مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أمريكا – إيران: حرب “اللحظة الأخيرة” ؟

الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يخطب في اجتماع عام في مدينة شهر اي كورد 550 كلم جنوب طهران يوم 11 يونيو 2008 Keystone

هل اتفق رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت والرئيس الأمريكي بوش، على "شيء ما" حيال إيران، خلال قمتهما الاخيرة في واشنطن؟

ولماذا حرص نائب أولمرت الحالي، ورئيس الأركان السابق، شاؤول موفاز، على الإعلان فور إنتهاء هذه القمة أن “الضربة العسكرية الإسرائيلية لإيران باتت حتمية وآتية لا محالة”؟ وماذا يفعل نائب الرئيس الامريكي تشيني هذه الأيام، ولماذا يركّز بشدة على “الدور القاتل” للحرس الثوري الإيراني في العراق؟..

ثم: لماذا إنتقل مرشح الرئاسة الديموقراطي الأمريكي باراك أوباما فجأة من لغة السلام والحوار مع إيران إلى التهديد “بإستخدام كل شيء لمنعها من إمتلاك الأسلحة النووية”؟ ولماذا حرص الرئيس السوري بشار الأسد على التشديد خلال جولته الخليجية بأنه لن ينضم إلى إيران في حال تعرضها إلى حرب؟..

سيل الأسئلة من هذا النوع يكاد لا ينقطع هذه الأيام في الشرق الأوسط. وهو سيل يختلط فيها ما هو إنتخابي تكتيتكي بما هو عسكري إستراتيجي، وما هو تهديد نظري بما هو إستعدادات فعلية للحرب. والمثير أن كل هذا يجري، فيما يتفق العديد من المحللين على القول بأن عهد بوش دخل، أو يكاد، في مرحلة “البطة العرجاء” (أي الشلل السياسي) التي تمّيز السنة الأخيرة من ولاية أي رئيس في الولايات المتحدة.

بيد أن هذه الأجواء تنبيء بأن عهد بوش قد يشذ عن قاعدة البطات العرجاء، خاصة وأن ثمة جهوداً كثيفة تبذل الآن في الولايات المتحدة كما في الشرق الأوسط، لتشجيعه على هذا المنحى أو حتى (كما يعتقد البعض) لـ “جـرّه” إليه.

هل تنجح هذه الجهود؟ سنأتي إلى هذا السؤال بعد قليل. قبل ذلك وقفة أمام الغيوم التي عادت إلى التلبّد في سماء الشرق الأوسط، والتي تنذّر بالتحّول إلى “عاصفة كاملة” في حال استمر المنحى التصعيدي الراهن.

أولمرت وبوش

بداية رحلتنا الإستقصائية تبدأ من قمة أولمرت- بوش الأربعاء 4 يونيو، والتي أحيطت مداولاتها بكتمان أميركي تام وبـ “طلاقة لسان” إسرائيلية كاملة. إذ خرج بعدها رئيس الوزراء الإسرائيلي ليلعن أن نهاية البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل “بدأت تقترب”.

قال أولمرت: “مع كل يوم يمر، نقترب من وقف البرنامج النووي الإيراني. وثمة خطوات أساسية وفعلية تتخذ لمعالجة التهديد الإيراني بشكل أكثر فعالية”. وقال أيضاً إنه نتيجة لمحادثاته التي استمرت أكثر من ساعة مع الرئيس الأمريكي “باتت علامات الإستفهام بين الحليفين حول الوسائل، وقيود الوقت، ومستوى التصميم الأمريكي حول التعاطي مع البرنامج الإيراني، أقل بكثير”.

بعد ساعات قليلة من هذا التصريح الناري الذي إعتبره المحللون الإسرائيليون والأمريكيون بمثابة خطاب حرب من الدرجة الاولى، خرج موفاز ليس بخطاب حرب فحسب بل بإعلان حرب أيضاً، معلناً أن “العقوبات غير فعالة وأن الهجوم على إيران أمر لا يمكن تجنّبه”.

التفسيرات التي قدّمت لهذا الإعلان- القنبلة تركّزت في معظمها على رغبة موفاز في الإندفاع إلى أقصى التطرف الأمني والسياسي ضد طرف (إيران) يهدد بمحو إسرائيل عن الخريطة، بهدف الفوز في إنتخابات محتملة في حزب كاديما لتعيين خلف لأولمرت، في حال تدحرج رأسه على مذبح فضيحة الرشاوي المالية.

وهذا تفسير مقنع بالطبع، خاصة وأن موفاز الطموح ما زال حاقداً على اولمرت لأنه إنتزع منه وزارة الدفاع، التي تعتبر الخطوة الاولى نحو مقعد رئاسة الوزارة، ومنحها للعمالي إيهود باراك. وفي هذا الإطار، يكون موفاز قد استهدف ضرب عصفورين بحجر واحد: تكليل رأسه بغار الحرب على إيران في حال نشبت قبل إطاحة أولمرت؛ أو الظهور بمظهر المدافع الاول عن أمن إسرائيل إذا ما سقط أولمرت قبل وقوع الحرب. وفي الحالين، يتغلب موفاز على منافسته الرئيس على مقعد الرئاسة وزيرة الخارجية تسيبي ليفني.

” السر الكبير “

لكن مهلاً. المثير في هذا التطور ليس فقط موقف موفاز بل أولاً وأساساً رد فعل القادة العسكريين والسياسيين الإسرائيليين عليه.

ففي حين أن نائب وزير الدفاع ماتان فيلاني إتهمه بـ “تحويل واحدة من أهم القضايا الأمنية الإستراتيجية إلى لعبة سياسية داخل حزب كاديما”، كانت “مصادر إسرائيلية عليا” تعرب عن قلق أعمق بكثير حين قالت إنه “حين يقول موفاز، المولود في طهران والمسؤول عن الحوار الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، بأن إسرائيل ستهاجم إيران بدعم من أمريكا، فإنه بذلك يلمح إلى أن قمة أولمرت – بوش خرجت بخطة عملانية ما. وبذلك يكون قد كشف عن سر كبير وألحق أضراراً بعملية عسكرية محتملة”.

هل هذه الإتهامات في محلها؟ ليس كثيراُ. فموفاز لم يقل في تل أبيب سوى ما قاله أولمرت في واشنطن من “اقتراب موعد إنهاء البرنامج النووي الإيراني”، وإن إستخدم تعابير أكثر وضوحاً ومباشرة. ثم إن الوزيرة ليفني كانت تبلغ لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست حتى قبل زيارة أولمرت لواشنطن بأن “الخيار العسكري أصبح على الطاولة مع إيران”.

.. وتحركات تشيني

في واشنطن، وعلى هامش القمة الأمريكية – الإسرائيلية، كانت تجري مناوشات داخلية أمريكية تتمحور كلها حول وسائل تصعيد الوضع ضد إيران.

ففي جانب، كانت هناك وزارتا الخارجية والدفاع وبعض أعضاء مجلس الأمن القومي الأمريكي الذين يحبذون زيادة الضغوط الدبلوماسية والإقتصادية الامريكية، لا العسكرية، على طهران لحملها على وقف تخصيب اليورانيوم. وفي جانب آخر، هناك الصقور بقيادة نائب الرئيس تشيني الذين يدعون إلى توجيه ضربات عسكرية ماحقة ليس إلى المنشآت النووية الإيرانية بل إلى كل مواقع ومراكز الحرس الثوري الإيراني، بحجة أنه “الطرف الرئيس” الذي يزّود المقاومين العراقيين بالعبوات الناسفة التي قتلت آلاف الجنود الأمريكيين.

مركز القوة الأهم الذي يساند تشيني في هذه الدعوة الهجومية هو الجنرال بيترايوس، الذي كافأه الاول على مواقفه بترقيته من قائد للقوات الأمريكية في العراق، إلى قائد للقيادة المركزية الامريكية التي تشمل صلاحياتها منطقة جغرافية شاسعة تمتد من الشرق الأوسط إلى القرن الإفريقي، مروراً بآسيا الوسطى – بحر قزوين.

وفي حال فاز تشيني بمعركته داخل الإدارة لنقل المعركة إلى داخل الأراضي الإيرانية، يكون قد أحدث نقلة نوعية في توجهاته إزاء إيران: من تحبيذ قيام إسرائيل بالضربة الأولى إلى تأييد مبادءة أمريكا بهذه الخطوة.

نعيد هنا إلى الأذهان أن تشيني قال في مقابلة له في يناير 2005 أن “ثمة قلقاً لدى البعض من أن إسرائيل قد تفعلها(الحرب) من دون أن يطلب منها أحد ذلك. وإذا ما وضعنا في الإعتبار أن إيران مصممة على تدمير إسرائيل، فإن الإسرائيليين ربما يقررون أن يعملوا أولاً ثم ترك باقي العالم يقلق حيال تنظيف الفوضى الدبلوماسية التي ستلي ذلك”.

هذا الكلام كان قبل ثلاثة أعوام. أما الآن يبدو أن تشيني يريد القفز إلى الحرب مع إيران من بوابة العراق (عبر ضرب الحرس الثوري) لا من بوابة السلاح النووي. وهذا لسبب مقنع إذ أن قتل عناصر الحرس الثوري الذين يقتلون الشبان الامريكيين في العراق، قد تكون له شعبية بين الأمريكيين أكثر من شعار منع إيران من اقتناء الأسلحة النووية بعد سنتين أو ثلاث.

لكن، ما المانع من أن تتقاطع أهداف تشيني العراقية مع أهداف إسرائيل النووية، لتؤديا في النهاية إلى جرّ إيران وأمريكا إلى حرب شاملة؟

أمامنا شهران أو ثلاثة أشهر لا أكثر للإجابة على هذا السؤال، هي كل ما تبقى لإدارة بوش قبل أن تتحّول بالكامل إلى حكومة تصريف أعمال، بإنتظار مجيء الرئيس والإدارة الجديدين مطلع العام المقبل. وهذه الفترة هي أيضاً الفرصة الأخيرة أمام تحالف إسرائيل- تشيني – بيترايوس لتمديد الحرب إلى الأراضي الإيرانية؛ تلك الحرب التي يراها موفاز ” حتمية “، وتشاهدها ليفني “على الطاولة”، و”يحس” اولمرت بأنها “باتت قريبة”.
بقي أن يحزم الرئيس بوش أمره، أو أن يُدفع إلى فعل ذلك.
إنهما بالفعل شهران خطران للغاية في الشرق الأوسط.

سعد محيو- بيروت

طهران (رويترز) – نقل عن وزير الدفاع الايراني مصطفى محمد نجار تحذيره يوم الثلاثاء 10 يونيو 2008 لاسرائيل برد “مؤلم للغاية” اذا وجهت ضربة عسكرية لبرنامج الجمهورية الاسلامية النووي المتنازع عليه.

وكان وزير النقل الاسرائيلي شاؤول موفاز صرح لصحيفة اسرائيلية يوم الجمعة 6 يونيو بأن شن هجوم على ايران يبدو أمرا “لا مناص منه” بسبب فشل عقوبات الامم المتحدة فيما يبدو في الحيلولة دون اكتساب طهران تكنولوجيا يمكنها مساعدتها في تصنيع قنابل.

ونقلت صحيفة “ايران” اليومية الايرانية عن نجار قوله “قواتنا المسلحة على أهبة الاستعداد واذا أراد أحد القيام بمثل هذا العمل الاحمق فسيكون الرد مؤلما للغاية”.

وأدت تصريحات موفاز الى ارتفاع أسعار النفط قرابة تسعة بالمئة لتصل الى مستوى قياسي بلغ 139 دولارا للبرميل يوم الجمعة. واتهم بعض المعلقين السياسيين الاسرائيليين موفاز بالادلاء بتصريحات لتعزيز طموحاته السياسية الشخصية.

وفي القدس قال مسؤولون إن رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت طلب من الوزراء خلال الاجتماع الوزاري الاسبوعي يوم الثلاثاء 10 يونيو الاحجام عن مناقشة أمور حساسة علنا.

وكانت اسرائيل التي يعتقد أنها تملك الترسانة النووية الوحيدة في الشرق الاوسط وصفت البرنامج النووي الايراني بأنه يهدد بقاءها. وقال أولمرت الاسبوع الماضي انه يجب أن يتوقف “بكل الوسائل الممكنة”.

ولا تعترف ايران باسرائيل ويتكهن الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد بشكل منتظم بزوالها.

وتقول الولايات المتحدة التي تقود جهودا لعزل طهران بسبب أنشطتها النووية التي يخشى الغرب أن يكون هدفها تصنيع قنابل انها تريد التوصل لحل دبلوماسي للخلاف ولكنها لم تستبعد اتخاذ اجراء عسكري اذا فشل ذلك.

وكانت اسرائيل قصفت مفاعلا عراقيا عام 1981 وفي سبتمبر أيلول الماضي قصفت هدفا سوريا قالت الولايات المتحدة انه منشأة نووية سرية أقيمت بمساعدة كورية شمالية وهو ما تنفيه دمشق.

لكن كثيرا من المحللين يقولون انه يصعب على اسرائيل مهاجمة المواقع النووية الايرانية بمفردها بسبب تعددها وتحصينها وتباعدها.

وقال المحلل الدفاعي أندرو بروكس ومقره لندن لرويترز “لا يمكن أن تقوم اسرائيل بذلك بمفردها… هذا أكبر من قدرة السلاح الجوي الاسرائيلي بسبب تباعد وتعدد المواقع (النووية الايرانية)”.

وتابع بروكس من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية “الطريقة الوحيدة للقيام بذلك تتمثل في الحصول على مساعدة كاملة من الولايات المتحدة”.

وتقول ايران ان برنامجها النووي يهدف فقط لتوليد الكهرباء وهددت بالرد إذا تعرضت لهجوم.

ويقول مسؤولون ايرانيون إن الصاروخ الايراني من طراز شهاب 3 الذي يبلغ مداه ألفي كيلومتر قادر على قصف اسرائيل والقواعد الامريكية في الخليج.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 10 يونيو 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية