مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

معضلة الإنقسام الفلسطيني.. وحدود الغضب العربي!

عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية وسعود الفيصل وزير الخارجية السعودي يتحدثان في الندوة الصحفية التي أعقبت اجتماع مجلس الجامعة يوم 8 سبتمبر 2008 Keystone

يبدو أن النظام العربي ممثلا في جامعة الدول العربية أو لنقُـل "الرسميون العرب"، قد وصلوا إلى نقطة حرِجة في تعاملهم مع القضية الفلسطينية، عبّـرت عنها كلمات الغضب التي وردت على لسان كُـل من وزير الخارجية السعودى الأمير سعود الفيصل وأمين الجامعة العربية عمرو موسى، وكذلك بيان وزراء الخارجية العرب الصادر عن دورة الاجتماع الـ 130، الذي عقد مؤخرا في القاهرة.

وكان مثيرا أن تكون هناك إشارات لتوقيع عقوبات على الفصيل أو الفصائل التي ترفض المصالحة الفلسطينية أو تعوّقها أو لا تتعاون بصورة كافية مع الجهود المصرية.

ومما قاله موسى، إن العقوبات ستكون “ضد الجميع إذا لم يتصالحوا… نحن ندرس الإجراءات التي سوف تُـتخذ إزاء الفوضى الفلسطينية القائمة، وكلها في إطار مشاورات مغلقة في داخل النظام العربي الآن”.

مظاهر وأسباب متعدّدة

ولهذه النقطة الحرجة أو نقطة الغضب أكثر من مظهر وأكثر من سبب. فمن جانب، هناك مبادرة عربية مُـعلنة بشأن التسوية الشاملة، والتي تتضمّـن قطعا إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وتواصل جغرافي، مقابل السلام مع إسرائيل، لكن مشروع الدولة الفلسطينية نفسه، كما تدُل على ذلك تجربة السلطة الوطنية والانقسام الفلسطيني، سياسيا وجغرافيا، منذ أكثر من عام، يجعل هدف الدولة في مواجهة رياح عاتية.

فكيف يمكن للنظام العربي أن يدافع عن مطلب الدولة وينادي بوجودها فورا، في الوقت نفسه الذي تتفاوض فيه السلطة الفلسطينية مع قوة الاحتلال، وهي عاجزة عن السيطرة على كامل الأرض، التي يُـفترض أنها تحت يدها، سواء في الضفة أو في القطاع؟

فالمسؤولية، حسب وزير الخارجية السعودي “يجب أن يتحمّـلها الفلسطينيون.. فالاقتتال بينهم يدور بشكل يضر بقضيتهم، وما تمُـر به يهدِّد بتحويلها من كونها قضية شعب يرزح تحت احتلال غاشم، إلى نموذج متقدّم من تقسيم المقسَّـم وتجزئة المجزَّأ، وهو نموذج ينذرنا بقابليته للتعميم والانتشار في العالم العربي”.

هناك أيضا جانب آخر، يتمثل في أن النظام العربي أو بعض دوله الفاعلة أو المعنية بقضية الصِّـراع والسلام في المنطقة، سعت في السابق القريب إلى ترميم الخَـلل الفلسطيني وقدمت بالفعل المشورة والنصيحة لكل الفرقاء الفلسطينيين، وبذلت جُـهدا في استضافة أو القيام بدور الوسيط.

نذكر هنا دور القاهرة في 2005، وفي الأشهر الأخيرة، ومن قَـبل دور الرياض في اتفاق مكة ثم المبادرة اليمنية، التي تحوّلت إلى مبادرة عربية في قمة دمشق في مارس 2008 وباتت مسؤولية عربية جماعية، ومع ذلك، فلم تتحرك قضية المصالحة الفلسطينية خُـطوة واحدة إلى الامام، بل على العكس، فقد تدهور الوضع أكثر وأكثر، وباتت المُـصالحة الفلسطينية نفسها في مهبّ الريح.

من المصالحة إلى الحديث عن اللاشرعية

الأكثر من ذلك، أصبح الحديث لدى البعض الفلسطينى يتجاوز المصالحة إلى الحديث عن لا شرعية للرئيس أبو مازن بعد أشهر قليلة، والدعوة إلى نقل السلطة إلى رئيس المجلس الوطنى الفلسطينى ـ وهو عبد العزيز الدويك، القابع الآن فى السجون الإسرائيلية ـ أو نائبه عملا بالدستور والقانون، كما طالب بذلك خالد مشعل في تصريحات صدرت عنه يوم 14 سبتمبر الجاري بدمشق.

ورغم أن هناك وِجهة نظر قانونية لا تتفق مع هذا الطرح جُـملة وتفصيلا وترى أن شرعية الرئيس مُـمتدة حتى يناير 2010 وليس 2009، باعتبار أن مدة الرئاسة أربع سنوات، حسب الدستور، فإن المعنى هنا واضح، فحماس تبدو، رغم إعلانها الاستعداد للقاء الرئيس ومستعدّة للمصالحة والبحث في المبادرة العربية، فإنها تبشر بتأخّـر الاتفاق على التفاصيل إلى ما بعد يناير المقبل، ممَّـا يُـعطيها الحق في تولي رئاسة السلطة عمَـلا بالدستور، الذي لم يحترمه أحد بالقدر الكافي بعدُ.

فضلا عن ذلك، فإن حماس تعتبِـر أن ما تقوم به القاهرة من لقاءات تمهيدية مع الفصائل المختلفة، لن يُـفيد كثيرا. فالأساس من وجهة نظرها، هو أن تكون هناك مصالحة بين الفريقين الرئيسيين، أي فتح وحماس، وبعد ذلك، يأتى دور الفصائل الأخرى في مباركة هذه المصالحة، وإضفاء الشرعية الشعبية عليها، وهو ما يعتبره المصريون أنهم وغيرهم جرّبوه سابقا ولم يكن فاعلا، وأن تجاهل الفصائل الأخرى ليس أمرا حكيما.

مناخ ضاغط للمصالحة

إن رجعنا إلى كلمات عمرو موسى، يتّـضح أيضا أن جزءا من الغضب العربي مرتبِـط بتوفير مناخ ضاغط على الفصائل الفلسطينية من أجل التفاعل الايجابي مع الجهود المصرية، التي هي في جزء منها تخدِم المبادرة اليمنية، إن لم تكن تطبيقا لها بنُـكهة مصرية ودعم عربي.

ومقال موسى، لا يحتمل اللُّـبس. فالنظام العربي “لا يريد ولن يتعامل مع عملية مصالحة، مثل عملية السلام تستمر سنة واثنتين وعشر. هذا الكلام يجب أن يقف عند حدٍّ معيَّـن وخلال فترة زمنية معينة… نحن في انتظار نتائج عملية، المصالحة التي تقودها مصر مدعومة من الجامعة العربية بالإجماع”.

الاستياء والحرج

الجانب الثالث يُـمكن التعبير عنه بوجود نوع من الاستياء العربي مصحوبا بالحرج، الاستياء نتيجة أن الفلسطينيين، أو بالأحرى بعضا من فصائلهم الرئيسية تبدو غير معنِـية أبدا بقضية المصالحة واستعادة وِحدة الوطن والقضية، وهي لها أولويات بعيدة تماما عن الأولويات التي يراها النظام العربي، الأولى والأهم.

أما الحرج فراجع إلى أن النظام العربي يبدو عاجزا أمام رفع الحصار الذي تعاني منه غزة، وبينما أمكن لناشطين أوروبيين أن يكسروا هذا الحصار، ولو في تحركات رمزية، كما حدث في الأسبوع الأخير من أغسطس الماضى، فإن النظام العربي الرسمي يبدو محكُـوما بوِجهة النظر الدولية، التي تربط رفع الحصار بشروط أربعة، منها أن تنبذ حماس المقاومة أو العنف وتعترف بإسرائيل والاتفاقيات الموقَّـعة مع السلطة، وهو ما ترفضه حماس، رغم أن حكومتها المُقالة دخلت بالفعل في تهدئة مع الجانب الإسرائيلي بعد وساطة مصرية قبل ثلاثة أشهر.

وهكذا يرى النظام العربي أن الانقسام الفلسطيني لا يوفِّـر قوّة دفع للمطالبة برفع الحصار، وكأنه بذلك يرفع عن نفسه العَـتب عن التماهي مع الشروط الدولية، فضلا عن كونه يضع بصورة عملية شرطا آخر لرفع الحصار، وهو إتمام المصالحة الفلسطينية بصورة تؤدّي إلى تشيل حكومة تكنوقراط غير فصائلية، يمكن معها المناداة بأنها تتناسب مع الشروط الدولية، ومن ثمَّ يتِـم، إما رفع الحصار أو كسره، حسب المقتضيات.

جزء مشروع وآخر لا

من هذه المداخل، يمكن أن نفهَـم أن بعضاً من الغضب العربي مشروع، لأنه ببساطة يحمِّـل الفلسطينيين مسؤولية تاريخية تُـجاه ما يجري بينهم من انقسام واقتتال وشكوك متبادَلة حول الشرعية، سواء للرئاسة الفلسطينية أو الحكومة المُـقالة أو للمجلس النيابي نفسه، ولكنه لا ينفي أيضا أن هذا الغضب في جزء منه تغطِـية على المسؤولية العربية نفسها، التي تقف عاجِـزة عن رفع الحصار وعن تأمين مصالحة فلسطينية قادرة على الصمود في وجه التحدِّيات.

فالعجز العربي – في نظر كثيرين – هو العامل المفتاح، وليس العجْـز الفلسطيني أو الإقتتال فيما بينهم، وأنه طالما استمر هذا العجز العربي، فإن الوضع الفلسطينى لن يتطوّر، لا نحو مصالحة ولا نحو مفاوضات جادّة ولا نحو حقوق مشروعة.

فالمهم – من وجهة نظرهم – أن يُـدرك صانعو القرار العربي أن المِـحنة الفلسطينية بكل أشكالها وتبِـعاتها، هي عرض للمِـحنة العربية الأكبر، محنة فِـقدان البَـوْصلة العربية وفِـقدان الإرادة، التي تجتمع على قلب رجل واحد من أجل وقف التَّـدهور العربي وإعلاء المرجعيات القومية وتحقيق شراكة عربية شاملة ومستقرّة وطموحة.

د. حسن ابوطالب – القاهرة

القاهرة (رويترز) – عبرت الدول العربية بعد اجتماع في القاهرة عن غضبها الشديد بسبب الانقسامات بين الفصائل الفلسطينية قائلة إنها تنتظر منها إنهاء تلك الانقسامات وإلا وقعت عليها عقوبات. وقال وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل في مؤتمر صحفي ليل الاثنين 8 سبتمبر 2008 عقب اجتماع الدورة 130 لمجلس وزراء الخارجية العرب برئاسته في مقر جامعة الدول العربية “استمرار الانقسام الفلسطيني كان أيضا من بين الموضوعات الرئيسية التي بحثها الاجتماع”، وأضاف أن المجتمعين عبروا عن “أهمية اتخاذ موقف عربي صلب وحازم من اراقة الدم الفلسطيني (بأيدي فلسطينيين) وتعميق الانقسام”.

وقال الامير سعود “من المهم الاشارة هنا إلى أن مجلس الجامعة قرر عدم الوقوف مكتوف الايدي أمام استمرار النزاع الذي من شأنه اهدار الحقوق الفلسطينية المشروعة وتشجيع اسرائيل على المضي في غيها وعدوانها وتعميق المعاناة الانسانية للفلسطينيين”. وبحث وزراء الخارجية في الاجتماع الذي حضره الرئيس الفلسطيني محمود عباس الجهود التي تبذلها مصر للمصالحة بين الفصائل الفلسطينية خصوصا بين حركة فتح التي يتزعمها عباس وحركة المقاومة الاسلامية (حماس). وبعد اشتباكات عنيفة طردت حماس القوات الموالية للرئيس الفلسطيني من قطاع غزة وبسطت سيطرتها عليه في يونيو من العام الماضي.

وقال الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى في المؤتمر الصحفي “لا نريد ولن نتعامل مع عملية مصالحة مثل عملية السلام تستمر سنة واثنتين وعشر. هذا الكلام يجب أن يقف عند حد معين وخلال فترة زمنية معينة… نحن في انتظار نتائج عملية المصالحة التي تقودها مصر مدعومة من الجامعة العربية بالاجماع”، وأضاف أن الاجراءات الاسرائيلية لتغيير الوضع على الارض الفلسطينية يجعل “كل يوم يمر يصعب من قيام دولة فلسطينية”. وعلق وزير الخارجية السعودي قائلا “المسؤولية يجب أن يتحملها الفسطينيون. الاقتتال بينهم (يدور) بشكل يضر بقضيتهم… هذه أمور يجب أن تواجهها الدول العربية بصراحة كما يجب على الفلسطينيين أن يواجهوا هذه الامور بصراحة”.

وفي فبراير من العام الماضي، توسطت السعودية في عقد اتفاق بين حركتي فتح وحماس لتشكيل حكومة وحدة وطنية تضمم جميع الفصائل الفلسطينية لكن الاتفاق لم يدم طويلا وتوسط اليمن ايضا لعقد مصالحة بين الحركتين. وقال موسى ان العقوبات التي تلوح الدول العربية بها ضد الفلسطينيين ستكون “ضد الجميع اذا لم يتصالحوا… نحن ندرس الاجراءات التي سوف تتخذ ازاء الفوضى الفلسطينية القائمة وكلها (العقوبات) في اطار مشاورات مغلقة في داخل النظام العربي الان”، وأضاف قائلا “أنا غاضب أشد الغضب على المنظمات الفلسطينية… هل هم لهم دولة ليتعاركوا على مناصب وزارية… نحن ضحكنا على أنفسنا وسميناها دولة فلسطين. هي ليست دولة الى أن تحصل على حقوقها كاملة وتصبح دولة.”

وردا على سؤال حول ما ورد في تقارير صحفية عن مطالبة دول عربية بنشر قوات في قطاع غزة قال موسى “لم يطرح مثل هذا الاقتراح. فلنغلق هذا الموضوع”، واضاف قائلا “الجامعة العربية تقف على مسافة واحدة من كل المنظمات الفلسطينية وغاضبة على كل المنظمات الفلسطينية، وليس على منظمة بعينها… الكل مخطئ”. وفهم محللون من اقتراح ارسال قوات عربية الى قطاع غزة أن الاقتراح موجه ضد حماس لحساب السلطة الفلسطينية التي يقودها عباس والتي تسيطر على الضفة الغربية.

وفيما يبدو أنه اشارة الى الدعم الذي تتلقاه حماس من ايران، قال وزير الخارجية السعودي في كلمة في الجلسة الافتتاحية للاجتماع ان الدول العربية تعيش في ظل “انقسامات داخلية وبينية خطيرة… وتدخلات اقليمية ودولية تستهدف بسط نفوذها وهيمنتها وخدمة مصالحها على حساب العروبة والعرب”. ومضى قائلا “في مقدمة التحديات التي نواجهها ما تشهده الجبهة الفلسطينية من تفكك وانقسام وصلا الى حد الاقتتال واراقة الدماء. هذا الوضع يهدد بكل جدية بتصفية القضية الفلسطينية من أساسها”، وتابع أن ما تمر به القضية الفلسطينية يهدد بتحويلها “من كونها قضية شعب يرزح تحت احتلال غاشم الى نموذج متقدم من تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ وهو نموذج ينذرنا بقابليته للتعميم والانتشار (في العالم العربي).” وتسلم الامير سعود خلال الجلسة رئاسة مجلس وزراء الخارجية العرب من وزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وقال يوسف في كلمة في الجلسة “الشقاق الذي حصل بين أبناء فلسطين المحتلة ما زال يقلقنا”. وبحث وزراء الخارجية التطورات في لبنان والعراق والسودان والصومال وعدة قضايا عربية واقليمية أخرى جددوا مواقف الدول العربية بشأنها.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 9 سبتمبر 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية