الاستفتاء الفدرالي في سويسرا يوم 3 مارس

يعود ملف إصلاح التقاعد من جديد ليتصدّر النقاشات السياسية في برن. حيث يصوّت الشعب السويسري في 3 مارس المقبل على مبادرتيْن شعبيتيْن منفصلتيْن. وبينما ترغب النقابات والأحزاب اليسارية الداعمة لها في منح المتقاعدين والمتقاعدات ثلاثة عشر معاشا تقاعديا في السنة، تدعو مبادرة أطلقها "الشباب الليبراليون الراديكاليون" إلى الترفيع في سن التقاعد من 65 إلى 66 عاما للنساء والرجال على السواء.  

وتسعى النقابات والأحزاب اليسارية إلى الاستفادة من ارتفاع معدلات التضخّم وتكلفة المعيشة لتمرير مبادرتها الداعية إلى تعزيز القوة الشرائية للفئات المتقاعدة من خلال منحها 13 راتبا تقاعديا شهريا في السنة بدلا من 12 حاليا.

وفي حالة قبول هذه المبادرة، فإن الحد الأقصى السنوي لمعاش الشيخوخة سيزيد بمقدار 2450 فرنكا سويسريا للأشخاص غير المتزوجين، ليرتفع بالتالي إلى 31850 فرنكا في السنة، كما سيزيد بمقدار 3675 فرنكا،  للأزواج، ليرتفع بذلك إلى 47775 فرنكا سويسريا في السنة.

وتعارض أحزاب اليمين والوسط، وكذلك الهيئات الاقتصادية الرئيسية في البلاد هذا الإصلاح الذي يكلّف حوالي 4 مليارات فرنك سنويا، وفقا لتقديرات الحكومة الفدرالية. ويقول الفريق المعارض للمقترح إن تمويل هذا الراتب الإضافي سيكون على حساب الأشخاص في سن العمل، أو عن طريق زيارة الضرائب أو الترفيع في نسبة الخصم من المرتبات.

تقترح المبادرة الثانية، التي أطلقها “الشباب الليبراليون الراديكاليون”، والتي ستُطرح للتصويت أيضا يوم 3 مارس المقبل، رفع سن التقاعد إلى 66 عاما للجميع، وذلك بهدف ضمان تمويل نظام التقاعد على المدى الطويل. وتنص المبادرة على أن هذا الرفع سيتم تنفيذه بشكل تدريجي حتى عام 2033، ليتم ربطه في مرحلة ثانية بتوقعات عمر السكان.

من الصعب أن تنجح هذه المبادرة في الحصول على تأييد أغلبية الكتلة الناخبة، خاصة بسبب ما تلقاه من معارضة شديدة من الحكومة وغالبية واسعة من البرلمان. وترى الحكومة الفدرالية أن المشكلة الديمغرافية التي يواجهها نظام التقاعد لا يمكن حلها من خلال رفع سن التقاعد فقط.

ليست هذه هي المرة الأولى بالتأكيد التي يُطلب فيها من الشعب التعبير عن رأيه بشأن مستقبل نظام التقاعد. فسنّ الانتقال إلى التقاعد، وتمويل معاشات المتقاعدين والمتقاعدات، هما من المواضيع المتكررة في السياسة السويسرية. وخضع العمود الأوّل لنظام المعاشات التقاعدي (AVS) بانتظام إلى استفتاءات شعبية منذ إنشائه في عام 1948.

وعادة ما تكون النقاشات حول هذا الموضوع حادّة، وتتطرّق إلى قضايا أساسية مثل التضامن بين الأجيال، والمساواة بين الجنسيْن، والهشاشة الاجتماعية، وطرق تمويل التأمينات الاجتماعية 

وقد فشل العديد من أعضاء وعضوات الحكومة في إصلاح نظام التقاعد. وبعد عقود من المعارك السياسية المحتدمة، قَبِل الشعب السويسري في سبتمبر 2022 ترفيع سن تقاعد النساء من 64 إلى 65 عاما، ليصبح بذلك متساويا مع سنّ تقاعد الرجال.

لكن الأغلبية التي صوّتت لهذا التعديل كانت أغلبية ضعيفة لم تتجاوز نسبتها 50.5%. وكشف هذا الاستفتاء عن شرخيْن اجتماعييْن مهمّيْن: أوّلا بين الرجال والنساء، وثانيا، بين الكانتونات الناطقة بالفرنسية والإيطالية من جهة، والكانتونات الألمانية من جهة أخرى. 

وكانت الدول الصّناعية قد اعتمدت إصلاحات مماثلة خلال السنوات الأخيرة. حيث يعتبر المتقاعدون والمتقاعدات الجدد في كل من النرويج وأيسلندا من أكثر المتقدمين.ات في العمر في الاقتصاديات المتقدمة. ففي هذيْن البلديْن، ينص القانون على العمل حتى سن 67 عاما لاستفادة من تقاعد كاملٍ. وقد سُنّت هذه التشريعات في البلديْن الأوروبيين الشماليْين خلال النص الثاني من العقد الأوّل من القرن الواحد والعشرين، ولم تتضمّن فارقا في سن التقاعد بين الرجال والنساء.

ويذكر أنّ نظام التأمينات الاجتماعية في سويسرا يتأسّس على ثلاثة أركان/ أعمدة: تأمين الشيخوخة (AVS)، والتأمين المهني (LPP)، والتأمين الفردي (3ie Pilier) (اختياري).

ويهدف تأمين الشيخوخة  (AVS) إلى ضمان الحد الأدنى من المستوى المعيشي، وهو تأمين ملزم للجميع، ومن خلال الركيزة الثانية (LPP)، يسعى النظام السويسري إلى تأمين مستوى المعيشة السابق، وتفرض على جميع العمال. وأما الركيزة الثالثة، فهي ادّخار خاص اختياري، ويحصل صاحبه.ها على امتيازات ضريبية.

ومع ذلك، يعاني هذا النظام من بعض النقائص: في سويسرا، يعيش فرد من جملة خمسة من كبار السن تحت خط الفقر أو يكاد. وهذا هو الوضع الذي يواجهه برنار وبيريت أبوثيلو، فخلال السنوات الأخيرة، شهد هذان الزوجان المتقاعدان في نوشاتيل تزايدًا في تكاليف الرعاية الصحية ومعظم السلع الأساسية. ويستخدم برنار لغة استعارية تعبّر عن صعوبة الوضع: “نحن غارقان في الماء حتى الرقبة دائماً”.

نتيجةً لهذا الوضع، يتجه المزيد كل عام من كبار وكبيرات السن في سويسرا إلى الهجرة للفرار من الصعوبات المالية وتكاليف المعيشة المرتفعة. ففي عام 2022، تمّ صرف أكثر من 150,000 معاش تقاعدي من نظام التأمين على الشيخوخة والبقاء على قيد الحياة (AVS) لمواطني.ات سويسرا ممّن يعيشون.ن في الخارج.

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي