مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية يثقل كاهل الأسر السويسرية

تكاليف الصحة
أصبح الارتفاع المستمر في أقساط التأمين الصحي هو الشاغل الرئيسي للشعب السويسري، كما يتضح من المسح الذي أنجزته هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية (SRG) عام 2023. Keystone / Martin Ruetschi

في سويسرا، يتحمّل الأفراد ربع تكاليف الرعاية الصحية. وستؤدّي زيادة جديدة في أقساط التأمين الصحي لعام 2024 إلى مضاعفة العبء على ميزانيتهم، لكن النظام الصحي المعتمد في البلاد معقّد للغاية ويستعصي عن الإصلاح.

في كل عام، يتكرر السيناريو نفسُه: تزداد تكاليف الرعاية الصحية، ومعها أقساط التأمين الصحي، التي سترتفع بنسبة 8.7% كمعدّل عام في العام المقبل، وفق ما أعلن عنه المكتب الفدرالي للصحة العامة ( OFSP ) يوم الثلاثاء 26 سبتمبر الجاري.

لقد أصبحت هذه الزيادات المتواصلة الشاغل الرئيسي للسويسريين والسويسريات، وفق ما أظهره الاستطلاع الشامل الذي قامت به هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية ( SRG ) مؤخرا. ومع اقتراب موعد الانتخابات الفدرالية في 22 أكتوبر المقبل، يغذّي هذا المشكل الجدل على الساحة السياسية. وتتنافس الأحزاب السويسرية في اقتراح حلول لإصلاح نظام الرعاية الصحية، ولكن هذه الحلول تواجه وضعا شائكا. 

إن تحمّل جزء كبير من تكاليف الرعاية الصحية، هو جزء لا يتجزأ من النظام السويسري، الذي يفرض على كل شخص مقيم في البلاد أن يكون مشتركا مسجّلا لدى إحدى شركات التأمين الصحي الأساسي. وللتمتّع بمزايا هذا التأمين، يجب عليه دفع أقساط تأمين ثابتة كل شهر.

ولأن التأمين الصحي لا يعوّض كل تكاليف الرعاية الصحية، يجب على الشخص المؤمَّن عليه دفع مبلغ سنوي من جيبه، وأيضا المساهمة الشخصية في تكاليف التأمين الصحي الأساسي (franchise)، وكذلك حصّة المؤَمَّن عليه من تكاليف الرعاية (والتي تبلغ بموجب القانون، 10% للبالغين بحد أقصى 700 فرنك في السنة، و10% للأطفال بحدّ أقصى 350 فرنكا في السنة).

هكذا، يتم تمويل ربع تكاليف الرعاية الصحية في سويسرا مباشرة من قبل متلقي الرعاية، كما يظهر الرسم البياني أدناه استنادا إلى بيانات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ( OCDE ). وهذه النسبة تزيد عن متوسط المعدّل المعتمد في البلدان الأعضاء في هذه المنظمة. وعلى سبيل المقارنة، لا تتجاوز  النسبة نفسها 9.3% في فرنسا، و12.7% في ألمانيا، و23.3% في إيطاليا.

محتويات خارجية

من جهته، يُلاحظ الاقتصادي كارلو دي بيترو، الخبير في نظام الرعاية الصحية في سويسرا، أن نسبة تحمّل الأفراد لتكاليف الرعاية الصحية داخل الكنفدرالية لم تزد كثيرا على مرّ السنين. حيث يشرح أنها “كانت مرتفعة منذ دخل القانون الفدرالي للتأمين الصحي ( LAMal ) حيّز النفاذ في عام 1996. وفي هذا الصدد تمتلك سويسرا وضعا خاصا على المستوى الأوروبي”.

نظام قائم على المسؤولية الفردية

يرجع كارلو دي بيترو هذا الوضع إلى خيار مجتمعي اعتمدته سويسرا يقوم على المسؤولية الفردية. ويقول: “هو نوع من الطوطم المقدّس في سويسرا”، مضيفًا: “سويسرا، بوصفها دولة غنية، تسمح لنفسها كقطاع عام بتحمّل المزيد من تكاليف الرعاية الصحية، ولكنّها يمكنها أيضا تحميل جزءٍ مهمٍّ منها على عاتق الأسر، لأن العديد منهم أغنياء”.

ووفقًا لهذا الخبير الاقتصادي، تكمن خصوصية النموذج السويسري في كون جميع الأشخاص المقيمين في سويسرا ملزمين بدفع أقساط تأمين صحي، لا تأخذ بعين الاعتبار مستوى الدخل أو الموارد المالية المتاحة للأسرة”. حيث يوضّح: “يشكّل هذا الأمر استثناءً في العالم. في معظم البلدان الأخرى، تكون الاشتراكات متناسبة مع دخل الأسرة، وغالبا ما يتم تمويل النظام الصحي من خلال الضرائب التي تتحصل عليها الدولة”.

>> لمعرفة المزيد عن نظام الرعاية الصحية في سويسرا:

المزيد
Arzt beim Operieren

المزيد

كيف يسير نظام الرعاية الصحية السويسري؟

تم نشر هذا المحتوى على النظام الصحي السويسري هو مزيج بين القطاعين العام والخاص: والتأمينات الصحية الخاصة تعمل في سوق منظمة للغاية. وينتمي مقدمو الخدمات الصحية كالأطباء والمشافي إلى القطاع الخاص ولكنهم يعملون تحت إشراف الدولة. ومن ناحية أخرى، توكل مهمة الرعاية إلى الكانتونات، في حين يُنظم القانون بعض الجوانب على المستوى الفدرالي. وهذا هو السبب الذي يجعل هذا النظام…

طالع المزيدكيف يسير نظام الرعاية الصحية السويسري؟

الحصول على العلاج بشكل عادل

من المزايا التي تحسب للنظام الصحي السويسري إتاحته الحصول على نفس القدر من الرعاية الصحية للجميع. حيث “يستشير شخص فقير يعاني من مرض نفسي نفسَ طبيب أمراض الأعصاب الذي يمكن أن يتوجّه إليه شخص ثري. وتُتاح للشخصيْن نفس الحظوظ في الحصول على موعد استشارة”.

ويشير الخبير الاقتصادي أيضا إلى سعة التغطية التي يوفّرها التأمين الصحّي الإلزامي بالمقارنة مع بلدان أخرى. حيث يغطي هذا التأمين في الحالة السويسرية 44.3% من تكاليف الرعاية، وهي نسبة تفوق المعدّل المتوسّط المسجّل في إطار منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.

ويرى دي بيترو أن “سويسرا تمتلك نظاما مترفها”، ولكنه يشير في نفس الوقت إلى “صعوبة تمويل نظام مثل هذا، من خلال إلزام الأغنياء والفقراء بدفع نفس النسبة”. ولتقريب الصورة إلى الأذهان، يقول الخبير: “هذا كمن يجبر فقيرا على شراء سيارة فاخرة”.

فاتورة باهضة جدا بالنسبة للكثيرين

والنتيجة في نهاية المطاف: جزء كبير من السكان غير قادرين على دفع أقساط التأمين الصحي الإلزامي أو يصعب عليهم فعل ذلك. وتشير إيميلي روزنشتاين، مديرة مرصد الفاقة والهشاشة الاجتماعية بالمدرسة العليا للعمل الاجتماعي والرعاية الصحية في لوزان إلى أن “أقساط التأمين الصحي هي إحدى الفواتير التي تثقل كاهل ميزانيات الأسر بشكل متزايد، والتي يمكن أن تعرّضها لصعوبات أو حتى اللجوء إلى الاستدانة”.

لذلك كان على السلطات العامة أن تهبّ لمساعدة أكثر من ربع السكّان، عبر تخفيض الأقساط التي يدفعونها، في شكل إعانات. وظلت نسبة المستفيدين والمستفيدات من هذه المساعدات مستقرّة نسبيا، وتتراوح بين 25 و30% بحسب السنوات.

وفي مواجهة الارتفاع الكبير في تكاليف الرعاية الصحية، يتعيّن على الكنفدرالية والكانتونات انفاق المزيد من الأموال لخفض أقساط التأمين. وبالفعل ارتفعت الموارد المرصودة لذلك بنسبة 70% تقريبا خلال خمسة عشر عاما، حيث ارتفعت من 3.2 مليار في عام 2005 إلى أكثر من 5.4 مليار فرنك في عام 2021، وفقا للمكتب الفدرالي للصحة العامة. (أنظر الرسم البياني أدناه).

محتويات خارجية

يُعدّ هذا الدعم، في الوقت الحالي، الأداة الوحيدة المتاحة لمساعدة الأشخاص المؤمَّن عليهم على دفع أقساط التأمين الخاصة بهم. أما الأداة الوحيدة الأخرى، فتتمثّل في الإعانات الإضافية، والمساعدات الحكومية المخصصة لتكملة معاشات التقاعد غير الكافية أو معاشات التأمين ضد العجز، المخصصة لتغطية تكاليف الصحة.

ويشير كارلو دي بيترو إلى أن “هذه الإعانات لا تشكّل قاعدة بل استثناءً، لكنها تظل جزءًا من النظام”. ويحذر من أنه مع زيادة الإنفاق على الصحة بشكل أسرع بكثير من ارتفاع الأجور، من المتوقع أن يزداد عدد الأشخاص الذين يواجهون صعوبات في المستقبل.

تموّل الإعانات من طرف الكنفدرالية والكانتونات. ويمكن للكانتونات نفسها تحديد دائرة الأشخاص الذين يحق لهم الحصول على هذه التخفيضات في الاقساط ومقدارها. وهناك فوارق كبيرة بين مختلف مناطق البلاد.

في كانتوني جنيف ولوزان، على سبيل المثال، يستفيد 36% من السكان من هذه الإعانات وفقا لمسح حديث قامت به قناة الإذاعة والتلفزيون السويسري الناطقة بالفرنسية (RTS)رابط خارجي، وهذا يجعل من الممكن دعم الأسر محدودة الدخل وكذلك جزءًا من الطبقة الوسطى.

غير أن الكانتونات التي تواجه صعوبات مالية تميل إلى تخفيض الميزانيات المخصصة لخفض الأقساط. وفي كانتون جورا، تلقى 40% من الأشخاص المؤمن عليهم إعانات في عام 1997، مقابل 28% فقط اليوم.

زيادة المساعدات أو الحد من الخدمات

يشير كارلو دي بيترو إلى أن “الحل الحقيقي، لكن الأصعب أيضا، يتمثّل في إبطاء تزايد تكاليف الرعاية الصحية”. وتكاد التكلفة تخرج بالفعل عن السيطرة. ويوضّح أن “التقدّم التكنولوجي، وشيخوخة السكّان، من العوامل التي تزيد تكاليف الرعاية الصحية، ومن الصعب التحكّم فيهما”.

في المقابل، يشير الخبير إلى خياريْن آخريْن لتحسين النظام الصحي: يتمثّل الأوّل في توسيع حصة التكاليف التي يغطيها القطاع العام بشكل مباشر، من خلال موارد الضرائب، والثاني، عدم تغيير النظام، ولكن منح المزيد من الإعانات من أجل مساعدة الأشخاص  غير القادرين على دفع تكاليف التأمين الصحي. 

هذان المساران يحظيان بدعم يسار الطيف السياسي. وأطلق الحزب الاشتراكي (PS) على وجه الخصوص مبادرة تدعو إلى ألاّ تزيد أعباء الرعاية الصحية لأي شخص عن 10% من دخله المتاح. ولتحقيق ذلك، يدعو الحزب إلى مساهمة الكنفدرالية والكانتونات بقدر أكبر في خفض أقساط التأمين.

في المقابل، يدعو يمين الطيف السياسي إلى الحدّ من الخدمات التي يغطيها التأمين الصحي. وأقترح الحزب الليبرالي الراديكالي (PRL) في شهر مايو الماضي انشاء تأمين صحي “منخفض التكلفة”. وتتلخص هذه الفكرة في استبدال النظام الحالي القائم على أقساط ثابتة للجميع، بنظام يمنح المؤمَّن عليه الحق في الاستفادة “من جميع الخدمات” المضمّنة في حزمة  “حسب الطلب”.

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية