مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

طبيب الحرب رافاييل بيتي: “لقد سُلبت الكرامة الإنسانية من سكّان غزّة”

مدني فلسطيني على دراجة هوائية بمدينة رفح
مواطن فلسطيني من مدينة رفح يتنقل على دراجة هوائية بحثا عن الماء يوم 9 فبراير 2024، في وقت يستمر فيه الصراع بين إسرائيل وحركة حماس. AFP/AFP or licensors

"محكوم على المصابين والمصابات بجروح خطيرة في غزّة بالموت، حيث تضطرّ المستشفيات إلى فرز المرضى والمريضات، ولا تسمح إسرائيل بإجلاء الجرحى والجريحات"، هذا ما أدلى به طبيب الحرب رافاييل بيتي، العائد مؤخّرًا من قطاع غزّة، وذلك بمناسبة حضوره في برنامج "فوروم" الذي يُبثّ يوميا على أمواج الإذاعة السويسرية العمومية الناطقة بالفرنسية.

أدان الطبيب أيضا “الحرمان” الذي يعاني منه المدنيون والمدنيات، وهي معاملة يرى أنها “أشنع من الموت”.

وعاد الطبيب رافاييل بيتي من مدينة خان يونس، الواقعة في جنوب قطاع غزة، حيث عمل في المستشفى الأوروبي. وكان قد تمكّن أيضا من زيارة مدينة رفح، التي تقع أكثر إلى الجنوب، عدة مرات، حيث فرّ أكثر من مليون فلسطيني وفلسطينية. ويشرح الطبيب كيف يعيش سكّان هذه المدينة وساكناتها “في ظروف فقر مدقعة”. 

ينتظر أهالي غزّة كلّ شيء في طوابير: من أجل الحصول على الخبز، ومن أجل الحصول على الماء. والأهالي، من نساء ورجال، في حالة من العوز يُرثى لها، بين افتراش الأرصفة وتحويل كل مكان فارغ إلى مأوى. فيما باتت المدينة متّسخة. فرفح التي يقطنها في الأصل 250 ألف نسمة، يسكنها الآن 1.4 مليون شخص. ولا يتم رفع النفايات من الشوارع، فيما تنتشر برك الماء في كل مكان بسبب الامطار، وتنسدّ مجاري المياه العادمة. ولا يستطيع السكان الإستحمام. إنه وضع إنساني كارثي. 

وبرأي هذا الطبيب الفرنسي، فإن: “هناك شيئًا أسوأ من قتل شخص ما، وهو سلب كرامته الإنسانية، وهذا ما يحدث في رفح الآن.”

لا يترك الطبيب الفرنسي مجالاً للمواربة في قوله إنّ: ” هناك من يقوم بتجريد هؤلاء السكان البالغ عددهم.ن 1.4 مليون نسمة من إنسانيتهم.هن. وهناك من بين هؤلاء أشخاص ذوو وذوات مستوى عالٍ جدا، محامون ومحاميات وأطباء وطبيبات، يعيشون.ن في هذه الحالة، وليس لهم.هن أي دراية بكيفية التصرّف في وضع بهذا المستوى الكبير من الهشاشة”. 

بتر الأعضاء: تكرّر الحالات

خلال الحوار معه، يفصّل رافاييل بيتي القولَ أيضا بشأن الظروف الصعبة للغاية التي تحيط بعمل المؤسسات الطبية ومنها المستشفى الذي عمل فيه في خان يونس. ويشرح ذلك قائلا: “كنا المؤسسة الطبية الوحيدة التي تعمل. وفي الواقع كان من المستحيل على هذا المستشفى تلبية الاحتياجات الصحية الأساسية للسكان، سواء بالنسبة للأمراض الموسمية، مثل البرد، والالتهابات، أو الأمراض المزمنة، وفي نفس الوقت استقبال ضحايا القصف الجوي، والقناصة، والطائرات من دون طيار، إلخ”.

“كان محكوماً على كل المصابين والمصابات على مستوى الجمجمة بالموت. وكلّما كانت الإصابة بليغة، كان محكوما على الضحية بالموت أيضًا.”

كانت فوضى شاملة تسود المكان، ولم يكن بالامكان تقديم العلاج. وكان الطاقم الطبي في موقف يحتّم عليه استقبال المرضى والمريضات، والسعي لجعل حالاتهم.ن مستقرّة أوّلا، ثم تقديم العلاج في مرحلة ثانية. في حالة كهذه، ونظرا للوسائل القليلة المتاحة، يتم القيام بعملية فرز، وتُمنح الفرصة لمن يمكن إنقاذه أو إنقاذها حقا. وهكذا، فإن كل الإصابات على مستوى الجمجمة، كان محكوما على أصحابها، رجالا ونساءً، بالموت. وكلّما كانت الإصابة بليغة، كان محكوما على الضحية بالموت أيضًا”.

أسوأ من الوضع في سوريا

اعتاد رافاييل بيتي على ممارسة مهنته في ظروف الحرب. فقد عمل في أوكرانيا، حيث يستمرّ نظام المستشفيات في العمل عموما، وأيضا في سوريا. ومن وجهة نظره، فإنه لا نظير للوضع في غزة. ويضيف: “في سوريا، كان بالإمكان إجلاء المصابين والمصابات إلى تركيا، ولم تتردد تركيا في استقبال كل الإصابات الخطيرة، التي لم يكن بإمكاننا معالجتها. وبطريقة ما تم منح المصابين والمصابات المزيد من الفرص”.

أما في حالة غزة، فإن هذه الفرص غير متاحة. حيث يشرح الطبيب الفرنسي بالقول إنه: “لقد كان من المستحيل الإجلاء. لقد عارضت السلطات الإسرائيلية ذلك تمامًا. فقد استقبل المستشفى العائم الفرنسي حوالي مائة ضحية فقط، وحالات ثانوية، فيما لم تسمح إسرائيلي للحالات الخطرة بالمغادرة. لذا، فقد كان هناك عدد هائل من الضحايا. يموت الناس إذن بشكل غير مشروع.”  

الموت بسبب نقص العلاجات الأساسية

ينضاف إلى كلّ ما سبق، الآثار الجانبية، أي الأمراض الحادة والمزمنة. إذ يضرب الدكتور بيتي مثالا على ذلك، حالة شابة فلسطينية تبلغ من العمر 24 عاما. كانت الشابّة مصابة بالسكري، وحاملاً في شهرها السابع. ونظرا لاستحالة تنظيم نسبة الأنسولين لديها، دخلت هذه المريضة في غيبوبة، قبل أن تفقد طفلها، وتموت في اليوم التالي.

ويخلص رافاييل بيتي إلى القول: “لم يعد هناك علاج لمرضى ومريضات السكري، كما لا يوجد علاج إشعاعي لحالات السرطان، أو الصرع، أو حالات الإجهاد الشديد. لذلك، فقد كان يموت الكثير من الأشخاص بسبب نقص العلاج واستحالة الحصول على متابعة طبية”.

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي

مراجعة: أمل المكّي

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية