مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“هذه النزاعات والفتن سـتـُدمّــــر المجتمعات العربية والإسلامية”

الشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي التي يوجد مقرها في جدة بالمملكة العربية السعودية. (جنيف، 22 أغسطس 2013) swissinfo.ch

على هامش ندوة التأمت مؤخرا في جنيف، أكد الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي "استعداد الرابطة للتعاون مع ممثلي الجاليات المسلمة لتدريب أئمة يُراعون الواقع اللغوي والثقافي للمجتمعات التي يوجدون فيها". كما أعلن عن بداية قريبة لـ "حوار إسلامي - إسلامي"، بموازاة حوار الأديان والثقافات الذي انطلق منذ فترة مع غير المسلمين.

بدعوة وتنظيم من المؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف، حضر الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي (مقرها جدة) يوم 20 أغسطس 2013 ندوة انعقدت في المدينة الواقعة على ضفاف بحيرة ليمان في أقصى غرب سويسرا تحت عنوان “المسلمون في الغرب.. المواطنة والهوية”.

الندوة التي شارك فيها عدد من الباحثين المسلمين والغربيين، وممثلون عن الجاليات الإسلامية المقيمة في سويسرا وبعض البلدان الأوروبية، وفرت فرصة لمناقشات مفتوحة لبعض المواضيع المُلحّة التي تواجهها الجاليات المسلمة المقيمة في العديد من المجتمعات الغربية ومن ضمنها سويسرا.

الندوة، التي لم يُروّج لها مُسبقا بما فيه الكفاية، تطرقت إلى عدد من المواضيع المُهمّة بالنسبة للجاليات المسلمة ولسلطات دول المنشأ وللدول الأوروبية المستقبلة لها، من بينها، “المسلمون وتحديات الهوية”، “المسلمون في أوروبا… الحقوق والواجبات”، “مسلمو أوروبا والخصوصية الدينية”، “مسلمو أوروبا.. ذوبان أم اندماج”، “المواطنة والتعددية الثقافية”، “مشكلات التعايش”، “التطرف الديني في الأقليات المسلمة”، “حرية التعبير وحملات الإساءة للرموز الدينية”، “الإسلاموفوبيا وثقافة الكراهية”، “نحو شراكة حقيقة في مجتمع عادل”.  

في الوقت نفسه، سمحت مشاركة باحثين وممثلين من جاليات مسلمة من سويسرا وغيرها (فرنسا والمانيا وبلجيكا والبوسنة والهرسك..) وخبراء من الرابطة في النقاشات التي جرت بتبادل الخبرات والتجارب المسجلة في مختلف المجتمعات الغربية التي أصبحت تؤوي مئات الآلآف من المسلمين فوق أراضيها.

نظرة جديدة لتكوين الأئمة؟

هذه الندوة التي تعتبر الثانية من نوعها (عُقدت الأولى في جنيف أيضا سنة 2009)، تأتي في وقت يجري فيه البحث بدرجات متفاوتة عن سبل ملائمة لتكوين أئمة في البلدان الغربية بما يُراعي الخصوصيات الثقافية واللغوية والقوانين السائدة في المجتمعات التي يُزاولون فيها مهامهم الدينية.

ومنذ فترة، تحاول كل الدول المعنية، بما في ذلك سويسرا، البحث عن أنجع الطرق لتأمينه لفائدة جالياتها المسلمة بشكل يحترم خصوصياتها الدينية، ويُراعي في الوقت نفسه القوانين والأعراف التي يقوم عليها المجتمع السويسري. وفي هذا السياق، يقول الشيخ عبد بن عبد المحسن التركي، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي في لقاء أجرته معه swissinfo.ch: “بالفعل يحتاج الأمر إلى تواجد شخصيات قادرة على الحديث لهذه الجاليات على اختلاف لغاتها، وبالأخص اللغة الرسمية للدولة التي يوجدون فيها”.

وردا على سؤال حول ما إذا كانت الرابطة مستعدة للتعاون في إطار تكوين أئمة الجاليات المسلمة في الغرب وفقا لهذه المعطيات، أجاب الدكتور التركي بأن “هذا من أولويات الرابطة. ولدينا معهد متخصص لتأهيل الأئمة والدعاة. ولكنه معهد لكل المسلمين في كل أنحاء العالم. ونحن نركّـز من خلال هذا المعهد على إيجاد ثقافة لكل جهة بما يناسبها”، وأضاف “لكن الأهم من هذا أن تهتم الأقلية المسلمة في نفس البلد بإيجاد معهد أو مكان للدورات التأهيلية أو التدريبية فيما يتعلق بموضوع الأئمة والموجّهين أو المربين”.

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي أشار أيضا إلى أن هذا الموضوع كان ضمن اهتمامات الندوة كما أثير خلال اللقاء الذي نظم بالمناسبة مع عدد من رؤساء المراكز الإسلامية في سويسرا، الذين شدّدوا على ضرورة “البحث عن مراكز أو معاهد قائمة أو الإستعانة بالمؤسسة الثقافية الإسلامية (تأسست في يونيو 1978 في جنيف)”.

تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن النقاشات التي شهدتها سويسرا حول هذا الموضوع (منذ الأزمة التي تلت قرار حظر بناء المزيد من المآذن في موفى 2009)، أسفرت في شهر مارس 2013 عن توافق حول “قيام المعاهد السويسرية العليا بوضع الأسُس لتكوين الأئمة في الكنفدرالية بالتعاون مع الجاليات المسلمة. وفي الوقت الحاضر، يقوم فريق عمل بقيادة انطونيو لوبريينو، أستاذ العلوم الفرعونية بجامعة بازل ورئيس ندوة عمداء الجامعات السويسرية، بالبحث عن الجامعة التي ستُصبح لاحقا مركزا رئيسيا لهذا الصنف الجديد من التكوين”.

في إجابته على تساؤلات swissinfo.ch حول مدى ضرورة إيجاد إطار للتحاور بين المسلمين قبل التشديد على مسألة الحوار بين المسلمين وغير المسلمين، أشار الشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي، إلى أن “العاهل السعودي أعلن عن تأسيس مركز للحوار بين المسلمين أنفسهم”، إلا أنه استدرك قائلا: “ولربما أن هذا المركز لم يبدأ نشاطاته بشكل فعلي. فقد قامت رابطة العالم الإسلامي قبل عامين بتنظيم مؤتمر تحت عنوان “العالم الإسلامي مشكلات وحلول”. وبعد زيارة المشاركين في هذا المؤتمر للملك عبد الله في قصره في جدة، وجّه أمرا بعقد الملتقى سنويا. ونحن الآن بصدد الإعداد لعقده بعد الحج هذا العام (أي في النصف الثاني من شهر أكتوبر 2013). وربما يُعقد سنويا، وبمشاركة كل الطوائف، لمتابعة المشكلات والأزمات في العالم الإسلامي”.   

استغلال الدين يؤدي إلى الفرقة

على صعيد آخر، تطرح الأوضاع القائمة اليوم في العالم الإسلامي عدة تساؤلات حول المستقبل بسبب ما يسودها من فرقة وشقاق وتشيع وصراعات. وفي الوقت الذي يجري فيه الحديث عن ضرورة إجراء حوار بين المسلمين وغير المسلمين، أليس من الأجدى السعي لإقامة حوار بين المسلمين أنفسهم على اختلاف مذاهبهم وميولاتهم؟ وفي هذا السياق، هل تُبذل جهود على مستوى رابطة العالم الإسلامي في هذا الإتجاه؟

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي أجاب عن هذه التساؤلات بأن “الأصوات العاقلة موجودة، والرؤى الصحيحة موجودة، والجهود موجودة على مستوى الدول وعلى مستوى المنظمات”، مذكرا بما “تقوم به المملكة، وبالأخص ما يقوم به العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز اليوم، وما قام به الملك فيصل من قبل”. كما أشار إلى ما تقوم به المنظمات والمؤسسات الإسلامية، كرابطة العالم الإسلامي ومنظمة التعاون الإسلامي وغيرها “من أجل جمع الكلمة وتحقيق التنسيق والإستقرار ومواجهة التحديات الموجودة”، وبعد أن تساءل: “هل هذه الجهود حاليا متضامنة التضامن القوي الذي يجعلها تحقق الهدف المنشود والحقيقي وحسب تطلعات الناس؟” أجاب قائلا: “هذا نحن نعتبر أن فيه نقصا في الوقت الحالي”.

في الأثناء، أعرب الشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي عن تفاؤله بتجاوز هذه المحن في يوم من الأيام، وقال: “على المجتمعات العربية والإسلامية أن تدرك بأن هذه النزاعات والفتن ستدمر هذه المجتمعات، وأن المصلحة تستدعي إعادة النظر والتخفيف من هذه الأزمات… والتعاون مع الآخرين وفقا لمصالح الأمة العربية والإسلامية. وأن يُبحث عن القيادات التي تحرص على الشأن العام قبل المصالح الشخصية”.

أخيرا، يذهب الدكتور التركي إلى أن “من الأخطار الكبيرة، استغلالُ الجانب الديني من قبل الأحزاب والطوائف. لأن التاريخ الإسلامي يُظهر لنا جليا بأنه كلما تم استغلال الدين الإسلامي كلما كثرت الفتن، وتفرقت الشعوب والمجتمعات”، مسعرضا ما حدث في العراق أو في أفغانستان أو الصومال، أو ما يجري الآن في سوريا أو في مصر واليمن وفي عدد من الدول العربية والإسلامية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية