مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

إدانة سويسرا بالتنميط العرقي: “لحظة مفعمة بالأمل”

قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لصالح أمين المكتبة السويسري محمد وا بايلي. هذه الصورة التُقطت وهو في طريقه إلى محكمة كانتون زيورخ في نوفمبر 2016.
قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لصالح أمين المكتبة السويسري محمد وا بايلي. هذه الصورة التُقطت وهو في طريقه إلى محكمة كانتون زيورخ في نوفمبر 2016. KEYSTONE/© KEYSTONE / ENNIO LEANZA

أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان مؤخّرًا حكماً يدين سويسرا في واقعة تمييز عنصري أثناء عملية تفتيش للشرطة، ويُطالبها بسنّ لوائح قانونية إرشادية. تُشارك خبيرة لدى الأمم المتحدة موقعَ سويس إنفو، تجربتَها مع "ثقافة الإنكار"، التي قوبلت بها لدى حديثها عن ظاهرة التنميط العرقي لدى الشرطة السويسرية.

“إنها لحظة مفعمة بالأمل، بالنسبة للعنصرية الممنهجة وثقافة الإنكار المستمرة، التي نلاحظها”، هكذا أعربت المحامية الأمريكية دومينيك داي عن سعادتها بصدور هذا الحكم. بدورها، وصفت المحامية الجنوب إفريقية، كاثرين ناماكولا، الحكم نفسه بأنه ” علامة فارقة”.

يأتي ذلك على إثر إصدار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في أواخر شهر فبراير الماضي حكماً يدين سويسرا بـ “التنميط العرقي”، وهي المرة الأولى التي تصف فيها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عملية تفتيش للشرطة محدّدة بالعنصرية.

وكانت المحكمة نفسها قد اعتبرت في 2022، أن تلك “قضية ذات أثر بالغ”. شأنها في ذلك شأن بعض القضايا المرفوعة أمام المحكمة، حيث تطرح مثل هذه القضايا أسئلة جديدة حول مدى تطبيق اتفاقية حقوق الإنسان؛ ومن هنا تعدّ هذه القضية من الأهمية بمكان بالنسبة لتطور هذه الحقوق.

أمين مكتبة دافع عن نفسه وكسب القضية

حدثت الواقعة التي صدر بشأنها حكم الإدانة قبل تسع سنوات، عندما شعر أمين مكتبة سويسري، كيني الأصل، بالتمييز العنصري، لدى إيقافه من قِبل الشرطة للتفتيش في محطة القطارات الرئيسية بمدينة زيورخ. رفض الرجل إظهار بطاقة هويته لأن ضابطيْ الشرطة اختاراه بالتحديد وسط حشد من الناس دون تقديم أي سبب للقيام بذلك. وبناءً عليه، صدر أمر بحبس أمين المكتبة. إلا أنه دافع عن نفسه إزاء هذا الحكم أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ليكسب القضية مؤخراً بالفعل.

دومينيك داي هي محامية في مجال حقوق الإنسان ومديرة منظمة دايلايت غير الربحية للعدالة متعددة الجوانب. حصلت داي على درجة البكالوريوس من جامعة هارفارد ودرجة الدكتوراه في القانون من كلية الحقوق بجامعة ستانفورد. وهي أيضًا واحدة من خمسة أعضاء في فريق الخبراء العامل التابع للأمم المتحدة المعني بالسكان المنحدرين من أصل أفريقي.
دومينيك داي هي واحدة من خمسة أعضاء في فريق خبراء وخبيرات الأمم المتحدة المعني بالأشخاص المنحدرين.ات من أصل أفريقي. swissinfo

وقد جاء حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بإجماع الهيئة القضائية: لقد كان التفتيش الشرطي عنصرياً، وكان على المحاكم السويسرية التحقق من ذلك.

حتى ذلك الوقت، كانت أية اتهامات بـ “التنميط العنصري”، تقابل بالإنكار من قٍبل المسؤولين والمسؤولات في السلطات السويسرية. وعندما يتم توجيه أي نقد لتلك السلطات، كان الرد يجيء دائماً بأنها حالات فردية.

غير أنه، وعلى إثر الاتهامات التي وجّهها إليها أمين المكتبة عام2017، اعتمدت شرطة مدينة زيورخرابط خارجي إجراءً جديداً: فمنذ ذلك الحين، أصبح واجباً على الشرطة ذكر سببٍ للتفتيش.

ما هو “التنميط العرقي”؟

يعني “التنميط العرقي” تعمّدَ الشرطة تفتيش بعض الأشخاص بعينهم.ن، فقط بسبب لون بشرتهم.ن.

المحاميتان دومينيك داي وكاثرين ناماكولا، كلتاهما عضوتان من بين خمسة أعضاء، ضمن “مجموعة العمل الأممية المكوّنة من خبراء وخبيرات من أصول أفريقية”. وقد زارت مجموعة العمل هذه سويسرا عام 2022، تلبيةً لدعوة من الحكومة السويسرية.

وأثناء الرحلة الاستقصائية، أثارت الواقعة المرفوعة آنذاك أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الكثير من الجدل. إذ تتذكر داي الحوارات التي أجرتها مع أشخاص من ذوي وذوات البشرة السمراء، حيث كان هناك شبه إجماع على أن سويسرا لن تعتبر التنميط العرقي مشكلة إلا إذا صدر حكم من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بإدانتها.

وحدها الشرطة البريطانية، تسجّل الأصول العرقية عند إجراء تفتيش

ليس لدى سويسرا بيانات في هذا الصدد. فالبلد الأوروبي الوحيد الذي يسجّل الأصل العرقي أثناء إجراء تفتيش شرطي، هو بريطانيا. وبين كل ألف شخص من ذوي وذوات البشرة السمراء، خضع 27.2 فرداً للتفتيش الشرطي، وذلك في كل من إنجلترا وويلز في الفترة ما بين إبريل 2021، وحتى مارس 2022. في المقابل، تعرّض 5.6 فرداً فقط من بين ألف شخص من ذوي وذوات البشرة البيضاء. وكانت الهوة بين الفئتين أكبر من ذلك في العام السابق.

محتويات خارجية

في تقريرها، أقرت مجموعة العمل الأممية بعد زيارتها عام 2022، برغبة الحكومة السويسرية في مكافحة التمييز العنصري وأشكال الظلم. لكنها عدّدت أيضاً عشرات المجالات التي يحدث فيها ذلك، ولم تتوانَ في توجيه النقد. وكان مما أوردته انتشار “التنميط العنصري” في عمل الشرطة، حيث ذكرت: “التنميطَ العنصري والتفتيش الشرطي المهين للفئات الشابة من ذوي وذوات البشرة السمراء، ومحاولة تجريم هذه الفئات ووصمها.”

جهل الشرطة السويسرية

في سياق متصل، تتذكّر داي ردود الفعل الفظة على عباراتها الصريحة. حيث شكّك بعض من أفراد الهيئات الرسمية السويسرية، رجالاً ونساءً، في المنهج الذي اتبعته مجموعة العمل الأممية، بل وحاولوا وحاولن التوصّل إلى أسماء الأشخاص الذين أُجريت معهم ومعهن الحوارات.

ولقد عزّز هذا السلوك الفكرة التي كوّنتها داي عن المسؤولين والمسؤولات في سويسرا أثناء رحلتها الاستقصائية. حيث كتبت المحامية الأمريكية عن وقائع تنمّ عن جهل وأحكام مسبقة. “فعلى سبيل المثال، كان أحد قادة الشرطة يرى أن الإجرام متأصّل في ثقافة الهيب-هوب.” وأضافت أنّ جميع المسؤولين والمسؤولات في الشرطة ممّن تمّت مقابلتهم.ن، كانوا وكنّ على غير علم بتقرير مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان بشأن العنصرية في عمل الشرطةرابط خارجي المنشور في عام 2021.

كما علّلت هذه المجموعة، مراراً وتكراراً، “العوائق التي تحول دون ضمان حقوق الإنسان” بالنظام الفدرالي السويسري.

النظام الفدرالي كحجّة لعدم القيام بأي شيء!

وفقاً لتقديرات داي، فإن تلك المبررات ليست بالأساس سوى حججًا لعدم اتخاذ أي إجراء. حيث تقول إن “هناك مبادرات عابرة للكانتونات، وأخرى مركزية وثالثة على المستوى الوطني، وهي معنية تحديداً بتلك المؤسسات التي لا يمكن المساس بها بسبب النظام الفدرالي.”

وتعني داي فرقَ الشرطة السويسرية التي تتعاون ـ برغم النظام الفدرالي ـ مع “مؤسسات مركزية لوضع معايير مشتركة”، وذلك في مجالات مثل التدريب. ومن هنا، ترى هذه الحقوقية الأمريكية بعد هذا الحكم أملاً في التغيير والالتزام من قِبل سويسرا.

من جانب آخر،تعتقد الهيئة القضائية في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن السياسة السويسرية هي المسؤولة عن صدور هذا الحكم، حيث يمكن للسلطة التشريعية من خلال سن لوائح قانونية جديدة ملزمة لأفراد الشرطة من الجنسين، الحيلولة دون وقوع حالات تمييز أثناء عمليات التفتيش الشرطي.

سويسرا تدرس الاستئناف ضدّ هذا الحكم

رغم ذلك، لا يوجد حاليًا أي حديث في سويسرا بشأن إجراءات أو قوانين جديدة. فما تزال هناك نحو ثلاثة أشهر قبل أن يصبح الحكم نافذاً. وحينما توجّهنا بأسئلة تفصيلية إلى وزارة العدل الفدرالية، جاءتنا إجابة عامة مفادها، أن الوزارة تعكف حالياً على تحليل الحكم. فضلاً عن ذلك يجري حالياً دراسة “ما إذا كان سيتوجب على سويسرا استئناف هذا الحكم أمام الغرفة العليا بالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.”

لكن في الحقيقة، هناك الكثير من السبل الإجرائية لمكافحة “التنميط العنصري”، مثلما تشرح داي. فـ “على سبيل المثال يمكن وضع الشرطة تحت إشراف مدني، أو إلزام الشرطيين والشرطيات بارتداء كاميرات محمولة على الجسم، مع إتاحة التسجيلات للجمهور، وأيضاً تسجيل واستخدام بيانات، مبوبةً بحسب الأصل العرقي.”

تجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أن مجموعة العمل الأممية قامت بتقديم هذه التوصيات العملية لسويسرا في عام 2022 بالفعل. “لكن الشروع في ذلك الأمر يتطلب إرادة سياسية والتزام فردي”، مثلما تختتم داي قولها. من جانبها، تقترح زميلتها ناماكولا إجراءات أخرى، من بينها، قيام كل تفتيش شرطي بعرض إفادة (بحقوق وواجبات المواطنين والمواطنات).

ما الذي يمكن أن تضيفه وثيقة الفحص للتفتيش الشرطي؟

لنعد إلى قصة أمين المكتبة الذي تعرّض للتمييز الشرطي بمحطة القطارات الرئيسية بزيورخ، فإنه ما كان ليمثل أمام المحكمة، إن لم يكن قد رفض إظهار هويته ـ وهو ما أرادت النيابة العامة معاقبته بسببه. فحملات التفتيش الشرطية التي يتعاون فيها الجمهور وفق القانون، لا يحدث فيها مثل الأمر.

البلد الأوروبي الوحيد الذي يسجل الأصل العرقي
بريطانيا هي البلد الأوروبي الوحيد الذي يسجل الأصل العرقي أثناء إجراء تفتيش شرطي. فمن بين كل ألف شخص من ذوي وذوات البشرة السمراء، خضع 27.2 فرداً للتفتيش الشرطي، وذلك في كل من إنجلترا وويلز في الفترة ما بين إبريل 2021، وحتى مارس 2022. KEYSTONE/KEYSTONE/Ennio Leanza

أمّا في حال تلقّي إيصال (خاصّ بوثيقة الفحص الشرطي، أو شهادة بحث الحالة الجنائية)، فسيكون الأمر مختلفًا. حيث يمكن للمتضررين.ات لدى الشعور بالتمييز اتّخاذ إجراءات قانونية بالخصوص.

ففي بريطانيا، يتم إصدار هذا الإيصال عند توقيف الشرطة شخصًا ما. ووفقاً لتحليل أجرته وزارة الداخلية البريطانية، فإن معدلات التفرقة العنصرية قد انخفضت في حملات التفتيش الشرطيةرابط خارجي منذ عام 2011 وحتى عام 2021. لكن برغم تراجعه، فلم يختفِ هذا “التفاوترابط خارجي” تماماً. وقد أدركت بريطانيا فعلاً هذه المشكلة.

بناء عليه، فإن سويسرا لن تكون الدولة الوحيدة المطالبة بمكافحة “التنميط العرقي” في العمل الشرطي، إن هي لم تستأنف هذا الحكم القضائي.

باعتبار صدوره في “قضية ذات أثر بالغ”، يعتبر هذا الحكم على صلة بالتطوّر العام لحقوق الإنسان. وقد أرادت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان من خلاله توضيح مسائل أساسية. وبالتالي، فإنه سيتعين على جميع البلدان التي وقَّعت على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، الاسترشاد بهذا الحكم.

تحرير: مارك ليفينغستون

ترجمة: هالة فرَّاج

مراجعة: مي المهدي/أم

هل نال المقال إعجابك.كِ؟ اشترك.ي في نشراتنا الإخبارية المتنوّعة للحصول على مجموعة مختارة من أفضل محتوياتنا مباشرة عبر البريد الإلكتروني. 

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية