“التنوّع والتعدد لا يُهدّدان التعايش داخل السجون السويسرية”
ما يزيد عن 6978 شخصا، كانوا في السجون السويسرية نهاية 2012، منهم 73.8% من أصول أجنبية، وكثير منهم مسلمون، وقد ظلت هذه النسبة الكبيرة مستقرة ولم تتغيّر منذ 2004.
رغم ذلك، أقرّت دراسة أنجزها الصندوق الوطني للبحث العلمي حول “المجموعات الدينية والدولة والمجتمع” بأن التعدّد الثقافي والديني المستجدّ في السجون السويسرية “لا يشكّل مصدرا للتوتّر ولا يهدد التعايش بين نزلاء هذه السجون”.
وفي حوار مع swissinfo.ch، تقول مالّوري شنويلي بوردي، الباحثة ضمن المجموعة التي أنجزت دراسة “الرهانات الاجتماعية للتعدّد الديني في السجون السويسرية”: “إن المؤسسات العقابية الكبرى والرئيسية في سويسرا بصدد امتلاك الخبرة والمعرفة اللازمتيْن لإدارة التعدّد الثقافي والديني داخلها”. أمّا الوضع داخل المؤسسات الصغرى، فقد يكون مختلفا.
وتضيف بوردي: “هناك القليل جدا من حالات النزاع ذات الخلفية الثقافية أو الدينية، وتقوم المؤسسات العقابية بفك ألغامها رويدا رويدا عبر البحث عن حلول عملية حالة بحالة”.
ولكن من الواضح أنه عندما يتعلّق الأمر بالسجناء المسلمين، فإن الوضع يُصبح أكثر صعوبة، فهذه المجموعة لديها واجبات وطقوس دينية تختلف في توقيتها وكيفية أدائها عن النظام الإداري المعتمد في سويسرا (أوقات الصلوات، نظام وجبات الأكل في رمضان،…)، وهذا يتطلّب مثلما تقول بوردي “البحث عن حلول وسطى بإستمرار، وهو ما تفعله إدارات السجون التي هي في حوار دائم مع مرشدين دينيين مسلمين متطوّعين، وليسوا أئمّة بالمعنى الدقيق للكلمة”.
المزيد
رجالٌ خلف القضبان
الحاجة إلى التعرّف على الأديان والثقافات الأخرى
مع ذلك أكّدت هذه الدراسة التي أنجزت في إطار برنامج البحوث الوطني (PNR 58) بأن السجناء المسلمين يعانون من الأفكار المُسبقة، وأنهم ضحايا للصور النمطية التي ترّوج لها وسائل الإعلام وبعض الأحزاب السياسية، كما أن بعض هذه الأفكار السلبية تجد لها صدى لدى بعض المسؤولين في المؤسسات العقابية.
وإذا كان الدستور السويسري، والقوانين النافذة تضمن الحرية الدينية، فإن الممارسة اليومية بحسب رأي مرشديْن دينييْن مسلميْن يزوران السجون السويسرية باستمرار، تحدّثت إليهما swissinfo.ch تبرز عمق المعاناة والتضييقات التي عادة ما تواجه السجناء المسلمين، لكنها لا تصل بحسب بوردي إلى حد “التعذيب أو الإساءة البدنية”.
وتقول الباحثة السويسرية: “الأفكار المسبقة والصور النمطية المتداولة في المجتمع تخترق أسوار السجون كذلك. وخلال البحث الذي قمنا به، كنّا عندما نتحاور مع حرّاس السجون، كانوا يتحدثون بسلبية عن الأفارقة، وعن أصحاب البشرة السوداء، وعن العرب،…كمجموعات بعينها مستخدمين في وصفها تصنيفات إثنية وعرقية. ويقولون عن المسلمين مثلا إنهم كسالى، ومتطرّفون، ومتديّنون حتى النخاع، وعنيفون،…على الرغم من أنه لم ينسب لأي واحد منهم حادثة عنف في السجون، أو على الأقل لا يتمايزون في ذلك عن غيرهم، لكن وجود هؤلاء في السجون في حدّ ذاته يُضفي نوعا من المصداقية على تلك الافكار”.
وإزاء هذا الوضع، أوصت المجموعة البحثية بضرورة حصول جميع الموظفين العاملين في المؤسسات العقابية على الحد الأدنى من التكوين بشأن الثقافات والأديان الأجنبية. وخلال السنتيْن الاخيرتيْن، سجّلت بوردي بارتياح قيام العديد من المبادرات في هذا المجال، حيث “انطلق برنامج دراسي على مستوى الماجستير بجامعة برن مخصّص للمرشدين الدينيين العاملين في السجون، وفي كلية اللاهوت بنوشاتيل، هناك برنامج آخر لتكوين المساعدين الروحانيين بالمعنى الواسع للكلمة،…ومنذ فترة لابأس بها ينظّم مركز تكوين الموظفين العاملين في المؤسسات العقابية بفريبورغ (CSFPP) مقررات دراسية حول الثقافات والأديان الأجنبية، من بينها مقرر حول الإسلام، يشتمل على أبواب تتعلّق بالواجبات الدينية من صلاة، وصيام، والوجبات الحلال،…”، مثلما تقول الباحثة مالّوري شنويلي بوردي.
ويبدو أن هذا الصنف من التكوين أضحى ضروريا اليوم لكل عامل في مجال السجون، ليس فقط ضمانا لإحترام الحقوق الثقافية للسجناء واحترام حرياتهم الدينية، بل كذلك لتحسين الأداء الوظيفي، ولمنع الإستخدام السيّء لهذه الحقوق من أجل الحصول على منافع ومكاسب غير قانونية، لمجرد أن الحارس أو العون المسؤول يجهل مقتضيات صلاة الجمعة أو متطلبات الصيام، أو غيرها من الواجبات الدينية.
ظلّ عدد المحاكمين في المحاكم السويسرية بمقتضى القانون الجنائي مستقرا على حاله تقريبا حتى عام 2001، بل شهد تراجعا طفيفا على مستوى السكان المحليين.
منذ 2002 وحتى 2004، سُجّلت زيادة كبيرة في عدد المُحاكمين، ولوحظت هذه الزيادة حتى على مستوى السكان المحليين (نحو 28.000 مُحاكم في السنة).
ظل التعدي على الملكية الخاصة أحد أكثر المخالفات ارتكابا، لكن العنف الجسدي أصبح في السنوات الاخيرة السبب الأوّل للمحاكمات.
في عام 2012، كان عدد السجون السويسرية المفتوحة الأبواب 109 سجنا، وعدد السجناء 6.978 نسمة، 73.8% منهم من الأجانب، اما عدد الأماكن المحجوزة فقد فاق 94.6%.
تثمين خدمة المرافقة الروحية
من التوصيات المهمّة التي توقّفت عندها كثيرا دراسة “الرهانات الاجتماعية للتعدد الديني في السجون السويسرية” ضرورة منح خدمة المرافقة الدينية القيمة الكبيرة التي تستحقها، حيث أظهرت الدور الحيوي والمهم لهذه المرافقة في مساعدة السجين على تحمّل مصاعب الفترة العقابية، والسماح له ببناء روابط اجتماعية “عادية” مع محيطه الضيّق، وإشعاره بأن له هوية ثقافية. في نفس الوقت، تمثّل هذه الخدمة عين المجتمع الرقيبة على المؤسسات العقابية وما يجري خلف جدرانها وأبوابها المُوصدة بإحكام .
في المقابل، يرى محمّد بتبوت، وهو مرشد ديني متطوع يؤم السجناء أيام الجمعة في سجن “بيلشاس” Bellechasse بكانتون فريبورغ أن غياب قانون ينظّم هذه الخدمة “جعل كل مؤسسة سجنية حرة في اتخاذ القرار الذي يناسبها في التعامل مع هذه المسألة، وحوّل كل مبادرة انفتاح في هذا المجال إلى منّة تتباهى بها المؤسسات العقابية”.
من جهة أخرى، فتح هذا الفراغ الباب على مصراعيه لعدم المعاملة بالمثل بين مختلف المجموعات والأديان، وهو ما تشدّد عيه الباحثة السويسرية التي تشير إلى أنه “في الوقت الذي يتمتّع فيه المُرافق الديني المسيحي بوظيفة قارة، ولديه مكتب داخل المؤسسة العقابية وخارجها، ويتسّلم مفتاح السجن للدخول والخروج متى أراد، ويدخل إلى العنابر دون تفتيش أو استجواب، ويحصل على منح شهرية من الكنيسة التي يعود إليها بالنظر” فإن المرافق الروحي المسلم “يخضع إلى ضوابط دقيقة، فلا يسمح له بالدخول إلى المؤسسة سوى مرة واحدة في الاسبوع أو في الأسبوعيْن، ولا بدّ أن يكون تحت رقابة أحد حراس السجن، ولا يسمح له بالمكوث مع السجناء يوم الجمعة سوى 45 دقيقة، ويُنزع منه خلال زيارته ساعته وهاتفه النقال، ولا يحق له الإتصال بأولياء السجين في الخارج، أو الحديث عن انفراد لأي من السجناء”، مثلما تقول الباحثة.
أخيرا، تخلص مالّوري شنويلي بوردي إلى أنه “لابد من إدخال تحسينات على هذا الوضع، ولابد من الإعتراف بالدور الإجتماعي والروحي لهؤلاء المرشدين”، إلا أنه من العسير أن يحدث ذلك في وقت قريب في ظل عدم التوصل بعدُ إلى حل تشريعي وعملي يُتيح الإعتراف بالإسلام كديانة رسمية على مستوى الكانتونات والكنفدرالية.
لفتت التحولات الدينية التي شهدها المجتمع السويسري خلال العقدين الأخيرين الأنظار إلى المسألة الدينية والتأثير الكبير الذي يمكن أن تتركه على الساحتين السياسية والاجتماعية في البلاد.
ومنذ سنوات باتت قضايا مثل بناء المآذن والمعابد البوذية والدروس الدينية في المدارس الرسمية تثير جدلا واسعا في الأوساط السويسرية حتى أصبح السؤال المركزي الذي يشغل الهيئات الحكومية والأحزاب السياسية: كيف يمكن تحقيق إندماج هذه الأقليات الدينية الوافدة إلى البلاد حديثا؟ وكيف يمكن ضمان التعايش السلمي بين مختلف الأديان، وبين المتدينين وغير المتدينين؟ وما طبيعة الموقف الذي يجب أن تلتزم به الدولة في مجتمع تعددي؟
للإجابة على هذه الأسئلة، أقرت الحكومة الفدرالية في شهر ديسمبر 2005 برنامج البحوث الوطنية “PNR 58” تحت عنوان “الأديان في سويسرا” وخصصت له ميزانية قدرها 10 ملايين فرنك.
وقد تم تخصيص ثلاث سنوات لإنجاز هذه البحوث التي رصدت لها ثلاثة أهداف تشمل: رصد وقياس التغيرات التي طرأت على ظاهرة الدين على المستويين الفردي والجماعي، وتوفير معطيات واضحة يتم في ضوءها صياغة ساسات مدروسة في المجالين الديني والتكويني، وأخيرا اقتراح سبل لتشجيع قيم التعايش بين أتباع الأديان المختلفة أو بين المتدينين وغيرهم.
في نهاية المطاف، اشتمل هذا المشروع على 28 دراسة علمية يقوم على إنجازها جامعيون وخبراء من اختصاصات متعددة تشتمل على علماء إجتماع الأديان وعلماء إجتماع التاريخ وعلم اللاهوت والإسلاميات والعلوم السياسية،…. وقد بدأت النتائج الأولية لهذه البحوث في الظهور.
ضمن هذا البرنامج إهتم فريق من الباحثين بدراسة “التعدد الديني في السجون السويسرية“، والجهود المبذولة لضمان احترام الحريات الدينية للسجناء فيها. وبينت الدراسة أن القواعد المعمول بها في المؤسسات العقابية تختلف من مؤسسة إلى أخرى، وأن كل واحدة منها تجتهد بطريقتها، وتختلف في درجة انفتاحها وتيسيرها لعمل المرافقة الروحية بالنسبة لأتباع الأديان المختلفة، وإن كانت الأديان المعترف بها في سويسرا (الكاثوليكية والبروتستانتية واليهودية) تحظى بمساعدة وتسهيلات أكثر من بقية الأديان.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.