
تحليل-احتجاجات الشباب في المغرب تكشف خللا في النهج الاقتصادي

من أحمد الجشتيمي ألكسندر جاديش
الرباط/القاهرة (رويترز) – كشفت الاحتجاجات التي قادها الشباب في المغرب وانتشرت في أنحاء البلاد الأسبوع الماضي عن غضب يضرب بجذوره وراء العناوين البراقة لمشاريع البنية التحتية الطموحة والملاعب الرياضية الحديثة التي افتتحت قبل نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2030.
وتحولت الاحتجاجات التي شهدتها مدن كبرى، مستلهمة من اضطرابات مماثلة في نيبال ومدغشقر وبيرو، إلى أعمال شغب في البلدات القروية والمدن النائية. وقُتل ثلاثة أشخاص بطلقات نارية أثناء محاولتهم اقتحام مقر أمني وألقي القبض على أكثر من 400 شخص قبل أن تنحسر أعمال العنف.
وهذه القلاقل هي الأوسع نطاقا منذ احتجاجات الربيع العربي عام 2011 التي دفعت الملك محمد السادس إلى نقل بعض صلاحياته إلى البرلمان. وهي الأعنف أيضا منذ احتجاجات خرجت عام 2016 في منطقة الريف.
وتكشف الاحتجاجات عن تحد تواجهه السلطات بينما تحاول الحفاظ على الانضباط العام ووتيرة التنمية الاقتصادية مع صقل صورة المغرب عالميا قبل نهائيات كأس العالم التي ستستضيفها البلاد بالاشتراك مع إسبانيا والبرتغال.
* دعوات لتحسين الرعاية الصحية والتعليم
امتاز المغرب عن غيره من الاقتصادات العربية غير النفطية بضخ المليارات في الطرق والسكك الحديدية والموانئ والطاقة المتجددة والتصنيع.
ووفقا للمندوبية السامية للتخطيط، انخفض معدل الفقر إلى النصف تقريبا وصارت مستويات المعيشة في مناطق من الساحل الشمالي الغربي تضاهي نظيرتها في أوروبا.
ويتوقع بنك المغرب المركزي في بياناته نمو الناتج المحلي الإجمالي 4.6 بالمئة هذا العام من 3.8 بالمئة العام الماضي. ورفعت وكالة ستاندرد اند بورز الشهر الماضي التصنيف الائتماني للمغرب، أحد أكثر الاقتصادات تنوعا في أفريقيا، لدرجة تعيده إلى فئة درجة الاستثمار.
لكن المحتجين يشكون من أن ثمار الازدهار لم تصل للجميع بشكل عادل. وتتلخص مطالبهم الرئيسية في تحسين الرعاية الصحية والتعليم، وكثيرا ما يعقدون مقارنات بين الأوضاع العامة والوتيرة السريعة للاستعدادات للبطولة.
وتردد صدى شعار “لا نريد كأس العالم. الصحة أولا” في مستشفى في مدينة أكادير الساحلية الجنوبية الشهر الماضي بعد وفاة ثماني نساء هناك أثناء الولادة.
وقال ناجي عشوي طالب الطب البالغ من العمر 24 عاما والذي انضم إلى مظاهرة أمام البرلمان المغربي في الرباط إن ما دفعه إلى ذلك هو عمله في غرفة طوارئ تفتقر إلى المعدات الأساسية مثل جهاز للأشعة المقطعية. وقال “أرى الناس تعاني يوميا بسبب الأوضاع المزرية للمستشفيات العمومية”.
وخلص بحث أجراه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى أن ربع المغاربة الذين تتراوح أعمارهم من 15 إلى 24 عاما لا يتلقون التعليم أو العمل أو التدريب.
وأشارت جيهان رطمة (19 عاما) والتي تدرس إدارة الأعمال في مدينة سلا بالقرب من الرباط إلى أوجه قصور في نظام التعليم. وقالت “نحن نرفض العنف، فكل من الشباب الذي يحتجون سلميا والآخرون الذين نفذوا أعمال شغب كلهم ضحايا للسياسات العمومية”.
* حشد المحتجين عبر الإنترنت
تشير ردود الفعل على الاحتجاجات إلى أن المسؤولين أخطأوا التقدير في البداية إذ بادروا بحظر التجمعات وأحبطت الشرطة محاولات للتجمع.
وحين قررت السلطات التواصل مع المحتجين كانت مئات السيارات وعشرات المباني، ومنها بنوك ومركز للشرطة، تعرضت للنهب أو الحرق.
وقال محمد أكضيض، وهو مسؤول شرطة متقاعد، لرويترز “لقد دفنت الحكومة والبرلمانيون رؤوسهم في الرمل، وتركوا قوات الأمن تدبر نتائج فشل السياسات العمومية”.
وزاد الارتباك على الأرجح بسبب الطابع المجهول للمجموعة التي تطلق على نفسها اسم (جيل زد 212)، في إشارة إلى جيل الشباب ورمز الاتصال الهاتفي في المغرب. وحشدت المجموعة المحتجين عبر الإنترنت باستخدام تطبيق الألعاب ديسكورد، وكذلك منصتي تيك توك وإنستجرام.
وزاد عدد المتابعين للمجموعة على ديسكورد من ثلاثة آلاف إلى 188 ألفا خلال أسبوع واحد فقط.
* الضغط على المناطق الريفية
اتخذت الاحتجاجات منحى عنيفا على نحو خاص في مناطق قروية مثل آيت عميرة، وهي بلدة زراعية في منطقة تعتبر السلة الغذائية للمغرب.
وزاد عدد سكان هذه البلدة على مدى ثلاثة عقود بأكثر من أربعة أمثال من 25 ألف نسمة إلى نحو 113 ألفا مع تدفق عمال موسميين للعمل في مزارع قريبة.
ولم تواكب الخدمات العامة هذا النمو الديموجرافي الكبير. فالبطالة منتشرة والبناء غير القانوني يزداد أيضا. وحتى اللغة تغيرت لتصبح العامية المغربية أكثر استعمالا من اللغة الأمازيغية في المنطقة.
وقال خالد ألعيوض الباحث في علم الاجتماع والناشط “آيت عميرة تعيش فوق براميل قابلة للانفجار”.
ويصاحب هذه المشكلات فقدان عميق للثقة في السياسة التقليدية. ووفقا لاستطلاع أجراه المعهد المغربي لتحليل السياسات، وهو مركز أبحاث، انخفضت الثقة في الأحزاب السياسية إلى 33 بالمئة في عام 2023 من 50 بالمئة في العام السابق.
ومنذ أن هدأت أعمال العنف، يستخدم المسؤولون لهجة تصالحية. وأقر وزير التشغيل يونس السكوري “بصدق” مطالب المحتجين، في حين قال رئيس الوزراء عزيز أخنوش، الذي طالب كثير من المحتجين باستقالته، إن الحوار هو السبيل الوحيد للمضي قدما.
ويترقب كثيرون ما سيقوله الملك في خطابه عند افتتاح البرلمان هذا الشهر. وابتعد المحتجون عن خطوط حمراء منها النظام الملكي.
واقتبست مجموعة (جيل زد 212) في أحد بياناتها مقولة خلال خطاب للملك في عام 2017 حذر فيه المسؤولين قائلا “إما أن تقوموا بمهامكم كاملة، وإما أن تنسحبوا”.
(إعداد مروة غريب ومحمد علي فرج للنشرة العربية- تحرير محمود رضا مراد)