عن كثب-كيف تظهر معركة بشأن خط أنابيب نفط تزايد النفوذ الأمريكي في العراق
بغداد/واشنطن 4 ديسمبر كانون الأول (رويترز) – انطلقت طائرات إيرانية مسيرة عبر أجواء إقليم كردستان العراق في شمال البلاد في منتصف يوليو تموز وكان الهدف محددا: حقول النفط التي يتولى الأمريكيون تشغيلها.
إحدى هذه المسيرات أطلقتها جماعة مسلحة مدعومة من إيران داخل العراق وأصابت حقل سرسنك الذي تديره شركة إتش.كيه.إن إنرجي وهي شركة يملكها نجل الملياردير روس بيرو في تكساس. ومن المرجح أن الاستهداف جاء ردا على الضربات التي شنتها الولايات المتحدة على المواقع النووية الإيرانية قبل أسابيع.
وأصابت أخرى حقلا مجاورا تديره شركة هانت أويل ومقرها دالاس.
وبحلول نهاية الهجوم الذي استمر أربعة أيام، وأدى أيضا إلى تعطيل العمليات في شركة محلية وشركة دي.إن.أو النرويجية، توقف ما يقرب من نصف إنتاج منطقة كردستان.
وأثار الهجوم المباشر على المصالح الأمريكية غضب واشنطن التي لطالما شعرت أن العراق لا يبذل جهدا كافيا للتعامل مع أمر الميليشيات الموالية لإيران، ودفعها بحسب تسعة مصادر مطلعة إلى تكثيف حملة ضغط على بغداد.
وأدت هذه الحملة في نهاية المطاف إلى إعادة تشغيل العراق لخط أنابيب رئيسي لتصدير النفط من كردستان، فيما يمثل تطورا كبيرا يعكس ميل كفة ميزان النفوذ داخل العراق نحو واشنطن وابتعاده عن طهران.
وقال مصدر داخل إدارة الرئيس دونالد ترامب بشأن الرد الأمريكي على ضربات الطائرات المسيرة “أعتقد أنه يمكن القول بثقة إن وزير الخارجية (ماركو) روبيو نقل بعض الرسائل الصارمة إلى بغداد لتوضيح أن لحظة الاختيار أصبحت قريبة”.
* تهديدات بعقوبات
كانت واشنطن تضغط من أجل إعادة تشغيل خط الأنابيب إلى ميناء جيهان التركي منذ إغلاقه في عام 2023 وسط نزاع بين بغداد وحكومة إقليم كردستان بشأن مبيعات النفط التي تتخطى الحكومة الاتحادية.
وكان ذلك يرجع في جانب منه إلى الرغبة في مساعدة شركات النفط الأمريكية في كردستان وفي جانب لمحاولة خفض أسعار النفط العالمية وفي جانب آخر لأن إغلاق خط الأنابيب حوّل النفط الخام إلى الجنوب ومن ثم تغذية شبكات التهريب التي توفر أموالا طائلة لإيران ووكلائها.
إلا أن هجمات المسيرات دفعت ترامب إلى الانتقال بحملة واشنطن إلى مستوى جديد.
وقال أحد المصادر المشاركة في حملة الضغط إن الشهرين التاليين للهجمات شهدا تهديد ممثلين عن إدارة ترامب لكبار المسؤولين في قطاع الطاقة في العراق بفرض عقوبات إذا لم يتم إعادة تشغيل خط الأنابيب.
ولم يؤكد مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية أو ينفِ التهديد بفرض عقوبات، لكنه قال إن الولايات المتحدة مارست ضغوطا دبلوماسية “مكثفة للغاية” لإعادة تشغيل خط الأنابيب.
ورفض البيت الأبيض التعليق على ما إذا كان قد هدد بفرض عقوبات على العراق. وأحجمت الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان وشركة هانت أويل عن التعليق. ولم ترد شركة إتش.كيه.إن إنرجي على طلبات التعليق.
وجرى الإعلان عن اتفاق مبدئي لإعادة تشغيل خط الأنابيب في 17 يوليو تموز، وهو اليوم الأخير من هجمات الطائرات المسيرة، وبعد شهرين من الضغوط الأمريكية المكثفة، بدأ النفط يتدفق في 27 سبتمبر أيلول.
ولم يسبق أن تناولت أي تغطية تفاصيل حملة الضغوط الأمريكية.
ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن هجمات الطائرات المسيرة. وقال مصدر حكومي عراقي، نقلا عن تحقيق أجرته أجهزة أمنية، إن هذه الهجمات نفذتها جماعة مسلحة قوية موالية لإيران، رفض أن يفصح عن اسمها.
وقال مصدر أمني عراقي إن بغداد حذرت الجماعة من أن أي هجمات أخرى ستضعها في مواجهة مباشرة مع الحكومة.
* أمريكا تتوقع “عائدا كبيرا” لاستثماراتها
تسلط هذه الحلقة الضوء على طموحات الولايات المتحدة في مجال الطاقة بالشرق الأوسط. فالعراق ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) التي دأب ترامب على انتقادها لمحاولتها إبقاء أسعار النفط مرتفعة.
ويعكس هذا أيضا الروابط الوثيقة بين المصالح الدبلوماسية والتجارية الأمريكية في عهد ترامب.
وقال مصدر في الإدارة الأمريكية “بالنظر لما استثمرناه في هذا البلد… من حيث الثروة الوطنية وأرواح الأمريكيين التي خسرناها في معركة هزيمة الإرهاب إلى جانب شركائنا العراقيين… نتوقع أن يكون هناك عائد كبير لهذا الاستثمار”.
ويظهر موقف العراق تحولا في ميزان النفوذ في البلاد بعد أن ظلت بغداد تسير لفترة طويلة على حبل دبلوماسي مشدود بين حليفيها الرئيسيين والعدوين اللدودين في الوقت نفسه طهران وواشنطن.
وتدعم إيران، التي تخضع لعقوبات أمريكية وغربية بسبب طموحاتها النووية، نحو عشرة فصائل شيعية مسلحة تنشط في العراق لديها نحو 50 ألف مقاتل وترسانات أسلحة وتتمتع بنفوذ سياسي واسع.
إلا أن قوتها وهيبتها ضعفت بشدة بعد الهجمات الإسرائيلية ضد وكلائها في المنطقة وضد إيران نفسها.
* تعقيدات
لكن من غير الواضح ما إذا كان هذا التحول في ميزان القوة سيستمر، أو إلى أي مدى ستظل الترتيبات الخاصة بخط الأنابيب صامدة.
واتفاقية استئناف ضخ النفط عبر خط الأنابيب مؤقتة وستتم مراجعتها من قبل بغداد وحكومة إقليم كردستان في نهاية ديسمبر كانون الأول.
كما أن المستقبل يعد أكثر تعقيدا إذ أن أجَل اتفاقية تعود لعام 1973 بين العراق وتركيا، والتي وضعت الأساس القانوني لصادرات النفط، ينتهي في يوليو تموز المقبل.
وتواصل بغداد أيضا معارضتها لاتفاقيتي غاز أبرمتهما شركتا إتش.كيه.إن إنرجي وويسترن زاجروس، ومقرها فانكوفر، مع حكومة إقليم كردستان في مايو أيار الماضي.
وإتش.كيه.إن جزء من مجموعة هيلوود للعقارات والطاقة ومقرها دالاس والتي أسسها روس بيرو الابن، نجل روس بيرو الملياردير العصامي من تكساس الذي ترشح للرئاسة مرتين.
وعائلة بيرو من أكبر الداعمين للحزب الجمهوري، وتظهر السجلات العامة أنها تبرعت بأكثر من ثلاثة ملايين دولار في عامي 2025 و2024.
وتقول بغداد إن الاتفاقيات المتعلقة بالموارد الطبيعية العراقية لا يمكن أن تبرَم إلا مع الحكومة الاتحادية. ورفعت دعوى قضائية ضد حكومة إقليم كردستان بشأن الصفقتين في 26 مايو أيار، وفي الأسبوع نفسه وقعت اتفاقية مع شركة جيوجيد بتروليوم الصينية لتوسيع حقل نفطي في جنوب العراق.
يأتي هذا بينما تظهر مؤشرات تحسنَ العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق.
وعينت واشنطن مبعوثا خاصا جديدا إلى العراق في 19 أكتوبر تشرين الأول، بعد أيام من موافقة شركة الطاقة الأمريكية العملاقة إكسون موبيل على العودة إلى البلاد للمساعدة في توسيع الإنتاج في جنوب العراق.
وقال دارين وودز الرئيس التنفيذي لإكسون في مؤتمر عقد في لندن في 13 أكتوبر تشرين الأول “إنها خطوة أولى بالغة الأهمية في العمل الذي نرغب في القيام به… أمامنا طريق طويل لتحقيق أي إنجاز، لكننا متفائلون ونتطلع إلى تقييم ذلك”.
(شارك في التغطية تيموثي جاردنر من واشنطن ودميتري جدانيكوف من لندن ونيريجوس أدومايتيس من أوسلو – إعداد مروة غريب للنشرة العربية)