مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الإنتخابات التشريعية السابقة لأوانها في المغرب.. تحديات جمّة ورهانات متعددة

مظاهرة احتجاجية نظمها أنصار جماعة العدل والإحسان في أحد أحياء مدينة الدار البيضاء يوم 31 يوليو 2011 Keystone

يُـراهن المغاربة على الإنتخابات التشريعية القادمة باعتبارها المحطة الأولى لتنزيل دستورهم الجديد وامتحان نُـخبتهم السياسية في استيعاب ما جاء به من نصوص ومُـمارستها في الحياة السياسية ولتقديم مشهد سياسي ينسجِـم مع ما قرأوه من خلال هذه النصوص.

قـدّم الدستور، الذي أقِـرّ باستفتاء الفاتح من يوليو الماضي، على أنه ثورة في البلاد وميلاد نظام ملكي جديد، إذ أنه تضمَّـن فصولا تذهب نحْـو المَـلَـكية البرلمانية، بالنصّ على إلغاء التّـقديس عن شخص الملِـك والتقليـص من صلاحياته لفائدة رئيس الحكومة، الذي بات دستوريا يختاره الملك من الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، ولرئيس الحكومة وحْـده حقّ اقتراح الوزراء الذين يعيِّـنهم الملِـك، كما له وللحكومة اقتراح وتعيين الموظفين السّـامين، بالإضافة إلى ما تضمَّـنه من نصوص حوْل الأمازيغية وحقوق الإنسان وإنصاف المرأة.

نصوص فريدة.. يجب ممارستها

وهذه النصوص، لم تَـرِد في أي دستور من دساتير المملكة منذ دستورها الأول الذي أقر عام 1962، إذ شرحت وأبرزت كثيرا، حين نشرت مسودّة الدستور أو خلال حملة الاستفتاء أو بعد ذلك، باعتبارها إشارة على التفاعل المغربي مع نسائم الربيع العربي الذي أطل من خلال شباب حركة 20 فبراير واعتبرت استجابة ملَـكية لمطالب رفعتها الحركة خلال تظاهُـرتها التي نزلت في شوارع جميع مدن المملكة.

والنصوص رغم أهميتها، لا تعني شيئا في الحياة السياسية، إذا لم تُـمارَس أو كما يقول فُـقهاء القانون إذا لم يتِـم إنزالها، وأولى خطوات تنزيل الدستور، هي الإنتخابات التشريعية التي ستُـعطي مجلس نواب جديد يفرز أول حكومة في المغرب الجديد.

والإنتخابات امتحان للأحزاب بالدرجة الأولى، ليس فقط فيما ستمنحه إياها صناديق الاقتراع، بل قبل ذلك، في كيفية تدبير مرحلة الإعداد لهذه الإنتخابات، إن كان من خلال المساهمة الفاعِـلة في سَـنّ القوانين المنظمة لهذه الانتخابات أو في اختيارها لمرشَّـحيها.

انتخابات سابقة لأوانها

كان مُـقرّرا انتهاء ولاية البرلمان الحالي في أكتوبر 2012، إلا أن مطالب حركة 20 فبراير تضمّـنت حلّـه وإجراء انتخابات سابقة لأوانها والأحزاب المغربية التي تعاملت بإرباك مع الحركة ومطالبها، لم تتعامل بجدية كافية مع ما يمكن أن تفرزه.

ويعتقِـد الباحث المغربي الحسان بوقنطار أن الأحزاب التي لم تتوقّـع سرعة تفاعل الملك محمد السادس مع الحركة، فوجئت بتداعِـيات الربيع المغربي، إن كان على صعيد الدعوة لإعداد دستور جديد أو إنزال الدستور وما تضمّـنه من جديد على الاستفتاء، ومن ثَـمّ إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.

بُـعيْـد الإعلان عن نتائج الاستفتاء على الدستور، تسرّبت أنباء عن انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في السابع من أكتوبر القادم، لتسبق الموعد الدستوري للسنة التشريعية، التي تبدأ في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر، وهو ما أبلغ به وزير الداخلية الطيب الشرقاوي، قادة الأحزاب المُـعترف بها في أول لقاء تشاوُري معها، وهو موعد لم يلق قبولا من جميع الأحزاب،، حيث لم يُـخف حزب العدالة والتنمية تحفُّـظه على الموعد وأعلن ذلك بشكل رسمي وبصوت مُـرتفع. وإذا كانت هناك أحزاب لها نفس التحفُّـظ، فإن صوتها كان خافتا.

ولأن الانتخابات ليست فقط صناديق اقتراع، بل قوانين تنظمها وتنظم المجلس الذي ستفرزه ولأن الدستور الجديد فاجأ الجميع، وجد الفاعل السياسي أن الوقت بات ضيِّـقا للتوافُـق على مشاريع القوانين وإقرارها في مجلس حكومي وتقديمها للبرلمان لمناقشتها والتّـصويت عليها والدّعوة الرسمية للناخبين للتوجه إلى صناديق الاقتراع قبل 45 يوما من الموعد المقترح، لذلك اقترح وزير الداخلية يوم السبت الماضي (13 أغسطس) على الأحزاب، يوم 11 نوفمبر موعِـدا للتداوُل، وبَـعدَ ذلك تبيّـن أنه سيتزامَـن مع عطلة عيد الأضحى، ويبدو أن 25 نوفمبر بات الموعد المقترح رسميا للتداول، لأن 18 نوفمبر يصادِف عيد الاستقلال.

وعي جديد في المجتمع

ويؤكِّـد الحسان بوقنطار، وهو عضو مكتب سياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (المشارك بالحكومة) لـ swissinfo.ch أن حركة 20 فبراير كانت الشكل المغربي في التفاعل مع الربيع العربي، الذي هبَّـت نسائمه الأولى من تونس، وأن الحركة استطاعت أن تولد وعْـيا جديدا في المجتمع المغربي، وتحديدا ما رفعته من شعارات حوْل محاربة الفساد والمَـلكية البرلمانية، وأن هذا الوعي سينعكِـس إيجابا على الانتخابات التشريعية القادمة.

ويوضِّـح بوقنطار أن ما رفعته حركة 20 فبراير من شِعارات، سيدفع الأحزاب إلى التدقيق في برامجها الإنتخابية ودقّـة اختيار مرشّـحيها وتشديد السلطات على نزاهة سيْـر العملية الانتخابية وتحفيز المواطن على تحمُّـل مسؤوليته، إن كان بالمشاركة بعملية الاقتراع أو ممارسة هذا الحق بوعْـي واستقلالية. إن تفاعل هذه الحوافز والعوامل ستُـساهم في انتخاب برلمان، ذات مصداقية يلعب الدور المرسوم له حسب الدستور الجديد، إن كان في مُـراقبة السلطة التنفيذية أو في سَـنِّ القوانين.

نسبة المشاركة.. ثقة وتفاعُـل

وتشكِّـل نسبة المشاركة في التشريعيات القادمة، هاجسا للفاعِـل السياسي المغربي، وهو الهاجس الذي يُـهيْـمن على تفكيره منذ تشريعيات 2007 التي عرَفت عُـزوفا كبيرا من طرف الناخبين ولم يُـشارك بها سوى 37% من المسجَّـلين في اللوائح، كانت 20% من أصواتهم لاغية.

وتُـعتبر نسبة المشاركة، حسب بوقنطار، إشارة لمدى ثقة المواطن والنّـخبة السياسية وأحزابها من جهة، والتفاعل مع الدستور الجديد ونصوصه المتقدّمة، إن كان في ميدان مصداقية المؤسسات المنتخبة وميدان الحريات أو حقوق الإنسان وآليات محاربة الفساد، في ظل استمرار حركة 20 فبراير في احتجاجاتها السِّـلمية الأسبوعية، مطالِـبة بالمزيد من الإصلاحات، وهي الحركة التي استطاعت من خلال تظاهُـراتها الاحتجاجية أن تحقِّـق خلال أسابيع ما عجزت الأحزاب عن تحقيقه خلال سنوات من إصلاحات كانت تسكُـت عنها ولا تُـطالب بها، إلا بحَـياء أو دون صِـراع ديمقراطي حقيقي، إن كان داخل المؤسسات أو بالشارع.

مخاضات وصراعات الأحزاب

وتعيش الأحزاب المغربية مَـخاضا صعْـبا، إن كان على صعيد صراعاتها الداخلية وتعثُّـر نُـخبها نِـسبيا في إقناع المواطن ببرامجها ومصداقيتها أو في تقديم نفسها كشريك مُـبادر ومُـثير للأسئلة والقضايا بالفعل السياسي، وليس مكتفيا في “التِـقاط” تعليمات أو إشارات السلطة للتفاعل معها وترتيب أوضاعه على أساسها.

ويبقى حزب العدالة والتنمية الأصولي حتى الآن، الحزب الوحيد الذي لم يسقُـط في فخّ هذه الصِّـراعات من جهة، والمحافظ على استقلالية نِـسبية ساعَـده عليها جلوسه على مقاعِـد المعارضة.

وكغيره من الدول التي هبَّـت عليها نسائم الربيع العربي وولجت مرحلة الإصلاحات السلمية المرموزة لها بالانتخابات، يذهب كثير من المراقبين واستطلاعات الرأي إلى فوز حزب الإسلاميين المغاربة، حزب العدالة والتنمية، الذي يحتل حاليا المرتبة الثانية في البرلمان، في التشريعيات المقبلة وأن يكون أحد كوادره أول رئيس حكومة في ظل الدستور الجديد.

إلا أن الحسان بوقنطار لا يُـقر بذلك ويقول مُذكرا بأن “مثل هذه التقارير والتوقُّـعات، ظهرت في تشريعيات 2007 وأعطت حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى بـ 70 مقعدا ولم تُـعطه النتائج سوى المرتبة الثانية بـ 47 مقعدا”.

امتحان صعب

ويعتقد الباحث المغربي أن المغرب لا زال يفتقد الأدوات الموضوعية ذات المِـصداقية لاستطلاعات الرأي، على غِـرار تلك التي تجري في الدول الديمقراطية، التي عادةً ما تُـعطي نتائج أولية صحيحة مع نسبة ضئيلة من الخطإ، ويذهب إلى أن استطلاعات الرأي بالمغرب، تحمل في كثير من الأحيان بُـعدا سياسيا قبْـليا، إن كان تُـجاه قياس ردود الفعل أو التأثير على الناخب أو الأحزاب المشاركة بالعملية الانتخابية وتلمس حضورهم وردود فعلهم.

وفي المحصلة، يجد الفاعل السياسي المغربي (بمن فيهم أولئك الذين يدعون لمقاطعة الانتخابات) نفسه في خضم مخاض عسِـير وامتحان صعب. فانتظارات المواطن، الاقتصادية والاجتماعية، كثيرة، وتُـراث من تدبير شؤون البلاد وتعثُّـر في إفراز نخب جديدة فاعلة، تجعل التشريعيات القادمة محطة تاريخية في تكريس مظاهر الإحباط والعزوف لدى المواطن أو حافزا له للمساهمة بحماس في بناء المغرب الجديد.

الرباط (رويترز) – قال المغرب يوم الثلاثاء 16 أغسطس إنه سيجري انتخابات برلمانية يوم 25 نوفمبر 2011 قبل عشرة أشهر من موعدها وذلك مع سعي المملكة الحثيث لتبني إصلاحات دستورية لمنع أي انتفاضة تستلهم ما بات يعرف باسم الربيع العربي.

وكانت الانتخابات مقررة في سبتمبر 2012 لكن العاهل المغربي الملك محمد السادس قال انه يريد اجراء انتخابات مبكرة للسماح لحكومة جديدة بتنفيذ الإصلاحات التي جرت الموافقة عليها في استفتاء نظم الشهر الماضي.

وتشمل الإصلاحات نقل بعض سلطات الملك الى مسؤولين منتخبين على أن يبقى له القول الفصل في القضايا الاستراتيجية.

وتحدد موعد الإنتخابات الجديد بناء على مفاوضات دقيقة بين وزارة الداخلية المغربية التي تشرف على الانتخابات وبعض الأحزاب السياسية التي تقول إن هناك حاجة لمزيد من الوقت لضمان نزاهة الإنتخابات.

وقالت الوزارة في بيان نقلته وكالة المغرب العربي للأنباء الرسمية “بعد سلسلة من المشاورات مع الاحزاب السياسية حول مشاريع النصوص الانتخابية والتحضير لمختلف الاستحقاقات الانتخابية المقبلة يعلن وزير الداخلية أن تاريخ الاقتراع الخاص بانتخاب أعضاء مجلس النواب هو يوم الجمعة 25 نوفمبر 2011”.

وتهدف الاصلاحات الى تلبية مطلب بديمقراطية أكبر وتقليل خطر خروج احتجاجات في الشوارع مثل تلك التي أطاحت برئيسي تونس ومصر في وقت سابق من العام الحالي.

وكان الملك البالغ من العمر 47 عاما قال في كلمة بثها التلفزيون يوم 30 يوليو الماضي إن التعديلات الدستورية يجب أن تنفذ بسرعة.

وقال إن أي تأجيل للإنتخابات سيهدد ديناميكية الثقة ويهدم الفرص التي تطرحها الإصلاحات الجديدة. وأضاف أن من المهم البدء بانتخاب برلمان جديد حتى يمكن المضي قدما بتعيين رئيس للحكومة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 16 أغسطس 2011)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية