مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الآراء المتباينة حول تشجيع النساء في المجال السياسي

سيمونيتا سوماروغا في البرلمان خلال مشاركتها في جلسة خاصة بالنساء
لخلافة الوزيرة الاشتراكية سيمونيتا سوماروغا (هنا في الوسط) بعد إعلانها عن استقالتها من منصبها نهاية هذا العام، هل يتعيّن قصر السباق على النساء فقط؟ وهل يُمكن لأمّ أن تكون وزيرة في الحكومة الفدرالية؟ تساؤلات أثارت جدلا مجتمعيا واسعا في سويسرا امتد بطبيعة الحال إلى داخل هياكل الحزب الاشتراكي. Keystone / Peter Klaunzer

يود الحزب الاشتراكي ألا تترشح لخلافة المستشارة الفدرالية سيمونيتا سوماروغا سوى عناصر نسوية، ومن الأفضل من الأمهات. ولكن من خلال خروجه على توصيات حزبه بعدم ترشح الرجال، أعاد دانيال يوزيتش إطلاق نقاش حول مسألة التمييز، وهو ما يُذكّر بأن قضية تولي المرأة السويسريةلأعلى مناصب الدولة لا تزال موضع أخذ ورد.

مع الاستقالة المفاجئة للمستشارة الفدرالية سيمونيتا سوماروغا، التي ستغادر الحكومة في نهاية العام الجاري، أصبحت مسألة خلافتها محل نقاش. هذه العملية تطرح أكثر من سؤال بالنسبة للحزب الاشتراكي، الحريص على أن يكون متسقا في خياراته مع قيم الشمول – خاصة وأن أقل من عام يفصلنا عن موعد إجراء الانتخابات البرلمانية. وبالفعل قررت المجموعة البرلمانية الاشتراكية يوم الجمعة 18 نوفمبر الجاري عدد المرشحين والمعايير التي يجب استيفاؤها للظهور على البطاقة التي ستُعرض على اقتراع أعضاء غرفتي البرلمان يوم 7 ديسمبر المقبل.

بمجرد الإعلان عن رحيل الوزيرة، أعربت إدارة الحزب الاشتراكي عن رغبتها في تقديم امرأتين كمرشحتيْن لخلافة سوماروغا، مُستبعدة بذلك ترشيح أي رجل من قادة الحزب. ويمكن فهم هذا الموقف بمنطق رياضي بحت: يتمتع الاشتراكيون حاليًا بمقعدين في الحكومة الفدرالية. احتل أحدهما رجل منذ عام 2012 هو آلان بيرسيه، الذي لم يُعرب بعدُ عن نيته مغادرة منصبه؛ أما المقعد الثاني، فقد شغلته امرأة لمدة اثنتيْ عشرة سنة، ولذلك ينبغي، وفقا لمنطق المساواة، أن تخلفها امرأة.

لكن هذا الاختيار لا يحظى بإجماع. فقد قرر عضو مجلس الشيوخ الممثل لمدينة زيورخ بالغرفة العليا بالبرلمان الفدرالي دانيال يوزيتش، الذي يمثل الجناح الأكثر يمينية في الحزب الاشتراكي، الترشح، متجاهلاً قرار حزبه. وفي حديث إلى برنامج “المنتدى”، الذي تبثه يوميا قناة الاذاعة والتلفزيون السويسرية العمومية الناطقة بالفرنسية (RTS)، قال إنه يؤيد المزيد من التمثيل المتساوي للنساء والرجال، بينما ينتقد الطريقة التي اعتمدها حزبه مضيفا أنه «لا علاقة لها بالمساواة إذا قلنا أن الرجال لا يستطيعون الترشح».

هذا البرلماني ليس الوحيد الذي يعتقد ذلك. ودانيال يوزيتش هو أحد أفراد الفريق الاصلاحي المكون من العديد من الاشتراكيين من ذوي التوجه الاجتماعي الليبرالي، والذي يدعو المجموعة البرلمانية لحزبه إلى اختيار قائمة مترشحين مكونة من ثلاثة أشخاص، على أن يكون من بينهم رجل واحد على أقصى حد.

بالنسبة لجزء من الدوائر السياسية والاعلامية، فإن استبعاد الرجال من السباق منذ البداية ليس فقط «خطأ» من المرجح أن يُحبط طموحات المرشحين المؤهلين، ولكنه قبل كل شيء «مناهض للديمقراطية» و «تمييزي» و «مخالف للدستور». كما أنه «إهانة للنساء» و «وصاية جديدة خفية الاسم»، كما دوّن كاتب عمود في صحيفة “لوتون” الناطقة بالفرنسية والصادرة في جنيف.

تمثيل النساء ما يزال محدودا

بالنسبة لعضوة مجلس الشيوخ عن مدينة بازل، إيفا هيرتسوغ، وهي أيضا مرشحة لخلافة سيمونيتا سوماروغا، فإن المناصب العليا في الدولة لا تتكاثر هكذا بطريقة سحرية. وتقول: “إن تعزيز حضور المرأة يعني بالضرورة إتاحة مساحة أضيق للرجال. أجد من الصعوبة وصف ذلك بالتمييز”.

سابين كرادولفر
سابين كرادولفر DR

وتقول سابين كرادولفر، مديرة مشروع “تكافؤ الفرص والتنوع”، والمديرة المشاركة لتأليف كتاب “المرأة والسياسة في سويسرا” الذي نُشر في عام 2021، إن الخطاب حول «حصص المرأة» ليس جديدًا، ولكن «بدون حصص، لا شيء يتغيّر». وتعتبر أن قرار الحزب الاشتراكي هو «إجراء تعويضي» ضروري لضمان تمثيل عادل بين الجنسيْن في تشكيلة الحكومة الفدرالية، بما يتوافق مع برنامج الحزب وعقلانيته، لأنه يتجنب إهدار الطاقة في التطبيقات التي ليس لديها فرصة للنجاح.

وترى كرادولفر، أن الحجج التي تُعارض ترشح العناصر النسائية فقط هي في الأساس انعكاس للتوترات التي ترافق التغيرات المجتمعية الجذرية. وتضيف: “يُمكننا أن نفهم أنه من الصعب  مطالبة الرجال الذين فعلوا كل شيء للوصول إلى أعلى هرم السلطة أنه سيتعين عليهم الانتظار”، لكن هذه الخبيرة تذكّر بأن هذا ما عاشته النساء حتى سنوات قليلة مضت.

في تاريخ سويسرا الحديثة، تداول على عضوية الحكومة الفدرالية 110 وزيرا ووزيرة، تم انتخاب 37 منهم منذ عام 1971، عندما مُنحت النساء حق التصويت والترشح للانتخابات على المستوى الفدرالي. ومنذ ذلك الحين، لم تنجح في الوصول إلى عضوية الحكومة سوى تسع نساء.

محتويات خارجية

وفي حين أن عدد النساء اليوم في البرلمان هو أكثر من أي وقت مضى، فإن تمثيلهن يظل ناقصا رغم ذلك.

محتويات خارجية

هذا هو الوضع في جميع المؤسسات السياسية، وخاصة على مستوى الهيئات المحلية.

محتويات خارجية
المزيد
صورة لأعضاء الحكومة المحلية لكانتون أرغاو وهم خمسة رجال

المزيد

النساء في الهيئات السياسية السويسرية ما زلْنَ بعيداتٍ عن الهدف

تم نشر هذا المحتوى على بعد خمسين عامًا على إقرار حقِّهِنَّ في التصويت على المستوى الفدرالي بلغت النساء في البرلمان السويسري حدًّا لم يبلغْنَه من قبل. تتربع سويسرا في هذا الشأن على المركز السابع عشر من بين مئةٍ وواحدٍ وتسعين بلدًا. لكنّ هذا النجاح يُوهم، فعلى مستوى الكانتونات والبلديات ما زالت الأمور تسير ببطء.

طالع المزيدالنساء في الهيئات السياسية السويسرية ما زلْنَ بعيداتٍ عن الهدف

أمّ وعضوة في الحكومة الفدرالية؟

في هذا السياق، «سيتم اتهام [دانيال يوزيتش] بأنه (…) عقبة أمام النساء» وأنه «يسعى علنًا وبكل وضوح لمنع امرأة من الحزب الاشتراكي من الفوز بمقعد في عضوية الحكومة»، كما جاء في تعليق نشرته صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ (تصدر بالألمانية في زيورخ).

ومع ذلك، تعتقد الصحيفة الناطقة باللغة الألمانية أن ترشيحه «يمكن أن يمنع رفاقه في الحزب من الغرق بشكل قاطع في مأزق إيديولوجي وفي دوامة الجنسانية». فالحرس الجديد والشاب في قيادة الحزب الاشتراكي لديه بالفعل فكرة دقيقة إلى حد ما عن المرشح المثالي. لا ينبغي استبدال سيمونيتا سوماروغا بامرأة فحسب، بل يجب أن تكون أماً لأطفال في مرحلة التعليم المدرسي، مثل رئيسة الوزراء الفنلندية سانا مارين، التي لديها ابنة تبلغ من العمر أربع سنوات، أو النيوزيلندية جاسيندا أرديرن، التي أصبحت أماً خلال فترة ولايتها.

حتى الآن (الموعد النهائي هو 21 نوفمبر)، تتنافس ثلاث نساء إلى جانب دانيال يوزيتش: إيفا هيرتسوغ، وإيفي أليمان من كانتون برن، النائبة السابقة في البرلمان الفدرالي والوزيرة حاليًا في حكومة كانتونها، والعضوة بمجلس الشيوخ عن كانتون جورا إليزابيث بوم شنايدر. وللثلاثة خبرة واسعة في الوظائف السياسية الكانتونية والوطنية. لكن واحدة منهن فقط، (إيفي أليمان)، هي أم لأطفال صغار.

ستكون عضوة الحكومة التي لديها أطفال يحتاجون الرعاية سابقة في تاريخ سويسرا: حتى ذلك الحين، كانت الوزيرات إما بلا أطفال، أو أمهات لمراهقين أو بالغين. على الرغم من أنها ليست الأكثر انتشارًا، إلا أن القضية ليست جديدة بالنسبة للرجال: فقد تولى آلان بيرسيه، على سبيل المثال، المنصب ولديه ثلاثة أطفال، كان أصغرهم يبلغ عامين من العمر.

يثير هذا نقاشًا آخر: هل الحياة الأسرية تتعارض حقًا مع الحياة الوظيفية؟ أم أن هذه مجرد معضلة خاصة بالنساء؟ إيفا هيرتسوغ تعتقد ذلك. في مقابلة لها مع أسبوعية “سونتاغس بليك” (تصدر بالألمانية في زيورخ)، أوضحت أنه عندما كان أطفالها لا يزالون صغارًا، استجوبها معظم الصحفيين حول هذا الموضوع. كما تلقت إيفي أليمان مؤخرًا سؤالًا مشابهًا. “حتى اليوم، الوضع الأسري لا يُطرح إلا في حالة النساء، وكأنهم يبحثون عن أي حجة لإبعادنا عن الوظائف المهمة”، تشكو إيفا هيرتسوغ في حوارها مع سونتاغس بليك.

لكن سابين كرادولفر كانت دقيقة. وقالت إن العضوية في الحكومة الفدرالية مهمّة تتطلب الكثير. والقائمون والقائمات بهذا الدور يصعب تعويضهم، وغالبًا ما تمتد أوقات العمل إلى المساء وعطلات نهاية الأسبوع، وهو ما قد يكون معقدًا عندما يكون لديك أطفال أو أشخاص يحتاجون الرعاية. على سبيل المثال، استقالت سيمونيتا سوماروغا للاهتمام بزوجها الذي أصيب بجلطة دماغية. كما تخلى الرجال بالفعل عن الترشح لمنصب من خلال التذرع بمسؤولياتهم العائلية، مثل عضو مجلس الشيوخ الليبرالي الراديكالي أندريا كاروني في عام 2018.

تفاوت هيكلي

بيد أن مسألة مكانة المرأة في السياسة لا يُمكن فصلها عن أوجه عدم المساواة التي لا تزال قائمة في المجتمع السويسري ككل. في هذا الصدد، تشير سابين كرادولفر إلى أنه «يُمكننا أن نفرح بأن الرجال لا يريدون التخلّي عن التزاماتهم العائلية». ومع ذلك، تضيف أن التقسيم التقليدي للأدوار في مجال الأسرة – حيث يجلب الرجل المال وتقدم المرأة الرعاية في المنزل – ما يزال موجودًا. «في الوقت الحالي، ليست لدينا الهياكل التي تسمح للعضوين من الزوجين بالعمل في مناصب ذات مسؤولية عالية».

ولا تزال سويسرا في مرتبة سيئة للغاية بالمقارنة على المستوى الدولي من حيث مرافق الرعاية خارج الأسرة (من بين أغلى المرافق في العالم وبأعداد غير كافية لتلبية الطلب) أو مدة إجازة الأبوة (التي كانت تبلغ في الماضي يوماً واحداً حتى تم زيادتها إلى أسبوعيْن في عام 2021). عندما يجب التضحية بمهنة ما، فهي في الأساس مهنة المرأة، التي غالبًا ما يكون راتبها أقل. في سويسرا، تعمل ست من كل عشر نساء عاملات بدوام جزئي، وهو معدل يكاد يكون قياسيًا في أوروبا، مقارنة بأقل من 18٪ من الرجال. وفي الأسر التي لديها أطفال، لا تزال الأمهات يتولين معظم الأعمال المنزلية.

المزيد

المزيد

لماذا تضطر السويسريات للعمل بدوام جزئي؟

تم نشر هذا المحتوى على ويزيد نقص اليد العاملة من قلق الشركات السويسرية شيئاً فشيئاً. فخلال السنوات العشر القادمة، سيتقاعد حوالي مليون شخص في سويسرا، في حين سيدخل سوق العمل 500000 موظف فقط، بحسب تقديرات الاتحاد السويسري لأرباب العملرابط خارجي (UPS).  ولمعالجة هذا الأمر، يعتقد رئيس الاتحاد السويسري لأرباب العمل، فالانتان فوغت، أنَّ على النساء العاملات زيادة معدل ساعات العمل…

طالع المزيدلماذا تضطر السويسريات للعمل بدوام جزئي؟

يأمل الحزب الاشتراكي أن تحدث الوزيرة الأم فرقًا إذا حصل ما هو في الحسبان. وهذا لا يُمكن أن يؤدي فقط إلى إعادة تنظيم الوظيفة بطريقة تجعلها متوافقة مع الحياة الخاصة – على سبيل المثال عن طريق زيادة عدد أعضاء الحكومة الفدرالية أو إعادة توزيع إدارات معينة – والمساهمة في النظر بشكل أفضل في هذه المواضيع، التي تعتقد سابين كرادولفر أن «الرجال في الحكومة الفدرالية لم يعالجوها”. ومع ذلك، تدعو الخبيرة إلى توخي الحذر حتى لا يوضع الحمل الثقيل لهذه القضايا على كاهل امرأة ثم اتخاذها كرمز، كما حصل من قبل مع أول امرأة خاضت غمار السياسة.

المزيد

نقاش
يدير/ تدير الحوار: بولين توروبان

هل يجب التدخل لتشجيع النساء على الانخراط في السياسة وكيف؟

ما رأيك في التدابير الفعالة مثل الحصص أو التمييز الإيجابي لضمان تمثيل أكثر مساواة بين الجنسين؟

13 تعليق
عرض المناقشة

تحرير: سامويل جابيرغ

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية