“آمل أن تستفيد البلدان العربية من تجربة المملكة العربية السعودية”
مع تعاظم أهمية وفائدة زرع الخلايا والنسج والأعضاء البشرية لعلاج طائفة عريضة من الاعتلالات في البلدان الغنية وحتى محدودة الدخل، وترافق ذلك مع ظواهر سلبية وخطيرة ناجمة عن التماس المكاسب المالية من صفقات الإتجار بالأعضاء البشرية، واستغلال طائفة عريضة من الفقراء وضعاف الحال، بادرت منظمة الصحة العالمية ومنذ سنوات بالدعوة إلى احترام الكرامة البشرية والدفاع عن حقوق الإنسان الاساسية.
ولتطوير الجوانب الحيوية الإيجابية لعمليات زراعة الأعضاء، ومكافحة الجوانب السلبية منها كالإتجار بالبشر، وتحقيق الكسب المادي على حساب الكرامة البشرية، وضعت منظمة الصحة العالمية مبادئ توجيهية دعت جميع الاطراف الدولية إلى الإلتزام بها، وتنفيذها.
ولمزيد الإطلاع على جهود منظمة الصحة العالمية في هذا الميدان، أجرت swissinfo.ch هذا الحوار مع لوك نوال، المكلّف بمتابعة ملفّ زراعة الأعضاء بمنظمة الصحّة العالمية بمقرّها الرئيسي بجنيف، وهو طبيب مختص في الإجراءات السريرية المخبرية.
swissinfo.ch: اقترحت منظمة الصحة العالمية، خطة دولية في مجال زراعة الأعضاء. هل يمكن أن تقدّموا لنا ملامح هذه الخطة بشكل مختصر؟
لوك نوال: زراعة الأعضاء الآن أصبحت جزءً لا يتجزّأ من الرعاية والخدمات الصحية، وهي حقل يتطوّر ويتوسّع بسرعة، ولا بديل عن ذلك إلى حدّ الآن. هذه الممارسة الطبية قادرة على إنقاذ حياة اعداد كبيرة من البشر، وعلى التمديد في حياة آخرين. لهذه الزراعة القدرة كذلك على تعزيز عمل ووظائف بعض الأعضاء التي تعطّل عملها، مثلا من خلال زراعة القرنية، وهي من اكثر الجراحات انتشارا ونجاحا، ومع تطوّر الأنظمة الصحية لابد ان تخضع زراعة الأعضاء إلى عملية تنظيم وتخطيط من طرف السلطات المعنية على المستويين الدولي والوطني، ومنظمة الصحة العالمية تقوم بدور كبير على هذا المستوى.
المزيد
معدّلات زراعة الأعضاء تختلف حسب المناطق
في عمليات زراعة الأعضاء، العثور على المتبرّع المناسب يعدّ من عوامل النجاح الرئيسية. ما هي استراتيجيتكم كمنسق عام على مستوى هذه المنظمة الدولية لسدّ النقص في مجال المتبرّعين؟
لوك نوال: كما هو واضح من سؤالكم، المشكلة ليست في العمليات في حدّ ذاتها، بل في الحصول على الأعضاء التي سوف تتم زراعتها. والذي يهمّ منظمة الصحة العالمية في هذا المستوى هو ضمان الإلتزام بالنقاط التوجيهية التي وضعتها المنظمة نفسها وصادقت عليها في الدورة الثالثة والستين للجمعية الصحية العالمية في جنيف، والمتعلّقة بشروط وبتنظيم عملية التبرّع. لقد انتهت تلك الجمعية إلى إقرار وثيقة صودق عليها بالإجماع من ممثلي البلدان الأعضاء. والحيوي في المسألة هنا هو أن هذه النقاط التوجيهية ملزمة للافراد كما هي ملزمة للبلدان وللمجموعات، لأننا جميعا كأفراد يمكن أن نكون في حاجة إلى اعضاء، كما يمكن ان نكون متبرّعين محتملين، والروح التي سادت تلك الوثيقة هي روح التضامن والتعاون. كذلك الحاجة إلى التقدّم في الإستجابة لمتطلبات المرضى، والعملية العلاجية دفعت منظمة الصحة العالمية إلى تطوير استراتيجية تقوم على اجتهاد كل بلد عضو من اجل تحقيق الإكتفاء الذاتي في هذا المجال، وهنا لابدّ من الإشارة إلى ثلاث نقاط: أوّلا: الإكتفاء الذاتي هنا يتحقق بتوفير جميع احتياجات المرضى من السكان المحليين، ومن المقيمين الأجانب في البلد. وثانيا، أن الحكومات في تلك البلدان مسؤولة على المحاسبة والضبط والتدقيق في عمليات التبرّع والزراعة، وان تكون محترمة للضوابط القانونية والأخلاقية المعتمدة من منظمة الصحة العالمية، وتوفّر مظلّة للتنسيق بين جميع الأطراف المتدخّلة في هذه العملية. وثالثا، التأكد من أن المتبرّع قد فعل ذلك بمحض إرادته، وبعيدا عن أي ضغوط مادية او نفسية أو اجتماعية أو تحت أي تهديد. ونحن في منظمة الصحة العالمية بصدد وضع المعايير التي تميّز بين “التصرّف الإرادي” و”التصرّف غير الإرادي”. ولكن النصوص النافذة حاليا تؤكّد على ان هذا القرار يجب ان يكون مستقلا، وبمحض الإرادة.
لتجاوز هذا النقص، هل تقوم منظمة الصحة العالمية بتدريب فرق على التواصل مع الجمهور وإقناعه بضرورة التبرّع لإنقاذ حياة الآخرين؟
لوك نوال: الجواب بنعم ولا. تدريب فرق متخصصين ليس من اختصاص منظمة الصحة العالمية، وهذه المنظمة موجودة لتوجيه النصح للحكومات، من أجل تسهيل هذا التدريب المهني والتقني عبر وضع الأشخاص العاملين في نفس المجال في علاقة تعاون بين بعضهم البعض. ولهذا السبب نحن على علاقة وثيقة بالمجتمعات العلمية والفنية، وتربطنا بها علاقات رسمية. وسوف تلتحق الاسبوع القادم بالهيئة التنفيذية للمنظمة الدولية الشبكة الدولية لزراعة الأعضاء. ونتعاون كذلك مع البنك الدولي Allied Bank Online، ونعمل ايضا على تسهيل التبادل والتعاون بين المجتمعات العلمية العاملة على الساحة الدولية والجمعيات الناشطة في ميدان زراعة الاعضاء. فإن كنا إذن لا نقوم نحن بهذا التدريب، فإننا نقدّم التسهيلات اللازمة للقيام به من اطراف اخرى على أكمل وجه.
الدكتور لوك نوال، المكلّف بمتابعة ملفّ زراعة الأعضاء بمنظمة الصحّة العالمية
ما يقارب من 10% من الأعضاء المزروعة في عام 2010 مصدرها السوق السوداء
من الواضح أن نقص الأعضاء يمثّل مشكلة لهذا النوع من العلاج. هل يمكن أن يشكّل استنساخ الأعضاء أو تغيير الهندسة الوراثية لبعض الكائنات حلا مجديا لهذه المشكلة؟
لوك نوال: هذا بمثابة من يحلم وعيناه مفتوحتان. هناك العديد من الأفكار الأوّلية التي كشفت عنها بحوث علمية حديثة، والتي يمكن أن يأتي يوم تصبح فيه ممكنة، لكن ذلك اليوم لا أظنه سيكون في الغد القريب، ربما بعد عشرين سنة، ربما اكثر. وحتى يحين ذلك الوقت من المهمّ جدا تطوير مصادر مشروعة للتبرّع ولزراعة الأعضاء، لأن الهوّة الكبيرة بين الطلب والعرض، يفتح باب الإتجار في الأعضاء، وأوّل المتضررين من ذلك، خاصة في المجتمعات التي تعاني من التفاوت الإجتماعي هم الفقراء والمهمّشين. هذا الامر يكرّس البعد المادي في هذه العملية التي لا يجب تجريدها من البعد الأخلاقي (التضامن مع الآخرين)، وطبعا يتعارض مع الروح العامة التي تتأسس عليها منظومة حقوق الإنسان.
في أكتوبر 2012، قدم المركز السعودي لزراعة الأعضاء في مناسبة اليوم الخليجي الثالث للتبرع بالأعضاء وزراعتها، عرضا لمنجزات المملكة في مجال برامج زراعة الأعضاء وكان من أبرزها:
عدد الكلى المزروعة بالتبرع بعد الوفاة 2443.
عدد الكلى المزروعة بعد التبرّع من الأحياء 5000.
زراعة 1150 كبدا.
زراعة 220 قلباً وبنتائج ممتازة تضاهي النتائج في المراكز العالمية.
في نفس المناسبة، أشاد مدير المركز ببرنامج تبادل الأعضاء بين دول مجلس التعاون الخليجي حيث بلغ إجمالي الأعضاء المستفاد منها ضمن إطار التعاون ما بين دول مجلس التعاون الخليجي 200 عضواً تضمنت زراعة 90 كبداً و 10 قلوب، و5 رئات و 50 كلية، و43 قلباً تم الإستفادة منها كمصدر للصمامات البشرية.
أي اجراءات أو قواعد وقائية اتخذتها منظمتكم للحد من ظاهرة الإتجار بالبشر، التي تعدّ الوجه المظلم لزراعة الأعضاء؟
لوك نوال: اعتمدنا ثلاث مقاربات في هذا المجال، تتعلّق الخطوة الأولى بوضع إطار قانوني لهذا المجال، فهناك بعض البلدان تفتقد لهذا الإطار مثل الهند، وباكستان، والعديد من البلدان الإفريقية، وحتى الصين، لم تتوفّر على قانون إلا أخيرا. أمّا في العالم العربي، فلدى مصر قانون منظّم للتبرّع ولزراعة الأعضاء، ونحن لا ندّخر جهدا على الرغم من محدودية الإمكانات في العمل من أجل جمع البلدان الأعضاء في المنظمة والتعاون معها جميعا من أجل إيجاد إطار قانوني جامع. الخطوة الثانية، تهدف إلى التأكّد من امتلاك الحكومات، التي يوجد في بلدانها إطار قانوني، إرادة سياسية كافية لتفعيل ذلك الإطار القانوني، وتنفيذ الإجراءات التي ينصّ عليها. وقد يكون ذلك من خلال تشكيل شرطة صحية لمراقبة بنوك الاعضاء، والتأكّد من سلامة ومشروعية نشاطها، ومن امتلاك كل طرف متدخّل في هذه العملية كل الشروط الفنية والإدارية اللازمة. أما الخطوة الثالثة، فتتمثّل في العمل على دعم وإسناد المؤسسات العاملة في مجال التبرّع بالأعضاء مباشرة بعد الموت، ودفعها إلى اعتماد الخيارات المشروعة والأخلاقية القائمة على مفاهيم التضامن والتعاون الإنساني، بدلا من الإعتماد على الأساليب السهلة، والمتمثلة في الإتجار في الأعضاء، باشترائها بأبخس الأثمان وبيعها أضعافا مضاعفة. وللأسف هناك بعض البلدان في الشرق الاوسط تفعل ذلك، لكن بلدان أخرى في المنطقة، ومنها المملكة العربية السعوديةّ من خلال المركز السعودي لزراعة الأعضاء، فقد اختار العمل القانوني والمشروع، والقائم على مفاهيم التبرّع والإيثار والإخاء.
هناك شخص أحترمه كثيرا، وهو الدكتور مالك حسيني، من شيراز بإيران. هذا الأخير أسّس واحدا من اكبر مراكز زراعة الأعضاء في العالم، وقد طوّر بالتعاون مع السلطات الإيرانية “البرنامج الوطني للتبرّع بالأعضاء بعد الموت”. هذا البرنامج يشهد توسّعا عاما بعد عام، وهو يقدّم الدليل على ان هذه العملية ممكنة في جميع المجتمعات رغم اختلاف الثقافات.
لا تزال زراعة الاعضاء في العالم العربي محاطة بالشكوك، ومحاصرة بالاعتراضات، والبعض من هذه الاعتراضات يجد مبرّره في تأويلات دينية أو في أعراف وتقاليد قبلية أو عائلية. هل لديكم أي برنامج في المنطقة لتذليل هذه العراقيل؟
لوك نوال: لقد بدأنا ذلك فعلا، ومنذ سنوات. نذكر هنا لقاء الكويت، والذي كان من بين توصياته أنه من المهمّ جدا بالنسبة لأي دين، وعلى وجه الخصوص بالنسبة للإسلام، احترام الحق في الحياة والإعلاء من شأنه، والعمل على تمديد هذه الحياة ما أمكن. لكن، ما لوحظ آنذاك أيضا هو غياب النقاش المعمّق لهذه القضايا، واقتصاره على دائرة ضيّقة من الخبراء والعلماء. وما هو حقيقي، فعلا، هو أن المعيق للتقدّم هنا هو التقاليد والأعراف، وليس الدين في حدّ ذاته. السبب هو القصور في المعرفة ومحدودية التعليم. في العالم العربي، نلاحظ مفارقة كبرى بين وضع زراعة الأعضاء المتقدّمة جدا في المملكة العربية السعودية، وغيابها الكامل في بلد مثل الإمارات العربية المتحدة.
استنادا إلى تجربتكم الطويلة في هذا المجال، كيف تنظرون إلى مستقبل التبرّع وزراعة الأعضاء في العالم عامة وفي العالم العربي خاصة؟
لوك نوال: أعتقد أن هذا المجال مقبل على تطوّرات كبيرة، وهناك حاجة انسانية ملحّة لذلك. ويجب التذكير ان زراعة الأعضاء من العمليات العلاجية الأقلّ تكلفة، ولو لم يكن هذا النوع من العمليات متاحا، لرأينا ارتفاعا كبيرا في عدد العميان في العالم مثلا. انا متفائل جدا بالمستقبل، وآمل ان يطوّر المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في الشرق الأوسط خططه وبرامجه في هذا المجال. آمل ان تستفيد البلدان العربية من تجربة المملكة العربية السعودية. ومأسف أن نرى بلدا مثل الإمارات العربية المتحدة، رغم الإمكانات الهائلة التي لديها، لا تمتلك أي برنامج لزراعة الأعضاء، ونحن في القرن الواحد والعشرين.
وعيا من منظمة الصحة العالمية بكثافة نقل الخلايا والنسج عبر الحدود لزراعتها، وإحساسا منها بالحاجة إلى ترصّد ردات الفعل المرتبطة بعملية التبرّع، أقرّت جمعية الصحة العالمية في دورتها الثالثة والستين، النقاط التوجيهية التالية:
تشجيع تطوير النظم الخاصة بالتبرّع الطوعي المجاني والإيثاري بالخلايا والنسج والاعضاء، في حد ذاته، وزيادة وعي الناس وفهمهم للمزايا الناجمة عن التطوّع بدون مقابل بخلايا ونسج وأعضاء المتبرعين الاموات والأحياء، بدلا من تعريض الأشخاص والمجتمعات المحلية للمخاطر البدنية والنفسية والاجتماعية الناجمة عن الإتجار بالمواد البشرية المنشأ وسياحة زرع الأعضاء.
معارضة البحث عن المكاسب المالية والمزايا المشابهة لها من الصفقات التي تتعلّق بأجزاء من الجسم البشري والإتجار بالأعضاء وسياحة زرع الأعضاء.
تشجيع قيام نظام لتخصيص الأعضاء والخلايا والنسج على نحو شفاف وعادل، وذلك بالإستهداء بالمعايير السريرية والقواعد الاخلاقية فضلا عن تعزيز تكافؤ فرص الحصول على خدمات الزرع وفقا للقدرات الوطنية لأنه أساس دعم الجماهير للتبرّع الطوعي.
تحسين مأمونية ونجاعة التبرّع والزرع، وذلك بتعزيز أفضل الممارسات الدولية.
تعزيز السلطات و/ أو القدرات الوطنية والمتعددة الجنسيات من اجل مراقبة وتنظيم وتنسيق أنشطة التبرّع والزرع، مع التفطّن بصفة خاصة إلى تحقيق اقصى منح من المتبرعين الاموات، وإلى حماية صحّة ومعافاة المتبرعين الأحياء بتقديم خدمات الرعاية الصحية الملائمة وتامين المتابعة الطويلة الاجل.
التعاون على جمع البيانات ولاسيما عن الأحداث الضائرة وردات الفعل بشان ممارسات التبرّع والزرع وسلامتها وجودتها ونجاعتها واوبئتها واخلاقياتها.
تشجيع استخدام نظم التشفير المتسقة دوليا للخلايا والنسج والاعضاء البشري حتى يسهل التتبع الوطني والدولي للمواد البشرية المنشأ المخصصة للزرع.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.