مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

إسرائيل تعتبِر الربيع العربي “شتاءً سلفِيا مليئا بالمفاجآت”

مصلون فلسطينيون أمام قبة الصخرة بالقدس الشريف خلال اليوم الثاني من شهر رمضان الموافق ليوم 19 يونيو 2015. Keystone

ربما أصاب وزير الجيش الإسرائيلي موشي يعلون حين تبجح بأن فلسطين لم تعُد قضية العرب المركزية بعد الربيع العربي، بل باتت تتصدّر اهتماماتهم قضايا مِثل الملف النووي الإيراني والإرهاب والإخوان المسلمين. 

وبالرغم من تجانُس تحاليل مراكز البحث الإسرائيلية في تأكيدها على ضرورة استمرار تفوّق الدولة العِبرية على جيرانها مُجتمِعين، رأى الدكتور باسم الزبيدي، أستاذ العلوم السياسية والخبير في الشأن الإسرائيلي، أن هناك صراعا وتبايُنا بين المؤسسات السياسية والأمنية والعسكرية حول مستقبل الدولة العبرية.

وقال لـ swissinfo.ch إن إسرائيل صنّفت الانتفاضات العربية بطريقة متبايِنة، ما بين دول مجاورة وأخرى بعيدة، وأولت اهتماما أكبر بمصر وسوريا الموجودتيْن على حدودها، مقارنة باليمن وتونس وليبيا.

وأضاف الزبيدي أن الإعلام الإسرائيلي وشرائح من المجتمع اعتبرت الانتفاضات العربية سلبِية ووصفتها بكوْنها “شتاء أصوليّا مليئا بالمفاجآت والخبايا، ينبغي الاستعداد للتصدّي له لحماية إسرائيل من هذا الخطر”.

وفي هذا المضمار، اعتبر المُخطِّطون الإسرائيليون أن الثورة المصرية مصدَر خطر إستراتيجي، لأنها تهدِّد مصير اتفاقات كامب ديفيد والشراكة الإستراتيجية مع اسرائيل، التي أرساها نظام حسني مبارك، وحضّوا الدولة العِبرية على الضغط على العسكر في مصر، لفرض قيود على انتقال السلطة إلى الإسلاميين.

رسالتان

أوصلت إسرائيل رسالة مُزدوجة: الأولى للسلطة الفلسطينية بتجاهُل مفاوضات التسوية وفرْض الأمر الواقع بالمُضي في الاستيطان والتهويد. والثانية، لحركة “حماس” ولسكّان غزة، مفادها أن التفكير في المقاومة والمواجهة العسكرية، خِيار عبثي. وفحوى الرسالتيْن أن إسرائيل لم تعُد معنِية بالحلّ السياسي وأنها قادِرة على تحمّل كلفة الاحتلال.

“باسم الزبيدي”

فُـرصة لتعايش “الديمقراطيات”؟

ورصد الزبيدي وجْهتيْ نظر داخل النّخبة التي تشكِّل العقل الإستراتيجي الإسرائيلي، الأولى ترى أن التطوّرات الجارية في البلدان العربية تشكِّل تهديدا أمنيا يجب الحذَر منه، خاصة في حال صعود أنظمة إسلامية تهيِّئ مناخا جِهاديا ضدّها.

أما الثانية، فرأت في تلك التطوّرات فُرصة يجب اغتنامها للتعايُش مع الأنظمة الجديدة، بما أن الديمقراطيات لا تحارِب بعضها. لكن من جانب آخر، تتخوّف جِهات إسرائيلية مِن أن سقوط الأسد قد يفتح الباب لنظام إسلامي يقضي على فترة الأمان التي كانت تنعَم بها إسرائيل في منطقة الجولان المُحتل، كما قد يؤدّي بقاء تنظيم الدولة في العراق وسوريا، إلى تشكيل قاعدة انطلاق لضرب إسرائيل.

ويتّفق خبير الشؤون الإسرائيلية الدكتور صالح النعامي مع هذا التحليل، إذ قال لـ swissinfo.ch إن مُعظم القراءات التي أنتجتها مراكز البحث في الدولة العِبرية، اتفقت على ضرورة احتِفاظ إسرائيل بالأراضي المحتلّة عام 1967 وعدم التفريط فيها في أية تسوية سياسية للصراع.

وقال الدكتور النعامي، الذي أعد دراسة موسّعة، تتبع فيها قراءة العقْل الإستراتيجي الإسرائيلي للثورات العربية ومآلاتها، إن الكثير من الباحثين الإسرائيليين وجدوا في صعود الإسلاميين الى سدّة الحُكم، مسوغا يبرِّر الدعوة لعدم التخلّي عن الأراضي المحتلة.

وأفاد أن “كثيرا من الباحثين الإسرائيليين يروْن أن تزايُد النّفقات الأمنية التي تتطلّبُها مواجهة التحديات الناجمة عن الربيع العربي، سيُؤدي إلى زيادة موازنة الأمن الإسرائيلية بشكل جوهري، ممّا يعني أن الربيع العربي سيُسهِم في تعميق ارتباط إسرائيل بالولايات المتحدة، رغم ضعف الأخيرة، وهو ما يؤدّي، بحسب هؤلاء الباحثين، إلى “تقليص استقلالية القرار السياسي الإسرائيلي”.

وفي هذا السياق، استدل النعامي بما كتبه الباحث الإسرائيلي في الشؤون العسكرية رون بن يشاي، الذي اعتبَر أن الثورات في العالم العربي أظهرت أن إسرائيل عبْء على الغرب وليست ذخرا له، وهو ما قد يؤدّي إلى تراجُع في الْـتزام هذا الأخير بدعمها.

لكن صنّاع القرار في تل أبيب ومعهم بعض الباحثين، يصلون إلى استنتاج مُغايِـر تماما، كما يقول النعامي، مفادُه أن الثورات العربية تدلّل على أهمية الرِّهان على إسرائيل، بوصفها الحليف الأوحد القوي الذي تبقّى للغرب في المنطقة.

استنزاف داخلي

بهذا المعنى، يمكن اعتبار إسرائيل الرابح الأكبر من التغييرات التي تعصِف بالعالم العربي، بحُكم إنهاك الكثير من البلدان التي تشكِّل خطرا عسكريا عليها، مثل مصر والعراق وسوريا، في صراعات داخلية تستنزِف القِوى والموارد الإستراتيجية لتلك البلدان، ما يجعل إسرائيل تشعُر بالأمان والإطمئنان على نفسها، ولو مؤقتًا.

يُضاف إلى ذلك، تغييب الملف الفلسطيني من المشهد وسط إحياء شامِل للهويات الطائفية والمذهبية، بشكل يقضي على مناخ التعايُش السابق. وفي هذا الصدد، رصد الدكتور الزبيدي عامِلين أساسييْن، قال إنهما يحكُمان نظرة إسرائيل للخريطة الجديدة للمنطقة العربية، وهما: بروز مثلث إيران – تركيا – إسرائيل، وهي قِـوى إقليمية يمكنها تحقيق مكاسب من الجسد والجغرافيا العربييْن، إلى جانب تراجع الدور الأمريكي في المنطقة، مقابل صعود روسي وصيني.

وفي هذا السياق، أوضح الدكتور النعامي أن إجماع الباحثين الإسرائيليين على تراجُع مكانة الولايات المتحدة، دفع بعضهم للدّعوة صراحة إلى ملء الفراغ الذي تركتْه أمريكا بعد تفجّر ثورات الربيع العربي، بالبحث عن حليف قوي آخر. واعتبر الجنرال المتقاعد يسرائيل زيف (الذي كان يشغل منصب رئيس قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي)، أن الحلّ يكمُن في الاقتراب بقوة من روسيا، مؤكِّدا أن عودة بوتين للرئاسة يشكِّل فرصة سانحة لبناء علاقات إستراتيجية مع الكرِملين، بعدما باتت روسيا في عهْده تضطلع بدور كبير في بلورة النظام العالمي.

مطابِخ القرار الإسرائيلي

فطنت دوائر صُنع القرار في الكيان الصهيوني مبكّرا للدور الذي يُمكن أن تلعبه مراكز التفكير التي تُعنى بالشؤون العربية في مساعدتها على بلورة مواقِفها السياسية والعسكرية والأمنية تجاه العالم العربي في الحرب والسلام.

ومن هنا، حرصت المؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية على إقامة مراكز أبحاث خاصة بها لتزويدها بتقديرات إستراتيجية حول الأوضاع في العالم العربي وانعكاساتها على الكِيان الصهيوني.

وفي الوقت نفسه، عُنيت النّخب الحاكمة في تل أبيب بتقديم الدّعم لمراكز التفكير التابِعة للمؤسسات الأكاديمية ومراكز الأبحاث المستقلّة، عبْر إقامة مشاريع مُشتركة للإفادة من خِبرات باحثيها.

“صالح النعامي”

أبعاد الدّور السعودي

أما الدكتور النعامي، فيركز على رؤية إسرائيل للسعودية والدّور الذي يمكن أن تلعبه في المرحلة المقبلة، مُشيرا إلى أن الجنرال داني روتشيلد، يرى أن “مِعيار التحوّل الحقيقي والنهائي في المنطقة في أعقاب الثورات العربية، يتعلّق بمصير النظام السعودي، على اعتبار أن السعودية هي الدولة الأكثر تأثيرا في العالم العربي.

وبحسب روتشيلد، إذا حدثت تحوّلات جوهرية في السعودية، فإن تداعِياتها ستفُوق بكثير التحوّلات التي أسفَرت عنها الثورة المصرية. وفي هذا الإتجاه، يُشدِّد البروفسور إفرايم عنبار Efraim Inbar في كتابه “ثورات 2011 العربية والأمن القومي الإسرائيلي”، على أهمِية توظيف عُـنصر الْتِقاء المصالح بين إسرائيل والسعودية، في كل ما يتعلق بمُواجهة النفوذ الإيراني، مُطالِبا باستنفاد الفُرص في البحث عن قواسِم مُشتركة بين الجانبيْن، ومُعتبرا أن السعودية لا يُمكنها أن تمْلأ الفراغ الذي تركه غياب نظام حسني مبارك، نظرا لتعدّد التحديات التي تواجهها الرياض، خاصة بعد الحرب الجارية في اليمن.

لكن عنبار يرى فيها، “الطرف العربي الوحيد الذي بإمكانه ممارسة ممانعة حقيقية لإيران من جهة، وللقوى المتشدّدة من جهة ثانية”، وهو (أي عنبار) يُشير إلى أن السعودية لا تثِق تماما بتركيا في مواجهة إيران.

فالرياض تُبدي قلقا من التعاوُن بين أنقرة وطهران في الكثير من المسائل، وخاصة الملف العراقي، وكذلك من الموقِف التركي الرافض لضرْب المنشآت النووية الإيرانية.

ويستخلص النعامي من كل ذلك، أن “مراكز البحث الإسرائيلية تُراهِـن، في ظلّ تراجُع مكانة الولايات المتحدة، على الدَّور السعودي لمُحاصرة النفوذ الإيراني، وهُم يروْن أن شراكة المصالح بين الرياض وتل أبيب ترسّخت في أعقاب الربيع العربي”.

ويختزِل النعامي توصِيات المُخطّطين الإسرائيليين للتّقليل من الأضرار الناجِمة عن الثورات العربية على الأمن القومي الإسرائيلي بسبع نقاط، أهمها إعادة صياغة العقيدة الأمنية الإسرائيلية كي تستجيب للتحوّلات التي طرأت على البِيئة الإستراتيجية في الإقليم، وإعادة بناء القوة العسكرية الإسرائيلية والاستِثمار في مجال المُخابرات، منعا لوقوع الدولة العِبرية ضحية المفاجآت، وبناء تحالُفات جديدة لفكّ العزلة الإقليمية، وأخيرا، توظيف ورقة الأقليات في العالم العربي، لإضعاف الجبهة الداخلية العربية، إلى جانب اتباع سياسة تقشّف اقتصادي لتمكين الكِيان الإسرائيلي من مجابهة تبعات الربيع العربي.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية