The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

كيف وظّفت الولايات المتحدة المساعدات الإنسانية لبسط نفوذها في العالم؟

متحف
آبي رو صور البيت الأبيض. مكتبة ومتحف جون ف. كينيدي الرئاسي، بوسطن John F. Kennedy Presidential Library and Museum, Boston

بتفكيكه للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، يدير دونالد ترامب ظهره لاستراتيجية عمرها قرن من الزمان لاستخدام المساعدات الإنسانية كأداة للنفوذ في العالم. وتخاطر واشنطن بإضعاف مصالحها الخاصة بمجرّد إطاحتها بركيزة من الركائز التي تقوم عليها دبلوماسيتها.

فقد سلّط قرار إدارة ترامب  بحلّ الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) في بداية العام الجاري الضوء على اعتماد القطاع الإنساني بدرجة كبيرة على التمويل الأمريكي.

فبين عشية وضحاها، دخلت برامج كوكبة من الهيئات الإنسانية في شتّى أنحاء العالم؛ من وكالات أمميّة، ومنظّمات غير حكوميّة دوليّة ووطنيّة، وحكومات محليّة، في حالة من الارتباك والخوف من المجهول.  

هذا المقال هو الأخير في سلسلة من ثلاث حلقات تبحث في مستقبل المساعدات الإنسانية تزامناً مع إعلان الولايات المتحدة، ومعها المانحون الغربيون الرئيسيون، انسحابها من هذا المجال، استطلعت الحلقة الأولى آثار التخفيضات المالية في العمل الميداني للوكالات الإنسانية. أما الحلقة الثانية فقد تطرقت إلى قدرات البلدان الناشئة، وكذلك مختلف الهيئات الخاصة، على سد فجوة التمويل.

وفي السودان، البلد الذي يعاني من إحدى أسوأ الأزمات في العالم، يواجه أكثر من نصف مليون شخص خطر عدم الحصول على الغذاء بشكل منتظم، بينما في اليمن، قد لا يتمكن حوالي 220،000 نازح ونازحة من الحصول على الرعاية الصحيّة.

وكانت الولايات المتّحدة، قبل التخفيضات التي لا يزال من الصعب تقدير حجمها، تموّل بمفردها 40% من المساعدات الإنسانيّة العالميّة. بفارق كبير عن ثاني أكبر المساهمات البالغة 8%، التي تقدّمها ألمانيا. 

محتويات خارجية

وتقول فاليري غوران، مديرة التعلّم في مركز جنيف للدراسات الإنسانية: ”تعكس هذه النسبة مكانة الولايات المتحدة في الجغرافيا السياسية التي كانت سائدة في القرن العشرين“.

هربرت هوفر: أبو المساعدات الغذائية

لفهم جذور هذا التأثير، يجب أن نعود إلى الحرب العالمية الأولى عام 1914.

فمع احتلال ألمانيا لبلجيكا، ومعاناتها من مجاعة رهيبة، أنشأت الولايات المتّحدة لجنة مساعدات لتوزيع طرود غذائيّة على سكّان هذا البلد. وكان يرأسها هربرت هوفر، الذي أصبح في ما بعد رئيسًا للولايات المتّحدة. 

وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى، أنشأ هوفر عام 1919 إدارة الإغاثة الأمريكية American Relief Administration (ARA), ، التي مهّدت الطريق للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) . ونشطت هذه المنظمة في مجال المساعدات الغذائية، وكانت في البداية توزّع فائض المؤن التي لم يقدّمها الجيش الأمريكي لجنوده أثناء الحرب.

وفي عام 1921، تدخلت إدارة الإغاثة في روسيا السوفياتية، التي كانت تعاني من مجاعة كبيرة. وتشير فاليري غوران إلى أن “السؤال الذي كان مطروحًا هو ما إذا كان يجب مساعدة السكان في الأراضي التي يسيطر عليها الشيوعيون. والأهم من ذلك، كيفية استخدام تلك المساعدات الغذائية كسلاح ضد الشيوعية.”

كما أرسلت الولايات المتحدة شحنات من القمح الذي تنتجه بكميات زائدة، وكذلك آلات زراعية. ويوضّح برتراند تايت، أستاذ في جامعة مانشستر، أن الهدف من ذلك كان إبراز الولايات المتحدة في صورة الدولة المُحسنة، وإظهار تفوّق النموذج الرأسمالي وتحفيز الاقتصاد الأمريكي.”

المساعدات لصد الشيوعية

تقول فاليري غوران: “يستخدم الأمريكيون المساعدات الإنسانية لكسب القلوب والعقول. إنها ليست عملاً تضامنيًا محضا، بل أداة من أدوات الدبلوماسية الأمريكية”.

وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، وخلال الحرب الباردة التي قسمت العالم إلى معسكريْن، انكشف هذا الهدف بوضوح. ففي عام 1961، أنشأ الرئيس السابق جون كنيدي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وقد قال لمجنّديه ومجنّداته، بحسب ما نقلته صحيفة “فاينانشيال تايمزرابط خارجي“: “بما أننا لا نريد إرسال قوات أمريكية إلى المناطق الكثيرة التي تتعرّض فيها الحرية للتهديد، فإننا نرسلكم.ن أنتم.ن.”

وكان الدافع لذلك، بحسب غوران، فكرة بسيطة: “إنّ البؤس هو الأرض الخصبة التي تنمو فيها الشيوعيّة، وبالتالي قرّرت الولايات المتّحدة التدخّل في هذا النطاق.” 

وتضيف الباحثة: ”كان الهدف من المعونة الغذائيّة هو المساعدة في احتلال منطقة نفوذ في المناطق التي كانت الشيوعيّة تكتسب فيها قوّة، وفي المناطق التي تحتاج إلى الاستقرار لتكون بمثابة حصن بين الكتلتين؛ الشرقيّة والغربيّة“. وتشمل هذه المناطق الدول المتحرّرة حديثا من الاستعمار، في آسيا وأفريقيا. 

المزيد

نقاش
يدير/ تدير الحوار: دوريان بوركهالتر

أي مستقبل ينتظر القطاع الإنساني في ظل تقلص الدعم الدولي؟

أقدمت عدة دول – من بينها الولايات المتحدة وسويسرا – على تقليص ميزانياتها المخصصة للمساعدات، مما أدخل القطاع الإنساني في أزمة وجودية. وفي ضوء هذا الوضع، ما السبل التي ينبغي للعاملين والعاملات في المجال الإنساني استكشافها؟ رأيك يهمّنا!

18 إعجاب
16 تعليق
عرض المناقشة

ميلاد المنظمات غير الحكومية الكبرى

خلال الحرب الباردة، ازدهرت المنظمات غير الحكومية الأمريكية الدولية الكبرى، مثل منظمة كير (CARE)، ومنظمة إنقاذ الطفولة (Save the Children)، ولجنة الإنقاذ الدولية (IRC). وقد استفادت هذه المنظمات من تمويل عمومي كبير شابته صلات وثيقة في بعض الأحيان مع أهداف الإدارات الأمريكية المتعاقبة.

ويشير برتراند تايت إلى وجود توافق بين أهداف المنظّمات غير الحكوميّة، وأهداف السياسة الخارجيّة الأمريكيّة. ويعزّز هذا التوافق اعتماد هذه المنظّمات على الدعم الماليّ من الحكومة، بالإضافة إلى أنّ العديد من الرجال والنساء في تلك الفترة، كانوا يهربون من الأنظمة الشموليّة. لذا، كان هناك تقارب بين دعاة الحريّة والمتطوعين الذين كانوا يساعدون هؤلاء الأشخاص. 

وظهر هذا التقارب بشكل جليّ، خلال حرب فيتنام بين 1955 و1975. فلم تقدّم معظم المنظّمات غير الحكوميّة الأمريكيّة الدعم إلّا لفيتنام الجنوبيّة، التي ساندتها واشنطن عسكريًّا  واقتصاديًّا، بينما ظلّت فيتنام الشماليّة، التي كانت تحت سيطرة نظام شيوعيّ، خارج نطاق تدخّلها. ومع استمرار النزاع، بدأ عدد من العاملين والعاملات في القطاع الإنسانيّ يتساءلون عن جدوى هذا التقارب. 

ويشير برتراند تايت إلى أنّ “المنظّمات الأكثر سلميّة، التي لم تكن توافق على أهداف هذه الحرب ولا على أساليبها، نأت بنفسها عن الحكومة الأمريكيّة لاحقا”. ومن هذه المنظّمات كير وأوكسفام أمريكا، اللتّان قررتا إعادة النظر في شراكتهما مع الوكالة الأمريكيّة للتنمية الدوليّة. 

“التدخل العسكري الإنساني”

كانت التدخّلات العسكريّة الأمريكيّة، في العقود التي تلت، خاصّة في أفغانستان والعراق، مصحوبة بالمساعدات الإنسانيّة، لا سيّما الغذائيّة والطبيّة منها. وكان الهدف من تلك المساعدات؛ سعي قوّة الاحتلال لفرض الاستقرار في المناطق المحتلّة، ودعم شرعيّة سلطات الأمر الواقع التي تناصرها. 

وتقول فاليري غوران في هذا الصدد: “في الحديث عن التدخّل العسكري الإنسانيّ، يوجد خلطٌ في المصطلحات. لقد أصبحت المساعدات الإنسانيّة وسيلة لفرض التطلّعات الديمقراطيّة على بعض البلدان”. 

وفي بداية غزو أفغانستان في عام 2001، ذكر وزير الخارجيّة، كولن باول، صراحةً في خطاب له، أنّ المنظّمات غير الحكوميّة تُعتبر عنصرًا أساسيًّا ضمن الجهود العسكريّة الأمريكيّة، واصفًا إيّاها بأنّها “مُضاعِفات القوّة” و”جزء مهمّ من فريقنا القتالي”. 

ولاقى هذا الخطاب، الذي يتعارض مع مبادئ الحياد والاستقلاليّة، معارضة قويّة من المنظّمات غير الحكوميّة التي تعمل في المجال الإنسانيّ. وأكّدت منظّمة “أطباء بلا حدود” (Médecins sans frontières) أنّ هذا الأمر يعرّض موظّفيها للخطر، ويعوق وصولهم إلى المدنيين. وخلال تلك الفترة، كانت المنظّمات غير الحكوميّة هدفًا  لعدّة هجمات إرهابيّة، ومن أبرزها انفجار شاحنة مفخّخة أمام مكتب الأمم المتّحدة في بغداد عام 2003. 

ويقول برنارد تايت: “لقد سعت المنظّمات غير الحكوميّة إلى الحفاظ على استقلاليّتها، ولكنّها لم تتمكّن دائمًا من الصمود أمام وعود الحكومة الأمريكيّة بالتمويل”. 

مقر الأمم المتحدة في بغداد بعد هجوم تعرّض له قبل عشرين عاما
في 19 أغسطس 2003، أدى هجوم إرهابي على مجمع الأمم المتحدة في بغداد إلى مقتل 22 من موظفي الأمم المتحدة وإصابة أكثر من 100 شخص. Keystone / Evan Vucci

فقدان النفوذ

ويوضّح برتراند تايت ذلك بالقول: “لطالما استخدمت الولايات المتحدة المساعدات الإنسانية لخلق صداقات جديدة، والحفاظ على العلاقات القائمة وتوسيع نفوذها.”

وفي بعض المجالات، لا سيما الصحة، لقيت المساهمة الأمريكية ترحيباً واسعاً، مما سمح للبلد باكتساب إشعاع عالمي. وعلى سبيل المثال، ساعدت خطة المساعدات الطارئة لمكافحة الإيدز في الخارج (PEPFAR) التي وضعها الرئيس جورج بوش الابن في عام 2003، على إنقاذ ملايين الأرواح، لا سيما في أفريقيا. لكن مستقبلها اليوم مهدّد. وكذلك مستقبل العديد من البرامج التي لا تزال تموّلها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

وانتقد دونالد ترامب المساعدات الخارجيّة، في سياق برنامجه المسمّى “استرجاع أمريكا لعظمتها” (Make America Great Again)، ووصفها بغير الفعّالة، والمكلفة للغاية، والخاضعة لسيطرة اليسار. وكان هجومه على الوكالة الأمريكيّة للتنمية الدوليّة متوقّعًا، إلاّ أنّ السرعة التي قُرّرت بها التخفيضات وحجمها كانا أمرًا مفاجئًا. ويزعم الرئيس الجمهوريّ أنّه يركّز على مصالح الولايات المتّحدة المباشرة، لكن يعتبر بيرتراند تايت تفكيكَ الوكالة الأمريكيّة للتنمية الدوليّة “قرارا أيديولوجيّا”، قبل كلّ شيء. 

ويرى الباحث أنّ ذلك “سيكون له تأثير سلبيّ في المصالح الأمريكيّة؛ سواء على الصعيد الداخلي، لأنّ جزءا كبيرًا من المساعدات هي عبارة عن دعم غير مباشر للزراعة، أو على الصعيد الخارجي، لأنّ ذلك يمثّل فقدانًا واضحًا للنفوذ في العالم”. 

تحرير: فيرجيني مانجين

ترجمة: موسى آشرشور

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

المزيد
النشرة الإخبارية جنيف الدولية

المزيد

جنيف الدولية

جنيف الدولية عالَمٌ في حدّ ذاتها. نأخذك عبر نشرتنا الإخبارية، في رحلة تغطّي مختلفَ جوانب هذه المدينة السويسرية العالمية.

طالع المزيدجنيف الدولية

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية