في غزة فلسطينيون بدأوا بإعادة تأهيل قصر الباشا التاريخي المتضرّر من الحرب
يعمل عمّال فلسطينيون مستعينين بأيديهم وبأوعية بلاستيكية على إزالة الرمال وبقايا الجصّ المتفتّت داخل قصر الباشا التاريخي في مدينة غزة الذي تضرّر إلى حدّ كبير خلال العامين المنصرمين بفعل القصف الإسرائيلي.
وارتدى نحو اثني عشر عاملا سترات فوسفورية أثناء إزالة الركام من محيط متحف القصر الذي يقال إنه استضاف يوما نابوليون بونابرت خلال ليلة امضاها في غزة، مكدّسين الحجارة القابلة لإعادة الاستخدام في كومة، والركام الذي لا يصلح لذلك في كومة أخرى.
فوق رؤوسهم، كانت طائرة استطلاع إسرائيلية تُحلّق فيما الفريق يواصل عمله بصمت.
ويقول الخبير في التراث الثقافي والمشرف على أعمال الترميم حمودة الدحدار لوكالة فرانس برس “يُعدّ متحف قصر الباشا من أبرز المواقع التي دُمّرت خلال الحرب الأخيرة على مدينة غزة”، مشيرا إلى أن أكثر من 70% من مباني القصر دمّرت.
حتى تشرين الأول/أكتوبر 2025، كانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) وثّقت أضرارا في 114 موقعا منذ اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس في قطاع غزة، من بينها قصر الباشا.
ومن بين المواقع المتضرّرة أيضا، دير القديس هيلاريون، أحد أقدم الأديرة في الشرق الأوسط، والجامع العمري الكبير في مدينة غزة.
– “لا توجد مواد بناء” –
ويقول عصام جحا، مدير مركز حفظ التراث الثقافي، وهي منظمة غير ربحية مقرّها بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة مسؤولة عن ترميم القصر، إن المشكلة الرئيسية تكمن في إدخال المواد إلى غزة.
ويضيف جحا لفرانس برس “لم تعد هناك مواد، ونضطر للتعامل مع ما تبقّى من الأنقاض، وجمع الحجارة وفرزها، مع تدخل محدود جدا لتدعيم الموقع”.
وأطبقت الدولة العبرية حصارها على قطاع غزة خلال عامي الحرب، ما تسبّب بأزمة إنسانية كارثية ونقص في المواد الغذائية والأساسية في القطاع الفلسطيني.
بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة أميركيّة حيز التنفيذ في تشرين الأول/أكتوبر، بدأت شاحنات المساعدات بالتدفّق بأعداد أكبر، لكن المنظمات الإنسانية تقول إن جميع المواد التي تدخل غزة يجب أن تخضع لتدقيق أمني إسرائيلي صارم.
ويقول جحا إن وقف إطلاق النار أتاح للعمال استئناف أعمال التنقيب، موضحا أنه “قبل ذلك، كان العمل خطرا للغاية، إذ كان الناس مهدّدين بالطائرات المسيّرة التي كانت تمسح المكان وتطلق النار”.
ويضيف أن ما لا يقل عن 226 موقعا تراثيا وثقافيا تضرّرت خلال الحرب، مشيرا إلى أن هذا الرقم أعلى من تقديرات اليونسكو لأن فرقه في غزة تمكنت من الوصول إلى مواقع إضافية.
ويوضح أن منظمته مرتبطة بشكل غير مباشر بوزارة الآثار التابعة للسلطة الفلسطينية، ومقرّها رام الله.
– “ذاكرة وهوية الشعب الفلسطيني” –
ويقول الدحدار “التراث الثقافي الفلسطيني هو هوية وذاكرة الشعب الفلسطيني”.
ويضيف “قبل الحرب، كان قصر الباشا يضم أكثر من 17 ألف قطعة أثرية، لكن اختفت جميعها بعد اجتياح (الجيش الإسرائيلي) البلدة القديمة” خلال الصيف الماضي، مشيرا إلى أن فريقه تمكّن من استعادة 20 قطعة أثرية تعود للعصور الرومانية والبيزنطية والإسلامية المختلفة.
وتعود جذور تاريخ غزة إلى آلاف السنين، ما يجعل القطاع الفلسطينية مركزا ثمينا لآثار حضارات متعاقبة بينها الكنعانية والمصرية والفارسية واليونانية.
ويقول الدحدار “نقوم بإنقاذ الحجارة الأثرية استعدادا لأعمال الترميم المستقبلية، بالإضافة إلى إنقاذ واستخراج أي قطع أثرية كانت معروضة داخل القصر”.
ومع ارتفاع تلة الركام أمتارا عدّة، بدأ أحد الحرفيين يعمل بعناية على ترميم قطعة حجرية تحمل صليبا يعلوه هلال إسلامي، بينما كان آخر ينفض الغبار عن زخارف حجرية تحمل كتابات عربية.
ويقول الدحدار “نحن لا نتحدث عن مبنى قديم فحسب، بل عن مجموعة من الأبنية التي تعود إلى عصور مختلفة”.
فيد-لبا/أش/جد/لمى/رض