليف لرويترز “المؤسسات البيروقراطية والقانونية والمالية مثل البنوك التي جمدت الحسابات بما في ذلك حسابنا، وبعض التحديات التي نتوقع أن نراها في الأيام المقبلة… ستزيد كثافة هذه الجهود”.
(شارك في التغطية الصحفية معيان لوبيل – إعداد محمد علي فرج ومروة سلام للنشرة العربية – تحرير محمود رضا مراد)