مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أزمة دارفور بين انفراج سياسي وتدهور إنساني

فتيات سودانيات من إقليم دارفور في مخيم جبل للاجئين شرقي جمهورية تشاد (تاريخ الصورة: 28 نوفمبر 2006) Keystone

في الوقت الذي تبدو فيه احتمالات ظهور بوادر انفراج في أزمة دارفور سياسيا، شدد رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر على تدهور الأوضاع الإنسانية للسكان المدنيين.

الانفراج المحتمل عبر محادثات طرابلس بين القادة السودانيين وزعماء بلدان الجوار يأتي عقب رفض السودان منح تأشيرة دخول لكل أعضاء لجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان.

تدفع التطورات الأخيرة بخصوص أزمة إقليم دارفور غرب السودان وما تبعث به من إشارات متضاربة تتراوح بين التصلب والتشاؤم من جهة والتفاؤل باحتمال وقوع انفراج في هذا الصراع الدائر منذ عام 2003 والذي تسبب في مقتل أكثر من 250 الف شخص ونزوح ولجوء أكثر من 2،5 مليون سوداني.

ولاشك أن أزمة دارفور ستشكل محور نقاش هام أيضا عند استئناف مجلس حقوق الإنسان لأشغاله في بداية شهر مارس القادم في جنيف نتيجة لرفض حكومة السودان منح تأشيرة دخول لكامل أعضاء لجنة تقصي الحقائق التي أرسلها المجلس لإعداد تقرير عن أوضاع حقوق الإنسان في الإقليم.

مدى جدية الجهود المبذولة

إعلان مستشار الرئيس السوداني، محجوب الخليفة، عن أن لقاء يوم الأربعاء 21 فبراير، في طرابلس بين الرؤساء السوداني والتشادي والأريتري والليبي “سمح بالتوصل الى نص اتفاق يحاول إعادة السلام الى إقليم دارفور”، يندرج في سياق الأخبار المتفائلة القليلة الواردة من المنطقة.

هذا الاتفاق، مثلما يقول السيد محجوب، يهدف الى “تطبيع العلاقات بين السودان وجارتها تشاد” من خلال تعزيز إمكانية تطبيق الاتفاق السابق بين البلدين والمبرم في طرابلس أيضا وذلك عبر تعزيزه بآليات مراقبة لوضع حد لعمليات تهريب الأسلحة عبر الحدود بين البلدين.

لقاء طرابلس الذي تميز بإحضار كل من الرئيس السوداني والرئيس التشادي معهما لممثلي المعارضة التشادية والمعارضة السودانية قد يكون مؤشرا لوجود رغبة حقيقية هذه المرة في التوصل لحل إقليمي لهذه الأزمة التي تدخلت فيها الأطراف الدولية والأممية الى حد كبير.

ولعل التساؤل الذي يطرح نفسه عند سماع مثل هذه التصريحات، هل يتعلق الأمر هذه المرة بإرادة جادة لحل الأزمة، أم أنها مجرد محاولات لربح الوقت من أجل تفادي الضغوط الدولية المتزايدة؟

تدهور الأوضاع الإنسانية

من جهة أخرى، انتهت زيارة رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر جاكوب كيللنبيرغر لمنطقة دارفور للمرة الثانية ولمدة خمسة أيام بصدور تصريحات تتحدث عن “حدوث تصعيد في تدهور الأوضاع الإنسانية” لسكان المنطقة.

فقد أشارت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان لها (صدر في جنيف) عقب زيارة السيد كيللنبيرغر لكل من قريضة ونيالا والفاشر في شمال وجنوب دارفور ولمدينة جوبا بجنوب السودان إلى “وجود إشارات منذرة بالخطر”. وهذا الخطر نابع، حسب المنظمة الإنسانية، “من تصاعد أعمال العنف في عدة مناطق من دارفور والتي أرغمت السكان المدنيين على اللجوء الى مناطق يصعب وصول منظمات الإغاثة إليها”.

وحتى الذين من بقوا في قراهم من السكان، “ليسوا في وضعية تسمح لهم بحرث مزارعهم او التوجه للأسواق لبيع منتجاتهم بسب انعدام الأمن”، مثلما تقول المنظمة.

أما بالنسبة للسكان الرحل، فقد أدى انعدام الأمن إلى “حصرهم مع قطعانهم في مناطق ضيقة يقل فيها الكلأ والماء”، الأمر الذي ترى المنظمة الإنسانية أنه “يعمل على تدهور طرق العيش التقليدية للعديد من هؤلاء السكان، في وقت يصعب فيه على منظمات الإغاثة الوصول إليهم”.

أما الذي سيترتب عن هذه الأوضاع – حسب اللجنة الدولة لصليب الأحمر – فسيتمثل في “نزوح هؤلاء السكان الى مخيمات اللاجئين والمرحلين الأمر الذي يزيد من إزدحامها”

في الوقت نفسه، ذكر رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر الأطراف المتصارعة بـ “ضرورة احترام الالتزامات الدولية والقانون الانساني الدولي”.

وتعد الجنة الدولية المنظمة الإنسانية الوحيدة التي لها موظفون أجانب في منطقة قريضة حيث تسهر على تقديم المساعدات لحوالي 120 الف مرحل المتواجدين في مخيم، بحيث تقدم لهم المساعدات الغذائية وتزودهم بالماء وبالعلاج الصحي وذلك عبر موظفيها الدوليين الثمانية وحوالي 200 من الموظفين المحليين.

وكانت اللجنة الدولية قد أعادت في بداية شهر يناير الماضي بعض فرقها الى مناطق كانت غير آمنة كما تم إرسال فرق استطلاع الى مواقع قريبة من ثابت الغريبة شمال دارفور التي لجأ إليها المستفيدون من توزيع مواد الإغاثة ممن تعرضت قراهم الى النهب والحرائق. ونفس العمليات المؤقتة شهدتها مناطق قرسيلة ومقجر وصليعة في الشمال، وكل من مهجرية وياسين قرب نيالا وردوم.

إضافة الى تقديم المساعدات الطبية والغذائية، تقوم اللجنة الدولية بنقل الرسائل ما بين أفراد العوائل الذين حال تدهور الأوضاع الأمنية دون لقائهم وتمكنت من إيصال أكثر من 45500 رسالة إلى مختلف أرجاء السودان.

جدل جديد في الأفق

في سياق متصل، من المتوقع أن يكون موضوع السودان مثار جدل في الدورة القادمة لمجلس حقوق الإنسان التي ستنعقد في جنيف من 12 مارس إلى 5 أبريل 2007.

أسباب هذا الجدل الجديد تعود الى رفض الحكومة السودانية منح تأشيرات دخول لكامل أعضاء فريق لجنة التحقيق التي أرسلها المجلس لإعداد تقرير عن أوضاع حقوق الإنسان في دارفور.

ونتيجة لذلك اكتفت اللجنة المكونة من خمسة خبراء بالتوقف في أديس ابابا وزيارة تشاد قبل العودة الى جنيف لإعداد تقريرها.

وكانت الخرطوم قد أوضحت على لسان الرئيس عمر حسن البشير بان “من بين أعضاء الجنة أشخاص يبدون في نظرنا غير نزهاء وبالتالي يصعب توقع أن يكون تقريرهم عاكسا للواقع بنزاهة”.

وتقصد الخرطوم بالدرجة الأولى الخبير بيرتران رامشاران، المفوض السامي لحقوق الإنسان بالنيابة السابق، والذي كان قد ادلى بتصريحات سابقة مفادها أن ما يجري في دارفور هو بمثابة “إبادة”.

وليست هذه هي المرة الأولى التي ترفض فيها دولة تقديم تأشيرات دخول لمحققين أمميين إذ كانت إسرائيل قد رفضت للعديد منهم بدخول ترابها أو للأراضي الفلسطينية المحتلة للقيام بتحقيق لحساب لجنة حقوق الإنسان أو مجلس حقوق الإنسان. وكانت آخر عراقيل إسرائيل قد استهدفت المقر الخاص المكلف بأوضاع حقوق الإنسان في الراضي الفلسطينية المحتلة جون دوغارد، والقس ديسموند توتو حامل شهادة نوبل للسلام والذي كلف بالتحقيق في مجازر بيت حانون.

لكن لجنة تقصي الحقائق في دارفور التي تترأسها جودي ويليامس، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، ستقدم على الرغم من ذلك تقريرها إلى مجلس حقوق الإنسان في منتصف شهر مارس.

وما من شك في أن الجدل الذي رافق تعيين أعضاء لجنة التحقيق سيثار من جديد في جلسات المجلس مما قد يعيد المحفل الأممي الى مخاطر العرقلة والتسييس بعد ان تم تسجيل بعض الانفراج بعد الإجماع الذي تم على إرسال لجنة تقصي الحقائق في دارفور.

سويس إنفو – محمد شريف – جنيف

باشرت اللجنة الدولية أنشطتها في السودان منذ عام 1984 عقب اندلاع الحرب الأهلية في جنوب البلاد, ومنذ عام 2004 في إقليم دارفور غرب السودان.

للعام الرابع على التوالي، يشكل السودان أضخم عملية ميدانية للجنة الدولية للصليب الأحمر في العالم.

تعتبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر أقدر المنظمات الإنسانية الدولية على الوصول إلى كافة أنحاء إقليم دارفور.

قررت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإهتمام لوحدها بمخيم قريضة للمرحلين داخل دارفور الذي يؤوي 120 ألف شخص من ضمنهم 18500 طفل تقل أعمارهم عن 5 أعوام.

يعمل مع اللجنة الدولية حالياً 160 موظفاً أجنبياً وأكثر من 1800 موظف محلي يتواجدون في ولايات دارفور الثلاث وفي جنوب السودان والخرطوم.

تقدر الميزانية المرصودة لأنشطة اللجنة في السودان مبدئيا بـ 73 مليون فرنك يُضاف إليها مبلغ 30 مليون فرنك يخصص لدعم مخيم قريضة.

خلال جولته التي استمرت 5 أيام، توجه السيد “كيلينبرغر” إلى “قريضة” و”نيالا” و”الفاشر”, في ولايتي جنوب وشمال دارفور, كما قصد “جوبا” في جنوب السودان.

تمحورت الأهداف الرئيسية لزيارته (وهي الثالثة إلى السودان منذ عام 2004) حول ما يلي:

– الاطلاع بنفسه ومباشرة من الميدان على الأوضاع الإنسانية والأمنية السائدة في دارفور.

– حث ممثلي الحكومة وجيش تحرير السودان بقيادة مني ميناوي والمجموعات المسلحة التي لم توقع اتفاق دارفور للسلام على الامتثال للقانون الدولي الإنساني ولاسيما تذكيرهم بواجبهم القاضي بحماية المدنيين والامتناع عن إلحاق الضرر بهم.

– المطالبة بأن تتمكن اللجنة الدولية من الوصول إلى المعوزين والمحتاجين بشكل آمن.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية