“صندوق مكافحة التطرف العنيف”.. أداة دولية جديدة لمُواجهة الإرهاب
بعد انخراطها لسنوات في تجربة محاربة الإرهاب، اعتمادا على الوسائل الأمنية، تبحث المجموعة الدولية عن سبُـل أخرى لمعالجة ظواهر العنف والإرهاب من جذورها، من خلال الإهتمام بالفئات المستهدفة، عن طريق مشاريع يُموِّلها "الصندوق الدولي لمحاربة التطرف العنيف"، الذي تم الإتفاق مؤخرا على أن تكون مدينة جنيف مقرا له.
تستعد جنيف الدولية لاحتضان مؤسسة جديدة تُسمّى “الصندوق الدولي لمحاربة التطرف العنيف”، بعد أن تم الإتفاق في اجتماع عقدته يوم 20 فبراير 2014 في واشنطن الدول الأعضاء في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، وهو محفل غير رسمي يضم حوالي 30 دولة، من بينها عدة دول عربية، على أن يكون مقر الصندوق في المدينة الدولية، الواقعة غرب سويسرا. ومن المنتظر أن يتم التدشين الرسمي للصندوق في صيف العام الجاري.
الإعلان عن إنشاء هذا الصندوق، أثار تساؤلات البعض حول أهداف وطريقة معالجة القائمين عليه لمُجمل المسائل المتعلقة بملف محاربة الإرهاب، في ظل الجدل والإنتقادات التي وُجّهت لممارسات الدول، التي ظلت تركّـز اهتمامها على الزاوية الأمنية لوحدها خلال العشرية الأخيرة.
من جهة أخرى، سلّـط القرار الأضواء على الإهتمام السويسري بهذه المسائل، كما شرحت وزارة الخارجية في أجوبتها الكتابية على أسئلة swissinfo.ch أهداف برن وتطلُّـعاتها بشأن المشروع برمَّـته.
إشراك فئات جديدة
بداية، ألا يُمكن النظر إلى هذه الخطوة باعتبارها محاولة لتصحيح الأخطاء المُـرتكبة في مجال محاربة الإرهاب، من منظور أمني صرف ووِفقا لتصورات الدول وحدها؟ يُجيب جورج فاراغو، الناطق باسم الخارجية السويسرية، مُنوّها إلى أن “الطريقة التي أقيم بها الصندوق الدولي لمحاربة التطرف العنيف، هي طريقة مُـبتكَـرة لتصور جديد، يجمع طيفا أوسع من الشركاء، بغرض دعم الجهود المحلية ومعالجة موضوع التطرّف العنيف من جذوره وبكل أشكاله ومظاهره. ويجب النظر إلى ذلك، على أنه إسهام في الجهود المشتركة المبذولة على المستوى العالمي، لتطبيق الإستراتيجية العالمية لمنظمة الأمم في مجال محاربة الإرهاب، وبالأخص الركيزة الأولى (أي الإجراءات الكفيلة بمعالجة الأسباب المؤدية إلى انتشار الإرهاب)”.
الناطق باسم الخارجية السويسرية يرى أن الجديد في هذا المجال، يتمثل في إشراك فئات إضافية في عملية محاربة الإرهاب، على العكس مما ظل سائدا حتى الآن أو بكلمة أخرى، “السماح بمشاركة منظمات المجتمع المدني والمنظمات الوطنية والدولية، للإستفادة من تمويل من الصندوق لمشاريع تهدف إلى إبعاد فئات وأفراد عن استخدام العنف، وبالتالي، العمل على تجفيف منابع التجنيد ومحاربة التطرف العنيف من جذوره”، على حد قوله.
بعد أن أخفقت جنيف في استضافة مقر “الصندوق الدولي من أجل البيئة”، الذي آل في نهاية المطاف إلى كوريا الجنوبية، يرى البعض في استضافة المدينة السويسرية لمقر الصندوق الدولي لمكافحة التطرف العنيف، تعويضا عن تلك الخسارة. فكيف تنظر سويسرا إلى هذا القرار؟ وما هي المقوِّمات التي تجعل جنيف مؤهَّـلة لاستضافة صندوق من هذا القبيل؟
عن هذا التساؤل، يُجيب جورج فاراغو، الناطق باسم الخارجية السويسرية بالقول: “لقد كانت سويسرا ترغب بالطبع في استضافة صندوق البيئة، أما اختيارها كمقر لصندوق مكافحة التطرف العنيف، فهو راجع لكونها أهم مركز أممي للحوكمة الدولية، وثاني مدينة أممية بعد نيويورك… كما أن المؤسسات والمعاهد المختلفة المتواجدة فيها، تسمح بمعالجة متعددة الأوجه لقضية محاربة الإرهاب، ببُعدها الحقوقي وحقوق الإنسان وببُعد القانون الإنساني الدولي وبُعد الحد من الأسلحة ونزع السلاح والعمل الإنساني والتنمية ودعم السلام”.
ولدى سؤاله عن مدى اهتمام الكنفدرالية بملف محاربة الإرهاب والتطرف العنيف، أجاب المتحدث باسم الخارجية، أنه “بالنظر إلى أن سويسرا مقتنعة بأن المعالجة الشاملة هي الحل الأمثل، وذلك بالجمع بين مواضيع الأمن وحقوق الإنسان والتنمية معا، فإن جنيف هي المكان المناسب لاستقبال مؤسسة صغيرة من هذا الحجم وبميزانية تقدَّر بحوالي 200 مليون دولار لفترة السنوات العشر القادمة”.
التربية والتعليم والإعلام
إذا كانت عمليات محاربة الإرهاب قد اتخذت أوجُها شتّـى ولم تحقق الشيء الكثير، حسب البعض، فإن المقاربة الجديدة المراد تطبيقها من خلال برامج هذا الصندوق، تسعى للتركيز على معاقِـل التجنيد وعلى الأسباب التي تدفع الشباب في عدد من بلدان العالم إلى اختيار طريق العنف والإرهاب.
في هذا السياق، يقول جورج فاراغو، الناطق باسم الخارجية السويسرية في رده على أسئلة swissinfo.ch: “سيتم التركيز خلال المرحلة الأولى من عمل الصندوق (أي ما بين 18 و 24 شهرا) على ثلاثة قطاعات، وهي: التربية والتعليم والإعلام، وإشراك فئات المجتمع – وبالأخص في مناطق التجنيد – من زعماء دينيين واجتماعيين، لتعزيز الحوار وتوعية الفئات المستهدفة”.
وبالفعل، يهدف المشروع من خلال إقحام الزعماء الدينيِّـين والإجتماعيِّـين ومشاركتهم، ومن خلال توظيف شبكات التواصل الاجتماعي، إلى التوصل إلى إيجاد أرضية إعلامية مُضادة لمواجهة دعاية الجماعات الإرهابية. وبذلك، تتم مساعدة عائلات ضحايا الإرهاب والمنظمات الداعمة لها في جهودها الرامية إلى توضيح مخاطر الإنخراط في الشبكات الإرهابية من ناحية، ومساعدة التائبين أو الناجين من التجنيد في الشبكات الإرهابية لعرض تجربتهم وتوضيح كيفية الزج بهم في براثين الإرهاب، لكي تكون تجربتهم عِـبرة للآخرين، من ناحية أخرى.
وإذا كانت العمليات المتعلقة بمحاربة الإرهاب قد تمّت إلى حد اليوم حصريا على مستويات رسمية وأمنية عليا، فإن تجربة الصندوق تهدف في واقع الأمر إلى فتح المجال أمام شركاء مدنيين واجتماعيين ودينيين، للإدلاء بدلوهم في محاربة هذه الآفة العابِـرة للحدود والأعراق والطوائف والجنسيات.
في هذا الصدد، يقول الناطق باسم الخارجية السويسرية: “إن مهمة الصندوق الدولي لمكافحة التطرف العنيف، تكمن ضمنيا في محاولة دعم الإستراتيجية الدولية لمحاربة الإرهاب، التي تم اعتمادها بالإجماع من قِـبل كافة الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة في عام 2006. كما سيحاول التنسيق في جهوده مع مجموعة الأمم المتحدة المكلفة بتطبيق استراتيجية محاربة الإرهاب ومع مركز الأمم المتحدة لمحاربة الإرهاب، وهو سيعمل بذلك على جسر الهوة المُسجلة في هذا المجال لحد اليوم، والمتمثلة في ضرورة معالجة الأسباب التي تعمل على توسيع رقعة الإرهاب”.
مشاركة عربية ملفتة
من بين الدول الخمس والثلاثين الموقِّـعة على قرار تأسيس الصندوق الدولي لمحاربة التطرف العنيف، توجد سبع دول عربية وهي (الجزائر ومصر والأردن والمغرب وقطر والسعودية والإمارات)، ويُعزى هذا الحضور الكبير إلى أن هذه الدول التحقت منذ اليوم الأول بعضوية المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، الذي تأسس في نيويورك يوم 22 سبتمبر 2011، أي بعد 11 يوما من التفجير الإرهابي في نفس المدينة، يُعتبر “منبرا غيْـر رسمي متعدد الأطراف لمكافحة الإرهاب”، حسبما ورد في تعريفه الرسمي.
ولدى سؤاله عن المغزى الذي يمكن استخلاصه من هذا التواجد العربي الملفت في هذا المحفل الدولي لمكافحة الإرهاب وفي عملية تأسيس الصندوق الدولي لمحاربة التطرف العنيف، أجاب جورج فاراغو، أن “الدول الأعضاء في المنتدى العالمي لمحاربة الإرهاب، هي التي كانت وراء فكرة إقامة الصندوق، وبالتالي، فهي الأولى التي طُلب منها الإسهام فِـعليا في دعمه. ومن المُشجّع، رؤية أن الدول المتأثرة بالإرهاب هي التي كانت سبّاقة إلى المشاركة في عملية التأسيس ومن أجل محاربة هذه الظاهرة. فقد توصل الجميع إلى نتيجة مفادها أنه لا يُمكن محاربة الإرهاب بوسائل مبسّطة وأن هناك ضرورة للمزج بين الوسائل الوقائية والوسائل القمعية”.
حسب التعريف الرسمي، هو “محفل دولي غير رسمي متعدد الأطراف لمكافحة الإرهاب”، تم تأسيسه في سبتمبر 2011 في نيويورك.
يركز المنتدى اهتمامه على الإحتياجات المدنية الحرجة لمناهضة الإرهاب، واستقطاب الخبرات الضرورية والموارد اللازمة لمعالجة تلك الإحتياجات.
الأعضاء الثلاثون المؤسّسون للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب هم : الجزائر، استراليا، كندا، الصين، كولومبيا، الدنمارك، مصر، الاتحاد الأوروبي، فرنسا، المانيا، الهند، اندونيسيا، إيطاليا، اليابان، الأردن، المغرب، هولندا، نيوزيلندا، نيجيريا، باكستان، قطر، روسيا، المملكة العربية السعودية، جنوب افريقيا، إسبانيا، سويسرا، تركيا، الإمارات العربية المتحدة، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية. بالإضافة إلى مساهمة فعالة من مؤسسات أممية ودولية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.