مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

وزير خارجية الإمارات يلتقي الأسد في أول زيارة رسمية لدمشق منذ اندلاع النزاع

تظهر هذه الصورة التي نشرتها صفحة الرئاسة السورية على فيسبوك في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، الرئيس السوري بشار الأسد (إلى اليمين) وهو يستقبل وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان في العاصمة دمشق afp_tickers

استقبل الرئيس السوري بشار الأسد الثلاثاء وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد آل نهيان، في أول زيارة لمسؤول إماراتي رفيع منذ قطع دول خليجية عدة علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق إثر اندلاع النزاع، إلا أن الخطوة لقيت انتقاداً من واشنطن.

وأعربت الولايات المتحدة عن “قلقها” إزاء الزيارة، مندّدة بجهود تبذل لتعويم “دكتاتور وحشي” و”مرتكب فظاعات” ونظام لا يزال يبذل جهودا من أجل “حرمان القسم الأكبر من البلاد من المساعدات الإنسانية ومن الأمن”.

وعلى غرار دول غربية وخليجية عدّة، قطعت الإمارات في شباط/فبراير 2012 علاقتها الدبلوماسية مع دمشق، بعد نحو عام من اندلاع احتجاجات شعبية سلمية واجهتها قوات الأمن بالقمع، وسرعان ما تحولت نزاعاً مسلحاً. وفي نهاية العام 2018، استأنفت الإمارات العمل في سفارتها لدى دمشق مع بدء مؤشرات انفتاح خليجي تجاه النظام السوري.

– “تعزيز الشراكات الاستثمارية” –

وأوردت وكالة الأنباء الرسمية “سانا” أنّ الأسد استقبل آل نهيان على رأس وفد. وجرى خلال اللقاء “بحث العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، وتطوير التعاون الثنائي في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك، وتكثيف الجهود لاستكشاف آفاق جديدة لهذا التعاون خصوصاً في القطاعات الحيوية من أجل تعزيز الشراكات الاستثمارية في هذه القطاعات”.

ونقلت عن الأسد تأكيده على “العلاقات الأخوية الوثيقة” بين البلدين وإشادته “بالمواقف الموضوعية والصائبة التي تتّخذها الإمارات” التي “وقفت دائماً إلى جانب الشعب السوري”.

من جهتها أوردت وكالة أنباء الإمارات الرسمية “وام” أنّ وزير الخارجية أكّد خلال اللقاء على “حرص دولة الإمارات على أمن واستقرار ووحدة سوريا الشقيقة”.

ومنذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، علّقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا، كما قطعت دول عربية عدة علاقاتها مع دمشق بينها الإمارات، فيما أبقت أخرى بينها الأردن على اتصالات محدودة بين الطرفين. وشكّلت سلطنة عمان استثناء بين الدول الخليجية.

وقدّمت دول خليجية أبرزها السعودية وقطر دعماً مالياً وعسكرياً لفصائل المعارضة السورية قبل أن يتراجع الدعم تدريجياً خلال السنوات الماضية مع تقدم القوات الحكومية بدعم عسكري روسي وإيراني على الأرض.

وبعد القطيعة العربية، برزت خلال السنوات القليلة الماضية مؤشرات عدّة على انفتاح عربي تجاه دمشق وإن كان بطيئاً، بدأ مع إعادة فتح الإمارات سفارتها في دمشق في 2018، بعد سبع سنوات من القطيعة الدبلوماسية، ثم تأكيد وزير خارجيتها قبل أشهر أنّ “عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية في مصلحتها ومصلحة البلدان الأخرى في المنطقة”.

– انتهاء “العزلة”؟ –

والثلاثاء اعتبرت مصر أنّ العلاقات مع سوريا يجب أن تُستأنف، لكنّها شدّدت على وجوب أن تعالج دمشق قبل ذلك هواجس على غرار التداعيات الإنسانية للحرب.

وخلال زيارة إلى واشنطن قال وزير الخارجية المصري سامح شكري “نعتقد أنه يجب في مرحلة معينة إعادة سوريا إلى الحضن العربي”، مشدّداً على وجوب أن يتزامن ذلك مع خطوات سياسية للحكومة السورية.

وفي مركز وودرو ويلسون الدولي للعلماء قال شكري إنه يتعيّن على سوريا “إظهار اعتدال أكبر في كيفية استعادة ثقة المنطقة ودينامياتها الداخلية”.

ومنذ استئناف العلاقات الدبلوماسية، جرى اتصالان هاتفيان بين الأسد وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمّد بن زايد آل نهيان. وأرسلت الإمارات طائرات عدّة محمّلة بمساعدات طبية الى دمشق منذ تفشي جائحة كوفيد-19.

وفي بداية الشهر الماضي، بحث وزيرا الاقتصاد السوري والإماراتي خلال لقاء على هامش معرض “إكسبو دبي” العلاقات الاقتصادية وضمنها الاتفاق على إعادة تشكيل وتفعيل مجلس رجال الأعمال السوري الإماراتي بهدف تشجيع التبادل التجاري والافتصادي بين البلدين خلال المرحلة المقبلة.

وأعلن وزير الاقتصاد الإماراتي عبدالله بن طوق حينها أنّ 14 في المئة هي حصّة الإمارات من تجارة سوريا الخارجية. وحدّد حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين بمليار درهم (أكثر من 272 مليون دولار) خلال النصف الأول من العام 2021.

– السعودية والأردن –

وليس واضحاً ما إذا كانت دول عربية أخرى، وخليجية خصوصاً، ستلحق بركب الإمارات. وتنتقد الدول الخليجية وفي مقدّمها السعودية التحالف بين سوريا وإيران، أبرز داعمي دمشق سياسياً وعسكرياً.

وفي خطوة لم تكن لتحصل لولا تبدّل في الموقف السعودي، شارك وزير السياحة السوري محمّد مارتيني العام الحالي بدعوة من السعودية في اجتماع للجنة منظمة السياحة العالمية للشرق الأوسط في الرياض.

وتأتي زيارة المسؤول الإماراتي الى دمشق بعد أكثر من شهر على اتصال هاتفي أجراه الرئيس السوري بشار الأسد بالعاهل الأردني عبدالله الثاني، لأول مرة منذ اندلاع النزاع، في مؤشر على ما يراه محللون بداية لانتهاء عزلة دمشق الدبلوماسية مع محيطها العربي.

وأعادت السلطات الأردنية مؤخراً فتح مركز جابر/نصيب الحدودي مع سوريا أمام المسافرين وحركة الشحن بعد حوالى شهرين من إغلاقه جراء تصعيد عسكري محدود في محافظة درعا جنوباً.

ومن المقرّر أن يلتقي وزير الخارجية الإماراتي نظيره الأردني أيمن الصفدي في عمّان الأربعاء.

وقبل الانتخابات الرئاسية في أيار/مايو، والتي أعيد فيها انتخاب الأسد لولاية رابعة من سبع سنوات، تعمّد مسؤولون سوريون تسريب معلومات عن “تغيير كبير” مرتقب في العلاقات مع الخليج وعن قنوات اتصال مفتوحة خصوصاً مع السعودية.

ويكرّر الأسد في خطاباته القول إنّ إعادة الإعمار تشكّل أولويته في المرحلة المقبلة. ويقول مراقبون إنه يعوّل على استثمارات خليجية لتمويل هذه العملية، في وقت يربط فيه المجتمع الدولي أيّ دعم مالي بالتوصّل الى تسوية سياسية للنزاع.

وتفرض الولايات المتحدة عقوبات عدّة على سوريا أبرزها بموجب قانون قيصر الذي دخل حيّز التنفيذ العام الماضي ويفرض عقوبات على كلّ شركة تتعامل مع نظام الأسد.

وأكّدت الإمارات في آذار/مارس الماضي أنّ قانون قيصر يصعّب عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

وفي تقرير أصدرته هذا العام، قدّرت منظمة الرؤية العالمية (وورلد فجين) غير الحكومية الكلفة الاقتصادية للنزاع في سوريا بأكثر من 1200 مليار دولار.

واعتبر المحلّل نيكولاس هيراس أنّ “الإمارات هي طوق نجاة لسوريا” حيث تعقّد العقوبات عملية إعادة الإعمار، وأضاف “دمشق بحاجة للإمارات (…) للحصول على تمويل ضروري” على هذا الصعيد.

وتشهد سوريا نزاعاً دامياً منذ العام 2011 تسبّب بمقتل نحو نصف مليون شخص وألحق دماراً هائلاً بالبنى التحتية والقطاعات المنتجة، وأدى إلى نزوح وتشريد ملايين السكان داخل البلاد وخارجها.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية