مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

زيارة “جمال” للبنان ..أهداف غير معلنة

مشهد من الندوة الصحفية التي عقدها جمال مبارك في بيروت مع رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة يوم 8 أغسطس 2006 Keystone

رغم أن الحرب على لبنان ألقت أوزارها إلا أن تداعيات الزيارة التي قام بها وفد مصري برئاسة جمال مبارك إلى بيروت يوم 8 أغسطس مازالت حديث الشارع.

ويؤكد مراقبون أن الزيارة كانت لها أهدافً غير معلنة، من أهمها تحسين صورة نجل الرئيس في الشارع، وتبييض وجه النظام بعد الموقف الرسمي السلبي من الحرب على لبنان.

كشف خبراء ومحللون سياسيون مصريون، عن أن زيارة الوفد المصري، برئاسة السيد جمال مبارك، نجل الرئيس حسني مبارك، الأمين العام المساعد، وأمين عام لجنة السياسات بالحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم)، إلى بيروت الثلاثاء 8/8/2006، استهدفت تحقيق ثلاثة أهداف في مقدمتها، تحسين صورة نجل الرئيس في الشارع، وتبيض وجه النظام بعد الموقف الرسمي السلبي من الحرب على لبنان، معتبرين أن “استباق زيارة الوفد الشعبي لعدد من الشخصيات العامة من كافة الأطياف السياسية والتي كانت مقررة في العاشر من أغسطس الحالي، هدف لا يمكن تجاهله أيضاً”.

وقد ضم الوفد المصري، الذي سافر الوفد إلى بيروت في طائرة عسكرية أقلعت من مطار القاهرة الدولي، 70 شخصاً، بينهم ثلاثة وزراء هم: السيد أنس الفقي وزير الإعلام، والمهندس رشيد محمد رشيد وزير الصناعة والتجارة، والدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة، وعددا من الفنانين ورؤساء النقابات والأحزاب والإعلاميين والبرلمانيين.

وكان عدد من النشطاء والمثقفين قد أعلنوا عن استعدادهم للقيام بزيارة للبنان، يوم 10/8/2006م، في وفد شعبي يتقدمه 100 من الشخصيات العامة، من كافة الأطياف السياسية المعارضة، وأن الوفد سيستقل سفينة محملة بالأغذية والأدوية والأغطية، وأنها ستنطلق من القاهرة، وتمر بقبرص ثم تتجه من هناك إلى بيروت.

وفي تصريح خاص لـ”سويس إنفو”، قالت الناشطة المصرية داليا يوسف، المنسق العام للمبادرة:” كانت الأمور تسير طبيعية، لكننا فوجئنا بالمسئولين في قبرص يبلغوننا بضرورة الحصول على موافقة فرنسا وإسرائيل مقدماً، فاضطررنا في الساعات الأخيرة، إلى تأجيل سفر الوفد من 10 إلى أغسطس، وربما نضطر للتأجيل مرة أخرى، كما اضطررنا لتغيير خط سيرنا من القاهرة – قبرص – بيروت إلى القاهرة – الأردن – بيروت”.

الحاكم الفعلي

ويعتبر محللون سياسيون أن تكليف السيد جمال مبارك برئاسة هذا الوفد، الذي يضم ثلاثة من الوزراء أعضاء الحكومة، رغم أنه لا يتبوأ أي منصب رسمي في الحكومة، دليل على صدق ما يتردد من أن السيد جمال مبارك هو الحاكم الفعلي، في مصر، وأنه هو رئيس “حكومة الظل” التي تدير دفة الحكم بالبلاد، والتي يسيطر عليها الحرس الجديد في الحزب الحاكم.

وربط المحللون بين رئاسة السيد جمال مبارك للوفد الرسمي وسيناريو توريث السلطة، خاصة وأن السيد جمال مبارك لا يتمتع بمنصب رسمي في الدولة يتيح له رئاسة وفد يضم وزراء، ويؤهله للوقوف بجانب الرئيس اللبناني إميل لحود ورئيس الوزراء فؤاد السنيورة ورئيس مجلس النواب نبيه بري.

ويشير خبراء إلى أن هذه الزيارة استهدفت تحسين صورة السيد جمال مبارك في الشارع المصري، خاصة بعد حالة الحراك السياسي التي انتعشت في الشارع منذ عامين، بقيادة الحركة المصرية من أجل التغيير “كفاية”، التي رفعت شعار “لا .. للتوريث”، وقادت آلاف المصريين إلى التظاهر في الشوارع والميادين العامة، للتعبير عن حالة الغضب والاحتقان التي تسود المواطنين، مما أجبر جماعة الإخوان المسلمين على النزول إلى الشارع للمرة الأولى منذ فترة طويلة.

خطوة ذكية

وتحت عنوان “نزهة الوفد المصري”، وصف نديم جرجورة في صحيفة “السفير” الحركة بأنها :”خطوة ذكية، لا تخلو من بُعد إنساني؛ زيارة تحمل شيئاً من السياسة”، وقال: “الخطوة ذكية، لأنها جاءت في لحظة سياسية ضرورية؛ فحسني مبارك لا يريد أن يحارب من أجل لبنان”، مشيرا إلى أن زيارة الوفد، برئاسة نجله جمال تحديداً، جاءت كتعبير عن “اعتذار” غير مباشر من الرئاسة المصرية إلى لبنان حكومة وشعباً.

واعتبر جرجورة أن الوفد المصري، برئاسة جمال مبارك، خاض معركتين: أولى تمثّلت بـ”اعتذار” ضمني للبنانيين عمّا قاله حسني مبارك. وثانية بدت وكأنها تعويضٌ عن “عجز” الشارع المصري، الذي يعيش غلياناً كبيراً، عن التواجد على أرض المعركة (!).

غير أنه يرى أن “نهاية الزيارة بدت نافرة ومثيرة للخيبة: ذلك أنها اقتصرت على مجاملات وخطابات ولقاءات التقطتها عدسات المصوّرين، فبدا أعضاء الوفد، أو بعضهم على الأقل، وكأنهم يغتسلون بها من “فضيحة” الموقف السياسي الرسمي المصري، ومن كارثة التشرذم السياسي العربي، إزاء مأساة لبنانية جديدة أنزلتها إسرائيل بحقّ لبنان واللبنانيين جميعهم”.

تبييض وجه النظام

وبينما لاقى الموقف الرسمي المصري ردود فعل غاضبة في الشارع، لمهاجمته حزب الله، واتهام أمينه العام السيد حسن نصر الله، بجلب الدمار والخراب إلى لبنان، والرغبة في جر المنطقة لحرب لا يعلم عواقبها إلا الله، وعليه فإن بعض المحللين السياسيين يرون أن زيارة الوفد المصري استهدفت التغطية على الموقف المصري، ومحاولة تجميله وتحسينه في الشارع المصري.

وقد صرح السيد جمال مبارك قبيل سفره للبنان بأن “زيارة الوفد الذي يمثل كل فئات الشعب المصري حكومة ومعارضة أحزاباً وبرلمان وصحفاً ورجال الصناعة تعكس تضامن الشعب المصري مع شعب وحكومة لبنان في هذه المحنة التي يمر بها والحرب الجائرة وأتمنى أن تكون هذه الجهود المصرية بمثابة رسالة قوية بوقوف الشعب المصري إلى جانب لبنان شعبا وحكومة”.

وفي رده على الاتهامات التي أطلقتها المعارضة المصرية بأن الحكومة لم تتعامل بالشكل المناسب مع الحرب على لبنان، قال جمال مبارك: “الزيارة تعد تعبيرا عن موقف سياسي وأصيل من الشعب والحكومة المصرية وهو الموقف الذي عبرت عنه الحكومة منذ اليوم الأول للعدوان على لبنان”.

وقد انتقد الدكتور حسن بكر أستاذ العلوم السياسية بجامعة أسيوط، في تعليقه على الزيارة، لصحيفة “المصريون”، رئاسة السيد جمال مبارك للوفد، معتبراً أن “الهدف من الزيارة هو تبييض وجه النظام والعمل على استغلال رئاسة جمال مبارك للوفد لتسويق مشروع التوريث وتحسين صورته كمهتم بالتضامن مع شعب عربي شقيق بعكس ما هو متعارف عنه من عيشه في برج عاجي بعيدًا عن آلام وطموحات الشعب”.

وقد اهتمت صحف إسرائيلية بالزيارة، واعتبرت صحيفة “هآرتس” في تقرير لها، نشرته على موقعها الإلكتروني، أن الهدف الأول من تلك الزيارة رفع شعبية السيد جمال مبارك “المنهارة”، ومحاولة الظهور بمظهر الشجاع الذي لا يخاف المخاطر وليس للتضامن مع الشعب اللبناني. مشيرة إلى أن “جمال مبارك يعتقد أن زيارته إلى لبنان في هذه الظروف قد تمنحه بعض الاحترام والتقدير من الشعب المصري”، على حد قولها.

شخصية محورية

وتعتبر الدكتورة هالة مصطفى، الخبيرة بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، رئيس تحرير مجلة “الديمقراطية”، أن الزيارة تبرز حقيقة معروفة وهي أن نجل الرئيس أصبح بمرور الوقت شخصية رسمية محورية، وفعلياً يتصدر المشهد السياسي الآن”، مشيرة إلى أن “تشكيلة الوفد الذي صاحبه إلى بيروت تماثل تماماً تركيبة الوفود التي كانت ترافق الرئيس مبارك نفسه في معظم جولاته الخارجية والمحلية”..

ويرى خبراء أن تشكيلة الوفد عكست إلى حد كبير كيف يرى جمال مبارك صورة مصر المستقبل، حيث خلا الوفد من أي تمثيل لجماعة الإخوان المسلمين، على نحو يبرهن على أن لدى نجل الرئيس “عداء غير محدود” برأيهم لجماعة الإخوان التي تهدد ملف عملية التوريث والسيناريو الخاص بها. وفيما أعلن نواب الإخوان بالبرلمان (88 نائبا) اعتراضهم على تجاهلهم وعدم تمثيلهم في الوفد المسافر لبيروت، اعتبر مرشد الإخوان محمد مهدي عاكف أن “زيارة الوفد المصري إلى بيروت كانت تهريجا لا يليق”.

وتعليقا على سفر عدد من الصحفيين المستقلين ضمن الوفد، قال وائل الإبراشي، رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة “صوت الأمة”: “هناك رائحة كريهة كنت أشمها من هذا الوفد، وزملائي كانوا مترددين إلى آخر لحظة ثم عادوا واعترفوا أنهم كانوا مجرد ديكور تم إعداده ببراعة لتلميع صورة نظام الحكم وبالأخص جمال مبارك”.

وفي صحيفة الدستور، كتب محمود خالد رمضان يقول:” بينما تغيب مبارك عن المشهد، تم إبراز نجله على نحو دعائي فج”، مشيراً إلى أن “تمثيل الوفد المصري الغامض الذي تم به استدعاء أعضائه السبعين للسفر إلى بيروت تثير الريبة، وتدفع إلى القول بأن الهدف لم يكن كما أعلن هو الإعراب عن التضامن مع لبنان، وإنما التضامن مع جمال مبارك نفسه، ومحاولة تلميع صورته، لدى الرأي العام المحلي عبر ركوبه موجة السخط الشعبي على ما يتعرض له لبنان”.

وقد سبق أن ترأس السيد جمال مبارك، في شهري فبراير ويونيو من عام 2003، وفوداً “رفيعة المستوي” إلي الولايات المتحدة الأمريكية، والتقى السيد ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي، وعددا من أعضاء الكونجرس، ورجال الإدارة الأمريكية.

همام سرحان – القاهرة

ضم الوفد المصري، ثلاثة وزراء هم: وزير الإعلام السيد أنس الفقي، ووزير الصحة الدكتور حاتم الجبلي، ووزير الصناعة والتجارة المهندس رشيد محمد رشيد، بالإضافة إلى عدد من كبار الفنانين والمثقفين والكتاب والإعلاميين، على رأسهم الفنانين السيد راضي، إلهام شاهين، حسين فهمي، محمود ياسين، فاروق الفيشاوي، والإعلامي حمدي قنديل، والشاعر أحمد فؤاد نجم، وفد صحفي من الصحف القومية والمعارضة والخاصة يضم رؤساء التحرير.

كما شارك في الوفد وكيل الأزهر السابق الشيخ محمود عاشور، والأمين العام لاتحاد المحامين العرب عبد العظيم المغربي، وعضو مجلس الشعب مصطفى بكري، وعضو اتحاد الصناعات المصرية عبد الستار عِشرة، ومدير مركز يافا للدراسات رفعت سيد أحمد، والأمين العام للحزب الناصري أحمد حسن، ونائب رئيس حزب الوفد محمد علوان، ونائب رئيس حزب التجمع سمير فياض، إضافة إلى عِضوي مجلس الشعب عن حزب الكرامة حمدين صباحي وسعد عبود، والنائب المستقل الدكتور جمال زهران.

وكان من بين المشاركين، الدكتور منير فخري عبد النور، نائب رئيس الوفد ورئيس الهيئة البرلمانية الوفدية بمجلس الشعب، و حسين مجاور رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، محمد رجب زعيم الأغلبية في مجلس الشورى، والدكتور نبيه العلقامي عضو لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم، عضو لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم.

كما شارك في الوفد السيناريست الشهير وحيد حامد، والفنان مصطفى حسين نقيب الفنانين التشكيليين ورسام الكاريكاتير الشهير، و الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازي، والكاتب والأديب محمد سلماوي الرئيس الجديد لاتحاد كتاب مصر.

السيد سامح عاشور نقيب المحامين المصريين، وعبد العزيز مصطفى وكيل مجلس الشعب، وعضو المجلس الأعلى للسياسات، والدكتور ممدوح جبر، الأمين العام للهلال الأحمر المصري، والنقيب الأسبق لأطباء مصر، والسفير محمد سيونى سفير مصر السابق لدى إسرائيل، والمستشار محمد موسى رئيس اللجنة الدستورية، والدكتور إدوارد غالي الدهبي رئيس لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية