مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مقترح “إلحاق” الضفة بالأردن يعكس عمق “المأزق” الفلسطيني

لا زالت فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية (داخل منظمة التحرير وخارجها) تُعاني من الإنقسام والتشتت وغياب الرؤية المُوحّدة للخروج من المأزق السياسي الحالي. null

طرحت دعوة فاروق القدومي الأخيرة لإلحاق الضفة الغربية بالأردن في علاقة كنفدرالية أو فدرالية، تساؤلات حول قدرة الطرف الفلسطيني على صوغ استراتيجية واحدة تجاه التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني.

المبادرة الأخيرة أبرزت أيضا الإفلاس السياسي للحركة الوطنية الفلسطينية، التي تعجز لغاية الآن عن تحقيق أهدافها المعلنة، لأسباب بعضها داخلي وفصائلي، وأخرى خارجية.

فبعد أن تيقن الجميع التراجع الشديد في فرص تحقيق سيناريو حلّ الدولتين، في ظل التغيرات الكبيرة على الأرض التي أفضت إلى حالة مُـرعبة من الإنكشاف الإستراتيجي للفلسطينيين، وفي ظل التحولات المجتمعية وتعبيراتها السياسية في إسرائيل، التي أنتجت حكومات لن تقوى على التقدم قيد أنملة تجاه تحقيق حل الدولتين، جاءت دعوة القدومي لطرح موضوع العلاقة مع الأردن بشكل سيحرم الفلسطينيين من تحقيق حُـلمهم في تقرير مصيرهم على ترابهم الوطني، وبشكل يُرعب عددا كبيرا من الأردنيين الذين ما زالوا يتوجّسون من السياسة الفلسطينية، ويُعزز الإنطباع السائد بأن القيادة الفلسطينية لا تأخذ بعين الإعتبار المصالح والحساسيات الأردنية، وهي تقدم التنازل تِلْـو الآخر للإسرائيليين.

شمس حل الدولتين.. بدأت بالأفول

وعلى نحو لافت، طرح الإستراتيجي الإسرائيلي غيورا ايلاند (مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق) فكرة الخيار الأردني مرة أخرى، كبديل لما أسماه فشل حلّ الدولتين. وللتذكير جرت في عام 2008، مناظرة بينه وبين مروان المعشر (نائب رئيس الحكومة الأردني الأسبق) في معهد واشنطن، فنّد فيها المعشر المرتكزات الأساسية، التي قامت عليها دعوة غيورا ايلاند. وقد نشرت دراسة ايلاند من قبل جامعة بار إيلان الإسرائيلية، ومن ثم في كتاب صدر عن معهد واشنطن، ضم فصولا لغيورا ايلاند ودينس روس ومروان المعشر، وكاتب هذا المقال.

في الأثناء، يمكن القول أن هناك أسبابا موضوعية دفعت الكثير من المراقبين للتوصل إلى خلاصة مفادها أن شمس حل الدولتين، بدأت بالغروب وأن الحديث عن حل للدولتين هو خارج عن سياق تطور الأحداث. وما من شك أن الإسرائيليين تبنَّـوا سياسة ممنهجة لخلق الظروف التي تمنع من تمكين الفلسطينيين تحقيق دولة مستقلة وعاصمتها القدس.

الخلافات الفلسطينية الداخلية

لعل الإخفاق الفلسطيني الأكبر يكمُن في عدم قدرة الفلسطينيين على الإتفاق على استراتيجية واحدة، تتنافس تحت سقفها جميع الفصائل، وعلى سبيل المثال، أظهرت انتفاضة الأقصى، اختلافا كبيرا وجوهريا بين أهم أطراف المعادلة السياسية الفلسطينية: حماس وفتح. وحتى عندما احتكم الفلسطينيون إلى صناديق الإقتراع، سرعان ما عادت الخلافات تعصِف بالمجتمع السياسي، وأضعفت بالتالي، من قدرة السلطة الوطنية الفلسطينية على تحقيق أي إنجاز وطني يمكن الإشارة إليه.

الخلافات الفلسطينية على الأهداف والوسائل، وإن كانت داخلية، إلا أن استمرارها بهذا الشكل المرعب، له أسباب خارجية. ففتح التي تسيطر على السلطة الوطنية الفلسطينية، رأت بأن الخلاص للشعب الفلسطيني ممكن فقط من خلال العلاقة مع الولايات المتحدة، حتى تضغط على إسرائيل للتنازل بما يكفي لإقامة دولة فلسطينية، ومن أجل ذلك كان لا بد لفتح وللسلطة الوطنية الفلسطينية أن تتقرب من إسرائيل وتظهر تفهما كبيرا حيال قضية الأمن الإسرائيلي.

وبالفعل، قام الجنرال دايتون بتدريب قوات فلسطينية في الضفة الغربية، ما أنتج حالة من عدم الشك بحصافة مواقف السلطة الفلسطينية.

تنازل هنا..

في سياق متصل، هناك من يرى أن الرئاسة الفلسطينية التي انتهت مدّتها الدستورية منذ سنتين، تتصرف بشكل لا يعكس الهمّ الوطني الفلسطيني. فالرئيس عباس أعلن في مقابلة على التلفزيون الإسرائيلي أنه “ليس له الحق في العودة إلى مدنية صفد”، مسقط رأسه، وربما جاء ذلك في سياق مناورة سياسية من قبل عباس لضمان دعم إسرائيل له للبقاء في موقعه، غير أن القيمة الرمزية لتنازل رئيس دولة فلسطين عن حق العودة، أمر ليس هينا.

إضافة إلى ذلك، قللت التبعية الفلسطينية الرسمية للخط الأمريكي والإنضمام لمعسكر الإعتدال (الذي تهاوى مع حلول “الربيع العربي”)، من هامش المناورة. فكان شرط الأمريكان والإسرائيليين للتعامل مع السلطة، هي المشاركة في الحصار على غزة، ما أضعف شرعية السلطة الفلسطينية، وبخاصة في منطقة غزة التي تحكمها حماس بإحكام، وتوفر الأمن للإسرائيليين، هو أمر عجز عنه عباس.

بالمقابل، ترى حماس بأن الخلاص الفلسطيني يحتاج إلى مقاومة راشدة، مع أن هناك الكثير من الإشارات التي تفيد بأن حماس تقبل بدولة فلسطينية على حدود عام 1967. وحماس، التي تتلقى دعما مباشرا من إيران، لا يمكن لها الإقتراب من فتح أو إجراء مصالحة حقيقية. فالعامل الخارجي يبقى في غاية الأهمية، ونشير هنا إلى زيارة إسماعيل هنية لإيران وتلقيه دعما مباشرا، ما أدّى برأي مراقبين إلى تقوية “حماس الداخل” على “حماس مشعل”.

في هذه اللحظة، تشعر حماس بأنها لا تحتاج لمصالحة مع فتح، فهي تحكم غزة من دون شركاء، في حين يحكم عباس الضفة الغربية بشراكة مع الإحتلال الإسرائيلي. كما أن التطورات الأخيرة التي رافقت زيارة أمير قطر (التي تعمل على تأهيل حماس وتسويقها للإسرائيليين والأمريكان) إلى غزة، تبعث برسالة هامة تفيد بأن الحصار بدأ بالإنحسار. غير أن الأهم لتعبيد طريق المُصالحة الفلسطينية، يكمُن في تفاهمات إقليمية أمريكية، وهو ما لا يُمكن تخيّله في ظل الإستقطابات الإقليمية القاتلة.

بغض النظر عن السياق العام الذي جاءت في إطاره دعوة فاروق القدومي إلى قيام كنفدرالية أردنية مع ما تبقى من الضفة الغربية، هناك في الأردن تيار يدعو لعودة الضفة الغربية والتراجع عن فك الإرتباط مع الأردن، دون الإكتراث لحساسية المسألة، وللتهديدات الناجمة عن هكذا سيناريو يرى كثيرون أنه يمثل “توطئة للوطن البديل”.

هذا التيار نخبويّ ومعزول، ولا يمكن له الإدعاء بأنه يتحدث باسم جميع الأردنيين من أصل فلسطيني، غير أن الأخطر، أن دعوة القدومي وتلاقيها مع هذا التيار المعزول واستعداد عباس للتنازل عن حق العودة مجانا، قد تُذْكي تنافسا بين الأردنيين والفلسطينيين، لا يخدم أيا منهما.  

ندد حزب جبهة العمل الاسلامي، الذراع السياسية للاخوان المسلمين وابرز احزاب المعارضة في الاردن الاحد بالتصريحات “الخطيرة” التي ادلى بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، معتبرين انها تشكل “تهديدا لمصالح الاردن العليا”.

وكان عباس قال في مقابلة مع القناة الثانية الاسرائيلية الخاصة مساء الجمعة 2 نوفمبر 2012 انه لا يفكر في العودة للعيش في مدينة صفد مسقط رأسه التي اصبحت اليوم داخل اسرائيل.

ورحبت اسرائيل بهذه التصريحات بينما اتهمه فلسطينيون بانه يتخلى فيها عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

وقال مسؤول الملف الفلسطيني في جبهة العمل الاسلامي مراد العضايلة في بيان نشر على موقع الحزب الالكتروني إن “ما ورد على لسان عباس خطير وغير مسبوق”.

واضاف ان “تصريح عباس يهدد حقوق اكثر من ستة ملايين لاجيء فلسطيني اغلبهم يقيم في الاردن وهو بذلك تهديد لمصالح الاردن العليا ويحتاج الى رد فعل من المؤسسة الرسمية هنا”.

ورأى ان “عباس خرج على ثوابت القضية الفلسطينية وفقد بهذه التصريح المتخاذل اهليته لقيادة الشعب الفلسطيني”، مشيرا الى انه “آن الأوان كي يستريح عباس ويريح ويترك للشعب الفلسطيني المقاوم استخلاص حقوقه”.

ودعا العضايلة الحكومة الاردنية الى “شجب هذه التصريحات التي تتعارض مع ثوابت السياسة الاردنية الخارجية الرسمية”، مؤكدا انه “ليس من حق احد نظاما كان ام فردا التنازل عن حق الامة في فلسطين التاريخية من النهر الى البحر او التفريط في حق العودة المقدس”.

كما دعا مختلف الفعاليات الشعبية الاردنية الى ادانة هذا “الموقف المتخاذل الجديد ودعم مقاومة الشعب الفلسطيني حتى استخلاص كامل حقوق الامة دون انتقاص”.

وقال عباس في المقابلة باللغة الانكليزية “اريد أن ارى صفد. من حقي أن اراها لكن ليس أن أعيش هناك”.

واضاف عباس ان “فلسطين بالنسبة لي هي اليوم داخل حدود 1967 مع القدس الشرقية عاصمة لها. هذه هي فلسطين بالنسبة لي. انا لاجىء واعيش في رام الله، اعتقد ان الضفة الغربية وغزة هي فلسطين والباقي هو اسرائيل”.

ولد عباس في صفد في ظل الانتداب البريطاني على فلسطين ونزحت اسرته في 1948 مع قيام دولة اسرائيل مع مئات الالاف من الفلسطينيين.

ويبدو ان عباس كان يسعى في هذه المقابلة عبر شاشة التلفزيون الاسرائيلي الى تهدئة مخاوف الاسرائيليين قبل توجه الفلسطينيين للامم المتحدة للمطالبة بمنح دولة فلسطين صفة دولة غير عضو.

وقد اكد موقفه القائم على الإعتراف بوجود دولة اسرائيل داخل حدود 1967 قبل احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 4 نوفمبر 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية