
السلطات السورية تسحب قواتها بالكامل من محافظة السويداء

سحبت السلطات السورية قواتها من محافظة السويداء، حيث عاين مصور لوكالة فرانس برس الخميس في مركز المدينة جثثا في الشوارع، تزامنا مع إعلان الرئيس الانتقالي أحمد الشرع أنه يريد تجنّب “حرب واسعة” مع اسرائيل التي هدّدت بتصعيد غاراتها.
وتقوّض خطوة سحب القوات من المحافظة ذات الغالبية الدرزية جهود الحكومة الانتقالية في بسط سلطتها على كامل التراب السوري بعد أكثر من سبعة اشهر على إطاحتها الحكم السابق. وتطرح مجددا تساؤلات حول قدرتها على التعامل مع الأقليات على وقع أعمال عنف على خلفية طائفية طالت مكونات عدة في البلاد.
وبدت مدينة السويداء التي شهدت في اليومين الماضيين اشتباكات دامية تخللتها انتهاكات وعمليات نهب طالت المنازل والمتاجر، أشبه بمدينة منكوبة، مع خروج المشفى الرئيسي عن الخدمة وتكدّس الجثث فيه وانقطاع خدمات المياه والكهرباء والاتصالات منذ أيام.
في وسط المدينة، قال مصور لوكالة فرانس برس إنه أحصى صباح الخميس 15 جثة على الأقل، من دون أن يتمكن من تحديد ما إذا كانت تعود لمدنيين أو مقاتلين محليين. وأفاد بأن بعض تلك الجثث منتفخة، ما يؤشر الى مقتلها قبل أيام.
وقالت الطبيبة هنادي عبيد (39 سنة) بعدما حاولت الوصول صباحا الى مقر عملها، لوكالة فرانس برس “ما رأيته من المدينة بدا كأنها خارجة للتو من فيضان أو كارثة طبيعية”.
وأضافت “نزلت باتجاه المشفى الوطني، ولكن لم استطع الوصول. طلبوا مني التريث ريثما تفتح الطرق وتنتهي فصائل محلية من عملية التمشيط”.
وأسفرت أعمال العنف التي اتخذت طابعا طائفيا خلال أربعة أيام، وشنّت خلالها اسرائيل سلسلة غارات، عن أكثر من 500 قتيل، وفق حصيلة جديدة للمرصد السوري لحقوق الإنسان الخميس.
وسحبت السلطات السورية قواتها بالكامل من محافظة السويداء ليل الأربعاء الخميس.
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لفرانس برس إن “السلطات السورية سحبت قواتها العسكرية من مدينة السويداء وكافة أنحاء المحافظة، مقابل انتشار للمقاتلين المحليين الدروز”.
ونقل مراسل فرانس برس عن مقاتلين حكوميين على أطراف المحافظة قولهم إن القوات الحكومية تلقت أوامر بالانسحاب قبيل منتصف الليل وأنهت انسحابها فجرا.
جاء ذلك بعد ساعات من إعلان وزارة الداخلية والشيخ يوسف الجربوع، أحد أبرز ثلاث مرجعيات روحية في السويداء، مساء الأربعاء التوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار، نص على إيقاف كل العمليات العسكرية بشكل فوري وتشكيل لجنة مراقبة من الدولة السورية وشيوخ دروز للإشراف على عملية التنفيذ.
لكن بحسب عبد الرحمن، فإن انسحاب القوات الحكومية “جاء بناء على اتفاق أمني اسرائيلي سوري بوساطة أميركية، بعيد التصعيد الإسرائيلي ضد السلطة الانتقالية ومطالبتها بسحب قواتها من السويداء”.
– أمام خيارين –
في كلمة متلفزة بثّها الاعلام الرسمي فجرا، أعلن الرئيس السوري “تكليف بعض الفصائل المحلية ومشايخ العقل مسؤولية حفظ الأمن في السويداء”، في خطوة قال إن هدفها “تجنب انزلاق البلاد إلى حرب واسعة جديدة”.
وأضاف “كنا بين خيارين، الحرب المفتوحة مع الكيان الإسرائيلي على حساب أهلنا الدروز وأمنهم، وزعزعة استقرار سوريا والمنطقة بأسرها، وبين فسح المجال لوجهاء ومشايخ الدروز للعودة إلى رشدهم، وتغليب المصلحة الوطنية”.
وجاءت كلمة الشرع بعيد غارات اسرائيلية عنيفة على مبنى الأركان العامة في دمشق دمّرت جزءا منه، وأسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص وفق السلطات. وشنّت اسرائيل كذلك ضربات في محيط القصر الرئاسي في دمشق وجنوب العاصمة وعلى أهداف عسكرية في السويداء.
وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الخميس أن “وقف إطلاق النار” في سوريا “انتزع بالقوة، ليس من خلال المطالب أو الاسترحام، بل بالقوة”.
– “تدخّل فعّال” –
اندلعت الاشتباكات الأحد في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية بين مسلحين دروز وآخرين من البدو السنّة، وفق المرصد، على خلفية عملية خطف طالت تاجر خضار درزيا وأعقبتها عمليات خطف متبادلة.
ومع احتدام المواجهات، أعلنت القوات الحكومية الإثنين تدخّلها في المحافظة لفضّ الاشتباكات، لكن بحسب المرصد وشهود وفصائل درزية، فقد تدخلت هذه القوات إلى جانب البدو. وقبيل وقف إطلاق النار الأربعاء، أعلنت السلطات الثلاثاء وقفا لإطلاق النار في مدينة السويداء، لكن الاشتباكات تواصلت رغم ذلك.
وتخللت المواجهات عمليات قتل وحرق ونهب للمنازل والمتاجر وانتهاكات، وفق شهادات سكان وناشطين والمرصد.
وأشاد الشرع في كلمته بـ”التدخّل الفعّال للوساطة الأميركية والعربية والتركية التي أنقذت المنطقة من مصير مجهول”.
وأعلنت الولايات المتحدة حليفة اسرائيل والتي تدعم كذلك السلطات الانتقالية في سوريا، مساء الأربعاء التوصل لوقف إطلاق نار من أجل إعادة الهدوء إلى سوريا.
وكتب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو على منصة اكس الأربعاء “توافقنا على خطوات محددة من شأنها أن تضع حدا الليلة للوضع المضطرب والمرعب”، مضيفا أنه يتوقع أن “يفي جميع الاطراف بالتزاماتهم”.
وكانت المتحدثة باسم الخارجية الأميركي تامي بروس دعت في وقت سابق الحكومة السورية إلى الانسحاب من منطقة النزاع في جنوب البلاد بهدف تهدئة التوتر مع اسرائيل.
– “إعدامات ميدانية” –
وأحصى المرصد السوري مقتل 83 مدنيا في “إعدامات ميدانية” على يد القوات الحكومية.
وتعهّد الشرع في كلمته “محاسبة من تجاوز وأساء لأهلنا الدروز فهم في حماية الدولة ومسؤوليتها”.
وكان أطلق تعهدا مماثلا بعد أعمال عنف في منطقة الساحل أسفرت عن مقتل نحو 1700 مدني غالبيتهم الساحقة من الأقلية العلوية التي تنتمي اليها عائلة الأسد، على يد قوات الأمن ومجموعات رديفة لها بحسب المرصد السوري.
ويقدّر تعداد الدروز في سوريا بنحو 700 ألف يعيش معظمهم في جنوب البلاد في محافظة السويداء خصوصا. ويتوزّع الدروز كذلك بين لبنان واسرائيل.
وتجمّع العشرات صباح الخميس عند الحدود بين سوريا واسرائيل في بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتلّ، والتي شهدت حالة من الفوضى الأربعاء عندما حاول مئات الدروز عبور الحدود بالاتجاهين.
وسار عدد من الشبان الخميس بمحاذاة هذا الجزء من الحدود وهم يلوّحون بالأعلام الدرزية ذات الألوان الخمسة.
وأورد رجل فضّل عدم الكشف عن اسمه، يقيم في قرية حضر السورية، وقد جاء برفقة ابنه الصغير للقاء أقاربهما في مجدل شمس على الجانب الإسرائيلي، “لم ننم طوال الليل”.
بور-اط/لو/لار/ب ق