قرارات طرد تثير المشاعر وتُـطلق موجة تضامن واسعة
مرة أخرى، تفاجئ التحركات الاجتماعية الواسعة والعفوية، الساسة والإعلاميين والمحللين في سويسرا. فبعد إعلان شركة نقل البضائع التابعة للسكك الحديدية الفدرالية، عن إلغاء العشرات من الوظائف وتفكيك فرعها في بيلينزونا (عاصمة كانتون تيتشينو الجنوبي)، اتخذت الاحتجاجات طابعا تصاعديا وسط التفاف شعبي نادر.
يوما بعد يوم، تتسع الاحتجاجات على تفكيك شركة CFF Cargo وتتنوّع أشكالها. فبعد دخول عمال الشركة في فرعها بمدينة بللينزونا، جنوب البلاد، في إضراب فوري عن العمل، توقّـف العمال في مستودعات فريبورغ عن النشاط يوم الأربعاء 12 مارس ونظموا مسيرة في المدينة.
وفي انتظار المظاهرة الوطنية، التي ستشهدها العاصمة الفدرالية برن يوم 19 مارس الجاري، استقبل موريتس لوينبيرغر، وزير النقل والاتصالات صبيحة الأربعاء 12 مارس وفدا يضم ممثلين عن الحكومة المحلية لكانتون تيتشينو وعن النواب البرلمانيين للكانتون وعن شركة السكك الحديدية الفدرالية للبحث في الملف.
في الأثناء، تحوّلت المصانع التابعة للشركة في مدينة بللينزونا إلى رمز للصمود وموقع للنضال، تزوره الوفود المساندة من شتى المناطق. وعندما تمُـر القطارات بجوارها، تُـطلق صفاراتها للتعبير عن تضامن الحديديين مع المضربين، مثيرة مشاعر ارتياح ممزوجة بالحيرة والأسف.
ويقول روني ريتسي، العامل بالشركة منذ 18 عاما “إن ما يثير غضبي، أننا قدّمنا أقصى ما لدينا على الدوام ولم يكن ذلك من أجل الحصول على المرتب، ولكن للتقدّم بالسكك الحديدية. لقد أنجزنا دائما جميع الأهداف المرسومة من طرف الشركة، مشمِّرين عن سواعدنا ولم نتخلّـف أبدا عن القيام بواجباتنا”.
القرار الذي فاجأت به إدارة الشركة الجميع، خلّـف جروحا غائرة، لكن الحركة التضامنية القوية والواسعة في التيتشينو، تُـخفِّـف الكثير من آلامهم. ويقول روني “هذا التضامن يمنحنا القوة، لسنا لوحدنا ولسنا 400 عامل في المصانع فقط، إننا نمثل التيتشينو بأكمله”.
أنطونيو غريكو، العامل في فرع الشركة في بيل/بيين بكانتون برن، لا يستطيع أن يُـخفي تأثره عند مشاهدة زملائه في التيتشينو، ويقول الرجل الذي اصطحب معه وفدا يضم 12 عاملا “إنني منبهر جدا ومتضامن معهم. فلا يوجد لدينا إضراب، بسبب الخوف والتهديدات والضغوط، التي نتعرض لها باستمرار”.
في مواقع العمل يوما بيوم
داخل المصانع والمستودعات، بدأ العمال بمساعدة النقابات، في تنظيم سير الحياة اليومية “الاستثنائية”، ويوضّـح ماتايو رونتسيني، وهو نقابي من الهيئة المشرفة على إدارة الإضراب، أن “تنظيم الحياة المشتركة في هذه المدينة العمالية، يعني ضمان أشياء ملموسة، مثل الخدمات الصحية والاتصالات والأمن والأكلات والتزويد وحلقات النقاش”.
في الوقت نفسه، تشهد المعامل والمستودعات حركة ذهاب وإياب كبيرة، تشمل صحفيين وأناسا عاديين وأقارب المضربين وسياسيين. أما في المطبخ، فيستمر وصول المواد الاستهلاكية الضرورية بدون انقطاع، إضافة إلى السكر والحليب والمرطبات، كما يتواصل العمل لتحضير الأكل للمضربين الرابطين هناك باستمرار.
كفاح مشترك
منذ إعلان إدارة الشركة عن قرارها يوم الإثنين 10 مارس 2008، لا يمُـر يوم دون الإعلان عن تحركات تضامنية جديدة ودون التحاق آخرين بالموجة، وهو ما يمثل ظاهرة جديدة بأتم معنى الكلمة.
ويشدد ماتايو برونتسيني على أنه “بفضل هذا التجنّـد، نجحنا في توجيه القلق الاجتماعي للسكان في كانتون تيتشينو. هذا الأمر يحدُث كثيرا في التاريخ، هناك لحظات توفِّـر فيها – بدون سابق إنذار – معارك محدّدة، ظروفا ملائمة لعملية تماثل تؤدي إلى نشوء ديناميكية مشاركة تنمو باستمرار، مثل نهر في حالة فيضان”.
هذا التحليل الذي يقدمه النقابي، يلخِّـص المشاعر العامة التي انتابت سكان جنوب سويسرا هذه الأيام. ويقول روني ريتسي “إننا في مفترق طريق، وأعتقد أن هذه التجند سيجعل التيتشينو أفضل حالا، كما أن التضامن بين السكان سيكون أكبر من ذي قبل”، ويؤكد لسويس إنفو “يتمثل هدفنا في النضال جميعا من أجل إنقاذ جميع مواقع العمل وليس بعضها فقط”.
لحظة تاريخية ومشاعر عارمة
يُـعتبر ماتايو برونتسيني نقابيا شرسا، كما أنه لا يستسلم بسهولة، لكن ذلك لم يحُـل دون تأثره الشديد إثر إبلاغه بالقرار، ويقول “من الصعب جدا الحديث عن المشاعر الشخصية. فعندما تم الإعلان عن خطط إعادة الهيكلة، بكيت رفقة العديد من العمال. لقد بكيت مستذكرا أيضا جميع آباء الذين عملوا لعشرات السنين في هذه المعامل”.
من جهته، يلاحظ الخبير الاقتصادي كريستيان ماراتسي، الحضور القوي لهذه المشاعر التي تنتقل عدواها إلى جميع الذين يتحوّلون إلى مواقع العمل، ويقول “بفضل هذا الإضراب، نحن بصدد عيش لحظة مأساوية، ولكنها مثيرة للحماس أيضا”.
ويضيف ماراتسي “من الناحية التاريخية، الجديد في هذا التجنّـد هو أن هذا الإضراب يمَـسّ فعليا نقاطا حيوية في النظام السويسري، تتعلق بالمبادئ الفدرالية وبدور كانتون تيتشينو كمنطقة هامشية، والتي اتّـضح أنها مركزية على مستوى سياسة المواصلات”.
وفيما تتواصل السهرة، يستمر تدفّـق الزوار من أصدقاء وأقارب وزملاء، بل إن ممثلا عن الحزب الديمقراطي الإيطالي، الذي يرأسه فالتر فيلتروني، صعِـد على المنصة للإعراب عن تضامن اليسار الإيطالي مع المضربين.
ويعلّـق ماراتسي قائلا “جميع هذه التعبيرات عن التضامن مرشحة للتصاعد، نظرا لأن انسجام العمال قوي جدا، فهم واعون بأن مستقبلهم على المِـحك، لذلك، فليست هناك إمكانية للتراجع، ولو بنصف ميليمتر”.
مع استمرار الإضراب، بدأت نتائجه في الظهور، وتشير بعض التقديرات إلى أنه سيُـسجل ابتداءً من الأسبوع القادم نقص في قِـطع الغيار للقاطرات، التي لا يمكن الحصول عليها إلا من مصانع بللينزونا، لذلك، فمن المحتمل أن يتصاعد التوتر وأن يتّـسع نطاق الإضراب، ليشمل مواقع أخرى في سويسرا.
تعددت أشكال التضامن مع العمال الـ 430 المضربين في معامل الشركة في بللينزونا، كما أنها أثارت الاندهاش والإعجاب.
الحكومة المحلية لكانتون تيتشينو نزلت على الفور إلى الميدان، مدعومة بقرار تضامني حظي بإجماع أعضاء البرلمان المحلي، كما عبّـرت الحكومة المحلية لكانتون غراوبوندن عن تضامنها.
حث أسقف لوغانو، العمال على مواصلة النضال وأكّـد دعم الكنيسة أللامشروط لهم.
قدّمت جمعيات مهنية ونقابات وشركات وشخصيات سياسية وخاصة، تبرعات مالية لفائدة صندوق تضامن أسِّس بالمناسبة، بلغت قيمتها إلى حد الآن 100 ألف فرنك. من جهتها، تعتزم بلدية بللينزونا تخصيص 100 ألف فرنك لفائدة المضربين.
يحصل العمال على منحة إضراب، تبلغ قيمتها 120 فرنكا في اليوم الواحد، كما أن جميع أشكال الدعم الأخرى، مرحّـب بها.
تعتزم شركة CFF Cargo المتخصصة في نقل البضائع والتابعة لشركة السكك الحديدية الفدرالية، إلغاء 249 موطن عمل في مقرها الرئيسي ببازل.
أما في بللينزونا، فسيتم إلغاء 126 وظيفة وتحويل 18 إلى كياسّـو المجاورة، وما لا يقل عن 10 إلى معامل إيفيردون.
في فريبورغ، سيتم إلغاء 51 موطن عمل وتحويل 114 إلى بازل.
أخيرا، سيتم تحويل 46 وظيفة من بيل/بيين إلى إيفيردون وأولتن. وفي نهاية المطاف، سيقع إنشاء 80 وظيفة جديدة في المعمل الصناعي بإيفيردون، الذي ستتركز فيه عمليات صيانة القاطرات الثقيلة.
صرّح موريتس لوينبيرغر يوم الاثنين 10 مارس 2008 أمام مجلس النواب، بأن تطهير الأوضاع المالية لشركة CFF Cargo “مؤلِـم، لكن ليس هناك أي بديل”. وقد تعرّض وزير النقل إلى هجوم مكثّف، شمل أسئلة وانتقادات، صدرت بالخصوص عن نواب برلمانيين غاضبين من كانتون تيتشينو.
اعتبر موريتس لوينبيرغر في ردوده أن مجلس إدارة شركة CFF Cargo قد فشِـل لمرات متعددة في الإيفاء بوعده بإعادة التوازن المالي وتحقيق أرباح، وهو ما يضع مستقبل الشركة على المِـحك.
ذكّـر الوزير الفدرالي بأن المعاهدة المشتركة للعمل تحظر الطرد، وعبّـر عن استعداده لمقابلة الحكومات المحلية للكانتونات المعنية بقرارات الشركة، وهي التيتشينو وبرن وفريبورغ وبازل.
(ترجمه من الإيطالية وعالجه: كمال الضيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.