مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

زينب حفني تتحدث عن “المسكوت عنه” في السعودية

لا زال حظر سياقة السيارات على النساء مثار جدل في المجتمع السعودي الذي شهد مؤخرا نجاح أول سيدة سعودية في مجال قيادة الطائرات Keystone Archive

في لقاء خاص، تحدثت زينب حفني، الأديبة والكاتبة والصحفية السعودية التي عانت من جراء كتابتها عن "المسكوت عنه" في المجتمع السعودي، عن تجربتها وتطلعاتها لتحسين وضع المرأة في بلادها.

ومع أن الثمن الذي دفعته كان غاليا، إلا أنها تعتبر أن تجربتها جلبت بعض الإيجابيات للجيل الصاعد الذي أصبح يرى أن من الواجب التعبير عن آرائه..

على هامش مشاركتها برفقة أديبتين سعوديتين في دورة تدريبية بجنيف حول “آليات حقوق الإنسان”، التقت سويس إنفو بالكاتبة والأديبة والصحفية السعودية زينب حفني التي تعتبر من بين الرائدات في مجال الكتابة النسائية في المملكة العربية السعودية.

وما يميز زينب حفني ليس فقط أنها فرضت نفسها في مجال الإعلام والأدب في مجتمع محافظ، بل اختيارها الحديث بوعي وإصرار عن “المسكوت عنه” او “المحظور” او “المحرم” عموما.

في الحديث التالي نستعرض معها مسار تجربتها الأدبية والصحفية، والعقبات التي واجهتها وما تطمح إليه – كسيدة – من مستقبل لنظيراتها في المجتمع السعودي المحافظ.

سويس إنفو: من النادر أن نتعرف على أديبة سعودية اختارت الحديث عن “المسكوت عنه او الممنوع او المحرم”، كيف تولدت هذه الموهبة وهذه الجرأة؟

زينب حفني: بدأت تتولد لدي موهبة الكتابة ولم يتجاوز عمري الثانية عشرة. وعادة ما تولد هذه الموهبة مع الشخص، ولكن الوسط الذي يترعرع فيه، له تأثير كبير على صقلها. فقد ترعرعت في أسرة ليبرالية تحترم عقل المرأة وفكر المرأة. وإن أول رجل كان له فضل في توجيهي في طريق الانفتاح هو الوالد الذي كان يشتري لي المجلات والكتب المحدودة التي كانت في ذلك العهد بحكم الرقابة المفروضة.

كان يأخذني معه الى مكتبات القاهرة ويتركني أختار كل الكتب التي ارغب في قراءتها. وأتذكر بفخر وبنوع من الامتنان، أن والدي لم يحدث ولا مرة أن عارض شرائي لأي كتاب.

بدأت مشوار الكتابة كصحفية متعاونة وليس كمحترفة، ومن خلال التحقيقات الصحفية أولا في الصحف السعودية المحلية. وانتهيت بأن يكون لي عمود أسبوعي في جريدة “عكاظ” السعودية.

وفي نفس الوقت، كنت أمارس عملي كأديبة، فأصدرت ككل المبتدئات في الكتابة حصيلة “وجدانيات” تلتهما مجموعتان قصصيتان، الى أن أصدرت المجموعة القصصية “نساء عند خط الاستواء” في عام 1990.

هُـوجـمـت في تلك الفترة هجوما بشعا، لكن في النهاية أعتبر أنني رائدة في الكشف عن “المسكوت عنه” أو مثلما يقال عندنا “الأدب المتعري”، لكنني سعيدة لكوني أمطت اللثام عن كثير من الواقع الذي كنا نحاول نكرانه وهو موجود.

سويس إنفو: ما هي المحاولات الأولى التي كانت في إطار الحديث عن “المسكوت عنه”؟

زينب حفني: اول كتاب أصدرته، “نساء عند خط الإستواء”، فجر كل هذا الواقع صراحة. الشيء الغريب أن دار النشر التي أصدرت الكتاب رفضت أن تضع اسمها على الكتاب تحسبا لصدور ردود فعل غاضبة في السعودية.

فقد أثار هذا الكتاب صدى عجيبا. وتارة يمكن القول أن المرأة تكون هي عدوة المرأة. فقد فوجئت بحملة نساء ينتقدن بأن المجتمع السعودي ليس به سيدات او فتيات من هذا النوع الذي تحدثت عنه. لكني أقول دوما أن المجتمع فيه الإيجابي والسلبي وفيه القوة وفيه الضعف. فالمجتمع السعودي ليس مجتمعا مثاليا وإذا قلنا ذلك فمعنى ذلك أننا مجتمع ملائكي ولا توجد ملائكة على الأرض.

تعرضت ضمن هذه الحملة العنيفة أيضا الى انتقادات رجال الدين عندما تطرقت الى وضع المرأة بعد الطلاق أو لعلاقة المرأة مع زوجها او للعلاقات المحرمة، وتطرقت حتى للعلاقات المثلية بين النساء. وكانت النهاية أن صدر قرار بمنعي من السفر لمدة خمس سنوات ومنعي من الكتابة لمدة ثلاث سنوات.

وكان الغرض من هذا القرار لربما امتصاص غضب المجتمع. لكن هذه التجربة رغم قساوتها، كانت بالنسبة لي تجربة ثرية جدا. علمتني أن الإنسان إذا كان يؤمن بالمبادئ في حياته لا يمكنه أن يحققها بسهولة. ويمكن أنني خرجت من هذه التجربة أكثر قوة. ومن ضمن الإيجابيات انفتح لي باب الشهرة ليس فقط على مستوى السعودية بل على مستوى العالم العربي. وجاءتني بعدها عروض من ضمنها الكتابة في جريدة الشرق الأوسط. واصلت الكتابة في الشرق الأوسط في صفحة الرأي لمدة خمس سنوات.

وقد اتجهت لأول مرة في مقالاتي الى الكتابة السياسية ليس بمعنى التحليل السياسي ولكن لإلقاء الضوء على الواقع السياسي من خلال الواقع الاجتماعي. وقد سمحت لي هذه التجربة بفتح الاتصال مع شريحة واسعة من القراء من خلال الحوار عبر الإنترنت. وكنت سعيدة جدا بهذه التجربة رغم أنني توقفت عدة مرات عن الكتابة بسبب نوعية كتاباتي من ضمنها المناداة بالعدالة الاجتماعية، وسوء توزيع الثروة، او المطالبة بتأسيس منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان التي استمتعت بمتابعة دورة تدريبية عنها في جنيف حول كيفية تفعيل الآليات. واتمنى أن أن أتمكن أنا وزميلاتي من تأسيس منظمة غير حكومية في المستقبل للاستفادة من هذه التجربة التي حصلنا عليها في هذه الدورة التدريبية المكثفة.

سويس إنفو: إذا كانت هذه التجربة في الكتابة قد جلبت لك الى جانب الانتقادات الكثير من الإيجابيات، كيف كان تأثيرها الإيجابي على المجتمع السعودي؟

زينب حفني: منذ صدور كتابي الأول “نساء عند خط الاستواء” قبل احد عشر سنة، ألاحظ صدور العديد من الروايات والقصص القصيرة التي تلقي الضوء على الواقع الداخلي في المجتمع السعودي، يعني أنه أصبحت هناك أجيال جديدة لا تهاب وتؤمن بأنه يجب ان “يتعرى” المجتمع لكي يعرف سلبياته من إيجابياته، ولتحقيق المستوى المطلوب من العدالة الاجتماعية ولإرساء حقوق المرأة والطفل أو الأسرة بكاملها.

أنا سعيدة رغم الثمن الذي دفعته أن أرى أن الأجيال الجديدة، رغم أن بعضها مازال متمسكا بأعراف أو قيم بالية من مورثاتنا الاجتماعية، هناك قسم منها أصبح يؤمن بأن من حقه التعبير عن أرائه. ويجب الا ننسى أن العولمة قد أفقدت كل الحواجز، ونحن اليوم نعيش في قرية كونية تلعب فيها وسائل الاتصال المختلفة دورا لا يمكن التحكم فيه لا بالنسبة لـ “المسكوت” عنه او المحظور او في فرض رقابة مستمرة عليه.

سويس إنفو: من خلال تصفح كتابك “مرايا 2001″، الذي هو عبارة عن خلاصة لمقالات صدرت في جريدة الشرق الأوسط، يتضح ان زينب حفني تحمل هموم العالم العربي بكاملها. هل هي محاولة للبحث عن حلول لها؟

زينب حفني: لا يمكن لك كفرد داخل مجتمع أن تقدم حلولا، ولكن ما أردته هو توعيه المجتمع بهذه المشاكل المعاشة، لأن توعية المجتمع اليوم بإمكانها ان تحقق على المدى البعيد الأهداف التي نأمل التوصل إليها او نحلم بأن يحققها العالم العربي في يوم من الأيام.

هاجسي هو القومية العربية، من يقول إنها أصبحت بالية او إنها موضة قديمة، هذا امر لا اقبله. فإذا أردنا أن نحقق نجاحا وان نثبت موقعنا من خلال القانون الدولي، يجب علينا ان نكون يدا واحدة وان نقدم صورة موحدة وآراء موحدة لكي نكون تلك الصورة المضيئة التي نتمناها لمجتمعاتنا العربية.

سويس إنفو: هذه الكتابة التي تسببت في هجوم عنيف ضدك، لو كانت صادرة عن رجل سعودي، هل كانت ستلقى نفس المعارضة والرفض في نظرك؟

زينب حفني: أعتقد بأن النظرة للمرأة الكاتبة في المجتمع السعودي نظرة قاسية، ولا اقول ذلك على باقي المجتمعات العربية لأن في بعض هذه المجتمعات حصلت المرأة على مكانة جيدة للغاية.

فالمجتمع السعودي مازال ينظر للمرأة على أنه يجب أن تكون طوعية او يجب ان يكون احترامها لقيمها وتقاليدها مبنيا على الحياء المولد فيها كامرأة. فكوني امرأة وعندي حياء، هذا لا يمنع بأن أصرح بما في داخلي، وهذا ليس معناه انني امرأة لا تعرف الحياء. الحياء ليس في الظاهر، الحياء في قدرتك في التعامل مع الآخرين ومع المجتمع وفي قدرتك التكيف مع أعراف وقيم تؤمن بأنها في صالح مجتمعك، وترفض في نفس الوقت قيما وأعرافا تؤمن بأنها مزورة او غير ملائمة لواقعنا وعصرنا الحالي.

سويس إنفو: على ضوء متابعتك لوضع المرأة في المجتمع السعودي وفي المجتمع الخليجي بصفة عامة، كيف تحكمين على تطور حقوق ودور المرأة السعودية؟

زينب حفني: طبعا، أنشئت مؤخرا لجنة لحماية الأسرة، ورغم ان دورها مازال ضعيفا، إلا أنني اعتقد أنها خطوة في الاتجاه الصحيح وخطوة قد تقوى في المستقبل وتكون بمثابة أساس بناء مؤسسات المجتمع المدني.

المرأة السعودية أصبح لها اليوم الحق كسيدة أعمال في الترشيح والانتخاب، واعتقد ان سيدتين نجحتا في انتخابات الغرفة التجارية، وهذه خطوة جيدة، لكن مازال أمامنا الكثير.

مازالت أمامنا مطالبة بوضع قانون أحوال الشخصية الخاص بالمرأة. لا زال حتى اليوم بإمكان سيدة تقدم بها السن ورغب زوجها في رميها في الشارع ان تجد نفسها في الشارع بدون وجود قانون يحميها. وينتهي بها الأمر في دار من دور الإحسان التي يتكرم كبار رجال الأعمال بتزويدها شهريا بالمئونة. هل هذا يتعارض مع الشريعة؟ لا نعتقد ذلك لأن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه “فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان”. تسريح بإحسان اعتقد أنها عبارة كبيرة جدا من الممكن لرجال الدين ان يطلعوا منها بتشريعات تحفظ حقوق المرأة.

ما أأسف له هو ان هناك اليوم في السعودية سيدات سعوديات متعلمات يضطررن الى التحايل على الأب او الأخ لكي يسمح لهن بالسفر، وهذا يعتبر بمثابة مصيبة كبرى أن تكون سيدة مثقفة وفي سن معين وقادرة على الحفاظ على نفسها ان تتحايل على الأب او الأخ لكي يسمح لها بالسفر لحضور مؤتمر او حتى للسفر لفسحة. إنه تقليل من قيمة المرأة وإهانة كبرى لها.

أنا والحمد لله، كما ذكرت في بداية الحديث، وهبني الله عائلة متفتحة ووالدي، الله يرحمه، كان متفتحا وإخواني أكملوا مسيرته. فلو لم تتح لي هذه الفرصة، هل معناه انه عندما توجه لي دعوة لحضور مؤتمر او لنشاط ثقافي، يجب ان انتظر ان يمن علي هذا الأخ لكي يسمح لي بتصريح سفر؟ هذه مشكلة كبرى ويجب ان يلغى هذا القرار، يجب ان يلغى!

سويس إنفو: هل هذه التجربة التي خاضتها زينب حفني، وخصوصا تجند المرأة من اجل حقوقها، هي تجربة نادرة داخل المجتمع السعودي، أم أن هناك معرفة غير دقيقة بواقع هذا البلد؟

زينب حفني: يمكن أن أقول انها تجربة ليست فريدة ولكنها نادرة. فأنا وفرت أمامي عدة عوامل ساعدتني: أولها الأسرة والمناخ العائلي الذي نشأت فيه، وهناك أيضا مقومات الشخصية التي أتحلى بها. فأنا اعتقد أنني امرأة محظوظة توفرت فيها كل تلك العوامل لأنه من غير السهل توفر كل هذه العوامل مشتركة.

سويس إنفو: أخيرا ما هو المشروع القادم لزينب حفني؟

زينب حفني: انتهيت من روايتي الجديدة “ملامح”، وهي الرواية التي صورت فيها واقع المرأة داخل المملكة العربية السعودية، وكنت أهدف للقول من خلال هذه الرواية بان المرأة هي التي دوما تدفع الثمن، لأن المجتمع لا يغفر لها أبدا أخطاءها بعكس الرجل الذي كما نقول “مهما اخطأ، فإنه يدخل للحمام ويأخذ دوش ويطلع”، ويعتبر ان ذلك هو بداية لنهاية جديدة.

أما روايتي الجديدة، فأتمنى أن تكون انعكاسا للتجربة الجميلة التي عشتها في جنيف، لأنها كانت تجربة ثرية وسألقي فيها بعض الضوء على واقع حقوق الإنسان، وأتمنى ان أتناول فيها جميع الجوانب، وأتمنى يا رب ان انجح فيها.

محمد شريف – سويس إنفو – جنيف

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية