The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

من جزر بوهلا إلى شوارع دكا: كيف يعيد التغير المناخي رسم خريطة الهجرة؟

بنغلاديش
تواجه بنغلاديش التي تعتبر ”نقطة مناخية ساخنة“ عدداً من التحديات. 2022 Anadolu Agency

يزداد عدد الأفراد المتأثرين بالتغير المناخي باطّراد. فإلى أين يذهب من يضطر إلى ترك موطنه؟ قدّمت دراسة أجراها المعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ في بنغلاديش، إجابات غير متوقعة.  

عمل هش
سالمة، من كوريل، تشتغل عاملة نظافة في غولشان: ”الدخل متفاوت، ولا يوجد عقد عمل“. Giannis Mavris / swissinfo.ch

تعد كورايل إحدى أكبر مدن الصفيح في دكا، عاصمة بنغلاديش، حيث يعيش حوالي 50 ألف شخصٍ، وتطل على حي الأعمال  غولشان، أحد أكثر الأحياء ثراءً في هذه المدينة الكبرى. ومن هؤلاء السكان سلمى وشاهجهان، اللذان ينحدران من جزيرة بوهلا، وقد نزحا مع عائلتيهما إلى كورايل، أملاً في إيجاد عمل بحي غولشان المتاخم. 

لقد هاجر كلاهما، بعدما تهدّم منزليهما جراء الكوارث الطبيعية. إذ تتعرض جزيرة بوهلا، شأن ساحل البلاد بأكمله، إلى أعاصير متكررة، ازدادت وتيرتها وشدتها في العقود الأخيرة. كما يقوّض تآكل الأراضي وازدياد ملوحتها أسس حياة الكثير من الناس، بما في ذلك هذين الشخصين. 

وتلخّص سلمى وضعها قائلة: “أنا أرملة وأعيش مع ابني في منزل مهدّم، لكن ماذا عسانا نفعل؟ إذ لا يمكننا العودة إلى بوهلا، فقد جُرفت أراضينا”. وعلى أية حال، قد يجد المرء عملاً في حي غولشان القريب. لكن يظلّ عدم الاستقرار سائداً، حتى بالنسبة لشاهجهان فيقول: “إنني أعيش مع زوجتي وأطفالنا السبعة على أرض تمتلكها الحكومة فعلياً. ونحن بذلك تحت رحمتها، فيمكنها طردنا في أي وقت”. ولن تكون هذه هي المرة الأولى؛ فقد كان كلاهما يعيشان سابقاً مع أسرتيهما في مدن صفيح أخرى، قبل أن يستقر بهما المقام منذ عدة سنوات في كورايل. 

مصاب
شجاهان، من كورايل، يعمل طباخًا، لكنه لم يعد قادرًا على العمل بسبب إصابة: ”ابني الأكبر هو المسؤول الآن عن دخل الأسرة“. Giannis Mavris / swissinfo.ch

هكذا ينتمي كل من سلمى وشاهجهان إلى فئة آخذة في التوسع؛ فهما من مهاجري التغير المناخي ومهاجراته. ويُعتبر انتقالهما من جزيرتهما إلى مدينة كبرى عملية نمطية في هذا الصدد، لكن تحدث بوتيرة أقل مما قد يعتقده البعض.  

فقد أجرى يان فرايهاردت، من المعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ، أبحاثهرابط خارجي في بنغلاديش حول هذا الموضوع بالضبط. وتكشف النتيجة التي توصّل إليها أن “الهجرة الناجمة عن التغير المناخي تحدث في نطاق ضيق للغاية”. وفي هذا الإطار، رافق فرايهاردت مع فريقه 2200 شخصاً، يعيشون في شمال البلاد على ضفاف نهر يامونا، لمدة تربو على أربع سنوات. وتمثّلت المشكلة الكبرى هناك في التآكل الناتج عن الجرف النهري. فصرّح قائلا: “خلال هذه الفترة، ترك أكثر من عشرة بالمائة قراهم، ونزح كثير منهم إلى القرى المجاورة، وقليل منهم إلى المدن القريبة، وهذا بصورة مؤقتة فحسب. وعملياً، لم يهاجر أحد إلى ما وراء الحدود”. وقد تفاجأ الفريق البحثي بهذه النتائج الحاسمة.  

وجدير بالذكر، أن بنغلاديش تعتبر أكثر بلاد العالم اكتظاظاً بالسكان، حيث يعيش بها ما يزيد عن 170 مليون شخص، كما أنها واحدة من أكثر بلدان آسيا فقراً. وتُعدّ فضلاً عن ذلك، ونظراً لتضاريسها، واحدة من أكثر البلدان عرضة لآثار التغير المناخي السلبيّة، فهي “بؤرة تحول مناخي” حقيقية. ففي ذات الوقت، وإضافة إلى ما ذكرنا من أعاصير، تعاني البلاد من فترات جفاف آخذة في الازدياد، وأحياناً من فيضانات؛ وهذا من ناحية، نتيجةً لكميات الأمطار الغزيرة، ومن ناحية أخرى بسبب ذوبان أنهار الجليد في الهيمالايا، التي تتسبب في ارتفاع منسوب أنهار البلاد، البالغ عددها 800 نهر.  

خريطة بنغلاديش
Kai/ swissinfo

 اللجوء والهجرة والسياسة 

ينتشر على نطاق واسع اعتقاد بوجود حركة هجرة باتجاه المدن أو نحو الخارج، جراء التغير المناخي. لكنها فكرة مشوشة؛ إذ تبقى أغلب الجماعات المتضررة كجاليات نازحة داخل وطنها الأم، وغالبا ما يكون ذلك بالقرب من أماكن سكناها الأصلية.  

تُعرِّفرابط خارجي المنظمة العالمية للهجرة (IOM) مصطلح هجرة المناخ بأنها: “حركة اضطرارية لشخص أو لمجموعة من الأشخاص، نتيجة لتغيرات البيئة المفاجئة أو المتفاقمة إثر التحول المناخي، وذلك ابتعاداً عن محل السكن الأصلي داخل الدولة أو عبر الحدود الدولية، إما بصورة مؤقتة، أو دائمة، أو اتخاذ قرار في هذا الصدد.”  

ويقول فرايهارت: ”يُستخدم شبح الهجرة في السياسة، وبشكل متزايد في ما يتعلق بتغير المناخ. لذلك فإنّ تقديم الأرقام من الأهمية بمكان”.   

وتحتلّ ظاهرتا اللجوء والهجرة دوراً آخذاً في الازدياد في النقاشات السياسية، في الكثير من الدول. كما تصبح النبرة أكثر تحذيراً، مثلما يتضح من خلال المثال التالي. إذ صرح توماس ماتر، النائب بمجلس النواب (الغرفة السفلى بالبرلمان الفدرالي) عن حزب الشعب السويسري اليميني المحافظ، عام 2020 قائلا: “فقد يصبح المناخ بالنسبة لسكان القارة الإفريقية […]، التي يرغب الملايين من سكانها في الهجرة باتجاه أوروبا، وحيثما تتزايد أعداد السكان بسرعة هائلة، حجة لتقديم طلبات اللجوء”. ويقول هذا في إطار النقاشات حول المبادرة البرلمانية، التي قدمها بعنوان “استبعاد من يُعرَّفون بلاجئي البيئة أو المناخ من تعريف اللاجئ في قانون منح اللجوء”.  

وقد رُفضت مبادرة ماتر بالفعل، إلا أن للتشدد في الجدل الدائر حول الهجرة آثاره الملموسة. فعلى سبيل المثال، قلّصت سويسرا مساعداتها التنمويّة، مثلما فعلت دول أوروبية أخرى كثيرة. بل لقد كانت هناك تطورات أكثر فداحة وأكبر أثراً على الصعيد العالمي، مثل إلغاء تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) خلال ولاية دونالد ترامب الثانية. وقد انعكس أثر القرارينرابط خارجي على بنغلاديش. 

لقد طالت إجراءات التقشف في سويسرا، التعاون الدولي. فلقد عُلِّق دفع حوالي 430 مليون فرنك في السنوات القادمة. وسينعكس هذا على بنغلاديش أيضًا؛ حيث أوقفت الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون برامج التنمية الثنائية، حتى نهاية عام 2028 (وشمل هذا الإجراء ألبانيا وزامبيا أيضا).  

وتنشط سويسرا في بنغلاديش منذ خمسة عقود، وقد كان التغلب على الأثار السلبية للتحول المناخي أحد أعمدة الدعم الثنائي. 

وبشكل عام، ليست بنغلاديش غريبة على الهجرة إلى الخارج. ولطالما ارتفع مستوى هجرة العمالة إليه؛ فيعيش فيه 7،4 مليون شخص أو يزيد في عام 2020، مما يجعلها إحدى الدول الخمس الأعلى هجرة على مستوى العالم. وبحسب تقرير الهجرة العالمي لعام 2024، قد بلغت التحويلات إلى بنغلادش عام 2022، 21،5 مليارات دولار؛ بزيادة تربو على 4،5 مليارات عن إجمالي الناتج المحلي. وجاءت ثلاثة أرباع هذا المبلغ من دول الخليج، إذ تعتبر وجهة أكثر المهاجرين والمهاجرات من سكان بنغلاديش من أجل العمل. وتشير بعض التقديراترابط خارجي إلى بلوغ عدد المهاجرين والمهاجرات في العالم، حوالي 281 مليون نسمة في عام 2020، ما يمثّل 3،7% من إجمالي سكان العالم.  

وتعتبر نسبة الهجرة بسبب المناخ ضئيلة للغاية، لكن توجد توقعات بارتفاعها في المستقبل. من هنا، تحذر المنظمات غير الحكومية بانتظام، من إلغاء دعم الفئات المتضررة من التحول المناخي، إذ سيكون له أثر عكسي؛ فقد يدفع ذلك البعض إلى التوجه نحو الهجرة فعلاً. “فكثيراً ما يهاجر الناس في أعقاب الكوارث، بسبب الافتقار إلى وسائل إعادة الإعمار. فالفئات الأفقر هي الأكثر عرضة للتحول المناخي. وسيكون الدعم لأجل التأقلم مع الأوضاع الجديدة، إذا ما توفّر، على الأغلب حافزاً لها للبقاء في بيئتها المعتادة. أما إذا تركت هذه الجماعات وشأنها، فستضطرّ في كثير من الأحيان إلى الهجرة، بغرض الحصول على المال لتسديد القروض مثلا، بحسب تصريحات براشانت فيرما، المسؤول عن مشروعات مؤسسة “هيلفيتاس” (Helvetas) في بنغلاديش. 

كيف يؤثر تغير المناخ على الهجرة؟ فيديو من المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ عن بحث يان فرايهارت:

محتويات خارجية

تجربة بنغلاديش تعلمنا فنّ البقاء على قيد الحياة 

تعمل جنات حسين، باحثة في جامعة زيورخ وتجري دراسات في سونداربانس، غابات المانغروف الضخمة على ساحل بنغلاديش. ويختلف الوضع هناك عنه في الشمال فتقول: ”المشكلة الأكبر هي تملح التربة“، ويصعب الهروب منها، ولهذا السبب تتحدث عن المزيد من حركات الهجرة. ومع ذلك، غالبًا ما تكون هذه التنقلات مؤقتة؛ فتذهب النساء للعمل في مصانع النسيج في المدن مؤقّتا، أو يبحث الرجال عن عمل موسمي في أجزاء أخرى من البلاد. ويذهب البعض إلى الخارج للعمل، حيث يوجد بالفعل أصدقاء من منطقتهم.  

وبخلاف العوامل الطبيعة، تعتقد جنات حسين أنّ وجود المشروعات الوطنية والدولية القائمة بالفعل، والتي تساعد في التأقلم مع التحول المناخي في سونداربانس، يؤدّي دوراً هاماً.  

“فالفرص المتوفرة للفئات المتضررة أكثر، وهذا كنتيجة للأفكار والدعم المقدم”. وبالفعل، تعد بنغلاديش دولة رائدة في ما يتعلق بالهجرة الناجمة عن التغير المناخي، بحسب بان كي-مونرابط خارجي، الأمين العام السابق للأمم المتحدة. فانطلاقاً من سيناريوهات تفترض تزايد الهجرة الداخلية بسبب التغير المناخي، تدعم الحكومة في دكا العديد من المبادرات المحلية، التي تهدف إلى توطين مهاجري المناخ ومهاجراته بسرعة، وذلك بالقرب من الموطن الأصلي قدر المستطاع. 

وتقول جنات حسين: “فإذا ما فتحنا للناس آفاقاً، فلن تكون هناك أبداً رغبة في الهجرة أو النزوح، فما يريدونه هو الأمان للعائلات، وفرصاً للتأقلم مع الواقع الجديد”، ما يعني أيضا تلقي مساعدة من الخارج. لكن ما يحدث حالياً هو العكس… 

تحرير: مارك لوتينيغير

ترجمة: هالة فرّاج

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

المزيد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية