مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“على سويسرا أن تشكّلَ لجنةً لتحديد الأعمال الفنية المنهوبة من قبل النازيين”

Painitng by Paul Signac, Quai de Clichy.
لوحة " Quai de Clichy" لـ "باول سيغناك". في العام 2019 تم إعادتها إلى أصحابها الشرعيين من قبل متحف برن للفنون وجمهورية ألمانيا الاتحادية. Kunstmuseum Bern

ينبغي على سويسرا أن تشكل لجنة مستقلة للتعامل مع الأعمال الفنية المنهوبة من قبل النازيين، وفقا لطلب تقدم به أحد البرلمانيين. في حين أن بلدانا أخرى توجد لديها لجان من هذا القبيل منذ عقود.

النائب الاشتراكي “جون بُلْت” يدعو إلى لجنة مستقلة تُصدر “في حالات فقدان الممتلكات الثقافية بسبب الملاحقات النازية” توصياتٍ لإعادة تلك الممتلكات إلى أصحابها الأصليين. ويأتي طلبه البرلماني كرد فعل على النقد الحاد الذي تعرض له عرض مجموعة “إيميل جورج بُوهرلي” المثيرة للجدل، وذلك في المبنى الجديد الذي افتُتح حديثًا كتوسعَةٍ لمتحف الفن في زيورخ.

المزيد
جندي أمريكي يتأمل أعمالا فنية

المزيد

تصاعد الجدل حول مجموعة بوهرلي المعروضة في متحف الفنون بزيورخ

تم نشر هذا المحتوى على يُثير عرض أعمال فنية من مجموعة إيميل جورج بوهرلي في متحف الفنون بزيورخ المزيد من الانتقادات والجدل.

طالع المزيدتصاعد الجدل حول مجموعة بوهرلي المعروضة في متحف الفنون بزيورخ

“بُوهرلي” كسب ثروتة ببيع الأسلحة إلى ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية واشترى من النازيين أعمالًا فنية منهوبة واستفاد من أعمال السّخرة. أنما مؤسسة “بُوهرلي” التي تملك الأعمال الفنية المعروضة، والتي يبلغ عددها حوالي مئتين، تزعم بأنه لا يُمكن أن يكون أيٌّ من الأعمال المعروضة عملًا منهوبًا. ومع أن مصدر الأعمال الفنية جرى استكشافه من قبل المؤسسة نفسها، لكن المُدّعين يقولون بأنهم لن يحظَوا بفرصةٍ لجلسة استماعٍ عادل، دون أن يكون هنالك هيئة محايدة.

جون بولت
النائب البرلماني جون بُلت. (الحزب الاشتراكي) Keystone / Alessandro Della Valle

“لقد أظهرت قصّة مجموعة “إيميل بُوهرلي” الفنية، بأن المسألة أكبر وأكثر حساسية وراهنيّة مما يُعتَقد”، كما يقول “بُلت”، الذي كتب في تعليل طلبه البرلماني: “نحنُ بحاجةٍ إلى أدواتٍ أفضل للتعامل مع هذا الموضوع. فمن خلال تشكيل لجنةٍ مستقلة تأخذ سويسرا دورها في توضيح ومعالجة فصلٍ قاتم من تاريخها وتعي مسؤوليتها بشكلٍ جاد”. طَلَبُ “بُلت” هذا تدعمه أيضًا رابطة الجماعة السويسرية الإسرائيلية التي تتشكل من تآلف لعدد من المجموعات اليهودية.

سويسرا التي كانت قبل وبعد العام 1945 مركزًا لتداول الأعمال الفنية المنهوبة من قبل النازيين، هي واحدة من أربع وأربعين دولةً ومنظمة وقّعت في العام 1998 على “مبادئ واشنطن” غير المُلزِمة، وأعلنت في إطار تلك المبادئ عن استعدادها لتشجيع المتاحف على تحديد الأعمال الفنية المُستولى عليها من قبل النازيين والبحث مع جامعيها الأصليين اليهود أو مع أحفادهم عن “حلول منصفة وعادلة” للأعمال التي فقدوها بفعل الاضطهاد والملاحقة.

لوحة حقل ورود الخشخاش في فيتويه ،
لوحة “حقل ورود الخشخاش”في فيتويه”، رسمها كلود مونيه في العام 1897، وهي الآن واحدة من اللوحات التي تضمها مجموعة “بُرْله”. Keystone / Elisabeth Real

وبينما شكلت فرنسا وألمانيا والنمسا وهولندا وبريطانيا بعد ثلاثةٍ وعشرين عامًا من إبرام “مبادئ واشنطن” هيئاتٍ للنظر في الادعاءات بوجود أعمال فنية منهوبة من قبل النازيين ضمن مجموعات المتاحف، لم تُقدِم سويسرا حتى الآن على ذلك.

في شهر نوفمبر 2021، وصف أعضاءٌ سابقون في لجنة “بيرغير”- وهي هيئة دولية شُكّلت في العام 1996 للتحقيق في الصفقات المالية لسويسرا خلال الحرب العالمية الثانية- حالة “بُوهرلي” بأنها “إهانة” للضحايا، وطالبوا أيضًا بإنشاء هيئة مختصّة مماثلة.

يقول “بُلت” بأنَّ طلبَهُ يحظى بدعم برلمانيين وبرلمانيات من ستة أحزاب، ويأمل بأن تقبله الحكومة. كما يقول: “من مصلحة السياسة الخارجية لسويسرا أن تكون ذات مصداقية”، ثم يضيف: “أنْ تأتي المبادرة متأخرةً خيرٌ من أن لا تأتي أبدًا”.   

Painting; Das Klavierspiel by Carl Spitzweg.
“العزف على البيانو” لـ “كارل شْبِتزْفَغ، أعيدت بشكلٍ قانوني في العام 2021. مجاميع لوحات ولاية بايرن. Bayerische Staatsgemäldesammlungen

“آنّا فيبّر”، الرئيسة المشاركة للجنة الأعمال الفنية المنهوبة في أوروبا، التي يُوجد مقرها في لندن، تقول بأن سويسرا، ومنذ قبولها “مبادئ واشنطن” تتعامل مع قضية الأعمال الفنية المنهوبة من قبل النازيين بشكلٍ “مرتبِك وغير مستقر”، وتضيف فيبّر: “بانتظام، كانت سويسرا تقطع على نفسها تعهدات، لكنها لم تفِ بها، الحكومة الفدرالية تعِدُ بحلولٍ عادلة ومنصفة، لكن ليس هنالك أطرٌ لضمان تنفيذ تلك الحلول”.

أنّ فيبر
أنّا فيبر 2015 Getty Images

حتى الآن ترى الحكومة بأنه لا يوجد ما يكفي من الحالات لتبرير تشكيل هيئة من هذا القبيل، لكنَّ “بينّو فِيدمر”، مدير قسم المتاحف والمقتنيات الفنية في المكتب الفدرالي للثقافة، قال في شهر نوفمبر الماضي بأنه يُمكن “النظر مجدّدًا في طلب تشكيل لجنة خارجية عندما تكبر الحاجة القائمة على الأعداد المتزايدة للحالات المُختلَف عليها”.

المؤيدون والمؤيدات لتشكيل لجنة مستقلة يذكرون بأن هنالك في سويسرا العديد من الشكاوى الموجودة والمرفوعة أصلًا بسبب الأعمال الفنية المنهوبة من قبل النازيين.

لقد ورث متحف برن للفنون التركةَ المثيرة للجدل لـ “كورنيليوس غورليت” الذي كان يعيش منزويًا في ألمانيا. وكان والده، “هِلدَبراند غورلِيت”، قد عمل في أوروبا المحتلة من طرف قوات المحور تاجرًا وشاريًا للأعمال الفنية لمصلحة هتلر. وحتى الآن أُعيد أربعةَ عشرَ عملًا من التركة إلى ورثة جامعات وجامعي أعمال فنية يهود، ممن كانت اغتُصبت تحفهم أو تم بيعها بالإكراه.

“كان يجب أن تتشكل هذه اللجنة قبل خمسة عشر عامًا”، هكذا يقول “أندريه راشير”، المستشار المستقل الذي كان قد ترأَّس بين عاميْ 1995 و 2006 قسم الشؤون القانونية والدولية في المكتب الفدرالي للثقافة. يرى “راشير” بأن اللجنة يجب أن تكون مستقلة تمامًا، كما يجب أن يكون أعضاؤها مزيجا مثاليًّا من الحقوقيين وعلماء الأخلاقيات والمؤرخين”، ويرى أيضًا أنه “من المفيد النظر بدقة في النموذجين الألماني والبريطاني”.

وكما يشير طلب “بُلت” فإنه يُمكن أن يكون هنالك الكثير من العمل ينتظر اللجنة في السنوات القادمة، حيث تتحقق المتاحف السويسرية أيضًا من مجموعاتها التي تعود إلى زمن الاستعمار. متاحفٌ في دول أخرى، بينها ألمانيا، بريطانيا والولايات المتحدة، أعربت على سبيل المثال عن التزامها بإعادة المواد المعروضة التي كانت قد نُهبت من مملكة بنين (نيجيريا حاليًّا)، وذلك خلال غزو بريطاني لها في عام 1897. ثمانية متاحف سويسرية رزمت مقتنياتها للتحقق من أصول مجموعات بنين الخاصة بها. أما مشروع التحقق فسوف ينتهي على الأرجح في صيف عام 2022.

بالطبع هنالك مقاومة لخطط “بُلت”. “كريستوف بلوخر”، جامع أعمال فنية والشخصية الأكثر تأثيرًا في حزب الشعب السويسري اليميني المحافظ، كتب في مقالٍ لمجلة “فيلت فوخه” (أي “أسبوع العالم”) بأنَّ “الجدلَ حول مجموعة “بُوهرلي” هو ناتج مرضي لمجتمع ملوّث أخلاقيًّا، وأن الدعوة لتشكيل هيئة، أمرٌ يتعلق فقط بمؤرخات ومؤرخين، وحقوقيات وحقوقيين يأملون بتكليفات مُربحة”، على حد زعمه.

برونزيات بنين ، مجموعة تتكون من أكثر من ثلاثة آلاف لوحة نحاسية
“برونزيات بنين”، مجموعة تتكون من أكثر من ثلاثة آلاف لوحة نحاسية من القصر الملكي في مملكة بنين التي هي نيجيريا حاليًّا. نهبها الجيش البريطاني خلال حملة استكشافية-عقابية في العام 1897 Keystone

“لا أتوقع تطوّرًا سريعًا، لأن المقاومة التي يُبديها كلٌّ من المتاحف وجامعي الأعمال الفنية ستكون كبيرةً”، هذا ما يقوله “أولف أوسمان”، وهو محامٍ من سويسرا متخصص بقضايا الأعمال الفنية المنهوبة من قبل النازيين. ويضيف قائلا: “ستستخدِم المتاحف كل الوسائل للدفاع عن نفسها”.

لكنَّ “فيبّر” ما زالت تتمسك بالأمل حيث تقول: “نأمل أن يكون توريث تركة “غورلِت” لبرن وحالة “بُوهرلي” في زيورخ قد أديا إلى دحرجة الحجر من مكانه لكي تُمسكَ الحكومة السويسرية بالمشكلة بشكلٍ شامل وتعالجها بعزمٍ حقيقي والتزام. وطالما لا يحدث ذلك، فإن المشكلة لن تختفي”.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية